النص وليس الشخص
لم يعد القارئ جاهلا إلى درجة أن يستخف بوعيه وفكره لمجرد ملء فراغ في صفحة أو تمجيد شاعر من خلال ما يسمى ( محاكمة نص ) وعندما تقرأ النص وتقرأ الحكم الذي أصدره عليه أولئك الأشخاص تجده بعيدا عن محتوى النص فكل ما قيل حيال ذلك هو مدح للشخص ( الشاعر ) ومن تسعفه ذاكرته ويتذكر بعض النقاط التي يقوم عليها النقد البناء تجده يلقى بها جزافا ، فعندما تكون المفردة عادية وليس فيها تجديد يقال عنها ( بكر ) ويقال عن المفردة السهلة البسيطة بأنها عميقة ، وبالإضافة إلى بعض التفسيرات الخاطئة التي تتعلق بمضمون النص حيث يتجاوز أولئك الحكام إلى أمور دينية يطول الحديث فيها ، بمعنى أنه هنا نظر إلى النص حسب فهمه الخاطئ مع تجاوز صريح إلى مسائل يصعب تناولها من خلال عبارات عابثة بعيدة تماما عن الوعي والمنطق ، ورغم العيوب الظاهرة في النص والتي يمكن للقارئ العادي أن يدركها نجد أن من تم اختيارهم لنقد هذا النص يكتفون بكيل عبارات الإعجاب دون ذكر العيوب ، وللحديث عن مفهوم المحاكمة في الأذهان ، فبأقل التفسيرات إن كان النص جيد للمحاكمة أن يتم تناوله شكلا ومضمونا ثم يشار إلى ما تناوله الشاعر بشيء من التفصيل حول المفردات والتراكيب والعبارات ومدى استخدامه للأخيلة والمعاني التي تناولها وكيفية تناولها ، ثم هل وفق بذلك ؟ ولماذا ؟
بمعنى أن يكون هناك شيء يخدم القارئ ويعلمه كيفية تقييم نص أدبي بطريقة بعيدة عن المجاملات وسرد تاريخ الشاعر في الشعر أو الكتابة ، ثم ليتها كانت تلك المحاكمة تتناول نص بدون ذكر صاحبه ، وبعد النقد البناء القائم على أسس صحيحة يتم الكشف عن صاحب النص بكل أمانة ، فبعض النصوص المقدمة للمحاكمة رغم جمال فكرتها إلا أن الآراء حولها كانت بسطحية واضحة ترتكز على الشاعر أكثر من النص
وهنا يحق لنا أن نقول وحفاظا على ذوق القارئ : إما إن تكون المحاكمة عادلة أو لا تكون هناك محاكمة ، والشاعر الذي يضحي بأحد نصوصه ويقدمه لمثل تلك المحاكمة هو مجرم بحق نفسه وبحق الشعر وبحق القارئ المتذوق للشعر ، فهو عند ما يسمح لمن ليسوا أهلا للنقد البناء أن يتناولوا نصه بهذه الطريقة فهو بذلك أضاع الجهد الذي بذله في نظم ذلك النص ، والشاعر الحقيقي لا تعنيه عبارات المدح بقدر ما يعنيه الصدق عند مناقشة النص ، وبحق الشعر لأن أولئك يتجاهلون النقاط السابقة التي ذكرتها عند تناول النص ، وبحق القارئ المتذوق لأنهم يدمرون ذائقة القارئ بهذا الرأي البعيد تماما عن محتوى النص ، فمثل هذه المحاكمات القاتلة لا تضيف أو تثري الأدب في شيء وهي خطر كبير على الأدب يجب الوقوف ضده .
تعليق