مقال من ثلاثة اجزاء يسلط به الكاتب : د.عصام شاور ( كاتب فلسطيني ) الضوء على فكر (أيمن الظواهري ) ومن خلفه تنظيم القاعدة وهو مقال يستحق القراءة فعلاً :
شاب في مُقتبل العمر يجلس على الأرض يضع العمامة على رأسه وبندقية على يمينه وأخرى على شماله , يقرأ وصيته قبل أن يضع حداً لحياته وحياة عشرات الأبرياء الآخرين باسم الإسلام , ومن اجل الإسلام كما يظن ذلك المسكين المضلل . ثم نرى أشلاء المسلمين متناثرة في شوارع الجزائر والمغرب والعراق وغيرها من الدول العربية والإسلامية , فلم يقتل الجزائري المسلم ؟ و من أعطى الأمر بإعدام الشباب المغربي ؟ وكذلك من يملك حق تدمير المساجد على المصلين في العراق ؟ .
صورة من يقرأ وصيته باتت تتكرر كتقليد وإتباع لزعماء تنظيم القاعدة وخاصةً الظواهري , ولكن الفرق أن الظواهري يظل في مأمن ولا يقتل نفسه ويكون لديه المتسع ليتراجَعَ عن اجتهاداته الشخصية ليتبنى أخرى متناقضة تماماً مع سابقاتها .
ربما هذا القول يؤذي مشاعر المخدوعين بالظواهري , ولكن ألا يستحق من كل شاب أن يقف مع نفسه لحظات محاسبة وإعادة نظر في المنهاج الذي يسير عليه ؟
أليس من الحكمة دراسة تاريخ الظواهري دراسة واعية للنظر فيما إذا كان يستحق هذا الرجل الإتّباع أم لا ؟ فالأمر ليس سهلا , والعقيدة على المحك , ونفس المرء ليست رخيصة , وقتل المسلم من أكبر الكبائر , وجهنم لا يمكن الصبر عليها , لهذا كله وجب على كل متّبِع أن يتحقق من أهلية من يتبع , عليه أن يتحقق من صدقه وإخلاصه وصواب عمله , وان لا يطفئ سراج عقله ليكون فريسة لأصحاب الأهواء والغايات المشوشة وأصحاب النفوس المعتلة المريضة .
الدكتور أيمن الظواهري , الرجل الثاني في تنظيم القاعدة , قد حاز شهرة عالمية فقط بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا وذلك بعد أن ظهر في بداية الأمر بجانب الرجل الأول في تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ثم ما لبث أن انفرد ببث بيانات القاعدة ليسلط الضوء على شخصه , وقد لاحظنا كيف أن الظواهري كان يحسِّنُ من ظهوره الإعلامي شكلاً , وان دل ذلك على شيء فإنما يدل على الاهتمام الشخصي للظواهري بالشهرة الذاتية .
ربما يقال أن ذلك الرجل قد ترك حياة الترف وآثر الحياة القاسية من أجل الجهاد في سبيل الله , ولكن لا يمكن الجزم بهذا الأمر , فالشهوات مختلفة ومتنوعة , فهناك من تكون متعته في المال والحياة المترفة , وهناك من يجد غايته في السلطة والتسلط والنهي والأمر وإن كان ذلك على حساب راحته الجسدية وأمنه الشخصي وهذا ما ينطبق على كثيرين من قادة الثورات والأحزاب , وهناك من يحيا ويموت من أجل فكرة يؤمن بها .
الظواهري لم يكن ذو شأن كصاحب فكر أو تاريخ جهادي في مصر , لأن جماعات الجهاد في مصر والتي انتمى إلى إحداها الظواهري لم تكن بدورها عامل تغييرٍ في الدولة , فقد كان هناك عشرات التنظيمات الصغيرة تعمل تحت مسمى "المجموعات الجهادية", وقد نشأت تلك المجموعات بسبب الظروف العامة التي عاشتها الأمة العربية والإسلامية , وكذلك بسبب الظرف الخاص بمصر , فقد كان حكم جمال عبد الناصر من أهم مسببات نشوء الجماعات الجهادية التكفيرية , وذلك حين زج بالآلاف من جماعة الإخوان المسلمين في السجن واعدم كثيراً من قادتهم ومفكريهم وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب - رحمه الله - وكذلك هزيمته المخزية أمام إسرائيل وما نتج عنها من توسع للكيان الغاصب وتدمير للجيش المصري , وكذلك فقد كان حكم السادات مكملاً لدور عبد الناصر حيث عقد تلك المعاهدة الاستسلامية مع يهود , فتلك الظروف كانت مناخاً مواتياً لظهور التطرف الديني الذي وصل إلى حد التكفير واستباحة دماء المسلمين .
قيل أن الظواهري كان أحد مؤسسي تلك المجموعات الجهادية , حيث يقول الكاتب هاني السباعي أن الظواهري أخبره أنه أسس تنظيماً جهادياً وهو في سن السابعة عشرة , وهذا يتضارب بعض الشيء مع ما قاله السيد منتصر الزيات والذي قال أن الدكتور سيد إمام عبد العزيز هو الذي أسس تلك المجموعة سنة 1968 ووضع الظواهري أميراً عليها , وبغض النظر عن أي الروايتين أصح ولكن يبدو مُستغرَباً أن يكون الظواهري ابن السابعة عشرة أميراً على نبيل برعي والذي قيل أنه أسس أول تنظيم جهادي في منتصف خمسينيات القرن الماضي وهو يكبر الظواهري بعشرين عاماً تقريباً .
الملاحَظُ أن سيرة الظواهري تمت صياغتها ما بعد عام 2002 , وقد تولى ذلك الأمر أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة وأهمهم هو السيد منتصر الزيات وكذلك الأستاذ هاني السباعي , ولو أننا استخلصنا ما قام به الظواهري من الناحية "الجهادية" منذ ولادته حتى 1984 حين خرج من السجن من خلال ما كتبه منتصر الزيات لوجدنا أنه لم يفعل شيئاً سوى انتمائه لتنظيم سري وقد سُجن بسبب حيازته لمسدس 9 ملم بدون ترخيص وبسبب إنتمائه لذلك التنظيم , ولو كان الظواهري كما يحاول تصويره السباعي أو يظنه الآخرون أنه قائد وأن لديه القدرة على التأثير في عامة الناس لاختلف الأمر إختلافاً كلياً , ولكن الحقيقة عكس ذلك , فقد كان يتأثر بالآخرين ولا يؤثر إلا في البسطاء جداً, كما أن صفاته لا تؤهله للقيادة وحتى لا تؤهله للجندية.
يصف الزيات الدكتور الظواهري بأنه إنطوائي وخجول وقليل الكلام , ويقول أن مشكلة الظواهري تكمن في نزوله عند رغبات الآخرين وفي مراحل كثيرة من حياته خضع لرأي معاونيه بصرف النظر عن صواب ذلك الرأي أو خطئه , كما أن الظواهري لم يكن صلباً حين أُعتقل حيث اعترف بكل شيء أثناء التحقيق معه بحيث تسبب باعتقال باقي أعضاء التنظيم وساعد مباحث أمن الدولة في إعتقال عصام القميري أهمّ الأعضاء في تنظيمه بحيث اتصل به وتواعد معه للقائه ليجد القميري نفسه رهن الإعتقال , علماً بأنه لم يذكر أحد أن الظواهري تعرض لضغوط أو تعذيب أكثر من غيره , إلا أنه كان أكثر المتعاونين مع الأمن المصري وأقل المعتقلين تحملاً للأذى , وهذا ما جعل الزيات يقول أن نفسية الظواهري تأثرت لشعوره بذنب ما اقترفه بحق تنظيمه مما جعله يفكر في الرحيل إلى خارج مصر .
إذن , فعلياً فانَّّّّّّّّّّّّّ الظواهري اقتصر عمله على تخزين الأسلحة في عيادته , وذلك إستغلالاً لبعده عن عيون المباحث وكذلك إستغلالاً لمشاعره الناقمة على النظام المصري , طبعاً لا يمكن أن تكون عيادته ترسانة أسلحة لتنظيم الجهاد وربما اقتصر الأمر على عدة قطع خفيفة وقنابل يدوية إضافة إلى أرشيف التنظيم الذي تم اكتشافه - حسب ادعاء الظواهري - , أما من الناحية النظرية فقد تأثر الظواهري بأفكار الشهيد سيد قطب والتي تعتبر المجتمع جاهلياً والحاكم كافراً , وهو لم يأخذ كل ما جاء به سيد قطب ودليل ذلك أن سيد - رحمه الله - استشهد وهو إخواني , إلا أن الظواهري كان من أشد الحاقدين على الإخوان المسلمين , وهذا دليل على أن الظواهري أخذ بعضاً مما آمن به سيد وترك كثيراً منه , كما أن الظواهري تأثر بالفكر المتطرف لبعض الشباب الذين فهموا الدين على طريقتهم الخاصة ودون الرجوع لأهل العلم , فقد تأثر الظواهري بكتاب "الفريضة الغائبة" للمهندس محمد عبد السلام فرج , وكتاب الفريضة الغائبة هو مجرد نقل لبعض أفكار الشيخ ابن تيمية وآخرين , ولكن الكارثة تكمن في الشروح الشخصية للمهندس فرج والتي تدل على جهلٍ مدقعٍ بالإسلام , والكتاب في حد ذاته يعتبر هدية مجانية لإسرائيل , لأن أهم نظرية من وجهة نظر الظواهري في الكتاب هي تلك التي تقول "العدو القريب أولى من العدو البعيد" , فيذكر فرج تحت بند "العدو القريب والعدو البعيد" ثلاثة قواعد شيطانية تنم عن جهل منقطع النظير إذا ما أحسنا الظن بذلك المهندس , حيث يقول أولاً : إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد ، ثانياً : إن دماء المسلمين ستنزف وان تحقق النصر - على العدو البعيد - فان ذلك النصر لصالح أنظمة الكفر وتثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله ، ثالثاً : البدء بالقضاء على الإستعمار عمل غير مجد وغير مفيد ومضيعة للوقت ويجب العمل على اقتلاع أنظمة الكفر - القريبة - ثم يكون من بعدها الإنطلاق .
طبعاً وضَّح الظواهري تلك الفكرة في إحدى رسائله قائلاً : إن تحرير الأقصى لا يفيد لأنه سيخدم الأنظمة الكافرة فتحرير الأقصى يجب أن يبدأ أولاً من القاهرة ودمشق , ويستدل الظواهري بما قام به الناصر صلاح الدين حيث وحّد المسلمين ثم حرر القدس , ولكن هذا يدل على قصور في التفكير وخدمة لأمن "إسرائيل" ولا أدل على ذلك من تغيير تلك القاعدة من قِبَل الظواهري ذاته حيث أعلن تنظيم القاعدة بالاشتراك مع الظواهري عن إنشاء"الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" وذلك سنة 1998 , فسقطت بذلك نظرية " العدو القريب أولى من العدو البعيد" , وثبت أن الدماء التي نزفت على أرض مصر كانت نتيجة مراهقة فكرية وتخبط , فبين الأعوام 1991 و 1997 سقط أكثر من 1400 قتيل نتيجة دوامة العنف بين المجموعات "الجهادية" وأمن الدولة المصري , حيث قتل ما يقارب الأربعمائة من رجال الأمن المصري , وخمسمائة من الشباب المسلم المخدوع , وأكثر من أربعمائة مواطن مصري وما يقارب المائة سائح أجنبي , وخرج النظام الذي اعتبروه كافراً , منتصراً رغم نزف الدماء , كما أن تلك المجموعات أعلنت توبتها بالآلاف لتنقذ نفسها من السجن والملاحقة والقتل , أي أنهم كانوا على عكس الإخوان المسلمين تماماً , فالإخوان أعلنوا حربهم على الرذيلة والفساد والجاهلية وحاربوا الإنجليز وإسرائيل , ولم يستبيحوا دماء المسلمين رغم أن دماءهم استبيحت , فسُجنوا وعُذّبوا وقُتِل كثير منهم , ورغم ذلك صبروا على المحنة حتى جاء الفرج وأُخرجوا من السجن دون "توبة" أو ندم , حيث أخرجهم السادات ليتصدوا للشيوعيين والناصريين وليحسّن من شعبيته خاصة في بداية حكمه , المهم أنهم خرجوا بالأفكار التي دخلوا بسببها السجن وصدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا , وظلت جماعة الإخوان هي الأقوى والأكبر ليس على مستوى مصر وحدها بل على مستوى العالم كله .
والآن , ورغم مرور ما يقارب العِقْد على إعلان تشكيل الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين إلا أن تلك الجبهة لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل , وبدل محاربة الصليبيين - باستثناء بعض العمليات - فإنها تفرغت لقتل المسلمين وبث الرعب بينهم , وبدلاً من استهداف القواعد العسكرية فإنها تستهدف المساجد والتجمعات العامة , وأصبحت مقاهي الإنترنت وكأنها معاقل اليهود والصليبيين , ليفجروها ويقتلوا الأبرياء .
إن أفكار الظواهري والتكفيريين يجب دراستها بعقل منفتح وبعيداً عن التشنج والتعصب , رغم خلافنا الجوهري مع الحكام العرب الذين جلبوا للأمة كل المصائب والنوائب إلا أنه يجب التصرف معهم بحكمة , بحيث لا يكون المواطن المسلم هو الضحية .
وأود تذكير كل من يفكر في قتل نفسه والآخرين من المسلمين تأثراً بتنظيم القاعدة إن الدكتور أيمن الظواهري وهو في سنكم أي في أواخر العشرينات من عمره كان يقيم حفل زفافه الفاخر في الكونتننتال في القاهرة , رغم انه و قبل زواجه بأشهر وتحديداً في مارس 1979 تم توقيع معاهدة الإستسلام بين مصر وإسرائيل , فهل يعقل أن يجد متسعاً للرفاهية من يدعي أنه تأثر بهزيمة 67 , وتأثر بزيارة السادات لإسرائيل , وأنه يحمل هم الأمة في قلبه ؟ .
يتبع >>
شاب في مُقتبل العمر يجلس على الأرض يضع العمامة على رأسه وبندقية على يمينه وأخرى على شماله , يقرأ وصيته قبل أن يضع حداً لحياته وحياة عشرات الأبرياء الآخرين باسم الإسلام , ومن اجل الإسلام كما يظن ذلك المسكين المضلل . ثم نرى أشلاء المسلمين متناثرة في شوارع الجزائر والمغرب والعراق وغيرها من الدول العربية والإسلامية , فلم يقتل الجزائري المسلم ؟ و من أعطى الأمر بإعدام الشباب المغربي ؟ وكذلك من يملك حق تدمير المساجد على المصلين في العراق ؟ .
صورة من يقرأ وصيته باتت تتكرر كتقليد وإتباع لزعماء تنظيم القاعدة وخاصةً الظواهري , ولكن الفرق أن الظواهري يظل في مأمن ولا يقتل نفسه ويكون لديه المتسع ليتراجَعَ عن اجتهاداته الشخصية ليتبنى أخرى متناقضة تماماً مع سابقاتها .
ربما هذا القول يؤذي مشاعر المخدوعين بالظواهري , ولكن ألا يستحق من كل شاب أن يقف مع نفسه لحظات محاسبة وإعادة نظر في المنهاج الذي يسير عليه ؟
أليس من الحكمة دراسة تاريخ الظواهري دراسة واعية للنظر فيما إذا كان يستحق هذا الرجل الإتّباع أم لا ؟ فالأمر ليس سهلا , والعقيدة على المحك , ونفس المرء ليست رخيصة , وقتل المسلم من أكبر الكبائر , وجهنم لا يمكن الصبر عليها , لهذا كله وجب على كل متّبِع أن يتحقق من أهلية من يتبع , عليه أن يتحقق من صدقه وإخلاصه وصواب عمله , وان لا يطفئ سراج عقله ليكون فريسة لأصحاب الأهواء والغايات المشوشة وأصحاب النفوس المعتلة المريضة .
الدكتور أيمن الظواهري , الرجل الثاني في تنظيم القاعدة , قد حاز شهرة عالمية فقط بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا وذلك بعد أن ظهر في بداية الأمر بجانب الرجل الأول في تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ثم ما لبث أن انفرد ببث بيانات القاعدة ليسلط الضوء على شخصه , وقد لاحظنا كيف أن الظواهري كان يحسِّنُ من ظهوره الإعلامي شكلاً , وان دل ذلك على شيء فإنما يدل على الاهتمام الشخصي للظواهري بالشهرة الذاتية .
ربما يقال أن ذلك الرجل قد ترك حياة الترف وآثر الحياة القاسية من أجل الجهاد في سبيل الله , ولكن لا يمكن الجزم بهذا الأمر , فالشهوات مختلفة ومتنوعة , فهناك من تكون متعته في المال والحياة المترفة , وهناك من يجد غايته في السلطة والتسلط والنهي والأمر وإن كان ذلك على حساب راحته الجسدية وأمنه الشخصي وهذا ما ينطبق على كثيرين من قادة الثورات والأحزاب , وهناك من يحيا ويموت من أجل فكرة يؤمن بها .
الظواهري لم يكن ذو شأن كصاحب فكر أو تاريخ جهادي في مصر , لأن جماعات الجهاد في مصر والتي انتمى إلى إحداها الظواهري لم تكن بدورها عامل تغييرٍ في الدولة , فقد كان هناك عشرات التنظيمات الصغيرة تعمل تحت مسمى "المجموعات الجهادية", وقد نشأت تلك المجموعات بسبب الظروف العامة التي عاشتها الأمة العربية والإسلامية , وكذلك بسبب الظرف الخاص بمصر , فقد كان حكم جمال عبد الناصر من أهم مسببات نشوء الجماعات الجهادية التكفيرية , وذلك حين زج بالآلاف من جماعة الإخوان المسلمين في السجن واعدم كثيراً من قادتهم ومفكريهم وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب - رحمه الله - وكذلك هزيمته المخزية أمام إسرائيل وما نتج عنها من توسع للكيان الغاصب وتدمير للجيش المصري , وكذلك فقد كان حكم السادات مكملاً لدور عبد الناصر حيث عقد تلك المعاهدة الاستسلامية مع يهود , فتلك الظروف كانت مناخاً مواتياً لظهور التطرف الديني الذي وصل إلى حد التكفير واستباحة دماء المسلمين .
قيل أن الظواهري كان أحد مؤسسي تلك المجموعات الجهادية , حيث يقول الكاتب هاني السباعي أن الظواهري أخبره أنه أسس تنظيماً جهادياً وهو في سن السابعة عشرة , وهذا يتضارب بعض الشيء مع ما قاله السيد منتصر الزيات والذي قال أن الدكتور سيد إمام عبد العزيز هو الذي أسس تلك المجموعة سنة 1968 ووضع الظواهري أميراً عليها , وبغض النظر عن أي الروايتين أصح ولكن يبدو مُستغرَباً أن يكون الظواهري ابن السابعة عشرة أميراً على نبيل برعي والذي قيل أنه أسس أول تنظيم جهادي في منتصف خمسينيات القرن الماضي وهو يكبر الظواهري بعشرين عاماً تقريباً .
الملاحَظُ أن سيرة الظواهري تمت صياغتها ما بعد عام 2002 , وقد تولى ذلك الأمر أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة وأهمهم هو السيد منتصر الزيات وكذلك الأستاذ هاني السباعي , ولو أننا استخلصنا ما قام به الظواهري من الناحية "الجهادية" منذ ولادته حتى 1984 حين خرج من السجن من خلال ما كتبه منتصر الزيات لوجدنا أنه لم يفعل شيئاً سوى انتمائه لتنظيم سري وقد سُجن بسبب حيازته لمسدس 9 ملم بدون ترخيص وبسبب إنتمائه لذلك التنظيم , ولو كان الظواهري كما يحاول تصويره السباعي أو يظنه الآخرون أنه قائد وأن لديه القدرة على التأثير في عامة الناس لاختلف الأمر إختلافاً كلياً , ولكن الحقيقة عكس ذلك , فقد كان يتأثر بالآخرين ولا يؤثر إلا في البسطاء جداً, كما أن صفاته لا تؤهله للقيادة وحتى لا تؤهله للجندية.
يصف الزيات الدكتور الظواهري بأنه إنطوائي وخجول وقليل الكلام , ويقول أن مشكلة الظواهري تكمن في نزوله عند رغبات الآخرين وفي مراحل كثيرة من حياته خضع لرأي معاونيه بصرف النظر عن صواب ذلك الرأي أو خطئه , كما أن الظواهري لم يكن صلباً حين أُعتقل حيث اعترف بكل شيء أثناء التحقيق معه بحيث تسبب باعتقال باقي أعضاء التنظيم وساعد مباحث أمن الدولة في إعتقال عصام القميري أهمّ الأعضاء في تنظيمه بحيث اتصل به وتواعد معه للقائه ليجد القميري نفسه رهن الإعتقال , علماً بأنه لم يذكر أحد أن الظواهري تعرض لضغوط أو تعذيب أكثر من غيره , إلا أنه كان أكثر المتعاونين مع الأمن المصري وأقل المعتقلين تحملاً للأذى , وهذا ما جعل الزيات يقول أن نفسية الظواهري تأثرت لشعوره بذنب ما اقترفه بحق تنظيمه مما جعله يفكر في الرحيل إلى خارج مصر .
إذن , فعلياً فانَّّّّّّّّّّّّّ الظواهري اقتصر عمله على تخزين الأسلحة في عيادته , وذلك إستغلالاً لبعده عن عيون المباحث وكذلك إستغلالاً لمشاعره الناقمة على النظام المصري , طبعاً لا يمكن أن تكون عيادته ترسانة أسلحة لتنظيم الجهاد وربما اقتصر الأمر على عدة قطع خفيفة وقنابل يدوية إضافة إلى أرشيف التنظيم الذي تم اكتشافه - حسب ادعاء الظواهري - , أما من الناحية النظرية فقد تأثر الظواهري بأفكار الشهيد سيد قطب والتي تعتبر المجتمع جاهلياً والحاكم كافراً , وهو لم يأخذ كل ما جاء به سيد قطب ودليل ذلك أن سيد - رحمه الله - استشهد وهو إخواني , إلا أن الظواهري كان من أشد الحاقدين على الإخوان المسلمين , وهذا دليل على أن الظواهري أخذ بعضاً مما آمن به سيد وترك كثيراً منه , كما أن الظواهري تأثر بالفكر المتطرف لبعض الشباب الذين فهموا الدين على طريقتهم الخاصة ودون الرجوع لأهل العلم , فقد تأثر الظواهري بكتاب "الفريضة الغائبة" للمهندس محمد عبد السلام فرج , وكتاب الفريضة الغائبة هو مجرد نقل لبعض أفكار الشيخ ابن تيمية وآخرين , ولكن الكارثة تكمن في الشروح الشخصية للمهندس فرج والتي تدل على جهلٍ مدقعٍ بالإسلام , والكتاب في حد ذاته يعتبر هدية مجانية لإسرائيل , لأن أهم نظرية من وجهة نظر الظواهري في الكتاب هي تلك التي تقول "العدو القريب أولى من العدو البعيد" , فيذكر فرج تحت بند "العدو القريب والعدو البعيد" ثلاثة قواعد شيطانية تنم عن جهل منقطع النظير إذا ما أحسنا الظن بذلك المهندس , حيث يقول أولاً : إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد ، ثانياً : إن دماء المسلمين ستنزف وان تحقق النصر - على العدو البعيد - فان ذلك النصر لصالح أنظمة الكفر وتثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله ، ثالثاً : البدء بالقضاء على الإستعمار عمل غير مجد وغير مفيد ومضيعة للوقت ويجب العمل على اقتلاع أنظمة الكفر - القريبة - ثم يكون من بعدها الإنطلاق .
طبعاً وضَّح الظواهري تلك الفكرة في إحدى رسائله قائلاً : إن تحرير الأقصى لا يفيد لأنه سيخدم الأنظمة الكافرة فتحرير الأقصى يجب أن يبدأ أولاً من القاهرة ودمشق , ويستدل الظواهري بما قام به الناصر صلاح الدين حيث وحّد المسلمين ثم حرر القدس , ولكن هذا يدل على قصور في التفكير وخدمة لأمن "إسرائيل" ولا أدل على ذلك من تغيير تلك القاعدة من قِبَل الظواهري ذاته حيث أعلن تنظيم القاعدة بالاشتراك مع الظواهري عن إنشاء"الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" وذلك سنة 1998 , فسقطت بذلك نظرية " العدو القريب أولى من العدو البعيد" , وثبت أن الدماء التي نزفت على أرض مصر كانت نتيجة مراهقة فكرية وتخبط , فبين الأعوام 1991 و 1997 سقط أكثر من 1400 قتيل نتيجة دوامة العنف بين المجموعات "الجهادية" وأمن الدولة المصري , حيث قتل ما يقارب الأربعمائة من رجال الأمن المصري , وخمسمائة من الشباب المسلم المخدوع , وأكثر من أربعمائة مواطن مصري وما يقارب المائة سائح أجنبي , وخرج النظام الذي اعتبروه كافراً , منتصراً رغم نزف الدماء , كما أن تلك المجموعات أعلنت توبتها بالآلاف لتنقذ نفسها من السجن والملاحقة والقتل , أي أنهم كانوا على عكس الإخوان المسلمين تماماً , فالإخوان أعلنوا حربهم على الرذيلة والفساد والجاهلية وحاربوا الإنجليز وإسرائيل , ولم يستبيحوا دماء المسلمين رغم أن دماءهم استبيحت , فسُجنوا وعُذّبوا وقُتِل كثير منهم , ورغم ذلك صبروا على المحنة حتى جاء الفرج وأُخرجوا من السجن دون "توبة" أو ندم , حيث أخرجهم السادات ليتصدوا للشيوعيين والناصريين وليحسّن من شعبيته خاصة في بداية حكمه , المهم أنهم خرجوا بالأفكار التي دخلوا بسببها السجن وصدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا , وظلت جماعة الإخوان هي الأقوى والأكبر ليس على مستوى مصر وحدها بل على مستوى العالم كله .
والآن , ورغم مرور ما يقارب العِقْد على إعلان تشكيل الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين إلا أن تلك الجبهة لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل , وبدل محاربة الصليبيين - باستثناء بعض العمليات - فإنها تفرغت لقتل المسلمين وبث الرعب بينهم , وبدلاً من استهداف القواعد العسكرية فإنها تستهدف المساجد والتجمعات العامة , وأصبحت مقاهي الإنترنت وكأنها معاقل اليهود والصليبيين , ليفجروها ويقتلوا الأبرياء .
إن أفكار الظواهري والتكفيريين يجب دراستها بعقل منفتح وبعيداً عن التشنج والتعصب , رغم خلافنا الجوهري مع الحكام العرب الذين جلبوا للأمة كل المصائب والنوائب إلا أنه يجب التصرف معهم بحكمة , بحيث لا يكون المواطن المسلم هو الضحية .
وأود تذكير كل من يفكر في قتل نفسه والآخرين من المسلمين تأثراً بتنظيم القاعدة إن الدكتور أيمن الظواهري وهو في سنكم أي في أواخر العشرينات من عمره كان يقيم حفل زفافه الفاخر في الكونتننتال في القاهرة , رغم انه و قبل زواجه بأشهر وتحديداً في مارس 1979 تم توقيع معاهدة الإستسلام بين مصر وإسرائيل , فهل يعقل أن يجد متسعاً للرفاهية من يدعي أنه تأثر بهزيمة 67 , وتأثر بزيارة السادات لإسرائيل , وأنه يحمل هم الأمة في قلبه ؟ .
يتبع >>
تعليق