وكلما أمعتا النظر في العلاقة بين الشاعر الجاهلي والناقة ، كلما وضح لنا أنها كانت بالنسبة إليه كالملجأ الأمين الذي يقي صاحبـه الكثير من المصاعب . لقد لامسـنا صوراً تعبيرية عديدة للناقة في هذا الشعر ، فهي مثل الباب المنيف الممرد ، وبيوت الوحش في أصول الشجر ، وجناحيّ النسر ، والسقف المُسند ، والظهر العالي والكهف ، حيث وصف الشاعر طرفة بن العبد الناقة وصفاً إجمالياً من حيث قوتها وسرعتها وضخامتها ، كما تناول يديهـا بالوصف ، وأنّ رأسها عظيم سـامق قوي كسندان الحداد ، وعنقها كسُـكان السفينة يدفعها ويبطئ بها ويسرع ، أما خدّها فصقيل كقرطاس ، ووصف عينيها فجعلهما مرآتين في بريقهما ولمعانهما .
الشاعر الحطيئة ، لا يقل عن شعراء الجاهلية السابقين أسـلوباً ودقـة في الوصف ، وجزالة في اللفـظ ، ورصانة في المعنى ، فقد تناول الناقة في شعره ، وتحدث عن صفاته وألقابها ، فوصف جيدها وجعلها ظبية ترعى في شجر الصحـراء :
وان غضبت خلـت بالمشــفريـ
ن سـبائح قطـن وبرســا نسـلا
وتحـدو يـديهـا زحـول الخطـا
أمـرهمـا العصـب مـرا شــمالا
وهـذا الشمّاخ الشاعر المخضرم والذي تفـنن في المـدح والهجاء ، إلى الحد الذي هجا فيه عشيرته وأضيافه وقـد قال في ناقـته :
وعوجـاء مجـذام وأمـر صـريمـة
تركت بهـا الشك الذي هـو عاجـز
وظللت بأعـراف كـان عيـونهـا
إلى الشمس هـل تدنـوزكى النواكـز
وهجا الشـمّاخ الربيع بن علياء السلمي ، لأن ربيعاً أساء وتكبر وقال الهجـر والفحش ، لما رعى الإبل والظاهر أنها كانت ملكـا له وقـال :
نبـئت أنّ ربيـعاً إن رعـى إبـلا
يهـدي إلى خنــاه ثـانـي الجيـد
ومدح أبو أُمامة غيـاث بن غوث التغلبي الملقب بالأخطل ، في إحدى قصائده يزيد بن معاوية ، وقد بدأ قصيدته بمقدمة غزليـة ذكـر فيها محبوبته سلمى ومرابعهـا ، التي طوّحت بها رحلة بعيـدة ، وكان يفكر في السبيل الذي يوصله إليها ، ولم يجد سوى (ناقته )، الموصوفة بصفات يستطيع بها أن يقطـع الفيافي ، كونهـا قوية ، حـادة العين وقال :
بحـرة كأتـان الفحـل أضمـرهـا
بعـد الربـالة ترحـالى وتسـيارى
أخت الفـلاة إذا اشـتدت معـاقـدها
زلت قـوى النسـع عن كبـداء مسيار
ويقـول الأخطـل أيضـاً :
كأنهـا بـرج رومـي يشــيده
لـزبـجـص واجــر وأحجـــار
أو مقفـر خاضـب الأظــلاف جـادلـه
غيـث تظـاهـر فـي ميثـاء مبكــار
قـد بـات فـي ظـل ارطــاه تكفئـه
ريـح شـــاميـة هـبت بأمطـــار
يجـــول ليـلتـه والعيـن تضـربـه
منهـا بغـيث اجـسّ الرعــد تيـــار
وللشاعر التغلبي عمرو بن شـبيم الملقب بالقطامي ، لاميـة شـائقة ، افـرد جـزءاً منهـا لوصف الإبل ، ومن جملة ما أورده القرشي ويخص الإبل قـولـه :
أضحت عليـه يهتــاج الفـؤاد لهـا
وللرواســم فيمـا دونهـا عمـــل
حتـى تـرى الحـرة الوجنـاء لاغبـة
والارحبـى الذي في خطـوه حطـــل
خوصـا تديـر عيونا مـاؤها سـرب
عـلى الخدود إذا مـا اغـرورق المقــل
لو اغب الطـرف منقوبـا محاجـرها
كأنهــا قلـب عـاديـة مكـــل
يمشـين رهواً فـلا الإعجـاز خـاذلة
ولا الصـدور على الإعجـاز تتكــل
عُـرِفَ الشاعر الطرماح بن حكيم بن الحكيم والمكنى أبا نفـر وأبا ضبيـة بطول قامتـه ، وعشقه للإبل ، وكثيرا ما كان يتغزل بناقته ، بعد أن يمـزج قصيدته بالغزل والموعظة ، وله قصيدة ضادية خلص فيها إلى وصـف ناقتـه ، وصفاً بديعـاً بليغاً فيقـول :
فهـي قــوداء أنفجـت عضـداهـا
عـن زحـالـيف صـفصـف ذي دحـاض
عوسـرانية إذا انتقــض الخـمــ
س نطـــاف الفضـيض أي انتقـــاض
صـنتـع الحـاجبيـن خرطـة البقـ
ـل بديــا قبــل اســتكال الريـاض
مـع رحــلات الإبــل :
ويذكـر بأن الشعراء غالباً ما كانوا يتتبعـون الإبـل في رحـلاتها عبر الصحـراء : " ثم يدفع الشعراء الإبل أمامهم ، ويندفعون وراءها ، يتتبعـون رحلتها عبـر الصحراء الواسعة ، وما تجتـاز من جبال ووديان وآبار وأشجار وكثبان ومياه ، وما تتنكب عن يمين وشمـال من مواقـع ، ويسرف الشعراء كثيراً في تتبع رحلة الظعن ، وكأنمـا كانوا شـهوداً لهـا حقيقـة " .
ويقـول في ذلك شاعر المعلقات زهير بن أبي سلمى :
ردّ القيـان جمـال الحـيَّ فاحتمـلوا
إلى الظهيـرة أمـر بينهـم لبـك
مـا إن يكـاد يخليهـم لوجهتهـم
تخـالج الأمـر أنّ الأمـر مشـترك
يغشـى الحداة بهـم حرّ الكثيب كما
يغشـى السَفائن موج اللجّـة العَرِك
ومن المناظر الحضارية التي لفتت انتبـاه الشعراء الجاهليين ، منظر السفن السابحة في لُجّـة البحـر ، التي شبهوا بها ظعنهم ونوقهـم السابحة على صفحة الرمال ، وتصوروا في بعض الأحيان الإبل سُـفناً حقيقية فسموا البختي من الإبل أو ولده (الصرصور) ، وهو نوع من السفن معروف ، وسموا الناقة الطويلة العنق ( الشراعية ) ، والشراعية هي السفينة ذات الشراع وأطلقوا على الناقة التي عطفت على ولد واحد اسم (الخلية ) ، وهي السفينة العظيمة التي يتبعها زورق . وترجمة لهـذا أشـعار كثيرة سمت الناقـة بسفينة البّـر ، كقولهـم :
رحلـن لشــقة ونصـبن نصـبا
لواغـرات الهـواجر والسـموم
فكـن سـفينها وضـربن جـأشـا
لخمـس في مـأججــة أزوم
كما سموا عنـق الناقـة شراعاً على نحـو ما هو موجود في شعر المسيب بن علـس :
وكـان غـاربهـا ربـاوة مخـرم
وتمـدثنـي جديلهــا بشـراع
ونجد الإبل قد جاءت في المرتبـة الثانية بعد الخيل في أهميتها الحربيـة ، وفي الشعر الجاهلي ثمـة أحاديث كثيرة حول الإبل وقيمتها في المواجهة والدفاع عن القبيلة ومراقبة المغيرين ، فمن على ظهورهـا كانوا يرصدون الأعـداء . وقد أنشد عميرة بن طارق في هذا الموضع :
ولمـا رأيت القـوم جـد نفيـرهم
دعـوت بمنـى محـرزاً والمثـلمـا
وأعـرض عنـي قعنـب وكأنمـا
يـرى أهـل ودّ من صداء وسـلهما
فكلفـت ما عنـدي من الهـم ناقتـي
مخـافـة يـوم أن ألام وانــدما
ولما كانت الإبل لا تصلح كثيراً لِقِراعِ الأبطال ، ولا تُحسن الكـرّ والفـرّ ، لأنها ثقيلات الأجسام ، يجفلنّ من قعقعة السـلاح ، فقد كانت في الغالب ترافق المحاربين تخفيفـاً عن الخيل وحفظاً لقـواها ، وقد قال الربيـع بن زياد :
أفبعـد مقـتل مـالك بمضـيعـة
ترجـو النسـاء عواقب الأطهـار
مـا أن أرى من بعـد مقتـل مالك
إلا المطـي تشــد بـالاكــوار
ومجنبــات مـا يذقـن عـذوفـة
يمصـعن بالمهــرات والألمهــار
ديّــات بـاهظــة :
وهناك قصص وردت وتحدثت عن الإبل ، وجعلها ( دِيَّـة ) لأسـرى الحرب والقتلى ، وقيل إن أكبر قيمـة دفعت في فداء أسير أيام الجاهلية هي ثلاثمـائة بعير دفعتها أم بسطام بن عبدالله فداءً لابنهـا ، وفي ذلك يقول شاعر بنـي سـعد :
ومنـا رئيـس القـوم ليـلة ادلجـوا
بهـوذة مقـرون اليـدين إلى المنحـر
وردنـا منـه نخـل اليمـامة عانيـا
عليـه وثـاق القـد والحلق الســمر
وقال قيس بن العيزارة عندما أسّـرته قبيلة (فهـم) ، وأخذ سلاحه تأبط شراً ، يفدي نفسـه بالإبل والشاه ، فلم يقبلوا إلا بناقتـه النجيبـة (البلهاء ) ، العزيزة على قلبـه فقـال :
قلت لهـم شـاء رغيـب وجـامـل
فكلكـم مـن ذلك المـال شــابع
وقـالوا لنـا البلهـاء أول ســؤلة
وأعراسـها ، والله عني يــدافــع
ويصـدق (شعل) من فـدائـي بكـرة
كأنّك تعطـي من قـلاص ابن جـامع
وعندما قتلت مراد قيسـاً الكندي ، خرج ابنـه الأشعث ثـائراً بأبيـه ، فأُسِـرَ وفدى بألف بعيـر ، وقيل بإلفي بعير ، وألف من الهدايا والطّرف ، فقـال :
وهـم قتـلوا بـذات الجــار قيســا
وأشـعث سـلسـلوا فـي غير عقـد
أتـانـا ثـائــرا بـابيــه قيــس
فاهـلك جيــش ذلكـم السـغمد
فكـان فـــداؤه الفــي بعيــر
والفـا مـن طـريفــات وتلــد
ويمكننـا القـول بأنّ ما جـاء من شـعر الحـرب في الإبل قليـل بالنسـبة لما قبـل في الخيل ، لكن هذا القليل استوعب كل ما يتصل بالإبل من حيث دورهـا في حروب الجاهلين ، فقـد صوروهـا هدف المغيرين ومقصـدهم ومن أجلها بذلوا أرواحهم رخيصة ، ودافعوا عن حمـى القبيلة ، وصـدّوا المعتدين وجنبـوا بها الخيل وحملوا على ظهورها الرجال والسلاح والمتاع ، واستعانوا بها أحيانـاً في المعركـة وكثيراً ما كانوا يعقـدون الصلة بين الفارس المغامر وبين الحـرب المدمـرة والناقـة السيئة الطباع ، وما أن تنتهـي المعركـة حتى تنهـي الإبل النزاع فيفدون بها الأسرى ويدوّن بهـا القتـلى .
الشاعر الحطيئة ، لا يقل عن شعراء الجاهلية السابقين أسـلوباً ودقـة في الوصف ، وجزالة في اللفـظ ، ورصانة في المعنى ، فقد تناول الناقة في شعره ، وتحدث عن صفاته وألقابها ، فوصف جيدها وجعلها ظبية ترعى في شجر الصحـراء :
وان غضبت خلـت بالمشــفريـ
ن سـبائح قطـن وبرســا نسـلا
وتحـدو يـديهـا زحـول الخطـا
أمـرهمـا العصـب مـرا شــمالا
وهـذا الشمّاخ الشاعر المخضرم والذي تفـنن في المـدح والهجاء ، إلى الحد الذي هجا فيه عشيرته وأضيافه وقـد قال في ناقـته :
وعوجـاء مجـذام وأمـر صـريمـة
تركت بهـا الشك الذي هـو عاجـز
وظللت بأعـراف كـان عيـونهـا
إلى الشمس هـل تدنـوزكى النواكـز
وهجا الشـمّاخ الربيع بن علياء السلمي ، لأن ربيعاً أساء وتكبر وقال الهجـر والفحش ، لما رعى الإبل والظاهر أنها كانت ملكـا له وقـال :
نبـئت أنّ ربيـعاً إن رعـى إبـلا
يهـدي إلى خنــاه ثـانـي الجيـد
ومدح أبو أُمامة غيـاث بن غوث التغلبي الملقب بالأخطل ، في إحدى قصائده يزيد بن معاوية ، وقد بدأ قصيدته بمقدمة غزليـة ذكـر فيها محبوبته سلمى ومرابعهـا ، التي طوّحت بها رحلة بعيـدة ، وكان يفكر في السبيل الذي يوصله إليها ، ولم يجد سوى (ناقته )، الموصوفة بصفات يستطيع بها أن يقطـع الفيافي ، كونهـا قوية ، حـادة العين وقال :
بحـرة كأتـان الفحـل أضمـرهـا
بعـد الربـالة ترحـالى وتسـيارى
أخت الفـلاة إذا اشـتدت معـاقـدها
زلت قـوى النسـع عن كبـداء مسيار
ويقـول الأخطـل أيضـاً :
كأنهـا بـرج رومـي يشــيده
لـزبـجـص واجــر وأحجـــار
أو مقفـر خاضـب الأظــلاف جـادلـه
غيـث تظـاهـر فـي ميثـاء مبكــار
قـد بـات فـي ظـل ارطــاه تكفئـه
ريـح شـــاميـة هـبت بأمطـــار
يجـــول ليـلتـه والعيـن تضـربـه
منهـا بغـيث اجـسّ الرعــد تيـــار
وللشاعر التغلبي عمرو بن شـبيم الملقب بالقطامي ، لاميـة شـائقة ، افـرد جـزءاً منهـا لوصف الإبل ، ومن جملة ما أورده القرشي ويخص الإبل قـولـه :
أضحت عليـه يهتــاج الفـؤاد لهـا
وللرواســم فيمـا دونهـا عمـــل
حتـى تـرى الحـرة الوجنـاء لاغبـة
والارحبـى الذي في خطـوه حطـــل
خوصـا تديـر عيونا مـاؤها سـرب
عـلى الخدود إذا مـا اغـرورق المقــل
لو اغب الطـرف منقوبـا محاجـرها
كأنهــا قلـب عـاديـة مكـــل
يمشـين رهواً فـلا الإعجـاز خـاذلة
ولا الصـدور على الإعجـاز تتكــل
عُـرِفَ الشاعر الطرماح بن حكيم بن الحكيم والمكنى أبا نفـر وأبا ضبيـة بطول قامتـه ، وعشقه للإبل ، وكثيرا ما كان يتغزل بناقته ، بعد أن يمـزج قصيدته بالغزل والموعظة ، وله قصيدة ضادية خلص فيها إلى وصـف ناقتـه ، وصفاً بديعـاً بليغاً فيقـول :
فهـي قــوداء أنفجـت عضـداهـا
عـن زحـالـيف صـفصـف ذي دحـاض
عوسـرانية إذا انتقــض الخـمــ
س نطـــاف الفضـيض أي انتقـــاض
صـنتـع الحـاجبيـن خرطـة البقـ
ـل بديــا قبــل اســتكال الريـاض
مـع رحــلات الإبــل :
ويذكـر بأن الشعراء غالباً ما كانوا يتتبعـون الإبـل في رحـلاتها عبر الصحـراء : " ثم يدفع الشعراء الإبل أمامهم ، ويندفعون وراءها ، يتتبعـون رحلتها عبـر الصحراء الواسعة ، وما تجتـاز من جبال ووديان وآبار وأشجار وكثبان ومياه ، وما تتنكب عن يمين وشمـال من مواقـع ، ويسرف الشعراء كثيراً في تتبع رحلة الظعن ، وكأنمـا كانوا شـهوداً لهـا حقيقـة " .
ويقـول في ذلك شاعر المعلقات زهير بن أبي سلمى :
ردّ القيـان جمـال الحـيَّ فاحتمـلوا
إلى الظهيـرة أمـر بينهـم لبـك
مـا إن يكـاد يخليهـم لوجهتهـم
تخـالج الأمـر أنّ الأمـر مشـترك
يغشـى الحداة بهـم حرّ الكثيب كما
يغشـى السَفائن موج اللجّـة العَرِك
ومن المناظر الحضارية التي لفتت انتبـاه الشعراء الجاهليين ، منظر السفن السابحة في لُجّـة البحـر ، التي شبهوا بها ظعنهم ونوقهـم السابحة على صفحة الرمال ، وتصوروا في بعض الأحيان الإبل سُـفناً حقيقية فسموا البختي من الإبل أو ولده (الصرصور) ، وهو نوع من السفن معروف ، وسموا الناقة الطويلة العنق ( الشراعية ) ، والشراعية هي السفينة ذات الشراع وأطلقوا على الناقة التي عطفت على ولد واحد اسم (الخلية ) ، وهي السفينة العظيمة التي يتبعها زورق . وترجمة لهـذا أشـعار كثيرة سمت الناقـة بسفينة البّـر ، كقولهـم :
رحلـن لشــقة ونصـبن نصـبا
لواغـرات الهـواجر والسـموم
فكـن سـفينها وضـربن جـأشـا
لخمـس في مـأججــة أزوم
كما سموا عنـق الناقـة شراعاً على نحـو ما هو موجود في شعر المسيب بن علـس :
وكـان غـاربهـا ربـاوة مخـرم
وتمـدثنـي جديلهــا بشـراع
ونجد الإبل قد جاءت في المرتبـة الثانية بعد الخيل في أهميتها الحربيـة ، وفي الشعر الجاهلي ثمـة أحاديث كثيرة حول الإبل وقيمتها في المواجهة والدفاع عن القبيلة ومراقبة المغيرين ، فمن على ظهورهـا كانوا يرصدون الأعـداء . وقد أنشد عميرة بن طارق في هذا الموضع :
ولمـا رأيت القـوم جـد نفيـرهم
دعـوت بمنـى محـرزاً والمثـلمـا
وأعـرض عنـي قعنـب وكأنمـا
يـرى أهـل ودّ من صداء وسـلهما
فكلفـت ما عنـدي من الهـم ناقتـي
مخـافـة يـوم أن ألام وانــدما
ولما كانت الإبل لا تصلح كثيراً لِقِراعِ الأبطال ، ولا تُحسن الكـرّ والفـرّ ، لأنها ثقيلات الأجسام ، يجفلنّ من قعقعة السـلاح ، فقد كانت في الغالب ترافق المحاربين تخفيفـاً عن الخيل وحفظاً لقـواها ، وقد قال الربيـع بن زياد :
أفبعـد مقـتل مـالك بمضـيعـة
ترجـو النسـاء عواقب الأطهـار
مـا أن أرى من بعـد مقتـل مالك
إلا المطـي تشــد بـالاكــوار
ومجنبــات مـا يذقـن عـذوفـة
يمصـعن بالمهــرات والألمهــار
ديّــات بـاهظــة :
وهناك قصص وردت وتحدثت عن الإبل ، وجعلها ( دِيَّـة ) لأسـرى الحرب والقتلى ، وقيل إن أكبر قيمـة دفعت في فداء أسير أيام الجاهلية هي ثلاثمـائة بعير دفعتها أم بسطام بن عبدالله فداءً لابنهـا ، وفي ذلك يقول شاعر بنـي سـعد :
ومنـا رئيـس القـوم ليـلة ادلجـوا
بهـوذة مقـرون اليـدين إلى المنحـر
وردنـا منـه نخـل اليمـامة عانيـا
عليـه وثـاق القـد والحلق الســمر
وقال قيس بن العيزارة عندما أسّـرته قبيلة (فهـم) ، وأخذ سلاحه تأبط شراً ، يفدي نفسـه بالإبل والشاه ، فلم يقبلوا إلا بناقتـه النجيبـة (البلهاء ) ، العزيزة على قلبـه فقـال :
قلت لهـم شـاء رغيـب وجـامـل
فكلكـم مـن ذلك المـال شــابع
وقـالوا لنـا البلهـاء أول ســؤلة
وأعراسـها ، والله عني يــدافــع
ويصـدق (شعل) من فـدائـي بكـرة
كأنّك تعطـي من قـلاص ابن جـامع
وعندما قتلت مراد قيسـاً الكندي ، خرج ابنـه الأشعث ثـائراً بأبيـه ، فأُسِـرَ وفدى بألف بعيـر ، وقيل بإلفي بعير ، وألف من الهدايا والطّرف ، فقـال :
وهـم قتـلوا بـذات الجــار قيســا
وأشـعث سـلسـلوا فـي غير عقـد
أتـانـا ثـائــرا بـابيــه قيــس
فاهـلك جيــش ذلكـم السـغمد
فكـان فـــداؤه الفــي بعيــر
والفـا مـن طـريفــات وتلــد
ويمكننـا القـول بأنّ ما جـاء من شـعر الحـرب في الإبل قليـل بالنسـبة لما قبـل في الخيل ، لكن هذا القليل استوعب كل ما يتصل بالإبل من حيث دورهـا في حروب الجاهلين ، فقـد صوروهـا هدف المغيرين ومقصـدهم ومن أجلها بذلوا أرواحهم رخيصة ، ودافعوا عن حمـى القبيلة ، وصـدّوا المعتدين وجنبـوا بها الخيل وحملوا على ظهورها الرجال والسلاح والمتاع ، واستعانوا بها أحيانـاً في المعركـة وكثيراً ما كانوا يعقـدون الصلة بين الفارس المغامر وبين الحـرب المدمـرة والناقـة السيئة الطباع ، وما أن تنتهـي المعركـة حتى تنهـي الإبل النزاع فيفدون بها الأسرى ويدوّن بهـا القتـلى .
تعليق