بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ) صدق الله العظيم
عندما استمعت للقصيدة الرئيسية (في فؤادي) التي تقدم بها ناصر الفراعنة في سباق شاعر المليون ليلة البارحة ..كنت في هذه المرة أكثر تركيزاً من استماعي لقصيدة (ياناقتي) ، ولعل تركيزيّ في هذه المرة كان لأسباب الضجة التي احدثتها القصيدة الأولى وما صاحبها من إدعاءات وأراء ، وحاولت أن اضع في مخيلتيّ ، إحتمالات وتصوّرات للقادم ، وهل فعلاً استطاع ناصر تجاوز الأزمة المفتعلة؟ ، والتي مرّ بها طوال الأسابيع الماضية ، وهل تعامل معها بذكاء في النص الجديد؟ وماذا عن ردود الأفعال وتصنيفاتها ؟، وبكل صدق أمام هذه التصورات والسيناريوهات ، اضطررت أن استعين بورقة وقلم ، وكأننيّ رجل اقتصاد يبحث في (جدوى اقتصادية) ، حتى خرجت بما يمكن ليّ أن أُقسمه على هيئة عناصر في النحو التالي:
أولاً :مدى تأثير الأزمة المفتعلة التي سبقت النص الجديد على نفسية الشاعر ناصر الفراعنة
يبدو أن تأثير هذه الأزمة لم يكن غائباً ، إذ لمسنا مثل هذا التأثير في الحضور الذهنيّ للشاعر ، دونما الحضور الشعريّ ، ولعله يُعطينا إشارة على الأيام الماضية التي عاشها الشاعر في صراع نفسيّ ، قد تكفلّ النقاد والمنصفين وجمهور الشاعر من خوض غمار هذا الصراع بدلاً عنه وتمثل ذلك جلياً في الدفاع المُستميت عبر وسائل الإعلام المختلفة ، الاّ أنه وبالرغم من ذلك قد شاركهم ناصر وبطريقة غير مباشرة في هذا الدفاع، إذ اقحم نفسه في البحث عن الأسباب التي خلقت الأزمة ، -رغم وضوحها -والتي أوعزها الى الاحقاد في إجابته على أحد الاسئلة الموجهة له قبل وصوله الى منصة الإلقاء ، والحق أنني تمنيت لو أن ناصر أغلق المسامع والأعين وأوجد لنفسه البيئة المنغلقة ، حتى يحافظ على حضوره الذهني ، وإن كان الحضور الذهني ليس ذا أهمية مقارنة بالحضور الشعريّ ، الإ أنه جانب مهم في القصائد المنبرية ، وأحد وسائل الإتصال المؤثرة مع الجمهور المسرحيّ .
ثانياً : طبيعة العلاقة بين النص الجديد والصنوبريّ ومحاميه
عند دخول ناصر للمسرح ، كنت ألمح في عينه وتعابير وجه مساحة من الغضب، لم أشاهدها في المرة الأولى ، وفي إعتقاديّ من الطبيعي أن تكون حاضرة ، فهذه المرة تختلف عن المرة الأولى ، إذ لم يكن الطريق معبداً للحضور الذهني مع الجمهور ، فهناك -الصنوبريّ ومحاميه- يقفون على بعد أمتار قليلة بينه وبين الجمهور ، وأعين ناصر ترقبهم ، وكأنه في سجال معهم ، وما النص الجديد الاّ تأكيداً على هذا السجال ،إذ اختياره للقافية الصعبة فضلاً عن مضمون القصيدة وإسقاطاتها ، هي بمثابة القنبلة التي رماها في أحضان الصنوبري ورفاقه ، وأعتبرها مبادرة ذكية تحسب للشاعر ، وكأنه يوجه رسالة مفادها ( أبحثوا عن قافية مشابهه في دفاتر شاعر آخر لعلّكم تجدون ضالتكم ، طالما أن السرقة في عرف مدارسكم النقدية تقف عند حدود القوافي) ، هذه الرسالة استطاع حمد السعيد أن يفك شفرتها ، ويعلنها أمام الملأ .
في تصوريّ أن ناصر بعد خروجه ليلة البارحة من المسرح ، قد يرى أنه رمى عن أكتافه حمل الصنوبريّ ورفاقه، وانه بهذا النص الجديد ، قد سدد لكماته على (نفوخ) الصنوبريّ وأرداه قتيلاً ، والحق أن كان هذا التصور صحيحاً ، فعلى جمهور ناصر ومحبيه أن يضعوا أيديهم على قلوبهم ، فلازالت هناك مجموعة صنوبرية قادمة ، هذه المرة لن تقف على حدود القوافي ، وإنما سوف تخلق من البعوضة ِ فيلاً ، وسترون بعد أيام قليلة ، إن لم يكن اليوم أو غداً ، صدق تصوريّ ، وهذا ليس رجماً بالغيب ، وإنما هناك مؤشرات تلوح في الأفق ، وكل ما أخشاه أن تأتيّ بعاصفة تثير الأتربة في السماء الصافية.
ينبغيّ على ناصر ، أن أراد مواصل السير ، أن يعيّ حقيقة تميّزه عن منافسيه ، وحقيقة أياديّ تسعى لإسقاطه ، وأرى ما يميز ناصر ، أنه لا يعتمد على ما يعتمد عليه الأخرين ، فجمهوره ومشجعيه ليسوا حكراً على قبيلته ولا حدود وطنه الجغرافية ، فهو شاعر لكل القبائل ولكل الدول، ولعل الأزمة المفتعلة هي من أثبتت هذه الحقيقة ، حتى آمنّا بوجودها ، وعليه أن يوجد موازنة بين تلك الحقيقتين ، وأن لا يستريح فلا زال الطريق في بدايته.
ثالثاً : تقسيمات النص الجديد لردود الأفعال
أوجد النص الجديد عدة تقسيمات لردود أفعال المتلقين ، أما الأول كان يبحث عن الحضور الذهني لقصيدة (ناقتيّ ياناقتي) في النص الجديد ، وهو لا يعلم أن هذا الحضور يختلف عن الحضور السابق لأسباب مرّ معنا ذكرها ، ولذلك تقبلها بنوع من البرود ، رغم أن هذا البرود لم يستشعره الا بعد فراغ ناصر من القصيدة ، وأجزم أن هذا النوع من المتلقين سوف يعودون مرة أخرى لنفس الحضور الذهني في القصيدة الأولى ، ولكن بشرط أن يُغلق ناصر على نفسه الأبواب ويقطع وسائل الاتصال مع الصنوبريين الجدد حتى الموعد القادم ، وأرى أن ناصر تجاه هذا النوع بحاجة الى الاعداد النفسيّ الجيدّ ليس أكثر من ذلك.
أما النوع الثاني من المتلقين ، نظر الى الحضور الشعريّ دون النظر الى الحضور الذهني والذي أوجد لناصر الفراعنة العذر فيه ، وتعامل مع النص ، ووجده وجبة دسمة ، قدمها مطبخ الفراعنة العامر ، والحق أنني أنتمى الى هذا النوع ، وأجزم بأن النص الجديد كان يحمل إسقاطات في قمة التميّز ، وحضور شعريّ طاغيّ ، استطاع ناصر أن يحافظ على لغته الشعريّ وثقافته الثريّة ، وهذا الذي لمسه الناقد النخبويّ الدكتور غسان وأشاد به.
ولكن هناك في الجهة المقابلة نوع ثالث من المتلقين ، فلازال يعيش على أطلال الصنوبريّ ، إذ أنه لازال في هذه الدهاليز ، دون أن يرى النور ، والحق أجد له العذر ، فالفتنة كانت اشد من القتل ، وينبغيّ عليه ، أن كان يبحث عن الشعر حقاً ، أن يتأمل حتى يستفيد ، وعليه أن يتحرر من عقدة الجهل والتبعية ، وأن ينسى أنه كان في مواجهة فتنة قد أدبرت و لربما قد تأتيّ ، ولكن خيُر مايقال لهذا النوع من المتلقين (إذا أقبلت الفتنة علمها العالم ، وإذا أدبرت علمها الجاهل) ، ويقول طرف بن العبد في معلقته حيال ذلك :
[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,normal,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
ستبديّ لك الإيام ماكنت جاهلاً=ويأتيك بالاخبار ِ من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له=بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد[/poem]
رابعاً : قراءة تصورية لمسيرة الفراعنة القادمة
أسأل نفسيّ بإستمرار عن حظوظ ناصر في شاعر المليون ، وتأتيني إجابات مختلفة ، البعض منها مُفعماً بالتفائل ، والبعض الآخر غارقاً في بحر التشاؤم ،ويحق لي التفائل ويحق لي التشاؤم ، أنني مزيج بين اصناف الشعور المختلفة ، أمام هذا المارد ، عندما أتخيل خروج ناصر -لاسمح الله- من المسابقة ، اضع يديّ على قلبي خوفاً ، وخشيتي من خروجه ، ليس لأنه أحد ابناء قبيلتيّ -وأن كنت أفتخر ولا اباليّ- ولكن خشية ً على الشعر ، ناصر شاعر من نوع آخر يملك ثقافة ضخمة ، وشاعرية عالية ، وخروجه طعنة مؤلمة في خاصرة الشعر ، ولكن مع هذا كله وجدت نفسيّ مضطراً ، أن اعيش جميع هذه الفرضيات ، وأضع لأسئلتي إجابات ، بغض النظر عن سوداويتها أو بياضها .
أُولى هذه الأسئلة ، كيف يستطيع ناصر اكمال المسيرة وتحقيق اللقب ؟ ، كل ما يحتاجه ناصر هو الأعداد النفسيّ ، والصفاء الذهنيّ ، والبُعد كل البُعد عن الإنزلاق ورى العابثين الذين تقمصوا أدوار النقاد ، عليه أن يُغلق الأبواب في مواجهتهم ، وعليه الحفاظ على النسق الذي عُـهد به ، هذا النسق فيه كاريزما ساحرة ، أحبها الجمهور وعشقها ، وثقافة ناصر في النصوص القادمة هي الفيصل في الحسم ، والنخبويون من الجمهور المثقف الواعي هم فقط من سيوصلون ناصر للقب ، بغض النظر عن النزعة القبلية أو الإقليمية ، فهذه التي ليست في حساب الفراعنة ، ولا تعد من الأدوات التي يعتمد عليها ، ولعلها من المؤشرات الإيجابية والمساهمة في إكمال المسيرة.
اما الثاني من هذه الأسئلة ، من الذي سيخرج ناصر الفراعنة من المسابقة ؟ كلما طرحت هذا السؤال ، تجلت أمام عينيّ نافذة تطلّ على كواليس مظلمة ، لا أخفيكم سراً ، وهذا ليس تمهيداً لعذر الخروج -لاسمح الله- ولكن لأنني كنت منذو إطلالة -برنامج شاعر المليون- أنظر من زاوية قد لا ينظر من خلالها الكثيرون ، ونظرتي هذه هي نظرة متابع ، لا أدعيّ فيها التميّز عن الأخرين ، ولكن قد وجدت نفسي أمام مُعطيات من الغباء إغفالها ، حتى لو اتفقت مع الأخرين في تشبيه هذا البرنامج وكأنه سوق عكاظ ، الإ أنني لن أغفل كونه برنامج تجاري بحت ، ولغة التجارة لا تعترف الا بالمصالح ، وهذه المصالح حتى لو غُيّبت عنا ، سنجدها متشبثه في الغرض الذي أٌقيّمت من أجله المسابقة ، نعم هي حقيقة ولكنها مُرّة ، لا أكفر بلعبة -الشطرنج- هذه اللعبة ستحضر ، وأحتمالية سقوط الوزير والملك والقلعة والحصان ، كلها واردة ، ولكن السؤال ، هل اليد التي تتحرك على رقعة الشطرنج ، تلبس قُفازاً أم لا ، إن لبست القفاز فهذا يعنيّ ، سيكون الفاعلُ مجهولاً ، وإن لم تكنّ بقفاز ، فهذا يعنيّ سيكون الخروج أقل فجيعةً وإن لم يكن بطعم النصر.
التقيكم بخير ومحبة
تعليق