تأملات في زمن: أماتوا فيه المؤلف,, ثم أماتوا الناقد!!
سناء الحمد بدوي
__________
يبدو
أنه مقدورعلينا أن ·نلهث وراء الغرب، ليس في تقنياته ومخترعاته فحسب، ولكن في نظرياته ومذاهبه الثقافية والأدبية والنقدية أيضا، وياليتنا نتزامن في تقليدنا له ولهاثنا وراءه مع ما نلهث من أجله، فغالبا نتخلف ما يقرب من ربع قرن من الزمان حيث تكون النظرية أو ·التقليعة قد شاعت لديهم ووصلت الى ذروتها ثم انهارت وولت وانتهت أو بقي منها رماد مابعد النار، ونحن بالكاد نكون قد شرعنا في إثارة الزوابع حولها، واذا ببعضنا يقيمون الدنيا ويتركونها واقفة حول هذه النظرية أو تلك الصيحة,, ناهينا عن أن الكثير مما نلهث وراءه هو نتاج و·إفراز ظروف اجتماعية وثقافية و·انسانية مختلفة وأحيانا يكون بينها وبين ظروفنا ما بين الشاطىء والأفق النائي!
** منذ زمن غير بعيد أثار بعض نقادنا زوابع نقاشية حول ·البنيوية و·استعاروها من روادها الغربيين وطرحوها في الساحة الثقافية العربية، ولابأس من طرحها وشرحها، الا أنهم اعتبروها هي ·الخلاص للغة والأدب والنقد بعد أن طبقها اصحابها في ميادين أخرى كعلم اجناس الانسان ·الانثروبولوجيا وعلم النفس، وانها هي التي ستفجر طاقات العمل الأدبي وتكشف ما لم يكشفه الأولون والآخرون من أسراره ومغاليقه، وأيضا لا بأس في نسبة ذلك إلى ·البنيوية ومنظّريها ومطبّقيها، غير أنهم ذهبوا الى أبعد من ذلك واعتبروها آخر المطاف في المذاهب النقدية وأن ما قبلها كان تخلفا أو قريبا من ·البدائية النقدية,, وأنها وما بعدها مما يمكن أن تنسحب عليه المقولة الشائعة ·ليس في الإمكان أبدع مما كان !
واعتبروا الناقد الذي لا يغرق في البنيوية حتى أذنيه هو ناقد يعيش في عصر النقد ·الحجري ، وعندما خذلتهم البنيوية، وقُيّض لها من قلبها رأسا على عقب صاح اللاهثون وراءها: ها هو عصر ما بعد البنيوية، هذه هي التفكيكية أو التشريحية، وإليكم معها السيميولوجيا! هذه هي خلاصة العبقرية الغربية جاءتنا من بنات أفكار ·دي سوسير و·ليفي شتراوس ومن تلاه! واختلفوا في المصطلح الأخير ·السيميولوجيا ، فذهب فريق من نقادنا المجتهدين الى تفضيل ·السيميولوجيا وجنح آخر الى تفضيل لفظ ·السيميوتيقا - أو ·,,, طيقا - ومحبو اللغة العربية الأقحاح فضل بعضهم ·السيميائية - احياءً للفظة قديمة هي:السيمياء، والتي تحمل أكثر من معنى، فقد تعني ·السحر وبالأخص ادعاء قدرة السحر على تحويل العناصر، وقد تعني ·السيما أو السيماء أي العلامة كقوله تعالى ·سيماهم في وجوههم من اثر السجود - وغيرهم فضل ·علم العلامات ، خشية التباس ·السيميائية بالسحر ومايتصل به,, رغم التقارب الصوتي والمعنوي بينهما: السيميولوجياوالسيمياء الذي قد يوحي بصلة ما بين اللفظة العربية واللفظة في اللغات الأخرى، مما كان يغري بتفضيلها على سواها,
وهكذا انهمرت علينا: السيميولوجيا، والسيميوطيقا، والسيميائية،وعلم العلامات,, ألفاظاً عديدة لمصطلح واحد هو "SEMIOLOGY" أو "SEMIOTICS" واكثرهم لا يفرقون بين المصطلحين الأجنبيين وبعضهم يشير الى فرق بينهما فيقول ان الأول السيميولوجيا هو العلم الذي يهتم بالعلامات من أي نوع كانت حيث يتجاوز المجال اللغوي ليشمل دراسة الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية، وان الثاني السيميوتيقا أو السيميائيات هي الطريقة التي يحلل بها علم العلامات العلامات نفسها أي أنها تكون أعم قليلا من علم العلامات,, وربما يشبه هذه الفوضى المصطلحية في نقدنا العربي تعدد استخدام ألفاظ عديدة لمصطلح أجنبي واحد مثل POETICS فتجود قرائح نقادنا ومنظّرينا ب: الأدبية، والشعرية، والشاعرية، والانشائية,, اضافة الى ·البويتيقا ، و·فن الشعر وهي الترجمة العربية القديمة للمصطلح نفسه,
ويلحق بهما مثال ثالث - وليس بأخير - مصطلح مثل الحداثة التي لا يكاد يخلو منها الآن نقد أو كتاب نقدي، فالمفترض أنها ترجمة للكلمة الانجليزية MODERNISM أو ما يماثلها في اللغات الأجنبية الاخرى، فإذا بنا نواجه ب: الحداثة، والحداثية، والحداثوية، والحداثانية,, فضلا عن الخلط أو لنقل عدم الاتفاق فيما بينهم على معنى محدد للمصطلح, ومما آثار الدهشة أنه على الرغم من أن الحداثة بمعناها المذهبي تتنكر للماضي ولكل التقاليد القائمة: اجتماعية، وثقافية، وفنية، وتراثية بما في التراث من معتقد ديني، فإن بعض نقادنا المحافظين التراثيين أعلنوا عن اعجابهم بالحداثة الشعرية، بل ودعوا الى صوغ قصيدة إسلامية حداثية!،وهو خطأ قاد اليه الخطأ في فهم الحداثة كمذهب فكري أوأدبي ونقدي، وعدم التفرقة بينها بالمعنى الأخير وبينها كمصدر من حدُث بمعنى صار حديثا أي الحداثة الزمنية,, فهم يقصدون بلا شك قصيدة اسلامية ·حديثة أي تستخدم التقنيات أو المنجزات الفنية التي تستخدمها القصيدة الحديثة - نسبة الى العصر الحديث - مثل حرية استخدام التفعيلة والجملة الشعرية والتحرر من القافية الواحدة ووحدة الشعور والعنصر الدرامي,, وغير ذلك مما توظفه القصيدة الحديثة، لاالقصيدة الحداثي التي تطرح أول ما تطرح ·قصيدة النثر بكل ما تحتمله خارجة على أي تقاليد فنية وغير فنية، كلاسيكية كانت أو رومانسية أو واقعية,, أو غيرها,
** والذين امتطوا البنيوية وانطلقوا بها أو انطلقت بهم، فألقتهم من فوق متنها زلقا، تشبثوا بعنق ما بعدها,, وعشقوا النص - مع رولان بارت - وراحوا يرتشفون منه لذة وسرورا، ولتكتمل لذتهم النصية أو النصوصية رأوا اقصاء المؤلف فأعلنوا موته، ولما خذلتهم لذةالنص والفروسية التي توهموها في اعتلاء النصوص بعد إماتتهم لمبدعيها، عاد الفارس والعاشق النصوصي الأول رولان بارتّ عودة سالمة الى المؤلف أي اعترف بوجوده ولا جدوى من إماتته او اقصائه عن نتاجه الابداعي، ولكن بعض نقادنا آثر المضي في الدرب الى آخره فأعلن ·موت النقد أو الناقد ,, مقلدين الصيحة الأولى لبارت - توفى عام 1980م - منذ حوالي ربع قرن من الزمان ومنفضين أيديهم من العملية كلها محاولين اسقاط خيبة أملهم وخذلانهم الذاتي على الساحة النقدية العربية كلها!
** يتطلعون الى ·علمنة المشاعر والأحاسيس الانسانية أي إضفاء صفات العلم والعلمية عليها،وقولبتها في قوالب ناجزة بحيث تكون خاضعة للمشاهدة والتجريب ولمجاهر العلم ومختبراته,, وينسون أو يتناسون أن في الكون أشياء يمكن اخضاعها للمجاهر العلمية، ولكن العلم مازال يجهلها ولا يعلم عنهاالا القليل، ناهينا عما زال العلم يجهله عن الكون المحدود حولنا بحواسنا، بله ما هو ممتد وشاسع الى ما وراء المجرات,, بل ان العلم مازال يقف موقف الجاهل أو : العاجز أمام أشياء داخل الانسان ذاته,, والأمثلة فوق الحصر وفي متناول اليد,ترىهل نذكر بيت الشاعرالعربي القديم
وقل لمن يدّعي في العلم فلسفة
علمت شيئاً وغابت عنك أشياء
** يعتبرن علمنة الإبداع إنجازا رائعا في ميدان الابداع والنقد، ويتطلعون الى أن يصبح الأدب ·علماً والنقد علماً وأن يخضعوا العملية الابداعية للعلم، أو ليس العلم هو الذي أوصلنا الى منجزات الفضاء وعصر الفضاء وما تلاه؟ إذن فينبغي أن يقبض العلم بمناهجه على ·قلب الإبداع النابض ويحوله الى تجريب ومشاهدة وقوانين حتمية لا يشذ عنها مبدع ولا ابداع!
** في عصر العلم الذي حول الانسان الى جهاز استقبال أجوف، لم يبق مشحونا بإنسانية الانسان - خارج هيمنة العلم ومناهجه وتقنياته وتجريبيته - سوى الابداع: شعرا ونثرا قصصيا أو روائيا أو مسرحيا,, أو كتابة تشربت انساغ الشعرية/ الانسانية,
يسعون الى نظرية نقدية أو مذهب نقدي يكون هو الأول والأخير، لاشيء قبله ولا شيء بعده,, لقد سعى الرومانسيون الى اقصاءالكلاسيكية، كما سعى غيرالرومانسيين - من سيرياليين وواقعيين وغيرهم - الى ازالة الرومانسية,, ومضت الكلاسيكية والرومانسية والسيريالية والواقعية وغيرها,, ذهب منها الكثير وفني، وبقي منها القليل الذي يمكن أن يثري الفن والأدب والشعر وفي فلكها النقد,, ولو توقف الابداع عند مذهب على ظن أنه هو المذهب الأكمل والأخير الذي لا قبله ولا بعده، لتيبست حياة الابداع وجمدت وفارقتها الحياة،وماعاد الابداع ابداعا,
** وكم من نظرية نقدية شغلت الناس زمنا وتصور اصحابها أنها سفينة الانقاذ الوحيدة المنتظرة للفن والنقد والفكر، واذا هي تخضع في نهاية المطاف لناموس الحياة: ميلاد ونشأة وتطور الىذروة عليا لاتكاد تصلها حتى تبدأ في الانحدار والتدهور ولا أقول الموت، فهناك شيء منها يبقى,, لتخلي مكانها لقادم جديد يخضع للناموس نفسه, وهكذا تخضع النظريات والمذاهب الأدبية والنقدية لماتخضع له الحياة,, ·ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض - البقرة: 251,, ·ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامع وبِيَعّ وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً - الحج: 40, صدق الخلاّق المبدع العظيم,, أحسن الخالقين
سناء الحمد بدوي
__________
يبدو
أنه مقدورعلينا أن ·نلهث وراء الغرب، ليس في تقنياته ومخترعاته فحسب، ولكن في نظرياته ومذاهبه الثقافية والأدبية والنقدية أيضا، وياليتنا نتزامن في تقليدنا له ولهاثنا وراءه مع ما نلهث من أجله، فغالبا نتخلف ما يقرب من ربع قرن من الزمان حيث تكون النظرية أو ·التقليعة قد شاعت لديهم ووصلت الى ذروتها ثم انهارت وولت وانتهت أو بقي منها رماد مابعد النار، ونحن بالكاد نكون قد شرعنا في إثارة الزوابع حولها، واذا ببعضنا يقيمون الدنيا ويتركونها واقفة حول هذه النظرية أو تلك الصيحة,, ناهينا عن أن الكثير مما نلهث وراءه هو نتاج و·إفراز ظروف اجتماعية وثقافية و·انسانية مختلفة وأحيانا يكون بينها وبين ظروفنا ما بين الشاطىء والأفق النائي!
** منذ زمن غير بعيد أثار بعض نقادنا زوابع نقاشية حول ·البنيوية و·استعاروها من روادها الغربيين وطرحوها في الساحة الثقافية العربية، ولابأس من طرحها وشرحها، الا أنهم اعتبروها هي ·الخلاص للغة والأدب والنقد بعد أن طبقها اصحابها في ميادين أخرى كعلم اجناس الانسان ·الانثروبولوجيا وعلم النفس، وانها هي التي ستفجر طاقات العمل الأدبي وتكشف ما لم يكشفه الأولون والآخرون من أسراره ومغاليقه، وأيضا لا بأس في نسبة ذلك إلى ·البنيوية ومنظّريها ومطبّقيها، غير أنهم ذهبوا الى أبعد من ذلك واعتبروها آخر المطاف في المذاهب النقدية وأن ما قبلها كان تخلفا أو قريبا من ·البدائية النقدية,, وأنها وما بعدها مما يمكن أن تنسحب عليه المقولة الشائعة ·ليس في الإمكان أبدع مما كان !
واعتبروا الناقد الذي لا يغرق في البنيوية حتى أذنيه هو ناقد يعيش في عصر النقد ·الحجري ، وعندما خذلتهم البنيوية، وقُيّض لها من قلبها رأسا على عقب صاح اللاهثون وراءها: ها هو عصر ما بعد البنيوية، هذه هي التفكيكية أو التشريحية، وإليكم معها السيميولوجيا! هذه هي خلاصة العبقرية الغربية جاءتنا من بنات أفكار ·دي سوسير و·ليفي شتراوس ومن تلاه! واختلفوا في المصطلح الأخير ·السيميولوجيا ، فذهب فريق من نقادنا المجتهدين الى تفضيل ·السيميولوجيا وجنح آخر الى تفضيل لفظ ·السيميوتيقا - أو ·,,, طيقا - ومحبو اللغة العربية الأقحاح فضل بعضهم ·السيميائية - احياءً للفظة قديمة هي:السيمياء، والتي تحمل أكثر من معنى، فقد تعني ·السحر وبالأخص ادعاء قدرة السحر على تحويل العناصر، وقد تعني ·السيما أو السيماء أي العلامة كقوله تعالى ·سيماهم في وجوههم من اثر السجود - وغيرهم فضل ·علم العلامات ، خشية التباس ·السيميائية بالسحر ومايتصل به,, رغم التقارب الصوتي والمعنوي بينهما: السيميولوجياوالسيمياء الذي قد يوحي بصلة ما بين اللفظة العربية واللفظة في اللغات الأخرى، مما كان يغري بتفضيلها على سواها,
وهكذا انهمرت علينا: السيميولوجيا، والسيميوطيقا، والسيميائية،وعلم العلامات,, ألفاظاً عديدة لمصطلح واحد هو "SEMIOLOGY" أو "SEMIOTICS" واكثرهم لا يفرقون بين المصطلحين الأجنبيين وبعضهم يشير الى فرق بينهما فيقول ان الأول السيميولوجيا هو العلم الذي يهتم بالعلامات من أي نوع كانت حيث يتجاوز المجال اللغوي ليشمل دراسة الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية، وان الثاني السيميوتيقا أو السيميائيات هي الطريقة التي يحلل بها علم العلامات العلامات نفسها أي أنها تكون أعم قليلا من علم العلامات,, وربما يشبه هذه الفوضى المصطلحية في نقدنا العربي تعدد استخدام ألفاظ عديدة لمصطلح أجنبي واحد مثل POETICS فتجود قرائح نقادنا ومنظّرينا ب: الأدبية، والشعرية، والشاعرية، والانشائية,, اضافة الى ·البويتيقا ، و·فن الشعر وهي الترجمة العربية القديمة للمصطلح نفسه,
ويلحق بهما مثال ثالث - وليس بأخير - مصطلح مثل الحداثة التي لا يكاد يخلو منها الآن نقد أو كتاب نقدي، فالمفترض أنها ترجمة للكلمة الانجليزية MODERNISM أو ما يماثلها في اللغات الأجنبية الاخرى، فإذا بنا نواجه ب: الحداثة، والحداثية، والحداثوية، والحداثانية,, فضلا عن الخلط أو لنقل عدم الاتفاق فيما بينهم على معنى محدد للمصطلح, ومما آثار الدهشة أنه على الرغم من أن الحداثة بمعناها المذهبي تتنكر للماضي ولكل التقاليد القائمة: اجتماعية، وثقافية، وفنية، وتراثية بما في التراث من معتقد ديني، فإن بعض نقادنا المحافظين التراثيين أعلنوا عن اعجابهم بالحداثة الشعرية، بل ودعوا الى صوغ قصيدة إسلامية حداثية!،وهو خطأ قاد اليه الخطأ في فهم الحداثة كمذهب فكري أوأدبي ونقدي، وعدم التفرقة بينها بالمعنى الأخير وبينها كمصدر من حدُث بمعنى صار حديثا أي الحداثة الزمنية,, فهم يقصدون بلا شك قصيدة اسلامية ·حديثة أي تستخدم التقنيات أو المنجزات الفنية التي تستخدمها القصيدة الحديثة - نسبة الى العصر الحديث - مثل حرية استخدام التفعيلة والجملة الشعرية والتحرر من القافية الواحدة ووحدة الشعور والعنصر الدرامي,, وغير ذلك مما توظفه القصيدة الحديثة، لاالقصيدة الحداثي التي تطرح أول ما تطرح ·قصيدة النثر بكل ما تحتمله خارجة على أي تقاليد فنية وغير فنية، كلاسيكية كانت أو رومانسية أو واقعية,, أو غيرها,
** والذين امتطوا البنيوية وانطلقوا بها أو انطلقت بهم، فألقتهم من فوق متنها زلقا، تشبثوا بعنق ما بعدها,, وعشقوا النص - مع رولان بارت - وراحوا يرتشفون منه لذة وسرورا، ولتكتمل لذتهم النصية أو النصوصية رأوا اقصاء المؤلف فأعلنوا موته، ولما خذلتهم لذةالنص والفروسية التي توهموها في اعتلاء النصوص بعد إماتتهم لمبدعيها، عاد الفارس والعاشق النصوصي الأول رولان بارتّ عودة سالمة الى المؤلف أي اعترف بوجوده ولا جدوى من إماتته او اقصائه عن نتاجه الابداعي، ولكن بعض نقادنا آثر المضي في الدرب الى آخره فأعلن ·موت النقد أو الناقد ,, مقلدين الصيحة الأولى لبارت - توفى عام 1980م - منذ حوالي ربع قرن من الزمان ومنفضين أيديهم من العملية كلها محاولين اسقاط خيبة أملهم وخذلانهم الذاتي على الساحة النقدية العربية كلها!
** يتطلعون الى ·علمنة المشاعر والأحاسيس الانسانية أي إضفاء صفات العلم والعلمية عليها،وقولبتها في قوالب ناجزة بحيث تكون خاضعة للمشاهدة والتجريب ولمجاهر العلم ومختبراته,, وينسون أو يتناسون أن في الكون أشياء يمكن اخضاعها للمجاهر العلمية، ولكن العلم مازال يجهلها ولا يعلم عنهاالا القليل، ناهينا عما زال العلم يجهله عن الكون المحدود حولنا بحواسنا، بله ما هو ممتد وشاسع الى ما وراء المجرات,, بل ان العلم مازال يقف موقف الجاهل أو : العاجز أمام أشياء داخل الانسان ذاته,, والأمثلة فوق الحصر وفي متناول اليد,ترىهل نذكر بيت الشاعرالعربي القديم
وقل لمن يدّعي في العلم فلسفة
علمت شيئاً وغابت عنك أشياء
** يعتبرن علمنة الإبداع إنجازا رائعا في ميدان الابداع والنقد، ويتطلعون الى أن يصبح الأدب ·علماً والنقد علماً وأن يخضعوا العملية الابداعية للعلم، أو ليس العلم هو الذي أوصلنا الى منجزات الفضاء وعصر الفضاء وما تلاه؟ إذن فينبغي أن يقبض العلم بمناهجه على ·قلب الإبداع النابض ويحوله الى تجريب ومشاهدة وقوانين حتمية لا يشذ عنها مبدع ولا ابداع!
** في عصر العلم الذي حول الانسان الى جهاز استقبال أجوف، لم يبق مشحونا بإنسانية الانسان - خارج هيمنة العلم ومناهجه وتقنياته وتجريبيته - سوى الابداع: شعرا ونثرا قصصيا أو روائيا أو مسرحيا,, أو كتابة تشربت انساغ الشعرية/ الانسانية,
يسعون الى نظرية نقدية أو مذهب نقدي يكون هو الأول والأخير، لاشيء قبله ولا شيء بعده,, لقد سعى الرومانسيون الى اقصاءالكلاسيكية، كما سعى غيرالرومانسيين - من سيرياليين وواقعيين وغيرهم - الى ازالة الرومانسية,, ومضت الكلاسيكية والرومانسية والسيريالية والواقعية وغيرها,, ذهب منها الكثير وفني، وبقي منها القليل الذي يمكن أن يثري الفن والأدب والشعر وفي فلكها النقد,, ولو توقف الابداع عند مذهب على ظن أنه هو المذهب الأكمل والأخير الذي لا قبله ولا بعده، لتيبست حياة الابداع وجمدت وفارقتها الحياة،وماعاد الابداع ابداعا,
** وكم من نظرية نقدية شغلت الناس زمنا وتصور اصحابها أنها سفينة الانقاذ الوحيدة المنتظرة للفن والنقد والفكر، واذا هي تخضع في نهاية المطاف لناموس الحياة: ميلاد ونشأة وتطور الىذروة عليا لاتكاد تصلها حتى تبدأ في الانحدار والتدهور ولا أقول الموت، فهناك شيء منها يبقى,, لتخلي مكانها لقادم جديد يخضع للناموس نفسه, وهكذا تخضع النظريات والمذاهب الأدبية والنقدية لماتخضع له الحياة,, ·ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض - البقرة: 251,, ·ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامع وبِيَعّ وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً - الحج: 40, صدق الخلاّق المبدع العظيم,, أحسن الخالقين
تعليق