شيبان بن قوّيد شيخ جمع الدواسر"طير حوراني"
مات أبوه وهو في سن مبكرة ، فعاش منذ طفولته يتيماً وحيداً، في ظل ظروف معيشية قاسية ، وصراعات الوجود القبلي التي تكالبت عليه،لكن ل ذلك لم يمنع "شيبان بن قوّيد" من أن يصبح أمير وفارس وشاعر الدواسر القبيلة التي تقطن جنوب وشرق السعودية من حوطة بني تميم إلى الربع الخالي إلى الأحساء وتمتد أصولها وفروعها في أرجاء الجزيرة العربية.
ولادته:
لقد ولد في أوائل القرن الهجري الماضي تقريباً سنة 1313هـ ، وكان مولده في وادي الدواسر أرض آبائه وأجداده ، في فترة كانت من أصعب الفترات حيث النزاعات القبلية والفوضى والسلب والنهب، وفي ليلة ولادته لم يسمع احد صوت بكائه وهو يضع أول أنفاسه في هذه الحياة ويخطو أول خطواته في عالم القبيلة صعبة المراس ، حيث غطى على صوت بكائه صوت آخر أعلى نفيرا واشد تأثيرا صوت المعركة التي دارت رحاها بين أعمام شيبان بن قويد وأخواله وسميت "الليلية" والتهمت نار الحرب والقتال الكثير والكثير من الفرسان من كلا الطرفين، ويقال أن ما أصاب أمه من خوف وجزع وهول تلك الليلة وهي ترى أهلها وأهل زوجها في معركة شرسة لا يعرف عاقبتها إلاّ الله كان له عظيم الأثر في أن يولد شيبان بن قويد ذا لون ابرص وهناك من ارجع سبب برص وجه شيبان بن قويد إلى خاله.
اسمه:
عند ولادته سمي "مترك" ولم يكن اسم والده قويد وإنما كان اسمه"بادي" فكان اسمه " مترك بن بادي" ولان صفته الخلقية غلبت على اسمه مثلما كان شائعاً في هذا الوقت حينما كان يطلق على الرجل الأبرص "شيبان" فأطلق هذا الاسم على مترك وأصر شيبان أن ينسب مباشرة إلى قويد بدلا من اسم والده بادي .
لمحات من حياته:
طفولته:
كانت مليئة بالتحديات والمواقف الصعبة التي تصنع الرجال والأبطال فقد هلك أبوه وهو في سن مبكرة وحرم من عاطفة وحنين الأبوة والسند والحماية في أصعب ظروف الحياة المليئة بالمنغصات ووجد "شيبان" نفسه يتيما وحيدا منذ طفولته وكان للظروف المعيشية القاسية ومحاولة إثبات الوجود القبلي في ظل عدم وجود حياة مستقرة بين القبائل ونظراً لتربيته في المجتمع القبلي الذي لا يعترف إلا بالقوة والفروسية ، كان لذلك دور كبير في تكوين شخصية وفروسية "شيبان بن قويد" كانت نظرة المجتمع الدونية لمن يعاني من علل واضحة في جسمه مثل البرص وقلة النظر وعلى الرغم من أن المجتمع المحيط به من أفراد أهله وقبيلته لم يمنحه حقوقه العادية التي ينالها أي منهم في بداية حياته من حسن معاملة وتدريب وإعداد لحمل لواء الفروسية واستلام راية الشجاعة والإقدام من الكبار، وهذا لم يجده شيبان من قبيلته التي لم تعده نفسيا ولم تهيؤه لخوض غمار الحياة وصعابها بفروسية آبائه وأجداده، غير أن شيبان لم يعر اهتماما لنظرة المجتمع إليه نظرة دونية بسبب برصه وقلت نظره ولا بنظرات عمته التي كان أولى بها أن تحنو عليه وهو طفل يتيم بدلا من أن تقلل من همته وتحبط من عزيمته عن طريق المصارحات الجارحة واللاذعة فزرعت كل هذه التأثيرات العزيمة والإصرار في قلب شيبان وساهمت في تكوين شاعريته التي ظهرت علامات نبوغه فيها منذ مراحل عمره الأولى متواكبة مع علامات نبوغه بالفروسية ميراث آبائه وأجداده.
شبابه:
عندما أصبح فتى في بداية شبابه كانت قبيلته تستعد لغزوة على إحدى القبائل القريبة منهم وتقع في الجنوب وشارك فيها الفتى "شيبان بن قوّيد" وصال وجال في الميدان كأنه فارس ولد في ساحة القتال وأبلى بلاءاً حسناً واظهر من الشجاعة والفروسية ماحسده عليه الكثيرون من أقرانه من أفراد قبيلته وقبل أن يصل شيبان إلى وادي الدواسر محملا بشواهد فروسيته وقوته من الغنائم ليبطل بها حجج المجتمع المحيط به من نظرة دونية وعدم تقدير ، كانت قد سبقته إلى هناك أخبار فروسيته وانتصاره وتفوقه في هذه الغزوة وشاعت هذه الأخبار في كل القبيلة ولذا كان من أوائل مستقبليه من الأهل والمهنئين عمته التي نظر إليها بكل ثقة وعزة وسألها عن رأيها الآن فيه فأجابت وفي عينيها اختلط الشعور بالفخر مع الإحساس بالذنب لما بدر منها سابقاً وقالت : يا ولدي لقد ظلمتك في الماضي وأنت الآن تعزني وترفع رأسي وشنفت آذانك بالكلام الجارح وأنت الآن تشنف آذاني بأخبار فروسيتك وشجاعتك التي أعدت بها ذكرى آبائي وأجدادي والتي لن تنقطع ماحييت يا شيبان أطال الله عمرك وقالت قولتها الشهيرة"يا ولدي الولد والقعود يخلفون العهود" فنظر إليها متبسماً وقال بكل احترام :اذهبي ياعمتي إلى الإبل وخذي ماتريدينه منها وهذه أخلاق الفرسان والنبلاء حيث القدرة على العفو والمسامحة وصلة الرحم.
الملك عبد العزيز والفارس "شيبان بن قوّيد":
ذات يوم كتب الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود –طيب الله ثراه- إلى الفارس شيبان للمشاركة في إحدى الغزوات في الجنوب فامتثل لأمر القائد العظيم وشارك في تلك الغزوة وكعادته اظهر بأساً شديداً وكانت الفاطرة التي شارك بها في هذه الغزوة سمينة وعندما وضعت الحرب أوزارها كانت فاطرة هزيلة مريضة تكاد تموت فتذكر ما كانت عليه سابقا وما آلت إليه الآن فقال قصيدة بين فيها حال فاطرة وامتثاله لأمر الملك عبد العزيز:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لي فاطر ٍ نيّها فيه الشحم واري= ركابها لابغافج ٍ ينوى به
سرنا عليها سمين ٍ وانكفت عاري= في لازم الحاكم اللي جت مناديبه
كم ليل ٍ غدا عليها فالخلا ساري= لاخلف اللاش يبغى حرمة صحيبه
كم وردت منهل ٍ عقب العرب صاري= عاف ٍ جنابه ويباس ٍ مغاريبه[/poem]
أبرز المعارك التي خاضها مع الملك عبد العزيز:
من فتح إلى فتح شارك الفارس شيبان بن قويد الذي كان وقتها أمير الدواسر في الفتوحات التي حققها الملك عبد العزيز آل سعود –يرحمه الله- وكان من ابرز المعارك التي شارك فيها مع الملك عبد العزيز:
- معركة تربة.
- فتح الطائف.
- حصار مدينة جدة.
- شارك في فتح ارض الحرمين الشريفين حيث كان مع الملك عبدا لعزيز في دخول مكة.
- شارك الأمير محمد بن عبد العزيز في فتح المدينة المنورة.
- ومعركة " الرغامة" التي شارك فيها مع الملك عبد العزيز وقد ذكرها الشاعر تركي بن شجاع الخزيم في قصيدة ذكر فيها شجاعة وفروسية شيبان :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فعلنا يعجز التاريخ عن عدّه = وكل فعل ٍ له ثبوتٍ وبرهاني
هبَّة ٍ قادها ابن قويد في الشدّه= (شيخ جمع الدواسر طير حوراني)[/poem]
ونتيجة لحسن خلقه وكرمه وإمارته الحكيمة أصبح صاحب الشداد والوضحي في قبيلة الدواسر والوضحي من الإبل هي ذلول الفارس وتسمى بيضاء الدفة وتطلق على البعير المرحول وهي من أطيب أنواع الإبل وخيرتهن وليس شرطاً أن تكون بيضاء فقد تأتي خاطفة اللونين وكذلك ناقة الشداد تصنف على إنها من أجود أنواع الإبل وأطيبها ويأخذها أمير القوم من الجيش أو من الإبل التي يكسبها في المعارك " الغنائم" ..
هكذا عاش حياته فارس وشاعر وفي أواخر الثمانينات الهجرية بدأ يضعف بصره فذهب إلى الرياض ومكث فيها فترة للعلاج وبعد تحسن طفيف في نظره وتقريبا سنة 1390هـ فقد بصره وأمضى بقية حياته في مساعدة المحتاجين وأكرمه الله بحفظ القرآن كاملاً والسيرة النبوية كاملة وكان يتمتع بقدرات جيدة في الحفظ والتعليم وتتلمذ على يد المفتي محمد بن إبراهيم فترة من الزمن ليست بطويلة،
وفاته:
تكاثرت العلل والأمراض على الجسد الهزيل فلم يستطع أن يقاوم هذه الأمراض فلزم منزله طريحاً للفراش حتى انتقل إلى جوار ربه ليلة الخميس الموافق 20/5/1411هـ.
تعليق