[ALIGN=CENTER]الشاعر الاسباني خوسيه بيرو
ولد خوسيه بيرو سنة 1922, بمدينة صانطاندير بشمال اسبانيا, شاعر ينتمي للجيل الشعري لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية أو ما يطلق عليه النقاد في أسبانيا بجيل 1936 الشعري, قضى أربع سنوات أسيرا بعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها, وهي تجربة وجودية حساسة ستطبع بعمق حياته وشعره, في كتابات خوسيه بيرو يتداخل الوعي الاجتماعي برؤية ذاتية حميمة ومتفردة وهو ما يجعل قصائده شبيهة بعوالم تمارس فيها الذات وعيها وتؤسس مزادتها لتمنح للحياة معنى ووجودا منفلتا يشبه وميض الضوء, وهو حين يحكي تجاربه يكون أقرب الى استعادة نهر لمجراه, لسيرته التي عمقتها الجراح والرؤى في شفافية مهووسة بالتماعات الحروف والكلمات السائلة بقوة بين أحجار الزمن, قال فرانسيسكو أومبرال عن قصائد بيرو: <<هي قصائد منشغلة بالايحاءات قصائد لا تحجب بنيتها المعقدة ضوء الصباح.وتجد اطروحتها دائما خاتمة غنائية لعقدتها>>.
ودون أن يلغي بيرو الجذور الغنائية والحميمية لتجربته الشعرية, وإيغاله العميق في تفاصيل الذات الانسانية, عرف بيرو كيف يطور قصائده باتجاه الملحمية والسردية الشعرية خصوصا في عمله الأخير <<دفتر نيويورك>> حصل خوسيه بيرو على العديد من الجوائز الشعرية, وهو يتصدر منذ أكثر من سنة قائمة الكتب الشعرية الأكثر مبيعا في اسبانيا, من أهم الجوائز التي حصدتها أعماله:
1 - جائزة أدونيس .1947 Adonais
2 - الجائزة الوطنية للشعر 1953 و1999.
3 - جائزة النقد سنتي 1958 و1965.
4 - جائزة مارش 1959.
5 - جائزة أمير استورياس للآداب 1981.
6 - الجائزة الوطنية للآداب 1990.
7 - جائزة سيرفانتس للآداب 1998.
من أهم أعماله الشعرية:
- أرض بدوننا 1947.
- مع الأحجار, مع الريح 1950.
- تماثيل مسجاة.
- ما الذي أعرفه عن نفسي.
- يومية.
- دفتر نيويورك.. وغيرها.
وفيما يلي نقدم لكم واحدا من أهم شعراء أسبانيا, والذي ظل الى الآن محتجبا عن النقل إلى اللغة العربية.
(1)
(اللامبالي)
الآن سنصير سعداء
بعدما لم يعد هنالك ما يؤتمل.
أن تتساقط الأوراق اليابسة
أو أن تولد الأزهار البيضاء
سيّان
أن تلتمع الشمس
أو أن يعزف المطر على الزجاج
أن يكون كل شيء كذبة
أو أن يكون حقيقة
أن يهيمن الربيع الأبدي على الأرض
أو أن تغرب شمس الحياة
سيّان
أن توجد ألحان شاردة
سيّان
لماذا نرغب في الإصغاء إلى الموسيقى
إن لم يكن هنالك ما يستحق الغناء.
(2)
(سيد الخريف)
يأتي ويجلس بيننا
لا أحد يعرف من يكون
ولا لماذا حين يهمس <<غيوم>>
نمتلئ بالخلود.
بكلمات رصينة يتحدث إلينا
وأثناء الحديث تتهاوى
من رأسه أوراق يابسة
تمضي مع الريح وتجيء
نعبث بلحيته الباردة
فيمنحنا ثمارا ويعاود المشي
بخطى متأنية ثابتة
كما لو لم يكن له عمر
ينصرف ملقيا لحيته: وداعا
فنحس الرغبة في البكاء.
(3)
(نوفمبر)
أمام الشاطئ المقفر
أصغي لتساقط المطر
كما لو كنت عائدا
للبكاء على قبري
تخفق الأجنحة (الأمواج)
يشتعل لهيب زبدها
تأسر بين أصابعها
فضة تضيئها.
كل شيء يقع خارج الزمن.
تمضي السحب القاتمة
تبكي الرمال عارية
مثل جسد يقع خارج الزمن
الأعين الآن لا تنظر: هي تحلم
لا تقع عما تبحث عنه
الأشياء توجد في الأمام
لكن روحها خرساء.
انسكب النبيذ من الجرة السماوية
للمغامرة
أواه أيتها الروح
لماذا حلقت بأجنحة ليست لك?
(4)
(وداع البحر)
وإن حاولت لحظة الوداع
أن أحفظك كاملا في فناء عزلتي
وإن رغبت في شرب عينيك اللامتناهيتين
مساءاتك الطويلة والفضية
حركتك الواسعة الرمادية والباردة
أعرف أنني حينما سأعود إلى شطآنك
سنحس أننا مختلفان.
أبدا لن أراك ثانية
بهذي العيون التي تنظر إليك اليوم
رائحة التفاح هاته! من أين تأتي?
أواه يا حلمي! يا بحري!
إصهرني, جردني من جلدي,
من لباسي الفاني!
إنسني على رمالك
ولأكن أنا ابنا زائدا لك
تيار ماء صاف يعود إليك,
إلى ميلاده المالح, إلى أن تحيا حياتك
مثل أشد الأنهار حزنا !
أغصان زبد يانعة
قوارب ناعسة وتائهة...
أطفال يلملمون فضالة عسل الغروب.
العالم, كم هو جديد, طلق وصاف !
يولد كل يوم من أحشاء البحر
يعبر الطرقات التي تطوق روحي
ويركض للتخفي في العتمة
زيت حداد الليل يعود إلى أصله وبدايته.
والآن يجب علي أن أتركك
لأبدأ طريقا آخر!
وإن حاولت لحظة الوداع
أن أحمل معي صورتك أيها البحر;
وإن رغبت أن أنفذ إليك,
أن أثبتك بدقة في أحاسيسي;
وإن بحثت عن سلاسلك
لكي أنكر على نفسي مصيرها
أعرف أن شبكتك الرمادية
ذات الخيوط الدقيقة
ستغدو عاجلا ممزقة
أبدا لن أراك ثانية
بهذي العيون التي تنظر إليك اليوم.
(5)
(ذكرى البحر)
كيف تضطرب تحت الغيوم الرمادية
يا صفيحة دقيقة من معدن الطفولة
كيف يحطم غضبك الشكيمة
يا قلب الغيمة
كيف أراك بعيوني الواهنة
أية صورة لك تلك التي تبدع الحلم
في مهل فليحطمك الهواء المنكسر إلى أجزاء
أنت الذي تحفظ في المرمر المالح
صورا حية تموجها الريح
أنت الذي تحرك في الفجر الناعم
أصوات الروح
أنت الذي تغذي بحليبك المر
ظلال الشطآن, الخطوات المنسية
قلق من أن يكون فوق بطنك الأخضر
قراصنة مجانين.
مضيت تجتاح في ارتعاش
ظلالا أغرقت عيونها في هدوئك
اليوم تبلل ذكراك جبهتي مثل مطر بارد
لو أعود الآن للتجوال عبر شطآنك
لو يصيبني كل شيء بالدوار عبر جسدك
لو يعير جسدك الآن لجسدي أسمالا باردة
لو عاريا , متعبا أكون الآن
فأنا أكثر بنوة لك
لو أن الخريف العائد إلى حضني
يحمل إلي الخبز البارد في منقاره
يا صفيحة دقيقة من معدن الطفولة
كل منسي سيبقى كاملا :
سياط, حبال بها كنت تجلدني
رياح تجأر
كل شيء سيغدو من جديد جميلا
رغم أن مخالبك ستخدش جسدي
رغم أن صباحاتك ستكون شموسها
أشد سوادا أثناء رجوعك.
(6)
(الوصول إلى البحر)
حينما غادرتك,
قطعت على نفسي وعدا بأن أعود
وعدت, تشق قدماي بلورك الصافي
كأنما ذلك تعميق للبدايات
كأنما هو انتشاء بالحياة
الإحساس بالنمو الأكثر عمقا
لشجرة ذات أوراق صفراء
والجنون بطعم فاكهتها الزاهية
كأنه الإحساس بالأيدي مزهرة
وهي تلامس الفرح.
كأنه الإصغاء للنغمة الحادة
للرواه والنسيم.
حينما غادرتك,
قطعت على نفسي وعدا بأن أعود
كان الفصل خريفا , وفي الخريف
وصلت مرة أخرى إلى شطآنك
(من تموجاتك يولد الخريف
كل يوم أكثر جمالا )
والآن إذ أفكر فيك
بشكل مستديم, إذ أومن...
(الجبال التي تحتضنك
بها نيران مشتعلة)
والآن إذ أشتهي التحدث إليك
إشباع ذاتي من فرحك
(إنما أنت عصفور من ضباب
ينقر خدي).
والآن إذ أشتهي أن أمنحك
كل دمي, إذ أشتهي...
(ما أجمل أن أموت في حضنك أيها البحر
حينما تغدو حياتي لا تحتمل).
(7)
(أرض بدوننا)
فليخفق العالم حول ذاته
في ألم!
يبدو العالم كما لو أنه يصحو
من الحلم, أكثر جمالا من ذي قبل.
الحجر اليوم أشد تحجرا
معدني أصم.
الغيمة اليوم ليست تلك التي
كنا نرى,
هي أكثر غرابة وغموضا
أشد تكونا من أدخنة نائية
وضئيلة لنار مشتعلة
تعدو الريح, ريح الجنوب المبحوحة
المتوحشة والعارية
يعدو المهر المجنون,
فتحركك حوافرهما العطرة
كل الخليقة المشرعة أمام عيني.
يمضي الضوء مع الضوء
وشجر الحور الأسود
مع شجر الحور الأسود
والطائر مع الطائر
وحدي أنا أوجد وحيدا .
الماء هنا راكد
وأنا أطل على الماء.
أرى نفسي منعكسا في العمق
كما هو الحال دائما .
يسألني الماء عنهم
وأنا لا أجيب
(لا أريد أن يعرف
كيف انتهى كل شيء)
فيخفق العالم حول ذاته
في ألم!
في كل جدار, في كل انعكاس للضوء
في كل قلب صيف أحمر,
يسأل الواحد,
عتاب أصم.
ليس زمني هو الذي يأتي إلي .
العودة أنا من يبادر بها
واليأس يغمر أعيني المتعبة
التي تحاول أن تغدو جارحة
لعمق الأشياء,
أن ترى ذاتها في الجذع
الصافي للنهر ذاته مرتين.
الأرض بدوننا!
كم تبدو قدمي متعبة!
ما أشد إيلام سيولة الزمن النابض
النازف دفقات !
تبدو الأشياء اليوم أشد وهمية
مثل أشكال مخلوقات من كوكب
آخر يحيا بدوننا:
ماء ينعكس ساكنا في عمقه
وعاء يحتويني,
مرآة لا ألامسها,
ألم يكن يجب علي أن أرى ذاتي
أنا الآخر محطما
وحينها, أجل يا إلهي
سأحس إنني وحيد !
للموضوع بقية
[/ALIGN]
ولد خوسيه بيرو سنة 1922, بمدينة صانطاندير بشمال اسبانيا, شاعر ينتمي للجيل الشعري لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية أو ما يطلق عليه النقاد في أسبانيا بجيل 1936 الشعري, قضى أربع سنوات أسيرا بعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها, وهي تجربة وجودية حساسة ستطبع بعمق حياته وشعره, في كتابات خوسيه بيرو يتداخل الوعي الاجتماعي برؤية ذاتية حميمة ومتفردة وهو ما يجعل قصائده شبيهة بعوالم تمارس فيها الذات وعيها وتؤسس مزادتها لتمنح للحياة معنى ووجودا منفلتا يشبه وميض الضوء, وهو حين يحكي تجاربه يكون أقرب الى استعادة نهر لمجراه, لسيرته التي عمقتها الجراح والرؤى في شفافية مهووسة بالتماعات الحروف والكلمات السائلة بقوة بين أحجار الزمن, قال فرانسيسكو أومبرال عن قصائد بيرو: <<هي قصائد منشغلة بالايحاءات قصائد لا تحجب بنيتها المعقدة ضوء الصباح.وتجد اطروحتها دائما خاتمة غنائية لعقدتها>>.
ودون أن يلغي بيرو الجذور الغنائية والحميمية لتجربته الشعرية, وإيغاله العميق في تفاصيل الذات الانسانية, عرف بيرو كيف يطور قصائده باتجاه الملحمية والسردية الشعرية خصوصا في عمله الأخير <<دفتر نيويورك>> حصل خوسيه بيرو على العديد من الجوائز الشعرية, وهو يتصدر منذ أكثر من سنة قائمة الكتب الشعرية الأكثر مبيعا في اسبانيا, من أهم الجوائز التي حصدتها أعماله:
1 - جائزة أدونيس .1947 Adonais
2 - الجائزة الوطنية للشعر 1953 و1999.
3 - جائزة النقد سنتي 1958 و1965.
4 - جائزة مارش 1959.
5 - جائزة أمير استورياس للآداب 1981.
6 - الجائزة الوطنية للآداب 1990.
7 - جائزة سيرفانتس للآداب 1998.
من أهم أعماله الشعرية:
- أرض بدوننا 1947.
- مع الأحجار, مع الريح 1950.
- تماثيل مسجاة.
- ما الذي أعرفه عن نفسي.
- يومية.
- دفتر نيويورك.. وغيرها.
وفيما يلي نقدم لكم واحدا من أهم شعراء أسبانيا, والذي ظل الى الآن محتجبا عن النقل إلى اللغة العربية.
(1)
(اللامبالي)
الآن سنصير سعداء
بعدما لم يعد هنالك ما يؤتمل.
أن تتساقط الأوراق اليابسة
أو أن تولد الأزهار البيضاء
سيّان
أن تلتمع الشمس
أو أن يعزف المطر على الزجاج
أن يكون كل شيء كذبة
أو أن يكون حقيقة
أن يهيمن الربيع الأبدي على الأرض
أو أن تغرب شمس الحياة
سيّان
أن توجد ألحان شاردة
سيّان
لماذا نرغب في الإصغاء إلى الموسيقى
إن لم يكن هنالك ما يستحق الغناء.
(2)
(سيد الخريف)
يأتي ويجلس بيننا
لا أحد يعرف من يكون
ولا لماذا حين يهمس <<غيوم>>
نمتلئ بالخلود.
بكلمات رصينة يتحدث إلينا
وأثناء الحديث تتهاوى
من رأسه أوراق يابسة
تمضي مع الريح وتجيء
نعبث بلحيته الباردة
فيمنحنا ثمارا ويعاود المشي
بخطى متأنية ثابتة
كما لو لم يكن له عمر
ينصرف ملقيا لحيته: وداعا
فنحس الرغبة في البكاء.
(3)
(نوفمبر)
أمام الشاطئ المقفر
أصغي لتساقط المطر
كما لو كنت عائدا
للبكاء على قبري
تخفق الأجنحة (الأمواج)
يشتعل لهيب زبدها
تأسر بين أصابعها
فضة تضيئها.
كل شيء يقع خارج الزمن.
تمضي السحب القاتمة
تبكي الرمال عارية
مثل جسد يقع خارج الزمن
الأعين الآن لا تنظر: هي تحلم
لا تقع عما تبحث عنه
الأشياء توجد في الأمام
لكن روحها خرساء.
انسكب النبيذ من الجرة السماوية
للمغامرة
أواه أيتها الروح
لماذا حلقت بأجنحة ليست لك?
(4)
(وداع البحر)
وإن حاولت لحظة الوداع
أن أحفظك كاملا في فناء عزلتي
وإن رغبت في شرب عينيك اللامتناهيتين
مساءاتك الطويلة والفضية
حركتك الواسعة الرمادية والباردة
أعرف أنني حينما سأعود إلى شطآنك
سنحس أننا مختلفان.
أبدا لن أراك ثانية
بهذي العيون التي تنظر إليك اليوم
رائحة التفاح هاته! من أين تأتي?
أواه يا حلمي! يا بحري!
إصهرني, جردني من جلدي,
من لباسي الفاني!
إنسني على رمالك
ولأكن أنا ابنا زائدا لك
تيار ماء صاف يعود إليك,
إلى ميلاده المالح, إلى أن تحيا حياتك
مثل أشد الأنهار حزنا !
أغصان زبد يانعة
قوارب ناعسة وتائهة...
أطفال يلملمون فضالة عسل الغروب.
العالم, كم هو جديد, طلق وصاف !
يولد كل يوم من أحشاء البحر
يعبر الطرقات التي تطوق روحي
ويركض للتخفي في العتمة
زيت حداد الليل يعود إلى أصله وبدايته.
والآن يجب علي أن أتركك
لأبدأ طريقا آخر!
وإن حاولت لحظة الوداع
أن أحمل معي صورتك أيها البحر;
وإن رغبت أن أنفذ إليك,
أن أثبتك بدقة في أحاسيسي;
وإن بحثت عن سلاسلك
لكي أنكر على نفسي مصيرها
أعرف أن شبكتك الرمادية
ذات الخيوط الدقيقة
ستغدو عاجلا ممزقة
أبدا لن أراك ثانية
بهذي العيون التي تنظر إليك اليوم.
(5)
(ذكرى البحر)
كيف تضطرب تحت الغيوم الرمادية
يا صفيحة دقيقة من معدن الطفولة
كيف يحطم غضبك الشكيمة
يا قلب الغيمة
كيف أراك بعيوني الواهنة
أية صورة لك تلك التي تبدع الحلم
في مهل فليحطمك الهواء المنكسر إلى أجزاء
أنت الذي تحفظ في المرمر المالح
صورا حية تموجها الريح
أنت الذي تحرك في الفجر الناعم
أصوات الروح
أنت الذي تغذي بحليبك المر
ظلال الشطآن, الخطوات المنسية
قلق من أن يكون فوق بطنك الأخضر
قراصنة مجانين.
مضيت تجتاح في ارتعاش
ظلالا أغرقت عيونها في هدوئك
اليوم تبلل ذكراك جبهتي مثل مطر بارد
لو أعود الآن للتجوال عبر شطآنك
لو يصيبني كل شيء بالدوار عبر جسدك
لو يعير جسدك الآن لجسدي أسمالا باردة
لو عاريا , متعبا أكون الآن
فأنا أكثر بنوة لك
لو أن الخريف العائد إلى حضني
يحمل إلي الخبز البارد في منقاره
يا صفيحة دقيقة من معدن الطفولة
كل منسي سيبقى كاملا :
سياط, حبال بها كنت تجلدني
رياح تجأر
كل شيء سيغدو من جديد جميلا
رغم أن مخالبك ستخدش جسدي
رغم أن صباحاتك ستكون شموسها
أشد سوادا أثناء رجوعك.
(6)
(الوصول إلى البحر)
حينما غادرتك,
قطعت على نفسي وعدا بأن أعود
وعدت, تشق قدماي بلورك الصافي
كأنما ذلك تعميق للبدايات
كأنما هو انتشاء بالحياة
الإحساس بالنمو الأكثر عمقا
لشجرة ذات أوراق صفراء
والجنون بطعم فاكهتها الزاهية
كأنه الإحساس بالأيدي مزهرة
وهي تلامس الفرح.
كأنه الإصغاء للنغمة الحادة
للرواه والنسيم.
حينما غادرتك,
قطعت على نفسي وعدا بأن أعود
كان الفصل خريفا , وفي الخريف
وصلت مرة أخرى إلى شطآنك
(من تموجاتك يولد الخريف
كل يوم أكثر جمالا )
والآن إذ أفكر فيك
بشكل مستديم, إذ أومن...
(الجبال التي تحتضنك
بها نيران مشتعلة)
والآن إذ أشتهي التحدث إليك
إشباع ذاتي من فرحك
(إنما أنت عصفور من ضباب
ينقر خدي).
والآن إذ أشتهي أن أمنحك
كل دمي, إذ أشتهي...
(ما أجمل أن أموت في حضنك أيها البحر
حينما تغدو حياتي لا تحتمل).
(7)
(أرض بدوننا)
فليخفق العالم حول ذاته
في ألم!
يبدو العالم كما لو أنه يصحو
من الحلم, أكثر جمالا من ذي قبل.
الحجر اليوم أشد تحجرا
معدني أصم.
الغيمة اليوم ليست تلك التي
كنا نرى,
هي أكثر غرابة وغموضا
أشد تكونا من أدخنة نائية
وضئيلة لنار مشتعلة
تعدو الريح, ريح الجنوب المبحوحة
المتوحشة والعارية
يعدو المهر المجنون,
فتحركك حوافرهما العطرة
كل الخليقة المشرعة أمام عيني.
يمضي الضوء مع الضوء
وشجر الحور الأسود
مع شجر الحور الأسود
والطائر مع الطائر
وحدي أنا أوجد وحيدا .
الماء هنا راكد
وأنا أطل على الماء.
أرى نفسي منعكسا في العمق
كما هو الحال دائما .
يسألني الماء عنهم
وأنا لا أجيب
(لا أريد أن يعرف
كيف انتهى كل شيء)
فيخفق العالم حول ذاته
في ألم!
في كل جدار, في كل انعكاس للضوء
في كل قلب صيف أحمر,
يسأل الواحد,
عتاب أصم.
ليس زمني هو الذي يأتي إلي .
العودة أنا من يبادر بها
واليأس يغمر أعيني المتعبة
التي تحاول أن تغدو جارحة
لعمق الأشياء,
أن ترى ذاتها في الجذع
الصافي للنهر ذاته مرتين.
الأرض بدوننا!
كم تبدو قدمي متعبة!
ما أشد إيلام سيولة الزمن النابض
النازف دفقات !
تبدو الأشياء اليوم أشد وهمية
مثل أشكال مخلوقات من كوكب
آخر يحيا بدوننا:
ماء ينعكس ساكنا في عمقه
وعاء يحتويني,
مرآة لا ألامسها,
ألم يكن يجب علي أن أرى ذاتي
أنا الآخر محطما
وحينها, أجل يا إلهي
سأحس إنني وحيد !
للموضوع بقية
[/ALIGN]
تعليق