[align=center]
الداعية الفقير الذي هزم كبار المنصرين فاحترموه
رحل أحمد ديدات.. الذي لم يفقد براعة محاورة الآخرين رغم فقده النطق
دبي- فراج اسماعيل
رحل صباح الاثنين 8-8-2005م الداعية الاسلامي الجنوب أفريقي المرموق الشيخ أحمد ديدات بعد معاناة طويلة مع المرض اقعده الفراش طوال 9 سنوات متواصلة، ظل خلالها قادرا على التواصل مع الآخرين والحديث معهم بواسطة حركات جفونه، رغم عدم قدرته على تحريك جسمه كاملا فيما عدا رأسه
حين يذكر العالم جنوب أفريقيا فانه يذكر ثنائيا جعل لهذه الدولة اسما وبريقا، رجل سياسي مناضل حرر هذا البلد من العنصرية وهو نيلسون مانديلا، وداعية اسلامي تألق في جدال المنصرين وبلغت شهرته الآفاق هو الشيخ أحمد ديدات الذي حرر عقول المتطرفين والعنصريين من المفاهيم الخاطئة عن الاسلام.
اشتهر ديدات في العالم كله بمناظراته مع المنصرين والقساوسة الذين كانوا يتهجمون على الاسلام والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز مناظراته التي عرفه بها العالم العربي، تلك التي واجه فيه أكبر منصر أمريكي عالمي وهو القس جيمي سواجارات الذي كان قد أساء للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه في نهاية المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن من الشيخ ديدات أعلن سواجارات اعتذاره عن تلك الاساءات وتراجعه عنها.
وفي حوار مع "العربية.نت" تحدث صهره عصام مدير عن أسرار سنوات المرض، وكيف تغلب عليه ديدات، واستطاع كرجل اتصال من الطراز الأول أن يستمر في تواصله مع العالم وأن يتابع بدقة ما يجري فيه.
وقد نعاه الشيخ صالح الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الاسلامي، قائلا في تصريح لـ"العربية.نت" إنه كان صاحب منهج ومدرسة خاصة، ويمثل مرحلة في الحوار الاسلامي المسيحي.
ديدات كان قد أسس المركز العالمي للدعوة الاسلامية Islamic propagation center في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا، وكان يقيم في منزله في منطقة "فرولام" القريبة من المدينة. وقد اشتهر هذا المنزل حيث يقع وسط المساحات الخضراء، بأنه مفتوح طوال الوقت للزائرين المسلمين وغير المسلمين، لا تحيط به الأسلاك ووسائل التأمين، التي كانت تتبعها بقية المنازل في جنوب أفريقيا بسبب انتشار معدلات الجريمة.
طوال سنوات المرض التسع كان ديدات في غرفته راقدا على سريره بلا حراك، مستندا برأسه على وسادة تهيئ له استقبال زائريه، يتكلم بعينيه ويتواصل بهما مع هؤلاء الزائرين بل ويتحاور من خلالهما مع وسائل الاعلام، وهي طريقة التوصل اليها الاطباء السعوديون خلال علاجه في المملكة العربية السعودية في الشهور الأولى من مرضه، ساعدهم عليها براعته الفائقة في فنون الاتصال.
عن بداية اصابة الشيخ ديدات بالمرض قال صهره "عصام مدير" إنه كان قد أصيب بجلطة في الشريان القاعدي في شهر ابريل عام 1996 بسبب عدة عوامل على رأسها أنه مريض بالسكر منذ فترة طويلة، أجهد خلالها نفسه في الدعوة كعادته>
ولكن في ذلك الشهر تحديدا أخذ رحلة مكوكية للدعوة، واجتهد فيها خصوصا في رحلته الأولى والقوية جدا لاستراليا التي تحدث عنها الاعلام الاسترالي لأنه ذهب لعرض الاسلام عليهم وتحدى عددا من المنصرين الاستراليين الذين اساءوا للاسلام، وكان ديدنه أن لا يناظر ولا يبادر المنصرين الا الذين يتعدون على الاسلام فيستدعيهم الشيخ للمناظرات ويرد عليهم بالحجة والبرهان.
أصيب بمرض نادر بعد جولة دعوية في استراليا
ولذلك ذهب إلى استراليا وطاف بها محاضرا ومناظرا، وعندما عاد حدث له ما جرى واصيب بجلطة في الدماغ، ودخل في حالة نادرة تعرف عند الاطباء بحالة الحجز الداخلي، بمعنى أن من يصاب بها يعي كل ما يدور حوله، ولا يفقد أية حاسة من حواسه، لكنه لا يستطيع التفاعل مع محيطه بالكلام أو الحركة، فكأنه يحجز ذلك داخل جسمه.
ومن جراء ذلك اصبح لا يستطيع تحريك كامل جسمه بداية من الرقبة، وأكرمه الله بأنه كان يستطيع أن يحرك رأسه، ولم يقفد ذاكرته أو وعيه بل ازدادا حدة.
وأضاف مدير أنه في أول اسبوع من مرضه قام ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز بارسال طائرة خاصة أتت به ليعالج على نفقة الدولة في المستشفى التخصصي في الرياض، ولأنه لم يكن يستطيع أن يبلع الطعام، أجرى له الأطباء السعوديون عملية جراحية، لتوصيل انبوب تغذية بالسائل للمعدة.
كان يحاور الآخرين ويمازحهم بعينيه
كما وفروا له نظام للتخاطب جميل جدا بحيث يرى ويسمع الأحرف الانجليزية مصفوفة في خمسة صفوف، ومرقمة بطريقة سهلة جدا، يكون من خلالها الشيخ ديدات بمساعدة شخص آخر الكلمة فالجملة، وبهذه الطريقة كان يمازح زواره ويجيب على استفسارات الاطباء والممرضين من غير المسلمين.
وارتفعت معنوياته جدا لأنه أصبح يستطيع أن يعبر عن نفسه، وبعد 10 شهور استقرت حالته، ولكن الأطباء رأوا أنه لا يمكن أن يطرأ بعد ذلك أي تحسن نظرا لأن الشيخ كان قد اقترب من عمره الثمانين، فقرر العودة الى منزله في جنوب افريقيا، لادارة شئون الدعوة ومكتبه الذي أنشأه هناك.
أحس بدنو أجله قبل شهر وأخبرنا بذلك
يستطرد مدير: ظل 9 سنوات طريح الفراش على هذه الحالة، التي كانت عجيبة ومستقرة، ولم تتعرض لانتكاسة إلا في الشهر الماضي. وفي اواخر شهر يونيه وبداية يوليه حصل له شبه فشل كلوي، وكانت تعاوده بين الحين والآخر الحمى الشديدة، واحس الشيخ بقرب اجله وأخبرنا بهذا.
وقال ان الشيخ ديدات كان يطلب من أهل بيته وولده أن يقرأوا له الصحف بشكل يومي، ولم يطرأ تغيير على منهجه بشأن الهجمات التي راحت توجه للاسلام أثناء فترة مرضه، وكان دائما يوظف هذه الهجمات لصالح الدعوة، فشعاره هو اقلب الطاولة على الخصم، فلما حصلت ضجة سلمان رشدي المفتعلة لتشويه صورة الاسلام والمسلمين، قام الشيخ ديدات بشراء كتاب سلمان رشدي وقرائته كاملا، وبحسه الاعلامي الرفيع، كان يوجه الدعاة الذين تتلمذوا على يديه لمتابعة الاعلام والانخراط فيه.
واستفاد من اخطاء تعاطي المسلمين مع الأزمة، ووجد أن سلمان رشدي تطاول على الغربيين وعلى ملكة بريطانيا والبريطانيين وعلى الشعب الامريكي، فألف كتيبا صغيرا بعنوان " كيف خدع سلمان رشدي الغرب" وزع منه 7 آلاف نسخة على البريطانيين، والقى في امريكا سلسلة من المحاضرات لأن سلمان رشدي وجد دعما هناك.
وبعد هجمات 11 سبتمبر عندما تطاول قس امريكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهنا الشيخ ديدات بأن ننشر ردودا على ذلك في الصحافة الامريكية، وأن نخاطب الجهات المعنية بالدعوة لتقوم بتفنيد هذا التطاول.
وكان الشيخ ديدات قد حصل على جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام عام 1986، ومن أفضل ما كتب، تلك التي يخاطب فيها اهل الكتاب ويسألهم كيف يشتمون الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبشر به في كتبهم، وكان يقول ان كتبه متاحة وليس عليها حقوق طبع وأقسم انه لو لديه الامكانيات لنشرها ووزعها كتبه مجانا.
ويحكي عصام مدير بأنه عندما وقعت أزمة تدنيس القرآن في جوانتانامو، عرضنا على الشيخ ان نرد بتوزيع كتابه "القرآن معجزة المعجزات" للأمريكان واعجبته الفكرة. ومنذ اسبوعين قبل وفاته نشر اعلانا في جنوب افريقيا لغير المسلمين ردا على امتهان القرآن الكريم وتدنيسه في جوانتانامو، بأن محاضرته عن القرآن الكريم المدمجة على اسطوانات DVD هدية لكل غير مسلم، يستلمها من بيته الذي زاره فيه عدد من القساوسة.
وقد ترك الشيخ وراءه حوالي 24 كتابا، وبلغ عدد محاضراته ومناظراته المسجلة 125 محاضرة ومناظرة. ورغم أن الشيخ ديدات ينتمي أساسا للجالية الهندية، أنشأ أول مدرسة ومركز اسلامي ومسجد متكامل المرافق في جنوب افريقيا للجالية الافريقية، والمعروف أن نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا كان يخصص مناطق للهنود ومثلها للسود، وأخرى للبيض.
وقد كسر ديدات هذه القاعدة لان الاسلام لا يعترف بالتفرقة العنصرية فذهب الى مناطق الافارقة وهم اهل البلاد الاصليين واسس فيها مسجدا ومركزا ومدرسة باسم السلام، وبعد ذلك رجع الى مدينة "ديربان" و واسس فيه المركز الاسلامي العالمي للدعوة الاسلامية بجوار المسجد الجامع الذي هو اكبر مساجد جنوب القارة الافريقية.
وبدأ ديدات يجذب غير المسلمين الذين يزورون ديربان الى المسجد، ويشرح لهم الصلاة والعقيدة الاسلامية، ويلقي محاضرات في ديربان وغيرها، وعندما تصله من بعض مجتمعات المسلمين ان هناك منصرين يزورون مناطقهم ويحاولون ردتهم عن الدين، يأخذ اسماءهم ويتحداهم بأن يناظروه ، وكان هذا شيئا عجيبا جدا لأن الجالية المسلمة في جنوب أفريقيا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت محبطة بشدة تحت نظام الفصل العنصري، ولم يكن احد يستطيع ان يظهر هويته الاسلامية، فوجدت في الشيخ ديدات العزاء ورفعت رأسها وارتدت الى هويتها.
وأشار عصام مدير إلى أننا عرفناه في المنطقة العربية بمناظرته الشهيرة مع جيمي سواجارات التي ترجمت الى اللغة العربية وبثها تليفزيون ابو ظبي بعد أن اشرف على دبلجتها.
وكان القس الأمريكي جيمي سواجارات في ذلك الوقت أكبر منصر في العالم كله، وله صيته وامبراطوريته المالية، وعندما اساء للقرأن الكريم، انقسم الطلبة المسلمون لفريقين، احدهما شجب وندد، والثاني رأي التصرف بحكمة وسمعوا عن الشيخ ديدات الذي يناظر هؤلاء فخاطبوه ليناظر سواجارات فوافق، وفي نهاية المناظرة نذكر كلنا كيف ان سواجارات اعتذر عن اسائته للقرأن الكريم.
للشيخ ديدات من الأولاد، ابراهيم وهو كبير في السن ومريض، ويوسف الذي كان يلازمه، ويترجم لغة عينيه الى زواره. ويوضح عصام مدير أن ديدات طلبه قبل اسبوعين من وفاته فذهب إليه حيث أخبره بدنو أجله وأبلغه بوصاياه الأخيرة وأهمها أن يتقي المسلمون ربهم ويدافعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان يبكي على سريره بسبب هجوم المنصرين
سر الشيخ ديدات الذي تألق به وصنع هذه المكانة الدعوية المرموقة أنه كان شابا فقيرا معدما من جالية مطحونة ومقهورة من التميير العنصري، عمل في شبابه في بقالة كانت مجاورة لمعهد تنصيري، حيث يخرج المنصرين ويمرون عليه ويشتمون أمامه الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون ان الاسلام انتشر بحد السيف، فكان ديدات يعود الى بيته ويذهب الى سريره ويظل يبكي بالدموع داعيا الله ان يلهمه العلم الذي يمكنه من الرد على هؤلاء وقد كان.
أما الشيخ صالح الوهيبي الامين العام للندوة العالمية للشباب الاسلامي فقال: الشيخ ديدات يمثل مرحلة في الحوار الاسلامي المسيحي وهي مرحلة تتميز بالشدة مع المقابل، والهجوم عليه، وسبب ذلك انه نشأ في بيئة كانت الاقلية المسلمة في جنوب افريقيا تتعرض لضغوط عنصرية، وضغوط كبيرة من المنصرين.
وفي ظل هذه الاجواء نشأ الشيخ ديدات ورسم منهجا في هذا الشأن واعتقد انه كان مدرسة في ذاته عليه رحمة الله، لكن لا يعني بالضرورة ان المنهج الذي اختطه لهذه المدرسة انها صالحة لكل وقت.. اعتقد ان البدائل الموجودة في الساحة قد تكون انسب حيث يكون المجال حر وتوجد اجواء من الديمقراطية، لكن بعض الفئات التبشيرية تحتاج الى هذا الاسلوب، المواجهة والفضح، الذي اتبعه ديدات عليه رحمة الله.
ديدات قدم الشئ الكثير للتعريف بالعمل الاسلامي في جنوب افريقيا وأذكر أنه حينما بدأ يأتي في السعودية، لم يكن الناس يعرفون الا القليل القليل عن الوضع في جنوب افريقيا، لكنه استطاع أن يقيم علاقات وأن يصبح شخصية مرموقة جدا في العالم الاسلامي ومن ثم عرف بوضع الاقلية المسلمة في تلك البلاد.[/align]
الداعية الفقير الذي هزم كبار المنصرين فاحترموه
رحل أحمد ديدات.. الذي لم يفقد براعة محاورة الآخرين رغم فقده النطق
دبي- فراج اسماعيل
رحل صباح الاثنين 8-8-2005م الداعية الاسلامي الجنوب أفريقي المرموق الشيخ أحمد ديدات بعد معاناة طويلة مع المرض اقعده الفراش طوال 9 سنوات متواصلة، ظل خلالها قادرا على التواصل مع الآخرين والحديث معهم بواسطة حركات جفونه، رغم عدم قدرته على تحريك جسمه كاملا فيما عدا رأسه
حين يذكر العالم جنوب أفريقيا فانه يذكر ثنائيا جعل لهذه الدولة اسما وبريقا، رجل سياسي مناضل حرر هذا البلد من العنصرية وهو نيلسون مانديلا، وداعية اسلامي تألق في جدال المنصرين وبلغت شهرته الآفاق هو الشيخ أحمد ديدات الذي حرر عقول المتطرفين والعنصريين من المفاهيم الخاطئة عن الاسلام.
اشتهر ديدات في العالم كله بمناظراته مع المنصرين والقساوسة الذين كانوا يتهجمون على الاسلام والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز مناظراته التي عرفه بها العالم العربي، تلك التي واجه فيه أكبر منصر أمريكي عالمي وهو القس جيمي سواجارات الذي كان قد أساء للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه في نهاية المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن من الشيخ ديدات أعلن سواجارات اعتذاره عن تلك الاساءات وتراجعه عنها.
وفي حوار مع "العربية.نت" تحدث صهره عصام مدير عن أسرار سنوات المرض، وكيف تغلب عليه ديدات، واستطاع كرجل اتصال من الطراز الأول أن يستمر في تواصله مع العالم وأن يتابع بدقة ما يجري فيه.
وقد نعاه الشيخ صالح الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الاسلامي، قائلا في تصريح لـ"العربية.نت" إنه كان صاحب منهج ومدرسة خاصة، ويمثل مرحلة في الحوار الاسلامي المسيحي.
ديدات كان قد أسس المركز العالمي للدعوة الاسلامية Islamic propagation center في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا، وكان يقيم في منزله في منطقة "فرولام" القريبة من المدينة. وقد اشتهر هذا المنزل حيث يقع وسط المساحات الخضراء، بأنه مفتوح طوال الوقت للزائرين المسلمين وغير المسلمين، لا تحيط به الأسلاك ووسائل التأمين، التي كانت تتبعها بقية المنازل في جنوب أفريقيا بسبب انتشار معدلات الجريمة.
طوال سنوات المرض التسع كان ديدات في غرفته راقدا على سريره بلا حراك، مستندا برأسه على وسادة تهيئ له استقبال زائريه، يتكلم بعينيه ويتواصل بهما مع هؤلاء الزائرين بل ويتحاور من خلالهما مع وسائل الاعلام، وهي طريقة التوصل اليها الاطباء السعوديون خلال علاجه في المملكة العربية السعودية في الشهور الأولى من مرضه، ساعدهم عليها براعته الفائقة في فنون الاتصال.
عن بداية اصابة الشيخ ديدات بالمرض قال صهره "عصام مدير" إنه كان قد أصيب بجلطة في الشريان القاعدي في شهر ابريل عام 1996 بسبب عدة عوامل على رأسها أنه مريض بالسكر منذ فترة طويلة، أجهد خلالها نفسه في الدعوة كعادته>
ولكن في ذلك الشهر تحديدا أخذ رحلة مكوكية للدعوة، واجتهد فيها خصوصا في رحلته الأولى والقوية جدا لاستراليا التي تحدث عنها الاعلام الاسترالي لأنه ذهب لعرض الاسلام عليهم وتحدى عددا من المنصرين الاستراليين الذين اساءوا للاسلام، وكان ديدنه أن لا يناظر ولا يبادر المنصرين الا الذين يتعدون على الاسلام فيستدعيهم الشيخ للمناظرات ويرد عليهم بالحجة والبرهان.
أصيب بمرض نادر بعد جولة دعوية في استراليا
ولذلك ذهب إلى استراليا وطاف بها محاضرا ومناظرا، وعندما عاد حدث له ما جرى واصيب بجلطة في الدماغ، ودخل في حالة نادرة تعرف عند الاطباء بحالة الحجز الداخلي، بمعنى أن من يصاب بها يعي كل ما يدور حوله، ولا يفقد أية حاسة من حواسه، لكنه لا يستطيع التفاعل مع محيطه بالكلام أو الحركة، فكأنه يحجز ذلك داخل جسمه.
ومن جراء ذلك اصبح لا يستطيع تحريك كامل جسمه بداية من الرقبة، وأكرمه الله بأنه كان يستطيع أن يحرك رأسه، ولم يقفد ذاكرته أو وعيه بل ازدادا حدة.
وأضاف مدير أنه في أول اسبوع من مرضه قام ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز بارسال طائرة خاصة أتت به ليعالج على نفقة الدولة في المستشفى التخصصي في الرياض، ولأنه لم يكن يستطيع أن يبلع الطعام، أجرى له الأطباء السعوديون عملية جراحية، لتوصيل انبوب تغذية بالسائل للمعدة.
كان يحاور الآخرين ويمازحهم بعينيه
كما وفروا له نظام للتخاطب جميل جدا بحيث يرى ويسمع الأحرف الانجليزية مصفوفة في خمسة صفوف، ومرقمة بطريقة سهلة جدا، يكون من خلالها الشيخ ديدات بمساعدة شخص آخر الكلمة فالجملة، وبهذه الطريقة كان يمازح زواره ويجيب على استفسارات الاطباء والممرضين من غير المسلمين.
وارتفعت معنوياته جدا لأنه أصبح يستطيع أن يعبر عن نفسه، وبعد 10 شهور استقرت حالته، ولكن الأطباء رأوا أنه لا يمكن أن يطرأ بعد ذلك أي تحسن نظرا لأن الشيخ كان قد اقترب من عمره الثمانين، فقرر العودة الى منزله في جنوب افريقيا، لادارة شئون الدعوة ومكتبه الذي أنشأه هناك.
أحس بدنو أجله قبل شهر وأخبرنا بذلك
يستطرد مدير: ظل 9 سنوات طريح الفراش على هذه الحالة، التي كانت عجيبة ومستقرة، ولم تتعرض لانتكاسة إلا في الشهر الماضي. وفي اواخر شهر يونيه وبداية يوليه حصل له شبه فشل كلوي، وكانت تعاوده بين الحين والآخر الحمى الشديدة، واحس الشيخ بقرب اجله وأخبرنا بهذا.
وقال ان الشيخ ديدات كان يطلب من أهل بيته وولده أن يقرأوا له الصحف بشكل يومي، ولم يطرأ تغيير على منهجه بشأن الهجمات التي راحت توجه للاسلام أثناء فترة مرضه، وكان دائما يوظف هذه الهجمات لصالح الدعوة، فشعاره هو اقلب الطاولة على الخصم، فلما حصلت ضجة سلمان رشدي المفتعلة لتشويه صورة الاسلام والمسلمين، قام الشيخ ديدات بشراء كتاب سلمان رشدي وقرائته كاملا، وبحسه الاعلامي الرفيع، كان يوجه الدعاة الذين تتلمذوا على يديه لمتابعة الاعلام والانخراط فيه.
واستفاد من اخطاء تعاطي المسلمين مع الأزمة، ووجد أن سلمان رشدي تطاول على الغربيين وعلى ملكة بريطانيا والبريطانيين وعلى الشعب الامريكي، فألف كتيبا صغيرا بعنوان " كيف خدع سلمان رشدي الغرب" وزع منه 7 آلاف نسخة على البريطانيين، والقى في امريكا سلسلة من المحاضرات لأن سلمان رشدي وجد دعما هناك.
وبعد هجمات 11 سبتمبر عندما تطاول قس امريكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهنا الشيخ ديدات بأن ننشر ردودا على ذلك في الصحافة الامريكية، وأن نخاطب الجهات المعنية بالدعوة لتقوم بتفنيد هذا التطاول.
وكان الشيخ ديدات قد حصل على جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام عام 1986، ومن أفضل ما كتب، تلك التي يخاطب فيها اهل الكتاب ويسألهم كيف يشتمون الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبشر به في كتبهم، وكان يقول ان كتبه متاحة وليس عليها حقوق طبع وأقسم انه لو لديه الامكانيات لنشرها ووزعها كتبه مجانا.
ويحكي عصام مدير بأنه عندما وقعت أزمة تدنيس القرآن في جوانتانامو، عرضنا على الشيخ ان نرد بتوزيع كتابه "القرآن معجزة المعجزات" للأمريكان واعجبته الفكرة. ومنذ اسبوعين قبل وفاته نشر اعلانا في جنوب افريقيا لغير المسلمين ردا على امتهان القرآن الكريم وتدنيسه في جوانتانامو، بأن محاضرته عن القرآن الكريم المدمجة على اسطوانات DVD هدية لكل غير مسلم، يستلمها من بيته الذي زاره فيه عدد من القساوسة.
وقد ترك الشيخ وراءه حوالي 24 كتابا، وبلغ عدد محاضراته ومناظراته المسجلة 125 محاضرة ومناظرة. ورغم أن الشيخ ديدات ينتمي أساسا للجالية الهندية، أنشأ أول مدرسة ومركز اسلامي ومسجد متكامل المرافق في جنوب افريقيا للجالية الافريقية، والمعروف أن نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا كان يخصص مناطق للهنود ومثلها للسود، وأخرى للبيض.
وقد كسر ديدات هذه القاعدة لان الاسلام لا يعترف بالتفرقة العنصرية فذهب الى مناطق الافارقة وهم اهل البلاد الاصليين واسس فيها مسجدا ومركزا ومدرسة باسم السلام، وبعد ذلك رجع الى مدينة "ديربان" و واسس فيه المركز الاسلامي العالمي للدعوة الاسلامية بجوار المسجد الجامع الذي هو اكبر مساجد جنوب القارة الافريقية.
وبدأ ديدات يجذب غير المسلمين الذين يزورون ديربان الى المسجد، ويشرح لهم الصلاة والعقيدة الاسلامية، ويلقي محاضرات في ديربان وغيرها، وعندما تصله من بعض مجتمعات المسلمين ان هناك منصرين يزورون مناطقهم ويحاولون ردتهم عن الدين، يأخذ اسماءهم ويتحداهم بأن يناظروه ، وكان هذا شيئا عجيبا جدا لأن الجالية المسلمة في جنوب أفريقيا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت محبطة بشدة تحت نظام الفصل العنصري، ولم يكن احد يستطيع ان يظهر هويته الاسلامية، فوجدت في الشيخ ديدات العزاء ورفعت رأسها وارتدت الى هويتها.
وأشار عصام مدير إلى أننا عرفناه في المنطقة العربية بمناظرته الشهيرة مع جيمي سواجارات التي ترجمت الى اللغة العربية وبثها تليفزيون ابو ظبي بعد أن اشرف على دبلجتها.
وكان القس الأمريكي جيمي سواجارات في ذلك الوقت أكبر منصر في العالم كله، وله صيته وامبراطوريته المالية، وعندما اساء للقرأن الكريم، انقسم الطلبة المسلمون لفريقين، احدهما شجب وندد، والثاني رأي التصرف بحكمة وسمعوا عن الشيخ ديدات الذي يناظر هؤلاء فخاطبوه ليناظر سواجارات فوافق، وفي نهاية المناظرة نذكر كلنا كيف ان سواجارات اعتذر عن اسائته للقرأن الكريم.
للشيخ ديدات من الأولاد، ابراهيم وهو كبير في السن ومريض، ويوسف الذي كان يلازمه، ويترجم لغة عينيه الى زواره. ويوضح عصام مدير أن ديدات طلبه قبل اسبوعين من وفاته فذهب إليه حيث أخبره بدنو أجله وأبلغه بوصاياه الأخيرة وأهمها أن يتقي المسلمون ربهم ويدافعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان يبكي على سريره بسبب هجوم المنصرين
سر الشيخ ديدات الذي تألق به وصنع هذه المكانة الدعوية المرموقة أنه كان شابا فقيرا معدما من جالية مطحونة ومقهورة من التميير العنصري، عمل في شبابه في بقالة كانت مجاورة لمعهد تنصيري، حيث يخرج المنصرين ويمرون عليه ويشتمون أمامه الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون ان الاسلام انتشر بحد السيف، فكان ديدات يعود الى بيته ويذهب الى سريره ويظل يبكي بالدموع داعيا الله ان يلهمه العلم الذي يمكنه من الرد على هؤلاء وقد كان.
أما الشيخ صالح الوهيبي الامين العام للندوة العالمية للشباب الاسلامي فقال: الشيخ ديدات يمثل مرحلة في الحوار الاسلامي المسيحي وهي مرحلة تتميز بالشدة مع المقابل، والهجوم عليه، وسبب ذلك انه نشأ في بيئة كانت الاقلية المسلمة في جنوب افريقيا تتعرض لضغوط عنصرية، وضغوط كبيرة من المنصرين.
وفي ظل هذه الاجواء نشأ الشيخ ديدات ورسم منهجا في هذا الشأن واعتقد انه كان مدرسة في ذاته عليه رحمة الله، لكن لا يعني بالضرورة ان المنهج الذي اختطه لهذه المدرسة انها صالحة لكل وقت.. اعتقد ان البدائل الموجودة في الساحة قد تكون انسب حيث يكون المجال حر وتوجد اجواء من الديمقراطية، لكن بعض الفئات التبشيرية تحتاج الى هذا الاسلوب، المواجهة والفضح، الذي اتبعه ديدات عليه رحمة الله.
ديدات قدم الشئ الكثير للتعريف بالعمل الاسلامي في جنوب افريقيا وأذكر أنه حينما بدأ يأتي في السعودية، لم يكن الناس يعرفون الا القليل القليل عن الوضع في جنوب افريقيا، لكنه استطاع أن يقيم علاقات وأن يصبح شخصية مرموقة جدا في العالم الاسلامي ومن ثم عرف بوضع الاقلية المسلمة في تلك البلاد.[/align]
تعليق