صباح الخير ......
[size=4]يتحدث كثير من النقاد ومتابعو الشعرعن تراجع هذا الفن القولي عن مكان الصدارة وتخليه عن عرشه لأجناس أدبية أخرى وجد الناس فيها مجالا أرحب للتعبير ،كما يرى فريق آخر تحطم هيبة ورهبة هذا المارد واستسهاله عند فئة وجدت ضالتها فيه.
لن أتحدث عن تراجع الشعر ولا عن هيبته الممتهنة ,ولا عن مكانة الشعر والشاعر وقوة حضورهما في المجتمع الذي يتأثران به ويؤثران فيه ،لكن السؤال البديهي ،لماذا كان للشعر والشاعر هذا الحضور وهذه الهيبة وهذا التأثير ؟وكيف صنعا هذه القيمة الأدبية لدرجة الوصول إلى أستار الكعبة والكتابة بماء الذهب (المعلقات)؟
طبعا الجواب سهل جدا والأدلة كثيرة وليست تخفى على الكثير من النقاد والمتابعين ،وسيكون ذكرها هنا من باب التكرار لا أكثر ،هذا فيما يخص الشعر العربي الفصيح ،وليس شعرنا النبطي (الشعبي) عن ذلك ببعيد من ناحية الهيبة والمكانة وقوة التأثير والأدلة أيضا متوفرة وإن لم تكن موثقة على حد علمي ،لكن العرب كانت تستشهد بشعرها وحكمها وأمثالها والقول الدارج والمتعارف عليه ،ولهذا نجد في كلام العرب بادية وحاضرة عبارات وتعابير تحمل في مدلولها معايير نقدية مقننة ،ويدل استخدام هؤلا ء لمثل هذه المفاهيم عل هيبة الشعر والشاعر ومكانتهما في مجتمعهما .
الأدلة كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
أ/قولهم عند الإعجاب بشعر شاعر فلان (بحر) والبحر مهيب مخيف فوصفوه بشئ يمثل ما اعتراهم عند سماع شعره حتى لو أن بعضهم لم ير البحر .
ب/ التخلص عند انغلاق المعنى وتعصيه على التفسير بقولهم (المعنى في جوف الشاعر).
ج/تقديم لسان الذبيحة للشاعر دون غيره (كم نحتاج من ذبيحة لنقدم اللسان لشعراء اليوم في المجلس الواحد).
د/ أسطورة المخاوي من الجن لكل شاعر مفوه .
ه/ مقولة فلان يرمس فهو يقول الشعر ولكنه أقل من أن يمنح لقب شاعر .
كل هذه الشواهد والعبارات البسيطة في ألفاظها العميقة في دلا لا تها تعطي للشعر والشاعر ذلك الجو المختلف عن السائد العام ،ومنها نستقي مكانة الشعر والشاعر وهيبتهما على مر العصور .
إذن الشعر مختلف والشاعر كذلك ولا يمكن أن نسمي كل قول شعر ولا كل قائل شاعر ،لهذا وجد قديما الشعر المهيب والشاعر المهيب ،لكن كيف تكونت هيبة الشعر وهيبة الشاعر معا ؟ماهي الظروف الصانعة لمثل هذه المكانة والقيمة وقوة التأثير ؟
للإجابة عن ذلك أراني أمام تدرج زماني ومكاني ,وأراني أمام ثلاث مراحل زمانية ومكانية مربها الشعر الشعبي ,وقد خلقت كل مرحلة قيودا تتفق زمانيا ومكانيا مع المجتمع الذي نتجت فيه .
القيود تنوعت وتطورت والبعض يراها حفظت ماء وجه الشعر والبعض يرى أنها أوصدت الباب في وجه كل من يريد التعبير عما في نفسه ،ولكن الحكم لا نستطيع البت به قبل عرض هذه المراحل الإنتاجية ومعرفة مكامن القوة والضعف في كل مرحلة بناء على الأثر الشعري والهيبة والمكانة لذلك الشعر وشاعره كل في زمنه ومجتمعه .
أنواع القيود وتدرج المراحل:
أولا : القيد الذاتي (المرحلة الأولى):
وهو رهبة الشاعر النفسية من غيره قبل عرض نتاجه الشعري ،وعادة ما تكون من الشاعر المبتدئ أمام الشاعر المعروف،ومن ذلك قول أحد الشعراء المتقدمين:
]ودي ألعب مار كاربني عفيشه = ويش أسوي في الخلا لا ضاق باليor]
فالشاعر لوحده ومع ذلك لم ينس الشاعر المعروف (عفيشه)مع أنه يريد التعبير عن نفسه وليس له شأن في أحد ،لكن العاقل (خصيم نفسه كما يقال )هذا القيد الذاتي يعيدنا إلى شعرنا العربي ومصطلح (الحوليات )وكيف كان الشاعر ينقح قصيدته قبل عرضها على الناس الذين كانوا نقادا بالفطرة ،كل ذلك مخافة النقد ،وهيبة القول ومكانة الشعر ،واحترام المتلقي .
ثانيا:القيد الإجتماعي(المرحلة الثانية):
وهو القيد الناشئ من العرف الإجتماعي والذي يجب على الشاعر عدم كسر ذلك القيد ووضع ما تعارف عليه الناس نصب عينيه عند كتابة القصيدة كقول الأكلبي وهو من الشعراء المعاصرين:
فياطالبين الشعر غيبه علي صعيب = لولا خوفة النقاد طاوعت عشاقه
هنا الشاعر يطلب منه الخوض في أشياء لا يرتضيها المجتمع ولهذا يترفع عن القول فيها احتراما للعرف الاجتماعي أو القيد الإجتماعي .
ثالثا/ كسر القيد وفوضى الانفلات (المرحلة الثالثة):
وهذه المرحلة كما أرى هي التي نعيشها اليوم ويمثلها قول الشاعر سلطان الهاجري :
]الشعر هذامليح وذا قبيح وكلبوها ساري مفعولها ؟!!!!!
or]فالبيت السابق يمثل أنماط القول الشعري والقاعدة العامة لكل قول (مليح_قبيح ) لكن المفاجئ هو الاستهلاك وذائقة المتلقي التي لم تعد تفرق بين الذهب والخشب ،فكسر القيود الأخلاقية والإجتماعية والمعرفية حول القول المختلف إلى تقبل مؤتلف .
من هذه النماذج الثلاثة والتي مثلت مراحل متلاحقة نجد أن الشعر في المرحلتين الأولى والثانية كان مهيبا والشاعر كذلك ،فخرج لنا شعر يناسب تلك الهيبة ويمثل فضل تلك القيود ،ولهذا قل الشعراء وحفظ الشعر نفسه روحا لا جسدا ووصل إلينا الكثير منه على الرغم من قلة وسائل الحفظ وعدم تفرغ الرواه .بينما نجد المرحلة الثالثة مرحلة الفوضى والانفلات وضياع هيبة الشعر والشاعر وتشابه الانتاج وكثرة الشعراء وقلة المحفوظ من الشعر في الصدور وإن كثر في السطور وتوفرت وسائل حفظه ووصوله ’وتفرغ الكثير الكثير لخدمة ذواتهم من خلاله،ولهذا حضرجسد الشعر وغابت روحه.
الشعر كما تعرفون كائن حي يولد ويشب ويشيب ويمرض ويموت ، ويتأثر بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ،ولهذا لا نعجب من تأثره وتغيره وانكساره وهزيمته تبعا للهزائم والانكسارات المتلاحقة والشاعر يقول :
أشوف النقص في كل النواحي ولكن يامناحي من تناحي
تغيرت البلاد ومن عليها باسم العولمة والانفتاحي]
]
[size=4]يتحدث كثير من النقاد ومتابعو الشعرعن تراجع هذا الفن القولي عن مكان الصدارة وتخليه عن عرشه لأجناس أدبية أخرى وجد الناس فيها مجالا أرحب للتعبير ،كما يرى فريق آخر تحطم هيبة ورهبة هذا المارد واستسهاله عند فئة وجدت ضالتها فيه.
لن أتحدث عن تراجع الشعر ولا عن هيبته الممتهنة ,ولا عن مكانة الشعر والشاعر وقوة حضورهما في المجتمع الذي يتأثران به ويؤثران فيه ،لكن السؤال البديهي ،لماذا كان للشعر والشاعر هذا الحضور وهذه الهيبة وهذا التأثير ؟وكيف صنعا هذه القيمة الأدبية لدرجة الوصول إلى أستار الكعبة والكتابة بماء الذهب (المعلقات)؟
طبعا الجواب سهل جدا والأدلة كثيرة وليست تخفى على الكثير من النقاد والمتابعين ،وسيكون ذكرها هنا من باب التكرار لا أكثر ،هذا فيما يخص الشعر العربي الفصيح ،وليس شعرنا النبطي (الشعبي) عن ذلك ببعيد من ناحية الهيبة والمكانة وقوة التأثير والأدلة أيضا متوفرة وإن لم تكن موثقة على حد علمي ،لكن العرب كانت تستشهد بشعرها وحكمها وأمثالها والقول الدارج والمتعارف عليه ،ولهذا نجد في كلام العرب بادية وحاضرة عبارات وتعابير تحمل في مدلولها معايير نقدية مقننة ،ويدل استخدام هؤلا ء لمثل هذه المفاهيم عل هيبة الشعر والشاعر ومكانتهما في مجتمعهما .
الأدلة كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
أ/قولهم عند الإعجاب بشعر شاعر فلان (بحر) والبحر مهيب مخيف فوصفوه بشئ يمثل ما اعتراهم عند سماع شعره حتى لو أن بعضهم لم ير البحر .
ب/ التخلص عند انغلاق المعنى وتعصيه على التفسير بقولهم (المعنى في جوف الشاعر).
ج/تقديم لسان الذبيحة للشاعر دون غيره (كم نحتاج من ذبيحة لنقدم اللسان لشعراء اليوم في المجلس الواحد).
د/ أسطورة المخاوي من الجن لكل شاعر مفوه .
ه/ مقولة فلان يرمس فهو يقول الشعر ولكنه أقل من أن يمنح لقب شاعر .
كل هذه الشواهد والعبارات البسيطة في ألفاظها العميقة في دلا لا تها تعطي للشعر والشاعر ذلك الجو المختلف عن السائد العام ،ومنها نستقي مكانة الشعر والشاعر وهيبتهما على مر العصور .
إذن الشعر مختلف والشاعر كذلك ولا يمكن أن نسمي كل قول شعر ولا كل قائل شاعر ،لهذا وجد قديما الشعر المهيب والشاعر المهيب ،لكن كيف تكونت هيبة الشعر وهيبة الشاعر معا ؟ماهي الظروف الصانعة لمثل هذه المكانة والقيمة وقوة التأثير ؟
للإجابة عن ذلك أراني أمام تدرج زماني ومكاني ,وأراني أمام ثلاث مراحل زمانية ومكانية مربها الشعر الشعبي ,وقد خلقت كل مرحلة قيودا تتفق زمانيا ومكانيا مع المجتمع الذي نتجت فيه .
القيود تنوعت وتطورت والبعض يراها حفظت ماء وجه الشعر والبعض يرى أنها أوصدت الباب في وجه كل من يريد التعبير عما في نفسه ،ولكن الحكم لا نستطيع البت به قبل عرض هذه المراحل الإنتاجية ومعرفة مكامن القوة والضعف في كل مرحلة بناء على الأثر الشعري والهيبة والمكانة لذلك الشعر وشاعره كل في زمنه ومجتمعه .
أنواع القيود وتدرج المراحل:
أولا : القيد الذاتي (المرحلة الأولى):
وهو رهبة الشاعر النفسية من غيره قبل عرض نتاجه الشعري ،وعادة ما تكون من الشاعر المبتدئ أمام الشاعر المعروف،ومن ذلك قول أحد الشعراء المتقدمين:
]ودي ألعب مار كاربني عفيشه = ويش أسوي في الخلا لا ضاق باليor]
فالشاعر لوحده ومع ذلك لم ينس الشاعر المعروف (عفيشه)مع أنه يريد التعبير عن نفسه وليس له شأن في أحد ،لكن العاقل (خصيم نفسه كما يقال )هذا القيد الذاتي يعيدنا إلى شعرنا العربي ومصطلح (الحوليات )وكيف كان الشاعر ينقح قصيدته قبل عرضها على الناس الذين كانوا نقادا بالفطرة ،كل ذلك مخافة النقد ،وهيبة القول ومكانة الشعر ،واحترام المتلقي .
ثانيا:القيد الإجتماعي(المرحلة الثانية):
وهو القيد الناشئ من العرف الإجتماعي والذي يجب على الشاعر عدم كسر ذلك القيد ووضع ما تعارف عليه الناس نصب عينيه عند كتابة القصيدة كقول الأكلبي وهو من الشعراء المعاصرين:
فياطالبين الشعر غيبه علي صعيب = لولا خوفة النقاد طاوعت عشاقه
هنا الشاعر يطلب منه الخوض في أشياء لا يرتضيها المجتمع ولهذا يترفع عن القول فيها احتراما للعرف الاجتماعي أو القيد الإجتماعي .
ثالثا/ كسر القيد وفوضى الانفلات (المرحلة الثالثة):
وهذه المرحلة كما أرى هي التي نعيشها اليوم ويمثلها قول الشاعر سلطان الهاجري :
]الشعر هذامليح وذا قبيح وكلبوها ساري مفعولها ؟!!!!!
or]فالبيت السابق يمثل أنماط القول الشعري والقاعدة العامة لكل قول (مليح_قبيح ) لكن المفاجئ هو الاستهلاك وذائقة المتلقي التي لم تعد تفرق بين الذهب والخشب ،فكسر القيود الأخلاقية والإجتماعية والمعرفية حول القول المختلف إلى تقبل مؤتلف .
من هذه النماذج الثلاثة والتي مثلت مراحل متلاحقة نجد أن الشعر في المرحلتين الأولى والثانية كان مهيبا والشاعر كذلك ،فخرج لنا شعر يناسب تلك الهيبة ويمثل فضل تلك القيود ،ولهذا قل الشعراء وحفظ الشعر نفسه روحا لا جسدا ووصل إلينا الكثير منه على الرغم من قلة وسائل الحفظ وعدم تفرغ الرواه .بينما نجد المرحلة الثالثة مرحلة الفوضى والانفلات وضياع هيبة الشعر والشاعر وتشابه الانتاج وكثرة الشعراء وقلة المحفوظ من الشعر في الصدور وإن كثر في السطور وتوفرت وسائل حفظه ووصوله ’وتفرغ الكثير الكثير لخدمة ذواتهم من خلاله،ولهذا حضرجسد الشعر وغابت روحه.
الشعر كما تعرفون كائن حي يولد ويشب ويشيب ويمرض ويموت ، ويتأثر بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ،ولهذا لا نعجب من تأثره وتغيره وانكساره وهزيمته تبعا للهزائم والانكسارات المتلاحقة والشاعر يقول :
أشوف النقص في كل النواحي ولكن يامناحي من تناحي
تغيرت البلاد ومن عليها باسم العولمة والانفتاحي]
]
تعليق