إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حديث المقبرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حديث المقبرة

    السلام عليكم

    مساكم الله بكل خير

    هالقصيده لابو القاسم محمد الشابي كتب مقدمتها يقول :

    حديث المقبره

    " وهو حوار فلسفي ، مداره الحياه ، والموت ، والخلود ، والكمال "

    في ليلة مظلمة ، من ليالي الصيف ، خرج الشاعر بنفسه من القرية الصغيرة النائمة في سفح الجبل ، وفي ذلك السكون الشامل ، والظلام المزكوم ، اخذ يمشي بين اشجار الزيتون المزهة في مسلك منفرد ، ثم اعتلى تلك الربوة الصغيرة ، حيث كانت مدافن القرية وحيث ينام الموتى في صمت الدهور .


    وبين القبور الخرساء الجاثمه تحت اضواء النجوم ، حيث يتحدث كل شي بجلال الموت وتفاهة الحياة ، جلس الشاعر باقدام متعبة ، ونفس ثائرة ، واجفان قد اذبلتها الاحزان ، فطافت بنفسه الاحلام والافكار والذكريات ، وتقلبت امامه صور الموت وامواج الحياة ،وتتابعت امامه رسوم الايام الكثيرة ، مانام منها في قلب الازل وما لم يزل ينمو في احشاء الابد الكبير ، وجاشت في قلبه هاته العصور والخواطر ، وعجت في صدره عجيج الامواج الثائره ، فالقاها إلى الليل في النشيد التالي :




    أتفنى ابتسامات تلك الجفون ؟ ** ويخبو توهج تلك الخدود ؟

    وتذوي وريدات تلك الشفاه ؟ ** وتهوي إلى الترب تلك النهود ؟

    وينهدّ ذاك القوام الرشيق ** وينحل صدرٌ ، بديعّ ، وجيد .

    وتربدُّ تلك الوجوه الصباح ** وفتنة ذاك الجمال الفريد 1

    ويغبرّ فرعٌ كجنح الظلام ** أنيقُ الغدائر ، جعدٌ ، مديد

    ويصبح في ظلمات القبور ** هباءْ حقيرا ، وتربا ، زهيد

    وينجاب سحر الغرام القوي ** وسكر الشباب ، الغرير ، السعيد


    ** ** **


    أتطوى سماوات هذا الوجود ؟ ** ويذهب هذا الفضاء البعيد ؟

    وتهلك تلك النجوم القدامى ؟ ** ويهرم هذا الزمان العهيد ؟

    ويقضي صباح الحياة البديع ؟ ** وليل الوجود ، الرهيب ، العتيد ؟

    وشمسٌ توشـّـي رداء الغمام ؟ ** وبدرٌ يضيءُ ، وغيمٌ يجود ؟

    وضوءٌ ، يرصـّـع موج الغدير ؟ ** وسحرٌ ، يطرّزُ تلك البرود ؟

    وبحرٌ فسيحٌ ، بعيد القرار ** يضجُّ ، ويدوي دويّ الوليد ؟

    وريحٌ ، تمرُّ مرور الملاك ** وتخطو إلى الغاب خطو الرعود ؟

    وعاصفةٌ من بنات الجحيم ** كأن صداها زئير الاسود

    تعجُّ ، فتدوي حنايا الجبال ** وتمشي ، فتهوي صخور النجود ؟

    وطيرٌ تغني خلال الغصون ، ** وتهتف للفجر بين الورود ؟

    وزهرٌ ، ينمـّـق تلك التلال ** وينهل من كل ضوءٍ جديد ؟

    ويعبقُ منه اريج الغرام ** ونفح الشباب ، الحييّ ، السعيد ؟

    أيسطو على الكُلّ ليلُ الفناء ** ليلهو بهال الموت خلف الوجود ..

    وينثرها في الفراغ المخيف ** كما تنثر الورد ريحٌ شرود

    فينضب يمّ الحياة ، الخضم ** ويخمد روح الربيع ، الولود

    فلا يلثم النور سحر الخدود ** ولا تنبت الارض غضّ الورود؟


    ** ** **


    كبيرٌ على النفس هذا العفاء ** وصعبٌ على القلب هذا الهمود !

    وماذا على القدر المستمرّ ** لو استمرأ الناسُ طعم الخلود

    ولم يخفروا بالخراب المحيط ** ولم يفجعوا في الحبيب الودود

    ولم يسلكو للخلود المرجـّــى ** سبيل الردى ، وظلام اللحود

    فدام الشباب ، وسحر الغرام ، ** وفن الربيع ، ولطف الورود

    وعاش الورى في سلامٍ ، امين ** وعيشٍ ، غضيرٍ ، رخيٍّ ، رغيد ؟

    ولكن هو القدر المستبد ** يلذّ له نوحنا ، كالنشيد



    وكانت بين القبور روح فيلسوف قديم مجهول فجاءت تزور جسمها الذي اصبح رمة باليه في احشاء التراب ، فاشفقت على الشاعر المسكين من آلامه الروحيه وحيرتة الضامئه ، فارادت ان تعلمه الحكمه وتسكب في قلبه برد اليقين فخاطبته بهذه الابيات :



    تبرّمتَ بالعيشِ خوفَ الفناء ** ولو دمت حيـّـاسئمت الخلود

    وعشت على الارض مثل الجبال ** جليلاً ، رهيباً ، غريباً ، وحيد

    فلم ترتشف من رضابِ الحياة ** ولم تصطبح من رحيق الوجود

    وما نشوة الحبُّ عند المحبِّ ** وما سحرُ ذاك الربيع الوليد

    ولم تدرِ ما فتنةُ الكائنات ** وما صرخة القلبِ عند الصدود

    وماذا يٌرجـِّي ربيب الخلودِ ** من الكون - وهو المقيمُ العهيد -؟

    وماذا يودُّ وماذا يخافُ ** من الكونِ -وهو المقيم الابيد- ؟

    تأمـّـل .. ، فإن نظام الحياةِ ** نظامٌ ، دقيقٌ ، بديعٌ ، فريد

    فما حبب العيشَ إلا الفناء ** ولا زانه غير خوف اللحود

    ولولا شقاءُ الحياةِ الاليمِ ** لما ادرك الناس معنى السعود

    ومن لم يرُعه قطوب الدياجيرِ ** لم يغتبط بالصباح الجديد


    وراق حديث الروح الشاعر العائش بين الهواتف والاشباح ، فقال يحاورها :


    إذا لم يكن من لقاء المنايا ** مناصٌ لمن حلَّ هذا الوجود

    فأي عناءٍ لهذي الحياةِ ** وهذا الصراعِ ، العنيفِ ، الشديد

    وذاك الجمال الذي لا يملُّ ** وتلك الاغاني ، وذاك النشيد؟

    وهذا الظلامِ ، وذاك الضياء ** وتلك النجومِ ، وهذا الصعيد

    فنشرب من كلِّ نبعٍ شراباً ** ومنه الرفيع ، ومنه الزهيد

    ومنه اللذيذُ ، ومنه الكريه ** ومنه المشيد ، ومنه المبيد

    ونحمل عبئا من الذكرياتِ ** وتلك العهودِ التي لا تعود

    ونشهد أشكال هذي الوجوهِ ** وفيها الشقيّ ، وفيها السعيد

    وفيها البديع ، وفيها الشنيع، ** وفيها الوديع ، وفيها العنيد

    فيصبح منها الوليَُ، الحميم، ** ويصبحُ منها العدوُّ ، الحقود

    وكلٌُ - اذا ما سألنا الحياةَ- ** غريبٌ لعمري بهذا الوجود

    أتيناه من عالمٍ لا نراه ** فُرادى ، فما شأنُ هذي الحقود ؟

    وما شأن هذا العداءِ العنيف ؟ ** وما شأنُ هذا الإخاءِ الودود ؟



    روح الفيلسوف :

    خُلقنا لنبلغ شأو الكمالِ ** ونصبح أهلا لمجد الخلود

    وتطهر ارواحنا في الحياة ** بنار الاسى .............. 2

    ونكسب من عثراتِ الطريقِ ** قوّى ، لا تُهدّ بدأب الصعود

    ومجداً ، يكون لنا في الخلود ** أكاليل من رائعات الورود



    ومر بالمقبره سرب من الارواح ، في طريقها إلى العالم المجهول ، فطارت معها روح الفيلسوف ، وخلفت عالم الشك والكآبه لابنائه البائسين . وظل الشاعر يردد بينه وبين نفسه :


    ( خلقنا لنبلغ شأو الكمال ** ونصبح أهلا لمجدِ الخلود )


    ولكن افكاره الثائرة التي لا تهدأ كانت لا تزال تلح عليه بالاسئله الكثيره المرهقة فقال يناجي روح الفيلسوف التي حسبها ما زالت قريبه منه :



    ولكن إذا ما لبسنا الخلود ** ونلنا كمال النفوس البعيد

    فهل لا نملُّ دوام البقاءِ ؟ ** وهل لا نودُّ كمالا جديد

    وكيف يكونَـنِّ هذا ( الكمالُ ) ** وماذا تُراه؟ وكيف الحدود

    وإن جمال ( الكمال) ( الطموح) ** ومادام ( فكراً ) يُرى من بعيد

    فما سِحرهُ إن غدا ( واقعاً) ** يُحـَسُّ ، واصبح شيئا شهيد ؟

    وهل ينطفي في النفوس الحنينُ ** وتصبح اشواقنا في خمود ؟

    فلا تطمح النفسُ فوق الكمال ** وفوق الخلود لبعض المزيد ؟

    إذا لم يزل شوقها في الخلود ** فذاك لعمري شقاءُ الجدود

    وحربُ ، ضروسُ ، كما قد عهدتُ ** ونصرٌ ، وكسرٌ وهمٌّ مديد

    وإن زال عنها فذاك الفناءُ ** وإن كان في عرصات الخلود



    كذلك ناجى الشاعر روح الفيلسوف ، ولكنها كانت إذ ذاك بعيدة عنه في عالم بعيد لا يسمع نجواه ، وكذلك ضاعت اسئله الشاعر في ظلمة الليل الذي لا يسمع ولا يجيب .


    1- تربدُّ = تغبر .. اربدّ صار اغبر اللون

    2- تركها الشاعر خاليه في الاصل

  • #2


    شكرا لك أخي المدهر على اشراكنا متعة تأمُّل الشابي 0


    هي اول مرة أقرأها رغم وجود الديوان قابعاً بين أرففي



    لاهنت يالمدهر


    وتحياتي





    ابو عامر



    تعليق


    • #3
      المدهر ..

      الله لايحرمنا منك .. ابو القاسم الشابي وابداع لن ينسى في صدر تاريخ الشعر العربي ..

      استفدنا وزدنا علما بهذا الطرح وهذه الفلسفه .. فلا تحرمنا .

      تقبل تحياتي .

      تعليق


      • #4
        السلام عليكم

        اخوي ابو عامر

        العفو .. وانتو والمنتدى تستاهلون كل خير

        لك الشكر على الاطلاع

        ولاشنت



        تعليق


        • #5
          السلام عليكم

          اخوي الغالي عبدالله الملحم

          ومن قال .. لا عدمتك ولا عدمت هالحضور الطيب

          تسلم على الاطلاع

          ولك تحياتي






          __________________

          هل لداعيك مجيبُ ؟ ** ام لشاكيك طبيبُ

          يا قريبا حين ينأى ** حاضراً حين يغيبُ

          ( ابن زيدون )

          تعليق

          يعمل...
          X