ما وجه الاختلاف بين شعراء الثمانينيات وشعراء هذا الجيل؟ وبرأيكم هل اختلفت ذائقة الشعراء أم ذائقة الجمهور؟
الشادي: كان الشاعر يبحث عن متنفس لذاته في فتره الثمانينيات
عايض : جيل الثمانينيات يستهدف المتلقي النخبوي
سحايب: شعراء الثمانينيات قلة والآن شاعر المليون وألف شاعر في الساحة
العوني: شعراء الثمانينيات اغتنموا ندرة المطبوعات
الخطيمي: المبدعون تضرروا بسبب كثرة الشعراء وقلة الشعر
المهاوش: شعراء الزمن السابق حاولوا نسف الماضي بكل ما فيه
الربع: شعراء هذا الجيل يحاولون الوصول لتصفيق الجمهور عبر فراغهم
الدليهي: جمهور الثمانينيات أقل والأجود في سلوكيات المتلقي
نفاع: الجمهور الذواق موجود والشاعر الذكي موجود
الظفيري: الذائقة موجودة لكنها تعاني وعكة صحية
المسهلي: في الثمانينيات كانت هناك غصون مثمرة واليوم تفرعت
الدهمان: شعراء هذا الجيل هم النخبة والجمهور 10%
المحسن: الجمهور أصبحت ذائقته مثقوبة ويعشق التهريج
هيثم السويط
كلما واجهنا مجموعه من الشعراء وجدناهم يتغزلون في فترة الثمانينيات حتى لو كانوا لم يعاصروا هذه الفترة الذهبية للشعر والتي ترددت كثيرا على لسان شعراء الساحة الشعبية والتي كانت مضرب مثل للشعراء والجمهور المتذوق للشعر حيث كانت تضم التفرد والشعر الحقيقي بعصره الناري والتي تميز بها كثير من المبدعين ليكونوا مثلا لكل شاعر في هذا الجيل. هذا ووجهت «واحة الأنباء» سؤالها عن الموضوع الذي لامس جميع الشرائح العمرية من الشعراء، حيث نقف عند آراء مختلفة من وجهات النظر لنقترب الى أقرب وجهة نظر منطقية تقنع شريحة كبيرة من القراء، وسؤالنا كالتالي:
الشاعر د.صالح الشادي كان أول المجيبين على سؤالنا، فقال: يكمن الاختلاف في الظروف العامة والبيئة السياسية والنفسية فقط بين المرحلتين، ولعل الاهتمام في فترة الثمانينيات كان يدور حول البحث عن متنفس أوسع للتعبير عن ذات الشاعر الذي يمثل مجتمعه، وكانت لغة الحداثة واسلوبية الترميز هي النمط الأكثر بروزا لدى المحدثين والمجددين، أما في هذه المرحلة فإن الشعراء قد اتجهوا إلى التعبير عن الذات التي تمثل الفئة، وعلت أصوات الفخر والتباهي، وعادت اللغة السردية المباشرة إلى السطح، هذا فيما يخص الخاصة من الشعراء وليس النظمة. أما عن الذائقة فهي مرآة تتأثر بالمحيط وبظروف النشأة، لذا فإن التغير عادة ما يعزى إلى بيئة ومناخ الشاعر.
الشاعر مطيع العوني ربما اختلف رأيه فقال: ان شعراء الثمانينيات اغتنموا فرصة ندرة المطبوعات وأحيانا خدمتهم العلاقات الشخصية فيما بينهم وعدم توافر الفضائيات آنذاك التي خدمت الشعراء لهذا الجيل واللهث وراء الشهرة مما جعلت المتلقي قليل التركيز لكثرة الشعراء بالساحة الشعبية، وبالتالي أصبحت متنفس الكثير بعكس ما كان بالسابق حيث لا يوجد سوى الصحف والمجلات، فتجد الشعر الحقيقي، أما الآن فاختلف الوضع كثيرا مع كثرة الشعراء وكثرة القنوات الفضائية التي خدمت الشاعر وتعددت الأذواق بين الشاعر والجمهور، أما اختلاف الذائقة فالمتحكم بها الشاعر وليس الجمهور، والدليل ان الجمهور لا يلتفت إلا الى الأفضل من الشعراء، وإن غلبت بعض العنصرية والقبلية على ذلك إلا انها لا تكاد تذكر، أنا من المؤيدين لشعراء هذا الجيل المدهش وبقوة. لتعدد ثقافاتهم والتغيرات التي مرت عبر سنوات جعلت الشاعر مثقفا وكذلك الجمهور.
الشاعر والناقد محمد مهاوش الظفيري: هذا سؤال مثير للجدل، وقبل الدخول على هذا التساؤل لابد من الالتفات إلى المرحلة الزمنية السابقة، حيث كان الشاعر النبطي في السابق، لاسيما الشاعر المهتم بالتجديد، يحلم بالخروج من عنق الزجاجة التي تتمثل بالموروث النبطي والحلم بخروج رؤية جديدة للشعر تختلف عن المتداول آنذاك، وهذا سببه تأثر أبناء ذلك الجيل بالأفكار اليسارية الرافضة للتقليدية والمؤمنة بمبدأ الحداثة بنطاقها الواسع، لهذا وجدنا أن عددا منهم رفض المواضيع التقليدية الموروثة كالمدح والفخر والهجاء، وذلك من أجل نسف الماضي بكل ما فيه، حيث تحول الشاعر النبطي إلى شاعر شعبي، أي أنه تخلص من الأنماط والمسمى بعد ذلك.
اما شعراء هذا الجيل فهم نتاج لحركة ارتدادية في الوعي، وهي التي أشار إليها عبدالله الغذامي بالعودة إلى الأنساق الثقافية، حيث صار عدد من أبناء الحاضرة يفتخرون بأصولهم البدوية، وحرصوا على عودتهم إلى قبائلهم الأصلية، وهذا الوضع لم يكن على مستوى نطاق هذا الجيل، إذ أن عددا من جيل المجددين من الرواد قد عاد إلى تلك الأنساق القديمة من مدح وفخر وهجاء، وكأن هذا الجيل يعيش حركة ردة ثقافية، وعودة إلى المربع الأول الذي كان الجميع يتواجدون فيه.
في حقيقة الأمر ان الشاعر المبدع الخلاق يكون بمنزلة النبي ـ مع فارق التشبيه طبعا ـ فالنبي يصنع أتباعه ويعمل إلى إيجادهم واختيارهم من بين الناس، وكذلك الشاعر المبدع، هو من يتعب على صنع جمهوره وإيجاد الأرضية المناسبة لهم.
الشاعر عايض الظفيري لم يختلف رأيه كثيرا فقال: ان جيل الثمانينيات هم جيل «الرواد» فيما يسمى «الاعلام الشعبي» فكان لهم الأحقية بتشكيل ذائقة الجمهور حسبما يريدون، الآن تشعب الأمر أكثر ودخلت الفضائيات على الخط وتدخلت لإرضاء الكل أو «الشريحة الكبرى من المتلقين»، ومن هذا أظن ان ذائقة الجمهور اختلفت باختلاف الجمهور نفسه، فجيل الثمانينيات كان يستهدف «المتلقي النخبوي»، والآن أصبح الاعلام يستهدف «الأغلبية».
الشاعرة الإعلامية سحايب فيصل: قبل ان نتحدث عن الاختلاف اريد ان اقول ان التاريخ يعيد نفسه فالادب العربي بعد جزالة الشعر الجاهلي ونفائس الشعر الاموي والعباسي مرت عليه فترة انحطاط وضعف تتوقعون ماذا عمل النقاد والشعراء في تلك الفترة؟
مظاهرة ودعوة لاحياء عمود الشعر وتبني قضية العودة للشعر العربي الاصيل، ونحن الآن بصدد هذه الحملة ليعود الشعر الشعبي إلى مكانته الاولى. قبل شعراء الثمانينيات كان هناك شعراء السبعينيات الذين تعمقت جهودهم في الارتقاء بالشعر الغنائي، حيث كان قالبهم سلاسة المفردة والقيفان الرنانة، اما جيل الثمانينيات فكان هناك صدق في التعابير الوجدانية ووفاء في العاطفة واحترام في انتقاء الالفاظ واحترام احاسيس المرأة والاخلاص لها، وكان كل تجريف في الاحساس عفوي ونبيل وكان الشعراء قلة، اما الآن شاعر المليون والف مليون شاعر في الساحة. ملهمة والف ملهمة بديلة ايضا، قصائد التسعينيات تمثلت في الاحتراس وصدق النبرة نوعا ما.
لكن في فتره 1997 و1998 تقريبا حدثت نقلة وتأجج في حداثة اللفظة، فبعد ان كان الشعر كلاسيكيا تقليديا زحف الى المدرسة التجديدية على يد الامير بدر بن عبدالمحسن الذي كان في السبعينيات والثمانينيات اكثر شاعرية ونبض ثم ظهرت الأنماط الاخرى من رمزية وسريالية وحداثة، لدي مثال لتحديد مفهومية هل اختلف الجيل ام الجمهور ام الشاعر؟ لدينا شاعر علم ومخضرم تابعت انتاجه الادبي وهذه نماذج لثلاث نصوص كل واحدة كتبت في جيل تقريبا او جيلين الشاعر القدير حسن الوطري
قال في الثمانينيات:
البارحة والعين عيت تنامه
بسباب منهو داخل العرس شفناه
وفي التسعينيات:
بالعيد كلن راح يعايد عشيرة
وانا اعايد بندقي والحراسات
وفي عام 2002 تقريبا:
خلك رحل واقفت ليالي ربيعة
واللي بقا ذكرى وهرجات ومزوح
تلقائية ـ صدق ـ حوارية جادة
هناك ايضا من حافظ على قالبه الشعري ونهجه وهناك من تغير نمطه الاسلوبي بحسب متطلبات العصر
شاعر الثمانينيات مازال موجودا في وقتنا الحالي، ولدينا كثير من الشعراء الجزلين الذين تعود ارواحهم لذلك العصر وهم من الجيل الحديث امثال سعد بن علوش ـ مشعل بن جريد ـ مشبب العاصمي ـ حمد الدليهي ـ ناصر الفراعنة ـ وغيرهم الكثير حافظوا على عمود الشعر مع تجديد الافكار النصية فقط
ومع هذا ظهر تيار آخر في جيلنا الحالي ولهم نمطهم ومتابيعهم، هذا بالنسبة للمدارس الشعرية كيف اختلفت من جيل الثمانينيات الى وقتنا الحالي، ايضا اختلاف في الاعراف والمبادئ والمواضيع الشعرية اصبحت تعج بالتورم، فأغلب القصائد سيطرت عليها مدح الشاعر لشاعريته وانه شاعر الساحة ـ او تدور اغلب القصائد في التلويع والخيانات والصدمات ـ وتبدل الاحساس السريع ـ وتقلب الامزجة، البقاء للقوالب القديمة وتصفيق الجمهور للاصيل دائما، في الثمانينيات كان الشاعر يردد:
علموه أني على عهد الهوى
باقين مدام في عمري مدد:
وشاعر هذا الجيل يردد
تذكرني اتذكرك /تنساني/ انساك
تحب لك غيري/ انا احب ثاني
تعليق