فيما بين النظم والشعر
أين يقف حامد زيد؟
مدخل:
من يتتبع تاريخ الشعر منذ القدم يعرف أن ميدان الشعر دخله نظّام كثر وهناك فرق كبير بين النظم والشعر ولكن لكثرة النظّام وغفلة النقاد ذابت الفروق بين النظم والشعر وصار الناظم يدعى شاعرا لأنه نظم شعرا
الفرق بين الشعر والنظم:
الشعر موهبه فطرية تولد مع الإنسان حين يولد ولكن الناظم يولد وحيدا
الشعر تعبير يأتي على السليقة تعبير يتدفق سلسا عذبا
عندما تسمع الشعر تجد فيه موسيقى داخلية لا تعرف مصدرها فتطرب لها وإن كان المعنى ليس قويا
أما النظم فهو ترتيب واختيار للمعاني والألفاظ ثم تنسيقها في صورة قصيدة
وقد يقضي الناظم وقتا طويلا لينظم قصيدة معبرة ومن أشهر النظام: أبوالعلاء المعري والفرزدق ولقد قيل في المقارنة بين جرير والفرزدق: أن جرير يغرف من بحر (لأنه شاعر) والفرزدق ينحت من صخر(لأنه ناظم)
والشعراء قد ينظمون ولكن نظمهم لا يأتي جافا بل يكون غارقا في الشاعرية مثل: زهير بن أبي سلمى
فكل شاعر ناظم ولكن العكس ليس صحيحا
ومع هذا الفرق بين النظم والشعر إلا أن هناك نظاما خلدوا أسماءهم للتاريخ لأنهم نظموا معاني قوية بألفاظ جزلة
ومن أحدث النظام في وقتنا الحالي الشاعر(أو بالأصح الناظم): حامد زيد
قرأت أبياته فأعجبتني لأن معانيه قوية وألفاظه جزله ولكن أبياته منظومة وليست وليدة القريحة الشعرية وهذا ليس عيبا فالنظم فن قائم بذاته وأغلب الجمهور لا يرى بينه وبين الشعر فرقا
عندما تسمع الشعر أو تقرأه تجد عذوبه وكأن البيت يذوب كقطعة سكر في فمك ولكن عندما تسمع النظم أو تقرأه تحس بصعوبة في تقبل البيت وغالبا لا تستطيع حفظه بسهوله بعكس بيت الشعر الذي يحفظ بسرعة وتجد له في نفسك أريحية وطرب
وأسباب كون بيت الشاعر سلسا وبيت الناظم صعبا هي أمور لايدركها الاثنان ولا حتى الجمهور:
فأما كون بيت الشاعر سلسا فلأن طبيعة الشعر كذلك وأما كون بيت الناظم صعبا فبسبب وقوع الناظم في أخطاء شعرية غير محسوسة
فمثلا عندما يقول حامد زيد:
أزرع ضلوعي من رضاك وابشر بالحصاد
لعنبو من جيت ترضيه وترد محزون
فقد وقع في عدة أخطاء لفظية غير مقصودة جعلت البيت صعبا(غير سلس) منها:
* تباعد مخارج الحروف يجعل القارئ يتلعثم عند قراءة البيت فحرف العين الساكن في كلمة(أزرع) يأتي بعده مباشرة حرف الضاد من كلمة (ضلوعي) ومخرج الحرفين متباعد جدا في الفم (العين من أقصى الحلق والضاد من أول الفم) والإنتقال بينهما صعب
* الإنتقال من حرف النون في كلمة (من) إلى حرف الراء في كلمة(رضاك) صعب بل إن اللغة العربية لايوجد بها كلمة أصلية(جذر) يأتي فيها الراء بعد النون مطلقا
* استخدام نفس الحرف وتتابع نفس الحرف يعقد سلاسة البيت كحرف التاء في (جيت ترضيه) فعند قراءته ستضظر إما لإدغام الحرفين في حرف واحد وهذا سيخل بالمعنى أو ستضطر إلى الوقوف بعد التاء الأول وهذا سيخل بالوزن
والناظم غالبا ما يضطر للضرورات الشعرية وقد يغير بعض الكلمات اعتسافا لتوافق نظمه فمثلا يقول حامد زيد:
مشكلة لا صرت مطعون بكفوف الدخيل
في ظهرك أربع خناجر وفي الصدر أربعه
"أربع" و "أربعه" ذكر العدد ثم أنثه في نفس الشطر فكان تغيير اللفظ لحساب القافية ولكنه في الوقت نفسه على حساب المعنى
وعندما يقول حامد زيد:
نعمتين اختصوا الخلق من جود الجواد
كافل الأرزاق من حيث مالا تعلمون
ففي الشطر الثاني يقول "من حيث مالا تعلمون" فالحرف "ما" زائد لامعنى له والأصل (من حيث لا تعلمون) ولكن زيادة "ما" كانت لاتمام الوزن
كما أن الناظم يكثر من التقديم والتأخير اللذي يربك القارئ في استيعاب البيت فمثلا يقول حامد زيد:
بس تسوالك بلد قول تسوالك بلاد
أنت كل العالم بكون ولحالك بكون
ففي الشطر الثاني قدم كلمة "أنت" والأصل (كل العالم بكون وأنت لحالك بكون)
والتقديم والتأخير ليس عيبا ولكنه لا يكون واضحا عند الشاعر ولا يخل بالمعنى أما عند الناظم_كما سلف_ يكون واضحا ومخلا بالمعنى وقد عيب على الفرزدق قوله:
تعش فإن عاهدتني لاتخونني
نكن مثل من ياذئب يصطحبان
فقدم "ياذئب" على "يصطحبان" ففصل بين الصلة والموصول وهذا لايجوز
كما أن الناظم يكرر نفس الكلمة في نفس البيت بل في نفس الشطر وهذا يصيب القارئ بالملل ونجد التكرار كثيرا عند حامد زيد فعندما يقول:
لاجميل شفت قبله ولابعده جميل
العذارى رهن رمشه وأنا رهن اصبعه
نجد أن كلمة"جميل" تكررت مرتين في الشطر الأول وكلمة "رهن" في الشطر الثاني مرتين بل في البيت الذي يليه يكرر كلمة "لاطلعه" وفي نفس الشطر:
والله إنه لو طلبني طلوع المستحيل
لاطلعه منيه مناك يعني لاطلعه
وبعد...
فهذا موضوع لاظهار الفرق بين الشعر والنظم وماكان حامد زيد إلا مثالا للناظم بل والناظم المبدع وهناك أسماء كثيرة في الساحة ليسوا شعراء ولكنهم نظام وهذا لا يقدح في نظمهم الجميل
وهذا رأيي الخاص الذي يقبل الخطأ كما يقبل الصواب
أين يقف حامد زيد؟
مدخل:
من يتتبع تاريخ الشعر منذ القدم يعرف أن ميدان الشعر دخله نظّام كثر وهناك فرق كبير بين النظم والشعر ولكن لكثرة النظّام وغفلة النقاد ذابت الفروق بين النظم والشعر وصار الناظم يدعى شاعرا لأنه نظم شعرا
الفرق بين الشعر والنظم:
الشعر موهبه فطرية تولد مع الإنسان حين يولد ولكن الناظم يولد وحيدا
الشعر تعبير يأتي على السليقة تعبير يتدفق سلسا عذبا
عندما تسمع الشعر تجد فيه موسيقى داخلية لا تعرف مصدرها فتطرب لها وإن كان المعنى ليس قويا
أما النظم فهو ترتيب واختيار للمعاني والألفاظ ثم تنسيقها في صورة قصيدة
وقد يقضي الناظم وقتا طويلا لينظم قصيدة معبرة ومن أشهر النظام: أبوالعلاء المعري والفرزدق ولقد قيل في المقارنة بين جرير والفرزدق: أن جرير يغرف من بحر (لأنه شاعر) والفرزدق ينحت من صخر(لأنه ناظم)
والشعراء قد ينظمون ولكن نظمهم لا يأتي جافا بل يكون غارقا في الشاعرية مثل: زهير بن أبي سلمى
فكل شاعر ناظم ولكن العكس ليس صحيحا
ومع هذا الفرق بين النظم والشعر إلا أن هناك نظاما خلدوا أسماءهم للتاريخ لأنهم نظموا معاني قوية بألفاظ جزلة
ومن أحدث النظام في وقتنا الحالي الشاعر(أو بالأصح الناظم): حامد زيد
قرأت أبياته فأعجبتني لأن معانيه قوية وألفاظه جزله ولكن أبياته منظومة وليست وليدة القريحة الشعرية وهذا ليس عيبا فالنظم فن قائم بذاته وأغلب الجمهور لا يرى بينه وبين الشعر فرقا
عندما تسمع الشعر أو تقرأه تجد عذوبه وكأن البيت يذوب كقطعة سكر في فمك ولكن عندما تسمع النظم أو تقرأه تحس بصعوبة في تقبل البيت وغالبا لا تستطيع حفظه بسهوله بعكس بيت الشعر الذي يحفظ بسرعة وتجد له في نفسك أريحية وطرب
وأسباب كون بيت الشاعر سلسا وبيت الناظم صعبا هي أمور لايدركها الاثنان ولا حتى الجمهور:
فأما كون بيت الشاعر سلسا فلأن طبيعة الشعر كذلك وأما كون بيت الناظم صعبا فبسبب وقوع الناظم في أخطاء شعرية غير محسوسة
فمثلا عندما يقول حامد زيد:
أزرع ضلوعي من رضاك وابشر بالحصاد
لعنبو من جيت ترضيه وترد محزون
فقد وقع في عدة أخطاء لفظية غير مقصودة جعلت البيت صعبا(غير سلس) منها:
* تباعد مخارج الحروف يجعل القارئ يتلعثم عند قراءة البيت فحرف العين الساكن في كلمة(أزرع) يأتي بعده مباشرة حرف الضاد من كلمة (ضلوعي) ومخرج الحرفين متباعد جدا في الفم (العين من أقصى الحلق والضاد من أول الفم) والإنتقال بينهما صعب
* الإنتقال من حرف النون في كلمة (من) إلى حرف الراء في كلمة(رضاك) صعب بل إن اللغة العربية لايوجد بها كلمة أصلية(جذر) يأتي فيها الراء بعد النون مطلقا
* استخدام نفس الحرف وتتابع نفس الحرف يعقد سلاسة البيت كحرف التاء في (جيت ترضيه) فعند قراءته ستضظر إما لإدغام الحرفين في حرف واحد وهذا سيخل بالمعنى أو ستضطر إلى الوقوف بعد التاء الأول وهذا سيخل بالوزن
والناظم غالبا ما يضطر للضرورات الشعرية وقد يغير بعض الكلمات اعتسافا لتوافق نظمه فمثلا يقول حامد زيد:
مشكلة لا صرت مطعون بكفوف الدخيل
في ظهرك أربع خناجر وفي الصدر أربعه
"أربع" و "أربعه" ذكر العدد ثم أنثه في نفس الشطر فكان تغيير اللفظ لحساب القافية ولكنه في الوقت نفسه على حساب المعنى
وعندما يقول حامد زيد:
نعمتين اختصوا الخلق من جود الجواد
كافل الأرزاق من حيث مالا تعلمون
ففي الشطر الثاني يقول "من حيث مالا تعلمون" فالحرف "ما" زائد لامعنى له والأصل (من حيث لا تعلمون) ولكن زيادة "ما" كانت لاتمام الوزن
كما أن الناظم يكثر من التقديم والتأخير اللذي يربك القارئ في استيعاب البيت فمثلا يقول حامد زيد:
بس تسوالك بلد قول تسوالك بلاد
أنت كل العالم بكون ولحالك بكون
ففي الشطر الثاني قدم كلمة "أنت" والأصل (كل العالم بكون وأنت لحالك بكون)
والتقديم والتأخير ليس عيبا ولكنه لا يكون واضحا عند الشاعر ولا يخل بالمعنى أما عند الناظم_كما سلف_ يكون واضحا ومخلا بالمعنى وقد عيب على الفرزدق قوله:
تعش فإن عاهدتني لاتخونني
نكن مثل من ياذئب يصطحبان
فقدم "ياذئب" على "يصطحبان" ففصل بين الصلة والموصول وهذا لايجوز
كما أن الناظم يكرر نفس الكلمة في نفس البيت بل في نفس الشطر وهذا يصيب القارئ بالملل ونجد التكرار كثيرا عند حامد زيد فعندما يقول:
لاجميل شفت قبله ولابعده جميل
العذارى رهن رمشه وأنا رهن اصبعه
نجد أن كلمة"جميل" تكررت مرتين في الشطر الأول وكلمة "رهن" في الشطر الثاني مرتين بل في البيت الذي يليه يكرر كلمة "لاطلعه" وفي نفس الشطر:
والله إنه لو طلبني طلوع المستحيل
لاطلعه منيه مناك يعني لاطلعه
وبعد...
فهذا موضوع لاظهار الفرق بين الشعر والنظم وماكان حامد زيد إلا مثالا للناظم بل والناظم المبدع وهناك أسماء كثيرة في الساحة ليسوا شعراء ولكنهم نظام وهذا لا يقدح في نظمهم الجميل
وهذا رأيي الخاص الذي يقبل الخطأ كما يقبل الصواب
تعليق