اشتهرت "مدرســــة زهير بن أبي سلمي" التي كانت تجمع الى الشعر روايته, وهى تبدأ بأوس بن حجر التميمي الذي تلقن عنه الشعر زهير المزني ولقنه بدوره لابنه كعب وللحطيئه ولقنه الحطيئه لهدبه بن الخشرم العذري ولقنه هدبه جميل بن معمر وعنه تلقنه كثير.
هي مدرسة لم تكن تمضي في نظم الشعر عفو الخاطر, بل كانت تتأنى فيما تنظم منه وتنظر فيه وتعيد النظر مهذبة منقحه. وقد وصف الأصمعي قطبيها زهيراً والحطيئه فقال: ( زهير بن ابي سلمى واشباههما عبيد الشعر).
وقس على ذلك كل من جود في جميع شعره ووقف عند كل بيت قاله واعاد فيه النظر حتى يخرج ابيات القصيده كلها مستويه في الجوده.
وهي جودة كانت تقوم على التصفيه والترويق, فالشاعر من امثال زهير والحطيئه حين ينظم قصيده يظل يتأمل في اعطافها, فيحذف او يزيد بيتاً ويصلح عبارة هنا او هناك. ويصفي الابيات من شوائبها, ويخلص القوافي من أدرانها تخليصاً تاماً.
وفي اعتقادي ان هذا هو اول اشكال النقد الذاتي في تاريخ الادب العربي.
والنقد الذاتي هو نقد الكاتب او الشاعر لما ينتجه ساعة خلقه لعمله وهو يعتمد في ذلك على درابة ومران وسعة اطلاع. وتقتصر اهمية هذا النوع من النقد على الخلق الادبي, فكل كاتب كبير هو ناقد بالفعل أو بالقوه. ولكن نقده قاصر عن مهمة التوجيه او الشرح. ولقد استمر هذا النوع من النقد مصاحباً للخلق الادبي في كل العصور.
وفي الاغاني: ( كان الحطيئه راوية زهير وال زهير, ويروي انه اتي كعبا فقال له: (قد علمت روايتي لكم اهل البيت وانقطاعي اليكم, وقد ذهب الفحول وغيري وغيرك, فلو قلت شعراً تذكر فيه نفسك وتضعني موضعاً بعدك. وقال ابو عبيده: تبدأ بنفسك قيه ثم تثني بي فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع, فقال كعب:
فمن للقوافي شانها من يحوكها....إذا ما ثوى كعب وفوّز جرول
كفيتك لا تلقى من الناس واحداً....تنخل من منها مثلما نتنخل
نثقفهـا حتى تليــن متونهــا....فيقصر عنها كل ما يتمثــل
فهو يزعم انه والحطيئه يتفوقان على كل من عداهما في تقويم اشعارهما, وأخذها بكل ما يمكن من تنقيح وتعديل , حتى تغدو أساليبها مستويه متناسقه أشد ما يكون الاستواء والتناسق. وهما جميعاً من مدرسة زهير. تلك المدرسه التي كان أصحابها- كما اسلفنا- رواة. والتي كان يتخرج فيها بعضهم على بعض, فالتلميذ يلزم استاذاً له يأخذه برواية شعره ومعرفة طريقته, ولا يزال به حتى تتفتح مواهبه ويسيل الشعر على لسانه, وحينئذ يورد عليه بعض ملاحظاته على ما ينظم, وقد يصلح له بعض نظمه.
فالشعراء في ذلك العصر كانوا يقفون عند اختيار الالفاظ والمعاني والصور, وكانوا يسوقون بعض الاحيان ملاحظات لا ريب في انها أصل الملاحظات البيانيه في بلاغتنا العربيه.
قلب الذيب
المراجع:
*البلاغه تطور وتاريخ للدكتور شوقي ضيف.
*النقد الأدبي الحديث للدكتور محمد غنيمي هلال.
[تم تعديل الموضوع من قبل قلب الذيب بتاريخ 09-26-2001 الساعة 08:03 AM]
هي مدرسة لم تكن تمضي في نظم الشعر عفو الخاطر, بل كانت تتأنى فيما تنظم منه وتنظر فيه وتعيد النظر مهذبة منقحه. وقد وصف الأصمعي قطبيها زهيراً والحطيئه فقال: ( زهير بن ابي سلمى واشباههما عبيد الشعر).
وقس على ذلك كل من جود في جميع شعره ووقف عند كل بيت قاله واعاد فيه النظر حتى يخرج ابيات القصيده كلها مستويه في الجوده.
وهي جودة كانت تقوم على التصفيه والترويق, فالشاعر من امثال زهير والحطيئه حين ينظم قصيده يظل يتأمل في اعطافها, فيحذف او يزيد بيتاً ويصلح عبارة هنا او هناك. ويصفي الابيات من شوائبها, ويخلص القوافي من أدرانها تخليصاً تاماً.
وفي اعتقادي ان هذا هو اول اشكال النقد الذاتي في تاريخ الادب العربي.
والنقد الذاتي هو نقد الكاتب او الشاعر لما ينتجه ساعة خلقه لعمله وهو يعتمد في ذلك على درابة ومران وسعة اطلاع. وتقتصر اهمية هذا النوع من النقد على الخلق الادبي, فكل كاتب كبير هو ناقد بالفعل أو بالقوه. ولكن نقده قاصر عن مهمة التوجيه او الشرح. ولقد استمر هذا النوع من النقد مصاحباً للخلق الادبي في كل العصور.
وفي الاغاني: ( كان الحطيئه راوية زهير وال زهير, ويروي انه اتي كعبا فقال له: (قد علمت روايتي لكم اهل البيت وانقطاعي اليكم, وقد ذهب الفحول وغيري وغيرك, فلو قلت شعراً تذكر فيه نفسك وتضعني موضعاً بعدك. وقال ابو عبيده: تبدأ بنفسك قيه ثم تثني بي فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع, فقال كعب:
فمن للقوافي شانها من يحوكها....إذا ما ثوى كعب وفوّز جرول
كفيتك لا تلقى من الناس واحداً....تنخل من منها مثلما نتنخل
نثقفهـا حتى تليــن متونهــا....فيقصر عنها كل ما يتمثــل
فهو يزعم انه والحطيئه يتفوقان على كل من عداهما في تقويم اشعارهما, وأخذها بكل ما يمكن من تنقيح وتعديل , حتى تغدو أساليبها مستويه متناسقه أشد ما يكون الاستواء والتناسق. وهما جميعاً من مدرسة زهير. تلك المدرسه التي كان أصحابها- كما اسلفنا- رواة. والتي كان يتخرج فيها بعضهم على بعض, فالتلميذ يلزم استاذاً له يأخذه برواية شعره ومعرفة طريقته, ولا يزال به حتى تتفتح مواهبه ويسيل الشعر على لسانه, وحينئذ يورد عليه بعض ملاحظاته على ما ينظم, وقد يصلح له بعض نظمه.
فالشعراء في ذلك العصر كانوا يقفون عند اختيار الالفاظ والمعاني والصور, وكانوا يسوقون بعض الاحيان ملاحظات لا ريب في انها أصل الملاحظات البيانيه في بلاغتنا العربيه.
قلب الذيب
المراجع:
*البلاغه تطور وتاريخ للدكتور شوقي ضيف.
*النقد الأدبي الحديث للدكتور محمد غنيمي هلال.
[تم تعديل الموضوع من قبل قلب الذيب بتاريخ 09-26-2001 الساعة 08:03 AM]
تعليق