إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أضواء على ظلمة فكر الظواهري والتكفيريين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أضواء على ظلمة فكر الظواهري والتكفيريين

    مقال من ثلاثة اجزاء يسلط به الكاتب : د.عصام شاور ( كاتب فلسطيني ) الضوء على فكر (أيمن الظواهري ) ومن خلفه تنظيم القاعدة وهو مقال يستحق القراءة فعلاً :
    شاب في مُقتبل العمر يجلس على الأرض يضع العمامة على رأسه وبندقية على يمينه وأخرى على شماله , يقرأ وصيته قبل أن يضع حداً لحياته وحياة عشرات الأبرياء الآخرين باسم الإسلام , ومن اجل الإسلام كما يظن ذلك المسكين المضلل . ثم نرى أشلاء المسلمين متناثرة في شوارع الجزائر والمغرب والعراق وغيرها من الدول العربية والإسلامية , فلم يقتل الجزائري المسلم ؟ و من أعطى الأمر بإعدام الشباب المغربي ؟ وكذلك من يملك حق تدمير المساجد على المصلين في العراق ؟ .

    صورة من يقرأ وصيته باتت تتكرر كتقليد وإتباع لزعماء تنظيم القاعدة وخاصةً الظواهري , ولكن الفرق أن الظواهري يظل في مأمن ولا يقتل نفسه ويكون لديه المتسع ليتراجَعَ عن اجتهاداته الشخصية ليتبنى أخرى متناقضة تماماً مع سابقاتها .

    ربما هذا القول يؤذي مشاعر المخدوعين بالظواهري , ولكن ألا يستحق من كل شاب أن يقف مع نفسه لحظات محاسبة وإعادة نظر في المنهاج الذي يسير عليه ؟

    أليس من الحكمة دراسة تاريخ الظواهري دراسة واعية للنظر فيما إذا كان يستحق هذا الرجل الإتّباع أم لا ؟ فالأمر ليس سهلا , والعقيدة على المحك , ونفس المرء ليست رخيصة , وقتل المسلم من أكبر الكبائر , وجهنم لا يمكن الصبر عليها , لهذا كله وجب على كل متّبِع أن يتحقق من أهلية من يتبع , عليه أن يتحقق من صدقه وإخلاصه وصواب عمله , وان لا يطفئ سراج عقله ليكون فريسة لأصحاب الأهواء والغايات المشوشة وأصحاب النفوس المعتلة المريضة .

    الدكتور أيمن الظواهري , الرجل الثاني في تنظيم القاعدة , قد حاز شهرة عالمية فقط بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا وذلك بعد أن ظهر في بداية الأمر بجانب الرجل الأول في تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ثم ما لبث أن انفرد ببث بيانات القاعدة ليسلط الضوء على شخصه , وقد لاحظنا كيف أن الظواهري كان يحسِّنُ من ظهوره الإعلامي شكلاً , وان دل ذلك على شيء فإنما يدل على الاهتمام الشخصي للظواهري بالشهرة الذاتية .

    ربما يقال أن ذلك الرجل قد ترك حياة الترف وآثر الحياة القاسية من أجل الجهاد في سبيل الله , ولكن لا يمكن الجزم بهذا الأمر , فالشهوات مختلفة ومتنوعة , فهناك من تكون متعته في المال والحياة المترفة , وهناك من يجد غايته في السلطة والتسلط والنهي والأمر وإن كان ذلك على حساب راحته الجسدية وأمنه الشخصي وهذا ما ينطبق على كثيرين من قادة الثورات والأحزاب , وهناك من يحيا ويموت من أجل فكرة يؤمن بها .

    الظواهري لم يكن ذو شأن كصاحب فكر أو تاريخ جهادي في مصر , لأن جماعات الجهاد في مصر والتي انتمى إلى إحداها الظواهري لم تكن بدورها عامل تغييرٍ في الدولة , فقد كان هناك عشرات التنظيمات الصغيرة تعمل تحت مسمى "المجموعات الجهادية", وقد نشأت تلك المجموعات بسبب الظروف العامة التي عاشتها الأمة العربية والإسلامية , وكذلك بسبب الظرف الخاص بمصر , فقد كان حكم جمال عبد الناصر من أهم مسببات نشوء الجماعات الجهادية التكفيرية , وذلك حين زج بالآلاف من جماعة الإخوان المسلمين في السجن واعدم كثيراً من قادتهم ومفكريهم وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب - رحمه الله - وكذلك هزيمته المخزية أمام إسرائيل وما نتج عنها من توسع للكيان الغاصب وتدمير للجيش المصري , وكذلك فقد كان حكم السادات مكملاً لدور عبد الناصر حيث عقد تلك المعاهدة الاستسلامية مع يهود , فتلك الظروف كانت مناخاً مواتياً لظهور التطرف الديني الذي وصل إلى حد التكفير واستباحة دماء المسلمين .

    قيل أن الظواهري كان أحد مؤسسي تلك المجموعات الجهادية , حيث يقول الكاتب هاني السباعي أن الظواهري أخبره أنه أسس تنظيماً جهادياً وهو في سن السابعة عشرة , وهذا يتضارب بعض الشيء مع ما قاله السيد منتصر الزيات والذي قال أن الدكتور سيد إمام عبد العزيز هو الذي أسس تلك المجموعة سنة 1968 ووضع الظواهري أميراً عليها , وبغض النظر عن أي الروايتين أصح ولكن يبدو مُستغرَباً أن يكون الظواهري ابن السابعة عشرة أميراً على نبيل برعي والذي قيل أنه أسس أول تنظيم جهادي في منتصف خمسينيات القرن الماضي وهو يكبر الظواهري بعشرين عاماً تقريباً .

    الملاحَظُ أن سيرة الظواهري تمت صياغتها ما بعد عام 2002 , وقد تولى ذلك الأمر أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة وأهمهم هو السيد منتصر الزيات وكذلك الأستاذ هاني السباعي , ولو أننا استخلصنا ما قام به الظواهري من الناحية "الجهادية" منذ ولادته حتى 1984 حين خرج من السجن من خلال ما كتبه منتصر الزيات لوجدنا أنه لم يفعل شيئاً سوى انتمائه لتنظيم سري وقد سُجن بسبب حيازته لمسدس 9 ملم بدون ترخيص وبسبب إنتمائه لذلك التنظيم , ولو كان الظواهري كما يحاول تصويره السباعي أو يظنه الآخرون أنه قائد وأن لديه القدرة على التأثير في عامة الناس لاختلف الأمر إختلافاً كلياً , ولكن الحقيقة عكس ذلك , فقد كان يتأثر بالآخرين ولا يؤثر إلا في البسطاء جداً, كما أن صفاته لا تؤهله للقيادة وحتى لا تؤهله للجندية.

    يصف الزيات الدكتور الظواهري بأنه إنطوائي وخجول وقليل الكلام , ويقول أن مشكلة الظواهري تكمن في نزوله عند رغبات الآخرين وفي مراحل كثيرة من حياته خضع لرأي معاونيه بصرف النظر عن صواب ذلك الرأي أو خطئه , كما أن الظواهري لم يكن صلباً حين أُعتقل حيث اعترف بكل شيء أثناء التحقيق معه بحيث تسبب باعتقال باقي أعضاء التنظيم وساعد مباحث أمن الدولة في إعتقال عصام القميري أهمّ الأعضاء في تنظيمه بحيث اتصل به وتواعد معه للقائه ليجد القميري نفسه رهن الإعتقال , علماً بأنه لم يذكر أحد أن الظواهري تعرض لضغوط أو تعذيب أكثر من غيره , إلا أنه كان أكثر المتعاونين مع الأمن المصري وأقل المعتقلين تحملاً للأذى , وهذا ما جعل الزيات يقول أن نفسية الظواهري تأثرت لشعوره بذنب ما اقترفه بحق تنظيمه مما جعله يفكر في الرحيل إلى خارج مصر .

    إذن , فعلياً فانَّّّّّّّّّّّّّ الظواهري اقتصر عمله على تخزين الأسلحة في عيادته , وذلك إستغلالاً لبعده عن عيون المباحث وكذلك إستغلالاً لمشاعره الناقمة على النظام المصري , طبعاً لا يمكن أن تكون عيادته ترسانة أسلحة لتنظيم الجهاد وربما اقتصر الأمر على عدة قطع خفيفة وقنابل يدوية إضافة إلى أرشيف التنظيم الذي تم اكتشافه - حسب ادعاء الظواهري - , أما من الناحية النظرية فقد تأثر الظواهري بأفكار الشهيد سيد قطب والتي تعتبر المجتمع جاهلياً والحاكم كافراً , وهو لم يأخذ كل ما جاء به سيد قطب ودليل ذلك أن سيد - رحمه الله - استشهد وهو إخواني , إلا أن الظواهري كان من أشد الحاقدين على الإخوان المسلمين , وهذا دليل على أن الظواهري أخذ بعضاً مما آمن به سيد وترك كثيراً منه , كما أن الظواهري تأثر بالفكر المتطرف لبعض الشباب الذين فهموا الدين على طريقتهم الخاصة ودون الرجوع لأهل العلم , فقد تأثر الظواهري بكتاب "الفريضة الغائبة" للمهندس محمد عبد السلام فرج , وكتاب الفريضة الغائبة هو مجرد نقل لبعض أفكار الشيخ ابن تيمية وآخرين , ولكن الكارثة تكمن في الشروح الشخصية للمهندس فرج والتي تدل على جهلٍ مدقعٍ بالإسلام , والكتاب في حد ذاته يعتبر هدية مجانية لإسرائيل , لأن أهم نظرية من وجهة نظر الظواهري في الكتاب هي تلك التي تقول "العدو القريب أولى من العدو البعيد" , فيذكر فرج تحت بند "العدو القريب والعدو البعيد" ثلاثة قواعد شيطانية تنم عن جهل منقطع النظير إذا ما أحسنا الظن بذلك المهندس , حيث يقول أولاً : إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد ، ثانياً : إن دماء المسلمين ستنزف وان تحقق النصر - على العدو البعيد - فان ذلك النصر لصالح أنظمة الكفر وتثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله ، ثالثاً : البدء بالقضاء على الإستعمار عمل غير مجد وغير مفيد ومضيعة للوقت ويجب العمل على اقتلاع أنظمة الكفر - القريبة - ثم يكون من بعدها الإنطلاق .

    طبعاً وضَّح الظواهري تلك الفكرة في إحدى رسائله قائلاً : إن تحرير الأقصى لا يفيد لأنه سيخدم الأنظمة الكافرة فتحرير الأقصى يجب أن يبدأ أولاً من القاهرة ودمشق , ويستدل الظواهري بما قام به الناصر صلاح الدين حيث وحّد المسلمين ثم حرر القدس , ولكن هذا يدل على قصور في التفكير وخدمة لأمن "إسرائيل" ولا أدل على ذلك من تغيير تلك القاعدة من قِبَل الظواهري ذاته حيث أعلن تنظيم القاعدة بالاشتراك مع الظواهري عن إنشاء"الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" وذلك سنة 1998 , فسقطت بذلك نظرية " العدو القريب أولى من العدو البعيد" , وثبت أن الدماء التي نزفت على أرض مصر كانت نتيجة مراهقة فكرية وتخبط , فبين الأعوام 1991 و 1997 سقط أكثر من 1400 قتيل نتيجة دوامة العنف بين المجموعات "الجهادية" وأمن الدولة المصري , حيث قتل ما يقارب الأربعمائة من رجال الأمن المصري , وخمسمائة من الشباب المسلم المخدوع , وأكثر من أربعمائة مواطن مصري وما يقارب المائة سائح أجنبي , وخرج النظام الذي اعتبروه كافراً , منتصراً رغم نزف الدماء , كما أن تلك المجموعات أعلنت توبتها بالآلاف لتنقذ نفسها من السجن والملاحقة والقتل , أي أنهم كانوا على عكس الإخوان المسلمين تماماً , فالإخوان أعلنوا حربهم على الرذيلة والفساد والجاهلية وحاربوا الإنجليز وإسرائيل , ولم يستبيحوا دماء المسلمين رغم أن دماءهم استبيحت , فسُجنوا وعُذّبوا وقُتِل كثير منهم , ورغم ذلك صبروا على المحنة حتى جاء الفرج وأُخرجوا من السجن دون "توبة" أو ندم , حيث أخرجهم السادات ليتصدوا للشيوعيين والناصريين وليحسّن من شعبيته خاصة في بداية حكمه , المهم أنهم خرجوا بالأفكار التي دخلوا بسببها السجن وصدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا , وظلت جماعة الإخوان هي الأقوى والأكبر ليس على مستوى مصر وحدها بل على مستوى العالم كله .

    والآن , ورغم مرور ما يقارب العِقْد على إعلان تشكيل الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين إلا أن تلك الجبهة لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل , وبدل محاربة الصليبيين - باستثناء بعض العمليات - فإنها تفرغت لقتل المسلمين وبث الرعب بينهم , وبدلاً من استهداف القواعد العسكرية فإنها تستهدف المساجد والتجمعات العامة , وأصبحت مقاهي الإنترنت وكأنها معاقل اليهود والصليبيين , ليفجروها ويقتلوا الأبرياء .

    إن أفكار الظواهري والتكفيريين يجب دراستها بعقل منفتح وبعيداً عن التشنج والتعصب , رغم خلافنا الجوهري مع الحكام العرب الذين جلبوا للأمة كل المصائب والنوائب إلا أنه يجب التصرف معهم بحكمة , بحيث لا يكون المواطن المسلم هو الضحية .

    وأود تذكير كل من يفكر في قتل نفسه والآخرين من المسلمين تأثراً بتنظيم القاعدة إن الدكتور أيمن الظواهري وهو في سنكم أي في أواخر العشرينات من عمره كان يقيم حفل زفافه الفاخر في الكونتننتال في القاهرة , رغم انه و قبل زواجه بأشهر وتحديداً في مارس 1979 تم توقيع معاهدة الإستسلام بين مصر وإسرائيل , فهل يعقل أن يجد متسعاً للرفاهية من يدعي أنه تأثر بهزيمة 67 , وتأثر بزيارة السادات لإسرائيل , وأنه يحمل هم الأمة في قلبه ؟ .

    يتبع >>

  • #2
    الجزء الثانــــي :

    يقول الدكتور أيمن الظواهري في كتابه الحصاد المر "إن القتال وغيره من أعمال البر، بل الأعمال التي هي نصرة للدين، ليست بمجردها علامة التقوى ودليل الصلاح ، فهذه الأعمال كما يقوم بها الصالحون يمكن أن يقوم بها الفجار الفاسدون" , وأنا أؤيد الدكتور الظواهري في هذا الرأي , فيجب الفصل بين تأييد الأعمال التي فيها نصرة للدين وبين تأييد من قام بالعمل , وأنا اعتقد أن سبب اندفاع الشباب لتأييد تنظيم "القاعدة" والظواهري هو نتيجة ظنهم أن تنظيم "القاعدة" هو من نفذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر , وبغض النظر عن منفذ التفجيرات الشهيرة في أمريكا سواء "القاعدة" أم المحافظون الجدد بالتعاون مع اليهود لخدمة سياستهم , فذلك العمل ليس مدعاة للإنجرار خلف تنظيم "القاعدة" وتأييده في كل أعماله وأفكاره ومعتقداته , فمثلاً نحن أيدنا مقاومة حزب الله ولكن يبقى هناك خلاف بيننا وبينهم في كثير من الأمور, فنحن نحب هزيمة إسرائيل على أيدي حزب الله ولكن نظل نرفض تهجم الشيعة على صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , وكذلك فإننا نشكر إيران على مساعدة الشعب الفلسطيني ولكننا نرفض أن يكون هناك في إيران مزار مقدس لأبي لؤلؤة المجوسي لقتله الخليفة عمر بن الخطاب , فالأعمال تظل أشياء ثانوية مقارنة مع العقيدة والمنهاج , إضافة إلى يقيننا أن سياسة أي حزب ستخدم المعتقد في النهاية , ولذلك فلسنا نؤيد القاعدة في كل أعمالها , فكل عمل عسكري ضد الجيش المعتدي سواء الأمريكي أو الأوروبي أو الإسرائيلي فنحن معه وكل عمل ضد المدنيين الذين لا ذنب لهم فنحن ضده ما داموا في بلدانهم أو في بلداننا غير المحتلة.

    وكذلك فان قاعدة "عدو عدوي صديقي" لعبت دوراً كبيراً في حصول "القاعدة" على بعض التأييد الشعبي , فحين يقوم الظواهري بالتهجم على الأنظمة العربية , فان ذلك يجعل قلوب العوام تنجذب إليه كانجذاب الفراش إلى محرقتها , لأن الأنظمة العربية قد استخفت بشعوبها واحتقرتها وجعلتها كقطعان الماشية , كل همهم في الحياة توفير رغيف يومهم , أما الحرية والديمقراطية والكرامة وحتى الإنسانية لتلك الشعوب فقد أعدمت , وجعلت شعوبنا وأوطاننا بكل ما فيها من ثروات مسخرة للغرب مقابل الحفاظ على عروش العار للزعماء وورثتهم من بعدهم , لهذا كله فان كل من يتهجم على تلك الأنظمة يحظى بالمحبة والتقدير وربما حتى الإتباع , وقد لعب الظواهري على هذا الوتر بذكاء .

    يتبع

    تعليق


    • #3
      كما أن جرائم الغرب في حق شعوبنا وتدخلهم السافر في كل شأن من شؤوننا راكم حقد المسلمين على الأنظمة الغربية , فأصبح كل عمل يؤذي الغرب مرحب به من قبل الشعوب العربية والإسلامية , وهنا فإن مسؤولية كل أعمال العنف التي تقوم بها "القاعدة" وغيرها من المنظمات تقع بالدرجة الأولى على كاهل تلك الأنظمة , فتفجيرات لندن وقتل المدنيين البريطانيين أمر ليس من الإسلام ولكن اعتداء جيش الاحتلال البريطاني على الشعب العراقي والأفغاني مبرر كاف لأن يقوم البعض بالإنتقام ولو بطريقة خاطئة , وكذلك فان ممارسات كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية ومن خلفها بوش هي أسباب كافية للبعض حتى ينتقم من الشعب الأمريكي أو يبارك تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.

      كما أسلفت فان القهر والظلم والقمع كانت أسباب محفزة لإطلاق شرارة الفكر التكفيري , ولكن الانتشار والتفاعل معه جاء نتيجة الجهل بالدين الإسلامي .

      من شهد أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله دخل الإسلام وبذلك يصبح معصوم الدم ومعصوم المال عند المسلمين , يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" , ومن هنا فكيف يجوز لتنظيم "القاعدة" استباحة دماء المسلمين ؟ , تنظيم "القاعدة" ليس الحاكم بأمر الله , والظواهري ليس خليفة المسلمين , والضحايا قتلوا دون ذنب ودون محاكمة ودون أن تعرف هويتهم أساساً , وكل ذنبهم أن تصادف وجودهم في مكان فيه قاتل يعتقد أنه يجاهد لرفع راية الحق , ويظن أنه بفعله هذا سيدخل الجنة من أوسع أبوابها ويكون مع النبيين والصديقين والشهداء , ذلك المخدوع ظن أنه طبق حكم الله في أولئك الضحايا.

      هؤلاء التكفيريين القتلة يظنون أن المجتمعات كافرة لأنها تعين الحكام "الكفرة" في محاربتهم لله ورسوله , وكذلك فإنهم يظنون أن النطق بالشهادتين لا يكفي لعصمة دمائهم , فيقولون أن للشهادتين شروط وأركان لا تتوفر في المسلمين اليوم - باستثناء من يتبع تنظيمهم طبعاً - , وللرد على تلك الضلالة فإنني أقول أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل إسلام من جاءوه أفواجاً من العرب بمجرد نطقهم للشهادتين , فالرسول عليه السلام لم يجر لهم إختباراً ليعرف ما مدى فهمهم للشهادتين , واكتفى بظاهر أقوالهم , وحين قال خالد بن الوليد (رضي الله عنه) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه .فقال صلى الله عليه وسلم "إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم" , وحدث المقداد ابن عمرو وهو من أهل بدر ـنه قال : يا رسول الله إن لقيت كافراً فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة وقال أسلمت لله أأقتله بعد أن قالها؟ قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : لا تقتله , ثم قال يا رسول الله فانه طرح إحدى يدي ثم قال ذلك بعدما قطعها . أأقتله؟ قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : لا تقتله , فان قتلته فانه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال . وقال زيد بن أسامة : بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم , فلما غشيناه , قال - الكافر- لا اله إلا الله , فكف عنه الأنصاري , فطعنته برمحي فقتلته , فلما قدمنا بلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) , فقال لي "يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا اله إلا الله؟ قلت يا رسول الله : إنما كان متعوذاً , قال "أقتلته بعد أن قال لا اله إلا الله ؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم . وفي رواية أخرى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال له : أشققت عن قلبه ؟. أي هل شققت عن قلبه لتعلم أنه قالها خوفاً من القتل أم قالها صادقاً.

      هذه الأمثلة تبين حرمة دم المسلم بمجرد دخوله في الإسلام بنطقه الشهادتين , فكيف بقتل جموع المسلمين ؟ وبذلك نستدل على فظاعة التكفيريين حين يستبيحون دماء المسلمين دون ذنب .

      حين كان الظواهري في السودان عام 1994 اعدم صبياً يبلغ الخامسة عشرة من عمره أمام والده وجمع من رجال التنظيم بحجة أنه تجسس لحساب المخابرات المصرية , وقد تبين أن الصبي أٌجبر على ذلك العمل بعد أن تم الإيقاع به في الرذيلة ومن ثم تم تصويره من قبل المخابرات المصرية ليتعاون معها في التجسس على أفراد تنظيم الظواهري في السودان , ولكن هل يجوز قتل صبي أُكره على فعل ما فعله ؟ وان قيل أنه تم تحذيره وإنذاره ولكنه عاد وفعل ما فعل , فهل يعقل أن يؤتى المؤمن من جحر مرتين ؟ وما الذي سيكتشفه طفل في مثل هذا السن في التنظيم لولا غباء القائمين عليه , كما أن الظواهري في الباكستان أعدم أحد قيادات التنظيم ويدعى محمد عبد العليم لأنه اعترف وهو في احد المعتقلات المصرية عن قيادي آخر للتنظيم السري ويدعى عصام عبدالمجيد , فلم يعدم من اعترف عن عصام عبدالمجيد ولا يعدم من اعترف على عصام القمري ؟!! كيف يحكم الظواهري بسفك دم إنسان بتهمة هو نفسه اقترفها , فهو الذي اعترف عن عصام القمري وأوقع به وهو نفسه الذي كشف أسرار التنظيم السري , فلماذا هو لا يقتل وهم يقتلون ؟ فلماذا هو لا يسأل عن أفعاله وهم يسألون؟ إن المعلومات التي أدلى بها الظواهري ألحقت أضراراً أكبر بكثير مما ألحقه تجسس ذلك الطفل الضحية أو إعتراف القيادي محمد عبدالعال , ولكنه استخف قومه فأطاعوه وجعلوه يوغل في دمائهم كما يفعل في الآخرين .

      حين كان الظواهري رهن الإعتقال أقر في التحقيق بأنه ذهب إلى الشقة التي كان يختبئ فيها عبود الزمر وآخرين من التنظيم , وسأل عبود عما ينوي القيام به فقال له عبود أنه ينوي تفجير جنازة السادات لقتل أكبر عدد من المسئولين لكن الظواهري اعترض على ذلك التدبير واعتبره مضيعة للوقت .

      إذن على ماذا يبني الظواهري أحكامه ؟ تفجير الأسواق والنوادي والفنادق يعتبره جهاداً في سبيل الله وقتل المسئولين يعتبره مضيعة للوقت , يفجر ثلاثة فنادق في عمَّان سنة 2005 تقرباً إلى الله ويقتل أكثر من خمسين مسلماً أكثرهم كانوا في حفل زفاف لعائلة فلسطينية شردها الإحتلال الإسرائيلي في شتى بقاع الأرض فأرادوا جمع شملهم من أجل الإحتفال فجاءوا من السعودية والإمارات وأمريكا وفلسطين ليلتقوا في الأردن ويحتفلوا كما احتفل الظواهري في يوم زفافه في الكونتننتال , ولكن هدية الظواهري لهم كانت من نوع مختلف , هدية جعلت منهم أشلاء مبعثرة وتركتهم بين قتيل وجريح يسبحون في دمائهم , فهل هذا هو حكم الله يا ظواهري؟ وهل الإحتفال في الفنادق حلال للظواهري حرام على غيره ؟ وحتى لا يزاود مزاود فان تلك العائلة من أكثر العائلات التزاما بالإسلام , ولو افترضنا جدلاً أنه لم يكن عرساً إسلامياً فلا يحق اقتراف مثل تلك الجريمة في حقهم , لأن المعاصي لا يتم تغييرها بهذه الطريقة البشعة , كما أن من أمر بتفجير الفنادق هو نفسه الذي أمر بتفجير المساجد على رؤوس المصلين.

      كانت تلك بعض الممارسات التي تثبت أن الظواهري لا يسير على هدى من ربه وإنما تحركه الأهواء والمزاجية والتخبط , وكذلك فان استباحة دم المسلمين من قبل التكفيريين جاءت من قبيل الفهم الخاطئ لعقيدة الولاء والبراء والتي أوضحتها في مقال سابق بعنوان "الظواهري وحصاد فكره القاتل" يمكن للقارئ الكريم الإطلاع عليه .

      التكفيريون يحكمون بكفر كل حكام الدول العربية والإسلامية استناداً إلى الآيات (44 ,45 و47) من سورة المائدة , وفيهن ورد {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)** , {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)** , {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)**, والصحيح أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات , فمنهم من قال أن تلك الآيات نزلت بخصوص اليهود والنصارى , ومنهم من قال أنه كفر لا يخرج عن الملة , ومنهم من قال بكفر من لم يحكم بما أنزل الله ولكنه اشترط لذلك شروط .

      يتبع ..

      تعليق


      • #4
        الجزء الثالث والأخير :

        التكفيريون يحكمون بكفر كل حكام الدول العربية والإسلامية استناداً إلى الآيات (44 ,45 و47) من سورة المائدة , وفيهن ورد {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)** , {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)** , {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)**, والصحيح أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات , فمنهم من قال أن تلك الآيات نزلت بخصوص اليهود والنصارى , ومنهم من قال أنه كفر لا يخرج عن الملة , ومنهم من قال بكفر من لم يحكم بما أنزل الله ولكنه اشترط لذلك شروطاً.

        وحسب التفاسير "ابن كثير والقرطبي وغيرهما" فان من لم يحكم بما انزل الله فهو كافر , ولكن ليس بكفر يخرج من الملة ولكنه كفر دون كفر , وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل يوجب الكفر , وان حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة , كما أنه ورد في تلك التفاسير أن تلك الآيات جاءت عامة في كل من لم يحكم بما انزل الله من المسلمين واليهود والكفار , فمن فعلها مستحلاً لها فهو كافر وأما من فعل ذلك وهو معتقد انه ارتكب محرماً فهو من فساق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وان شاء غفر له.

        ومسألة الحكم هنا غير مقتصرة على الحكام , فهي تشمل الحاكم والقاضي وكل شخص , فكل معتقد يكون حاكماً باعتقاده فيما اعتقد , وكل قائل يكون حاكماً بقوله فيما قال به وكل عامل يكون حاكماً بعمله الذي فعل . فالحاكم إذا احل حراماً أو حرم حلالاً كفر , والقاضي إذا فعل ذلك كفر , كما أن أي مسلم احل حراماً أو حرم حلالاً وهو عالم بما يفعل - لا عن جهالة - فقد كفر .

        وحين يبيح مسلم قتل أخيه المسلم معتقداً أن ما يفعله صواباً فقد حكم بغير ما انزل الله , ومن وافق الظواهري والقاعدة وغيرها على أفعالهم ضد المسلمين الأبرياء من قتل وذبح فقد حكم بغير ما انزل الله , فان وافقهم على أفعالهم إيماناً منه أن هذا هو الحكم الصائب فقد كفر وان وافقهم مع قناعته أن هذا الفعل يخالف الشرع فقد فسق وظلم.

        ورد في كتاب "الحصاد المر" للدكتور الظواهري النص التالي: "أن الإقرار بالديمقراطية هو إقرار بمنح حق التشريع لأحد من دون الله تعالى كما هو مقتضى الديمقراطية ، ومن أقرّ بهذا فهو كافر ، لأنه اتخذ آلهة من دون الله ، لأن التشريع حق خالص له تعالى، ومن شــرع للبشر شيئاً فقــد نصـب نفســه إلهاً لهم ، ومن أقرّ لـه بهذا فقد اتخذه إلـهاً" , وفي نفس الكتاب يعرف الديمقراطية بأنها "حكم الشعب للشعب" ، ويقول" فالديمقراطية شرك بالله لأنها نزعت حق التشريع من المولى عز وجل وأعطته للشعب".

        لا شك أن الدكتور الظواهري من خلال النص أعلاه قد وقع في أخطاء كثيرة وخطيرة جداً , فالديمقراطية التي يتحدث عنها ليست هي الديمقراطية التي نقصدها , وفهم الظواهري للتشريع ليس صحيحاً تماماً , كما أنه أخطأ في حق الذات الإلهية حين زعم أن أحداً يمكنه نزع شيء من الله - والعياذ بالله - ويعطيها لغيره.

        ليس هنا المجال للخوض فيما تعنيه الديمقراطية ولكن باختصار أقول إن الديمقراطية بمفهومها القديم تعني حكم الشعب للشعب , ولكن في حقيقتها لم تكن يوماً كذلك , فالديمقراطية أول ما طبقت في القرن الخامس قبل الميلاد من قبل الإغريق , وقد طبقت على شعب صغير وحسب المؤرخين فان الأطفال والنساء والخدم والأجانب - التجار- لم يكن لهم حق في المشاركة في الحكم - اتخاذ القرارات - وذلك يعني أن نسبة المشاركة ستكون أقل من عشرين في المئة , ومن ضمن تلك النسبة فان من يتخذ قراره باستقلالية تامة تكون نسبتهم قليلة جداً , لأن الأغنياء لهم سلطة على الفقراء والدائنين لهم سلطة على المدينين وهكذا فان القرار تتخذه أقلية متحكمة بحكم الظروف , وهذا لا يمكن أن يوصف أنه حكم الشعب للشعب , وقد تطور هذا النظام حتى أصبح كما نراه اليوم حيث يتم انتخاب ممثلين عن الشعب ليمثلوهم في مجالس الحكم والتشريع ويكون الحكم من خلال هؤلاء وهم في الحقيقة لا يمثلون الشعب لأنهم لا يرجعون في كل أمر إلى ناخبيهم , ولو عدنا إلى معنى كلمة "ديمقراطية" في اللغة الانجليزية لوجدنا أن أحد معانيها هو "الحرية والعدل والمساواة" , وهذا الذي نفهمه من كلمة ديمقراطية , والحرية في مفهومنا غيرها في مفهوم الآخرين وكذلك كلمتي عدل ومساواة, فتلك القيم لدينا نحن المسلمين تكون ضمن إطار الشريعة الإسلامية الغراء.

        ومن ذلك ندرك انه لا يجوز للدكتور الظواهري أن يتهم المسلمين بأنهم ارتضوا الديمقراطية بديلاً عن الإسلام , وخاصة إذا كان الدستور ينص على أن دين الدولة الإسلام وان الإسلام أحد مصادر التشريع.

        والأمر الثاني الذي أخطأ فيه الدكتور الظواهري هو اعتبار أن التشريع لا يكون إلا لله عز وجل , وهذا يعني أن الظواهري لا يفقه ما تعنيه كلمة تشريع ودليل ذلك قول الدكتور الظواهري "ومن شرع للبشر شيئاً فقد نصب نفسه إلها لهم" والتشريع لغة هو سن القوانين , ومن التشريعات ما يكون من الدين ومنها ما هو ليس كذلك , والتشريع الذي لا يجوز للمسلمين وغيرهم تبديله وتغييره هو ما كان من الدين , يقول تعالى في محكم تنزيله {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ** (الشورى آية 13) ، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ** (الشورى آية 21). أما التشريع المتعلق بتنظيم أمور الدنيا فهو متروك للمسلمين لينظموه حسب ما تقتضيه حاجة المسلمين ومصلحتهم ويكون الأمر بينهم قائماً على الشورى {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ** (38الشورى آية).

        ولا أظن أن من سن قوانين الاتصالات والمواصلات وتنظيم حركة السير وقوانين الاستيراد والتصدير وغير ذلك من المباحات قد جعل من نفسه إلها للآخرين , ومن خلال ذلك نفهم أن الظواهري قد جاء بشرع جديد حين يعترض على حق البشر في إدارة أمور دنياهم , وإلا فما الذي تعنيه "ومن شرع للبشر شيئاً فقد نصب نفسه إلها لهم" ؟؟ , وكذلك فان كثيراً من الأحزاب تحمل المفاهيم ذاتها , فحزب التحرير مثلاً حرم المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بحجة أن التشريع هو من اختصاص الله عز وجل ولا يحق للبشر ذلك , علماً بأنهم أنفسهم خاضوا تلك الانتخابات في دول كثيرة ولكن يبدو أنهم يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً , وكذلك فهم يكفرون الحكام إستناداً لما أوردناه من آيات , ولست بصدد ذكر كل الأحزاب والجماعات التكفيرية وإنما أكتفي بذكر ما يستندون إليه في تكفيرهم للحكام والمسلمين.

        وأمر آخر أود التنويه إليه , هو قول الدكتور الظواهري : "فالديمقراطية شرك بالله لأنها نزعت حق التشريع من المولى عز وجل وأعطته للشعب" , و "نزع الشيء" لغة يعني اقتلاعه من مكانه وجذبه ويقول سيبويه: نزع الشيء أي حوله عن موضعه وان كان يعني استلابه , وحسب ذلك فان الظواهري يدعي أن الديمقراطية سلبت الله - والعياذ بالله - حق التشريع ومنحته للشعب , فالصورة واضحة "اخذ شيء من جهة وإعطائه إلى جهة أخرى" , وبالتالي تصبح الجهة المنزوع منها ذلك الشيء فاقدة له , وهنا أقول أن الظواهري لم يتأدب مع المولى عز وجل حين قال ما قاله , ولا أريد الخوض في الحكم على الظواهري من خلال مقولته تلك واترك ذلك لأصحاب الأمر من العلماء والفقهاء.

        في خطاب التكفيريين كثيراً ما يظهر مصطلح "الحاكمية لله" , والظواهري من أكثر المرددين لذلك المصطلح , ولا شك أن "الحاكمية" يقصد بها الحكم , ولكن ماذا يقصدون هم بذلك ؟؟ لا نعلم , ولكن ما نجزم به هو:

        أولاً : أن كلمة حاكمية لم ترد في كتاب الله ولا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلماذا يفضلون استخدام مصطلح من اختراع بشري ويتركون كلام الله عز وجل ؟؟ وهل كلامهم أكثر بلاغة ؟؟ قطعاً لا .

        ثانياً : التكفيريون عجزوا عن فهم مقاصد ومعاني كلمات ومصطلحات وردت في كتاب الله وفسرها العلماء , فكيف لهم تفسير ما لم يذكر في كتاب الله ؟؟؟ فالحكم بما أنزل الله , لم يحسنوا فهمه, والتشريع كذلك لم يفقهوه , ومعنى الشهادتين حملوه مالا يحتمل , فكيف لهم تفسير ما لم يفهم القصد منه ؟؟؟.

        في كتابه "معالم في الطريق" ذكر الشهيد سيد قطب - رحمه الله - أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مكة في بداية الدعوة لم يقاتل المشركين وقد ذكر عدة مبررات ربما قد تكون إحداها سبباً في عدم قتالهم حيث قال "وربما كان ذلك أيضاً , اجتناباً لإنشاء معركة ومقتله في داخل كل بيت , ومعنى الإذن بالقتال أن تقع معركة ومقتله في كل بيت ..ثم يقال : هذا هو الإسلام , ولقد قيلت حتى والإسلام يأمر بالكف عن القتال , فقد كانت دعاية قريش في الموسم . للعرب القادمين للحج والتجارة , أن محمداً يفرق بين الوالد وولده , فوق تفريقه لقومه وعشيرته , فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل والده , والمولى بقتل الولي , في كل بيت وفي كل محلة" انتهى كلام الشهيد سيد قطب .

        هنا أتساءل , لماذا يرفض سيد - رحمه الله - فكرة الاقتتال الداخلي بين أهل مكة رغم اختلافهم في العقيدة بينما يدعو الظواهري الفلسطينيين من حماس إلى قتال إخوانهم من فتح والتنظيمات الأخرى بحجة التمايز وهم معظمهم مسلمون ؟؟

        لماذا يرفض سيد أي أمر فيه الإساءة إلى الإسلام بينما الظواهري يسيء له بكثير من تصرفاته المخالفة للشرع ؟؟؟

        اترك الإجابة لمن ضللهم وخدعهم الظواهري .

        رغم كل ما قلناه عن الظواهري والتكفيريين فإنني اختم مقالي بالتأكيد على ما يلي :

        1- الأمة الإسلامية مع كل من رفع لواء المقاومة ضد من احتل أي شبر من ارض المسلمين , وهي مع قتل كل من انتمى إلى الجيوش الغازية ومن ساندها من جيوش عميلة ومليشيات مسلحة وضعت نفسها في خدمة الاحتلال.

        2- قتل المسلمين الأبرياء جريمة يستنكرها كل مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وان محمداً رسول الله.

        3- فلسطين قضية المسلمين جميعاً, ومفروض على الجميع العمل من أجل تحريرها , فان كان الظواهري قد تخلى عن فكرة أن تحرير الأقصى يثبت أنظمة الكفر , فأهلاً به لمقاومة الإحتلال الصهيوني , فتدخله من هذا الباب مرحب به أيما ترحيب, ولكن أن يجعل نفسه وصياً على الشعب الفلسطيني ويحاول دق الأسافين بين الفصائل الفلسطينية , أو يحاول تجنيد من يؤمنون بذبح كل من لا يؤمن بفكرهم التكفيري أو أن يتطاول على المقاومة الفلسطينية فهذا مرفوض جملة وتفصيلاً , ونبشره أن الشعب الفلسطيني لديه من الوعي ما يفوت الفرص على الطامعين في اختراقه .

        تعليق

        يعمل...
        X