[frame="1 80"].
الربابة
الربابة آلة موسيقية قديمة ذات وترٍ واحد عرفها العربُ في صحرائهم منذ عصورٍ بعيدة، وانتشرت بشكلٍ كبير حتى تكاد تجدها في كل بيتٍ من بيوت العربان، وكان البدويّ يلجأ إلى الربابة في ساعات راحته وهدوئه، ولذلك لم يصطحبها معه وهو يرعى أغنامه كما يصطحب الشبّابة.
ولم تكن الربابة آلة لهو ولعب عند البدويّ، بل كانت آلة يلجأ إليها في وحدته ليبثّ إليها همومَه وشجونه، وعندما يمر بقوسه على وترها اليتيم يُخرج صوتاً مبحوحاً كأنه قطعة من نشيج قلبٍ مكلوم.
وهو يداعبها بأنامله مرات ومرات حتى يستقيم لحنها، وتتهيأ نفسه عندها لتبوح بمكنوناتها، وهي النفس التي لوّعتها الصحراء بصمتها وسكونها، ويغني ألحاناً هادئة عميقة تخرج من أعماق نفسه فينساب اللحن مع نغم الربابة وكأنه قطعة من الأنين تنساب شيئاً فشيئاً.
وهو يشرح أنينه ولواعج نفسه ويبوح للربابة بهمومه وكأنها الصديق الوفي الذي يواسيه في شدَّتِه ويقف بجانبه في محنته وساعات ضيقه.
تلك هي الربابة بمفهومها الحقيقي عند البدو، ومن أجل ذلك يُعَلِّقها البدويّ في واسط بيته، وفي المكان الذي يجلس فيه في ساعات راحته، أو مع ضيوفه وأصدقائه.
وكم تناول الربابةَ ضيفٌ عابرٌ، أو صاحبُ حاجة ليعبِّرَ بها عما يجيش في نفسه بعد أن لم يجد الكلمات التي يعبّر بها، فيجد راحته وهو يمزج شكواه بأنين نفسه مما يجعل النفوس الأخرى ترقّ له وتهب لنجدته وتساعده في محنته وتفكّ أزمته وكربته.
إن اللحن لغة عالمية لا تستعمل الحروف، حروفها ذبذبات من المشاعر، وكلماتها هفهفات من العواطف ولواعج القلوب، ومن أجل ذلك يكون التعبير بها أسرع إلى القلوب وأقرب إلى النفوس فتتغلغل بها لا تنتظر دليلاً ولا ترجمان.
والصحراء تجعل الإنسان أكثر انطوائيةً بسبب الوحدة والعيش بشكل انفراديّ، فنرى البدويّ أقرب إلى نفسه من أي شيء آخر، وعندما ينفرد بربابته ينطلق ذلك الكبت لينساب ألحاناً شجيّة معبّرة خالية من كل تصنّع أو تكلّف.
هذه هي لغة الصحراء، وهذا هو صدق أهل الصحراء، وهذه هي فطرتهم التي جُبلوا عليها.
وقد غنّى البدويّ على ربابته ألحاناً مختلفة منها الهجيني والرِّزْعَة والدلعونا والشروقي والأشعار الشعبية، ولكنها اتسمت في معظمها بطابع الحزن والأسى، وظلّت تدور في فلك الحزن والانطوائية، ذلك الطابع الذي فرضته الصحراء ببيئتها وظروفها وبصمتها وسكونها.
وقد صنع البدويّ آلته من الأدوات البسيطة المتوفرة لديه، فصنع هيكلها وقوسها من خشب الأشجار التي يصادفها في طريقه، وصنع طارتها من جلد الماعز أو الغزال، أما وترها ووتر قوسها فهو من سبيبِ فرسه، واللبان الذي يمسحه على وترها فيجعله خشناً عند احتكاكه بوتر القوس أخذه من دموع أشجار السرو أو الصنوبر.
وأجزاء الربابة بشكل أكثر تفصيلاً هي:
هيكل الربابة: هو مربعٌ خشبي يميل إلى الاستطالة مثقوب من ضلعيه القصيرين حتى يسمح بمرور عصا طويلة هي عنق الربابة التي يركّب عليها الوتر الوحيد.
طارة الربابة: هي الجلد المشدود على جانبي الربابة من الأعلى والأسفل، ويُشدّ هذا الجلد بشكل جيّد بواسطة خيوط متينة تُشبك في أطرافه وتشدّ الجلد الأعلى إلى الجلد الأسفل، وقد تستعمل دبابيس خاصة أو رَزَّات تغرز في الجلد وخشب الطارة وتؤدي نفس الغرض.
السَّبِيب: هو شعر ذيل الحصان أو الفرس الذي يصنع منه وتر الربابة ووتر القوس كذلك، وتؤخذ مجموعة من هذا الشعر وتجمع إلى بعضها وتُربط من أطرافها بخيط متين ليتكوّن منها وتر القوس أو الربابة.
الكَرَّاب: هو المشدّ الذي يكون في الطرف البعيد من عصا الربابة، ووظيفته شدّ وتر السبيب إلى الدرجة المطلوبة، والفعل كَرَب يكْرُبُ بمعنى شَدَّ يشدّ.
القوس: يصنع في الغالب من عود الرمان أو الخيزران لمرونة هذه العيدان وطراوتها، وقد يصنع من عيدان أخرى تؤدي نفس الغرض. وللقوس اسمٌ آخر هو السَّوَّاق، لمروره جيئةً وذهاباً على وتر الربابة.
الغزال: هي قطعة رفيعة من الخشب توضع تحت الطرف السفلي لوتر الربابة، فترفعه عن الطارة حتى لا يلامسها عند العزف والضغط عليه.
المخدّة: هي قطعة قماش صغيرة توضع تحت نهاية الوتر عند آخر ساق الربابة، وظيفتها كوظيفة الغزال في الجهة المقابلة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الربابة لا تُخرج صوتاً إلا بعد مسح وترها ووتر قوسها بحصى اللبان، وهو حصى يتخذ من دموع أشجار الصنوبر أو السَّرو.
ودمتم بألف خير
محمد
.[/frame]
الربابة
الربابة آلة موسيقية قديمة ذات وترٍ واحد عرفها العربُ في صحرائهم منذ عصورٍ بعيدة، وانتشرت بشكلٍ كبير حتى تكاد تجدها في كل بيتٍ من بيوت العربان، وكان البدويّ يلجأ إلى الربابة في ساعات راحته وهدوئه، ولذلك لم يصطحبها معه وهو يرعى أغنامه كما يصطحب الشبّابة.
ولم تكن الربابة آلة لهو ولعب عند البدويّ، بل كانت آلة يلجأ إليها في وحدته ليبثّ إليها همومَه وشجونه، وعندما يمر بقوسه على وترها اليتيم يُخرج صوتاً مبحوحاً كأنه قطعة من نشيج قلبٍ مكلوم.
وهو يداعبها بأنامله مرات ومرات حتى يستقيم لحنها، وتتهيأ نفسه عندها لتبوح بمكنوناتها، وهي النفس التي لوّعتها الصحراء بصمتها وسكونها، ويغني ألحاناً هادئة عميقة تخرج من أعماق نفسه فينساب اللحن مع نغم الربابة وكأنه قطعة من الأنين تنساب شيئاً فشيئاً.
وهو يشرح أنينه ولواعج نفسه ويبوح للربابة بهمومه وكأنها الصديق الوفي الذي يواسيه في شدَّتِه ويقف بجانبه في محنته وساعات ضيقه.
تلك هي الربابة بمفهومها الحقيقي عند البدو، ومن أجل ذلك يُعَلِّقها البدويّ في واسط بيته، وفي المكان الذي يجلس فيه في ساعات راحته، أو مع ضيوفه وأصدقائه.
وكم تناول الربابةَ ضيفٌ عابرٌ، أو صاحبُ حاجة ليعبِّرَ بها عما يجيش في نفسه بعد أن لم يجد الكلمات التي يعبّر بها، فيجد راحته وهو يمزج شكواه بأنين نفسه مما يجعل النفوس الأخرى ترقّ له وتهب لنجدته وتساعده في محنته وتفكّ أزمته وكربته.
إن اللحن لغة عالمية لا تستعمل الحروف، حروفها ذبذبات من المشاعر، وكلماتها هفهفات من العواطف ولواعج القلوب، ومن أجل ذلك يكون التعبير بها أسرع إلى القلوب وأقرب إلى النفوس فتتغلغل بها لا تنتظر دليلاً ولا ترجمان.
والصحراء تجعل الإنسان أكثر انطوائيةً بسبب الوحدة والعيش بشكل انفراديّ، فنرى البدويّ أقرب إلى نفسه من أي شيء آخر، وعندما ينفرد بربابته ينطلق ذلك الكبت لينساب ألحاناً شجيّة معبّرة خالية من كل تصنّع أو تكلّف.
هذه هي لغة الصحراء، وهذا هو صدق أهل الصحراء، وهذه هي فطرتهم التي جُبلوا عليها.
وقد غنّى البدويّ على ربابته ألحاناً مختلفة منها الهجيني والرِّزْعَة والدلعونا والشروقي والأشعار الشعبية، ولكنها اتسمت في معظمها بطابع الحزن والأسى، وظلّت تدور في فلك الحزن والانطوائية، ذلك الطابع الذي فرضته الصحراء ببيئتها وظروفها وبصمتها وسكونها.
وقد صنع البدويّ آلته من الأدوات البسيطة المتوفرة لديه، فصنع هيكلها وقوسها من خشب الأشجار التي يصادفها في طريقه، وصنع طارتها من جلد الماعز أو الغزال، أما وترها ووتر قوسها فهو من سبيبِ فرسه، واللبان الذي يمسحه على وترها فيجعله خشناً عند احتكاكه بوتر القوس أخذه من دموع أشجار السرو أو الصنوبر.
وأجزاء الربابة بشكل أكثر تفصيلاً هي:
هيكل الربابة: هو مربعٌ خشبي يميل إلى الاستطالة مثقوب من ضلعيه القصيرين حتى يسمح بمرور عصا طويلة هي عنق الربابة التي يركّب عليها الوتر الوحيد.
طارة الربابة: هي الجلد المشدود على جانبي الربابة من الأعلى والأسفل، ويُشدّ هذا الجلد بشكل جيّد بواسطة خيوط متينة تُشبك في أطرافه وتشدّ الجلد الأعلى إلى الجلد الأسفل، وقد تستعمل دبابيس خاصة أو رَزَّات تغرز في الجلد وخشب الطارة وتؤدي نفس الغرض.
السَّبِيب: هو شعر ذيل الحصان أو الفرس الذي يصنع منه وتر الربابة ووتر القوس كذلك، وتؤخذ مجموعة من هذا الشعر وتجمع إلى بعضها وتُربط من أطرافها بخيط متين ليتكوّن منها وتر القوس أو الربابة.
الكَرَّاب: هو المشدّ الذي يكون في الطرف البعيد من عصا الربابة، ووظيفته شدّ وتر السبيب إلى الدرجة المطلوبة، والفعل كَرَب يكْرُبُ بمعنى شَدَّ يشدّ.
القوس: يصنع في الغالب من عود الرمان أو الخيزران لمرونة هذه العيدان وطراوتها، وقد يصنع من عيدان أخرى تؤدي نفس الغرض. وللقوس اسمٌ آخر هو السَّوَّاق، لمروره جيئةً وذهاباً على وتر الربابة.
الغزال: هي قطعة رفيعة من الخشب توضع تحت الطرف السفلي لوتر الربابة، فترفعه عن الطارة حتى لا يلامسها عند العزف والضغط عليه.
المخدّة: هي قطعة قماش صغيرة توضع تحت نهاية الوتر عند آخر ساق الربابة، وظيفتها كوظيفة الغزال في الجهة المقابلة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الربابة لا تُخرج صوتاً إلا بعد مسح وترها ووتر قوسها بحصى اللبان، وهو حصى يتخذ من دموع أشجار الصنوبر أو السَّرو.
ودمتم بألف خير
محمد
.[/frame]
تعليق