السلام عليكم ورحمة الله
للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله
تأمل هذه النخلة التي هي إحدى آيات الله تجد فيها من الآيات والعجائب ما يبهرك؛ فإنَّهُ لما قُدِّرَ أن يكون فيه إناثٌ تحتاج إلى اللِّقاحِ جُعِلت فيها ذكورٌ تُلِّقحُها بمنزلة ذُكورِ الحيوان وإناثه، ولذلك اشتدَّ شبهُها من بين سائر الأشجار بالإنسان خصوصاً بالمؤمن -كما مثَّلهُ النبي صلى الله عليه وسلم- وذلك من وجوه كثيرة:
احدها: ثبات أصلها في الأرض واستقراره فيها، وليست بمنزلة الشجرة التي {اجتُثَّت من فوقِ الأرضِ مالها من قَرار**.
الثاني: طِيبُ ثمرتها وحلاوتُها وعمومُ المنفعَةِ بها، كذلك المؤمن طيَّبُ الكلام طيَّبُ العمل، فيه المنفعةُ لنفسه ولغيره.
الثالث: دوامُ لباسها وزينتها فلا يسقطُ عنها صيفاً ولا شتاءً، كذلك المؤمنُ لا يزولُ عنه لباس التقوى وزينتها حتى يوافي ربَّهُ تعالى.
الرابع: سهولَةُ تناوُلِ ثمرتها وتيسُّرُهُ، أما قَصيرُها فلا يحتاجُ المتناوِلُ أن يَرقاها، وأما باسِقُها فصعوده سهل بالنسبة إلى صعود الشجرِ الطََََّوال وغيرها، فتراها كأنها قد هُيَّئت منها المراقي والدَّرَجُ إلى أعلاها، وكذلك المؤمنُ خيرُهُ سهلٌ قريبٌ لمن رام تناولهُ لا بالغِرَّ ولا باللئيم.
الخامس: أن ثمرتها من انفع ثمار العالم؛ فإنه يؤكل رُطَبُهُ فاكهةً وحلاوةً، ويابسُةُ يكونُ قوتاً وأُدْماً وفاكهةً ويُتخذ منه الخل والنَّاطفُ والحلوى، ويدخلُ في الأدوية والأشربة وعموم المنفعة به وبالعنب فوق كل الثمار.
السادس: أن النخلة اصبر الشجر على الرياح والجهد، وغيرها من الدَّوْحِ العظام تميلها الريح تارة وتقلعها تارة وتقصف أفنانها، ولا صبر لكثير منها على العطش كصبر النخلة، فكذلك المؤمن صبورٌ على البلاء لا تزعزعه الرياح.
السابع: أن النخلة كلها منفعةٌ لا يسقط منها شيءٌ بغير منفعةٍ، فتمرها منفعة، وجذعها فيه من المنافع مالا يُجهَلُ للأبنيَةِ والسقوف وغير ذلك، وسعفُها تُسقفُ به البيوتُ مكان القصب ويستر به الفُرَجُ والخَلَلُ، وخُوصُها يُتخذ منه المكاتلُ والزنابيلُ وأنواع الآنية، والحُصُرُ وغيرها، ولِيفُها وكَرَبُها فيه من المنافع ما هو معلومٌ عند الناس.
وقد طابق بعض الناس هذه المنافع وصفات المسلم، وجعل لكلَّّ منفعة منها صفة في المسلم تقابلها، فلما جاء الى الشوك الذي في النَّخَلةِ جعل بإزائه من المسلم صفة الحِدَة على أعداء الله وأهل الفجور، فيكون عليهم في الشدة والغلظةِ بمنزلة الشوك، وللمؤمنين والمتَّقين بمنزلةِ الرُّطَبِ حلاوةً وليناً {أشداء على الكفار رحماء بينهم**.
الثامن: أنها كلما طال عمُرها ازداد خيرُها وجاد ثمرُها، وكذلك المؤمن إذا طال عمرهُ ازداد خيرهُ وحسن عمله.
التاسع: إن قَلْبَها من أطيَبِ القلوبِ وأحلاه، وهذا أمرٌ خُصَّت به دونَ سائر الشجر، وكذلك قلبُ المؤمن من أطيبِ القلوب.
العاشر: أنها لا يتعطَّلُ نفعُها بالكليَّة أبداً، بل إن تعطَّلَت منها منفعةٌ ففيها منافعُ أُخَرُ حتى لو تعطَّلَت ثمارُها سنةً لكان للناس في سَعَفها وخُوصها وليفها وكَرَبها منافعُ وآربٌ، وهكذا المؤمنُ لا يخلو عن شيءٍ من خصال الخير قط، إن اجدب منه جانبٌ من الخير أخصَبَ منه جانبٌ، فلا يزال خيرهُ مأمولا وشرَّه مأمونا.
في "الترمذي" مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" خَيرُكُم من يُرجى خيرُهُ ويؤمنُ شرهُ، وشرُّكُم من لا يُرجى خيرُهُ ولا يُؤمَنُ شرَّهُ".
نقله لكم باختصار
www.aborashed.com
من كتاب مفتاح دارالسعادة 1/231
حفظكم الله
للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله
تأمل هذه النخلة التي هي إحدى آيات الله تجد فيها من الآيات والعجائب ما يبهرك؛ فإنَّهُ لما قُدِّرَ أن يكون فيه إناثٌ تحتاج إلى اللِّقاحِ جُعِلت فيها ذكورٌ تُلِّقحُها بمنزلة ذُكورِ الحيوان وإناثه، ولذلك اشتدَّ شبهُها من بين سائر الأشجار بالإنسان خصوصاً بالمؤمن -كما مثَّلهُ النبي صلى الله عليه وسلم- وذلك من وجوه كثيرة:
احدها: ثبات أصلها في الأرض واستقراره فيها، وليست بمنزلة الشجرة التي {اجتُثَّت من فوقِ الأرضِ مالها من قَرار**.
الثاني: طِيبُ ثمرتها وحلاوتُها وعمومُ المنفعَةِ بها، كذلك المؤمن طيَّبُ الكلام طيَّبُ العمل، فيه المنفعةُ لنفسه ولغيره.
الثالث: دوامُ لباسها وزينتها فلا يسقطُ عنها صيفاً ولا شتاءً، كذلك المؤمنُ لا يزولُ عنه لباس التقوى وزينتها حتى يوافي ربَّهُ تعالى.
الرابع: سهولَةُ تناوُلِ ثمرتها وتيسُّرُهُ، أما قَصيرُها فلا يحتاجُ المتناوِلُ أن يَرقاها، وأما باسِقُها فصعوده سهل بالنسبة إلى صعود الشجرِ الطََََّوال وغيرها، فتراها كأنها قد هُيَّئت منها المراقي والدَّرَجُ إلى أعلاها، وكذلك المؤمنُ خيرُهُ سهلٌ قريبٌ لمن رام تناولهُ لا بالغِرَّ ولا باللئيم.
الخامس: أن ثمرتها من انفع ثمار العالم؛ فإنه يؤكل رُطَبُهُ فاكهةً وحلاوةً، ويابسُةُ يكونُ قوتاً وأُدْماً وفاكهةً ويُتخذ منه الخل والنَّاطفُ والحلوى، ويدخلُ في الأدوية والأشربة وعموم المنفعة به وبالعنب فوق كل الثمار.
السادس: أن النخلة اصبر الشجر على الرياح والجهد، وغيرها من الدَّوْحِ العظام تميلها الريح تارة وتقلعها تارة وتقصف أفنانها، ولا صبر لكثير منها على العطش كصبر النخلة، فكذلك المؤمن صبورٌ على البلاء لا تزعزعه الرياح.
السابع: أن النخلة كلها منفعةٌ لا يسقط منها شيءٌ بغير منفعةٍ، فتمرها منفعة، وجذعها فيه من المنافع مالا يُجهَلُ للأبنيَةِ والسقوف وغير ذلك، وسعفُها تُسقفُ به البيوتُ مكان القصب ويستر به الفُرَجُ والخَلَلُ، وخُوصُها يُتخذ منه المكاتلُ والزنابيلُ وأنواع الآنية، والحُصُرُ وغيرها، ولِيفُها وكَرَبُها فيه من المنافع ما هو معلومٌ عند الناس.
وقد طابق بعض الناس هذه المنافع وصفات المسلم، وجعل لكلَّّ منفعة منها صفة في المسلم تقابلها، فلما جاء الى الشوك الذي في النَّخَلةِ جعل بإزائه من المسلم صفة الحِدَة على أعداء الله وأهل الفجور، فيكون عليهم في الشدة والغلظةِ بمنزلة الشوك، وللمؤمنين والمتَّقين بمنزلةِ الرُّطَبِ حلاوةً وليناً {أشداء على الكفار رحماء بينهم**.
الثامن: أنها كلما طال عمُرها ازداد خيرُها وجاد ثمرُها، وكذلك المؤمن إذا طال عمرهُ ازداد خيرهُ وحسن عمله.
التاسع: إن قَلْبَها من أطيَبِ القلوبِ وأحلاه، وهذا أمرٌ خُصَّت به دونَ سائر الشجر، وكذلك قلبُ المؤمن من أطيبِ القلوب.
العاشر: أنها لا يتعطَّلُ نفعُها بالكليَّة أبداً، بل إن تعطَّلَت منها منفعةٌ ففيها منافعُ أُخَرُ حتى لو تعطَّلَت ثمارُها سنةً لكان للناس في سَعَفها وخُوصها وليفها وكَرَبها منافعُ وآربٌ، وهكذا المؤمنُ لا يخلو عن شيءٍ من خصال الخير قط، إن اجدب منه جانبٌ من الخير أخصَبَ منه جانبٌ، فلا يزال خيرهُ مأمولا وشرَّه مأمونا.
في "الترمذي" مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" خَيرُكُم من يُرجى خيرُهُ ويؤمنُ شرهُ، وشرُّكُم من لا يُرجى خيرُهُ ولا يُؤمَنُ شرَّهُ".
نقله لكم باختصار
www.aborashed.com
من كتاب مفتاح دارالسعادة 1/231
حفظكم الله
تعليق