اعتذار لمداوروش
رسالتا الأديب عيسى لحيلح عضو الجيش الإسلامي للإنقاذ إلي إدانة من المسلحين للسياسيين وخدمة للوئام المدني
يرى الأديب الطاهر وطار أن رسالتي الأديب عيسى لحيلح عضو الجيش الإسلامي للإنقاذ إليه المتضمنتين في روايته الأخيرة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي"( أنها) إدانة من قبل المسلحين للسياسيين، كما أنهما لا تنفصلان في سياق الرواية عن أي سطر أو كلمة فيها. ويرى طار، من جهة أخرى، أن جيل الكتاب الشباب مقموع بالمحيط "الثقافي" الذي يحتضنه؛ فالمؤسسات التي أتاحت لجيل الرواد في الأدب الجزائري فرصة الظهور ثم فرض الذات وأخيرا تكريس بعض الأسماء التي نقلت الأدب الجزائري من محليته إلى العالمية سواء بالغة العربية أو بالفرنسية، وخاصة منها الصحافة، لم تعد تتيح للجيل الجديد نفس تلك الفرص. وإذا وجد من يفعل مثل ذلك منها معه فبمواصفات غلبا ما تكون لها نتائج عكسية بحكم نوعية النشر المشوهة للعمل الإبداعي والمنفرة بالتالي للقارئ من الإقبال عليه. ومع ذلك تظل الثقافة الجزائرية ولودا باستمرار. معترفا بأن مسؤوليته في تعهد الجيل الجديد من الكتاب بالخدمة لا تأتي من كونه أديبا، بل من منطلق مبدئي بالنسبة إليه يتلخص في كونه مناضلا في الحياة.
الأديب الطاهر وطار، الذي يَعد في رصيده الإبداعي إلى حد الآن أربعة عشر عملا أدبيا في المسرح والقصة القصيرة والرواية، يجيب في هذا الحديث عن أسئلة اختارنا أن تكون متصلة بتخوم الكتابة عنده لا بإبداعه بحد ذاته؛ ذلك لأن إبداع الأديب في بعض الأحيان تكون إضاءة تخومه بدرجة من الأهمية بحيث يتوقف جزء كبير من تأسيس القراءة وإرساء آليات التفسير والتذوق والتقييم –إن أمكن ذلك- في نهاية المطاف عليها. فهي إذن لا تختلف كثيرا عن المقدمات التي يخطها المؤلفون عامة لأعماهم للفت انتباه القارئ وتوجيههم بالدرجة الأولى إلى مواطن "العبقرية" فيهم وفي إبداعاتهم مع فرق بسيط هو مدى سعة هامش الحرية المتاح لهم في تصدير اتهم الخاصة والأحاديث المجراة معهم.
# ثارت مع بداية القرن الجديد عندنا تساؤلات(..؟) عن جدوى الكتابة خاصة منها الإبداعية. مارأيكم في في توجه من هذا القبيل في مجال الكتابة الأدبية؟
# # عندما نطرح السؤال: ما الجدوى من الكتابة الإبداعية بالذات، فكأنما نطرح السؤال أيضا: ما الجدوى من الرقص؟ ما الجدوى من البكاء؟ ما الجدوى من الضحك؟ ما الجدوى من الحزن؟ ما الجدوى من أن العصافير تزقزق، أو أن الطيور تغرد… الخ؟ فالإبداع بكل صفة في رأيي هو محاولة خلق انسجام الفرد مع الكل؛ انسجام الكائن مع الكل سواء أكان كائنا آخر أم طبيعة أم كان قوة خفية هي الخالق. هذه هي الدوافع الأساسية للإبداع. والتعبير عن الذات ليس من خصوصيات البشر فقط، فكل الكائنات تعبر بوسائلها الخاصة ومعظم أساليب التعبير عند الطيور أو عند الحيوانات ما عدا بعضها، طبعا، هي جميلة بشكل ما ومطربة ويحس الإنسان بأنها نداء إلى الما وراء.
# نعم..، ولكن بالنسبة إلى الإنسان، وخاصة المبدع أو الأديب؛ فالعملية تتم بين المبدع وما يبدعه، بين الأديب وما يكتبه من النصوص أكثر مما تتم بينه وبين الجمهور الافتراضي الموجه له الإبداع؟
# # لا أعتقد ذلك.. هذه مقولة أنا أيضا رددتها باحتشام. إنها نوع من الهروب.. ومرد ذلك الى عدم المعرفة بحقيقة الأشياء، لأن الإبداع بحد ذاته هو جسر بين المعبر وبين الآخرين مهما كانوا، مثله مثل الصرخة أو الزغرودة التي هي جسر أيضا وليست تعبيرا من أجل ذاتها هي بنفسها.. إنها وسيلة للتوحد مع الكون. أما القول بأن الكتابة هي قضية ذاتية أو شخصية وعلاقة الكاتب مع النص فقط فهذا قول فيه نوع من الشطحات غير الموضوعية، شطحات مضللة حتى.. لأن الأصل في التعبير منذ أن يرى الوليد النور أو الحياة هو الاتصال بالكون. وهو نوع من التوحد معه.
# و هذا يعني أن الأديب، وأقصد الطاهر وطار، ربما يعد في كتابته للقارئ الافتراضي نوعا من الاستجابة المتوقعة مسبقا؟
# # ليس شرطا أن يكون ذلك. قد أعتقد في داخلي بأنني لا أخاطب إلا نفسي، لكن في لاوعيي، في طبيعتي البشرية، وفي طبيعة الحياة بالذات،أن ما أفعله سيكون ذات يوم صلة بيني وبين الآخرين والكون.. وهو ما يعني أنني لا أتعمد الاتصال بالقارئ مباشرة. فهناك قراء أعتقد بثقة أنهم ليسوا موجودين اليوم لكنهم سيوجدون بعد عشر سنوات او بعد قرن أو بعد عدة قرون.. بمعنى أنني أكتب للكون, للحياة، ولغيري مهما كان هذا الغير وحيثما وُجد اليوم أو في زمان آخر غير الزمان الذي نعيش فيه. و يحدث لي أحيانا أن أقول إن هذه الفقرة ستُقرأ بعد عشرين سنة أو بعد خمسين سنة أو … فليس نُصبَ عيني إذن قارئ أو مجتمع أو أفراد.. أنا أكتب أولا وقبل كل شيء لأكشف عما أعانيه داخليا.. وطبعا عندما أتحول من الإبداع الى النقد أو إلى التنظير أقول إن الإبداع هو عملية إرسال لنبضات أرواحنا وقلوبنا إلى الآخرين.
# بخصوص النقطة الأخيرة: صدرتم روايتكم "الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي" وروايات أخرى لكم بما يشبه المقدمة رغم تحفظكم على وضع التقديمات للأعمال الإبداعية،ومنها الرواية؛ وهو ما يكشف عن انشغالكم بالمتلقي سواء أكان قارئا عاديا أم ناقدا أم غيرهما.. هل تعتقدون بأن الأعمال الإبداعية مستغنية بنفسها وتخلق متواصليها دون حاجة منها إلى أشكال التقديم المختلفة أم أن هناك أمورا أخرى تؤخذ في الحسبان..؟
# # بالفعل الكثير من رواياتي وضعت لها مقدمات قصيرة هي شبه مفاتيح للقراء
وللنقاد بصفة خاصة. لأن هناك، في رأيي، قراءة مستعجلة لا تفرق بين كاتب له أبعاد وله آفاق وله تجربة وخبرة، وكاتب مبتدئ؛ فهم يقرأونك كما لو كنت أي فلان! ولهذا أعطي بعض المفاتيح لأقول للناس احذروا هذه المطبات أو بعض الانزلاقات التي يمكن أن تقعوا فيها، فكذلك فعلت في اللاز وفي الزلزال وفي عرس بغل وفي كثير من أعمالي وفي الرواية الأخيرة، وما لم أفعله متعمدا هو ذكر المراجع التي استعملتها وعدت إليها أثناء الكتابة أو تفسيرات بعض الفقرات أو الشواهد.. وقلت هنا إن السؤولية تقع على القارئ.. فأنا قرأت وطالعت حتى تعبت، فانفجرت، وليس من الضروري أن أخدم القارئ إلى هذه الدرجة: أنا كتبت وما عليه إلا تحمل عبء القراءة.
# في علاقة الكتابة الأدبية بما تتحقق فيه من خلال الأعمال المنجزة بالفعل؛ يبدو لي أن تجربة الطاهر وطار من الثراء والتنوع بحيث تتجسد أمامنا رحلة في التجريب اللغوي: من اللاز الأولى إلى اللاز الثانية إلى الزلزال إلى الحوات والقصر.. إلى الرواية الأخيرة.. كيف تنظرون إلى هذه العملية التي ربما يهيمن عليها الجانب التقني الواعي أكثر من الجوانب الأخرى؟
# # الواقع أنني ابن الخمسينات وبالتالي من بقايا الرومانسية –إن صح التعبير- أو من بقايا جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وغيرهم، وعندما تعود الى مجموعاتي القصصية الأولى، إلى الطعنات، إلى دخان من قلبي تجد نفس النفَس. ومنذ بدأت مع الكتابة الروائية اخترت أسلوب هيمنغواي في الرواية، وهو كما هو معروف يمتاز بالتقشف في اللغة واختيار المفردة المعبرة بذاتها والتي لا يسهل استبدالها بغيرها. لأن الرواية ليست مجرد حكاية فقط وإنما هي حياة ننقلها كما السينما فصورتنا في الرواية هي المفردة. وقد حافظت على هذا النهج.. وأحيانا تلاحظ شطحات رومانسية أو صوفية في أعمالي، وهذا من طبعي إذ توجد في عرس بغل، في كل جلسات الحاج كيان، توجد في الحوات والقصر في كل ما يتعلق بفرقة نصرة علي الحوات أو قرية الصوفية أو غير ذلك. وأنا لا أمتلك اللغة فقط، فإلى جانب ذلك أطالع باستمرار خاصة الكتب التراثية وكتب الصوفية بالذات. واللغة في الرواية هي ثلاثة أرباع العمل، وإذا كانت مع ذلك غير موصلة جماليا ومن حيث المضمون الأدبي أو الاجتماعي أو السياسي الذي تحمله تصير كلاما أجوف لا غير.
# ذكرتم استئناسكم وعودتكم المستمرة إلى التراث، وكما يتضح من خلال أعمالكم فإنه يشكل إحدى الخلفيات التي ترتكزون عليها في كتابتكم الروائية. كيف يتعامل طاهر وطار مع هذه المسألة؟ أو –بتعبير آخر- كيف يتصور عملية توظيف التراث في الكتابة الأدبية؟
# # أولا اسمح لي أن أسجل بأنني ضد تعبير "وظف أو توظيف"،لأننا عندما نتأمل واقعنا اليومي نلاحظ أننا نسبح في الزمان.. ففي وقت واحد ننطلق من القرن السادس ميلادي، أي من القرن الهجري الأول، أو منذ بداية نزول الوحي أو من ميلاد الرسول (صلعم) إلى يومنا هذا, فلا يوجد إمام مثلا لا يقول حدث أبو هريرة، أو أن عمر بن عبد العزيز… أو غيرهما، كما لايوجد أديب على هامش أبي الطيب المتنبي أو أبي تمام أو على هامش أبي الفرج الأصفهاني بأغانيه.. فنحن كرة تتناوس فتضرب فوق في هذه الحداثة التي نحياها الآن وتنزل في الزمن إلى بدايات تاريخنا كمنتمين إلى العالم العربي والاسلامي، وكأفارقة وبربر لنا أيضا مخزوننا الثقافي والحضاري. ومن هنا فنحن لا نوظف شيئا في الحقيقة، وإنما نعبر عما نعيشه يوميا؛ فالإمام عندما يصعد الى المحراب لا يقوم بتوظيف أبي هريرة ولكن يتكلم وكأن أبا هريرة جنبه أو أنه ينبغي أن يكون كذلك؛ فنحن تحت شلال كبير من ضوء –ولا أقول نور- تراثنا نحيا فيه بأبعاد ذواتنا ولا نستطيع أن نخرج عليه. إنه شيء جميل!.. وهو أيضا ما حصننا على مر العصور: ما حصننا ضد التخلف ونحن متخلفون، و ضد الاستعمار ونحن مستعمَرون، ما يحصننا اليوم ضد هذا التلاقي أو التداخل الحضاري بين الأمم والشعوب،حتى لا أستعمل الغزو أو الاعتداء أو عبارة العولمة، فقط التداخل الحضاري بين الشعوب. وهو الأمر الذي يجعل أيضا غيرنا يخاف منا، لأننا لا نستطيع أو لا نريد أو لا يمكن أبدا أن يحدث لنا ذلك، التخلص أو الانسلاخ عن شخصيتنا أو من هذا الشلال الذي ينصب علينا بكل عنفوان.
# هيمن على الكثير من الكتابات الجزائرية، القديمة منها والحديثة، توكؤها على السياسة إلى درجة صارت معها سمة تكاد تكون ميزة خاصة للرواية. ألا يتم ذلك في تقديركم على حساب أدبية هذا النوع من الكتابة الإبداعية؟
## الكتابات الجزائرية كلها تشترك في نقطتين أو ثلاث هي: أولا: العنف الذي يبلغ حد الدم. النقطة الثانية هي السياسة، النقطة الثالثة هي الانقاد.
وهذه الخصوصيات نجدها في الأدب الجزائري سواء ما كتب منه بالعربية أو بالفرنسية، والرواية منه على وجه التحديد من بدايتها؛ من رضا حوحو إلى كاتب ياسين، ومحمد ديب إلى رشيد بوجدرة إلى الطاهر وطار…
# لا حظنا على قراءات الصحافة لروايتكم الأخيرة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" تركيزا كبيرا على إدراج رسالة الأديب عضو "الجيش الإسلامي للإنقاذ" عيسى لحيلح في متن الرواية أكثر من التركيز على الرواية باعتبارها بنية أدبية وعملا متكاملا، وباعتبارها ، أيضا، عملا من جملة رصيد من الأعمال.. ما هي ملاحظاتكم الأولية؟
## هؤلاء الناس معروفون.. وهم من أولئك الذين يصدق عليهم القول:" لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم.."، ثم حتى وإن اتبعت ملتهم فبمجرد أنك تكتب بالغة العربية فأنت مرتب عندهم في خانة الرجعية الظلامية، وينبغي أن يقضى عليك نهائيا. فما عليك إذن إلا أن تسكت وتصمت.
والحقيقة أن هؤلاء غفل وسذج وأدعياء يظنون أن العالم كله ينحصر في رؤيتهم أو في صفحة من الصفحات التي يكتبونها، وبالأحرى التي "يسودونها" بالمعنى الصحيح؛ وينسون أن هناك الملايين من الناس غيرهم يقرأون، وهناك التاريخ يقرأ، هناك النقاد يقرأون.. لقد سيسوا كل مظاهر الحياة في الجزائر: كل شيء مسيس حسب رغباتهم وحسب شهواتهم وحسب ما يتمنون.. فهم لا يعرفون لا أدبا ولا شعرا ولا قصة ولا رواية ولا موسيقى إلا إذا كانت تؤدي إلى تكريس أفكارهم وآرائهم التي هي نابعة من عواطف وأفكار جوفاء وحمقاء.. وهو كل ما في الأمر.
ولو أنهم كانوا أقل سذاجة وأقل "عباطة" ـ كما يقول إخواننا المصريون ـ لقرأوا الرسالة على أنها إدانة من قبل المسلحين للسياسيين، ولكن هؤلاء لا يريدون سماع أي رأي خارج ما يقولونه هم.
# وفي رأيكم أنتم.. خاصة وأنها مدرجة ضمن مسار شخصية الرواية الأساسية "الولي الطاهر"؟
يتبع.................
جمال الجزائري تحياتي
رسالتا الأديب عيسى لحيلح عضو الجيش الإسلامي للإنقاذ إلي إدانة من المسلحين للسياسيين وخدمة للوئام المدني
يرى الأديب الطاهر وطار أن رسالتي الأديب عيسى لحيلح عضو الجيش الإسلامي للإنقاذ إليه المتضمنتين في روايته الأخيرة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي"( أنها) إدانة من قبل المسلحين للسياسيين، كما أنهما لا تنفصلان في سياق الرواية عن أي سطر أو كلمة فيها. ويرى طار، من جهة أخرى، أن جيل الكتاب الشباب مقموع بالمحيط "الثقافي" الذي يحتضنه؛ فالمؤسسات التي أتاحت لجيل الرواد في الأدب الجزائري فرصة الظهور ثم فرض الذات وأخيرا تكريس بعض الأسماء التي نقلت الأدب الجزائري من محليته إلى العالمية سواء بالغة العربية أو بالفرنسية، وخاصة منها الصحافة، لم تعد تتيح للجيل الجديد نفس تلك الفرص. وإذا وجد من يفعل مثل ذلك منها معه فبمواصفات غلبا ما تكون لها نتائج عكسية بحكم نوعية النشر المشوهة للعمل الإبداعي والمنفرة بالتالي للقارئ من الإقبال عليه. ومع ذلك تظل الثقافة الجزائرية ولودا باستمرار. معترفا بأن مسؤوليته في تعهد الجيل الجديد من الكتاب بالخدمة لا تأتي من كونه أديبا، بل من منطلق مبدئي بالنسبة إليه يتلخص في كونه مناضلا في الحياة.
الأديب الطاهر وطار، الذي يَعد في رصيده الإبداعي إلى حد الآن أربعة عشر عملا أدبيا في المسرح والقصة القصيرة والرواية، يجيب في هذا الحديث عن أسئلة اختارنا أن تكون متصلة بتخوم الكتابة عنده لا بإبداعه بحد ذاته؛ ذلك لأن إبداع الأديب في بعض الأحيان تكون إضاءة تخومه بدرجة من الأهمية بحيث يتوقف جزء كبير من تأسيس القراءة وإرساء آليات التفسير والتذوق والتقييم –إن أمكن ذلك- في نهاية المطاف عليها. فهي إذن لا تختلف كثيرا عن المقدمات التي يخطها المؤلفون عامة لأعماهم للفت انتباه القارئ وتوجيههم بالدرجة الأولى إلى مواطن "العبقرية" فيهم وفي إبداعاتهم مع فرق بسيط هو مدى سعة هامش الحرية المتاح لهم في تصدير اتهم الخاصة والأحاديث المجراة معهم.
# ثارت مع بداية القرن الجديد عندنا تساؤلات(..؟) عن جدوى الكتابة خاصة منها الإبداعية. مارأيكم في في توجه من هذا القبيل في مجال الكتابة الأدبية؟
# # عندما نطرح السؤال: ما الجدوى من الكتابة الإبداعية بالذات، فكأنما نطرح السؤال أيضا: ما الجدوى من الرقص؟ ما الجدوى من البكاء؟ ما الجدوى من الضحك؟ ما الجدوى من الحزن؟ ما الجدوى من أن العصافير تزقزق، أو أن الطيور تغرد… الخ؟ فالإبداع بكل صفة في رأيي هو محاولة خلق انسجام الفرد مع الكل؛ انسجام الكائن مع الكل سواء أكان كائنا آخر أم طبيعة أم كان قوة خفية هي الخالق. هذه هي الدوافع الأساسية للإبداع. والتعبير عن الذات ليس من خصوصيات البشر فقط، فكل الكائنات تعبر بوسائلها الخاصة ومعظم أساليب التعبير عند الطيور أو عند الحيوانات ما عدا بعضها، طبعا، هي جميلة بشكل ما ومطربة ويحس الإنسان بأنها نداء إلى الما وراء.
# نعم..، ولكن بالنسبة إلى الإنسان، وخاصة المبدع أو الأديب؛ فالعملية تتم بين المبدع وما يبدعه، بين الأديب وما يكتبه من النصوص أكثر مما تتم بينه وبين الجمهور الافتراضي الموجه له الإبداع؟
# # لا أعتقد ذلك.. هذه مقولة أنا أيضا رددتها باحتشام. إنها نوع من الهروب.. ومرد ذلك الى عدم المعرفة بحقيقة الأشياء، لأن الإبداع بحد ذاته هو جسر بين المعبر وبين الآخرين مهما كانوا، مثله مثل الصرخة أو الزغرودة التي هي جسر أيضا وليست تعبيرا من أجل ذاتها هي بنفسها.. إنها وسيلة للتوحد مع الكون. أما القول بأن الكتابة هي قضية ذاتية أو شخصية وعلاقة الكاتب مع النص فقط فهذا قول فيه نوع من الشطحات غير الموضوعية، شطحات مضللة حتى.. لأن الأصل في التعبير منذ أن يرى الوليد النور أو الحياة هو الاتصال بالكون. وهو نوع من التوحد معه.
# و هذا يعني أن الأديب، وأقصد الطاهر وطار، ربما يعد في كتابته للقارئ الافتراضي نوعا من الاستجابة المتوقعة مسبقا؟
# # ليس شرطا أن يكون ذلك. قد أعتقد في داخلي بأنني لا أخاطب إلا نفسي، لكن في لاوعيي، في طبيعتي البشرية، وفي طبيعة الحياة بالذات،أن ما أفعله سيكون ذات يوم صلة بيني وبين الآخرين والكون.. وهو ما يعني أنني لا أتعمد الاتصال بالقارئ مباشرة. فهناك قراء أعتقد بثقة أنهم ليسوا موجودين اليوم لكنهم سيوجدون بعد عشر سنوات او بعد قرن أو بعد عدة قرون.. بمعنى أنني أكتب للكون, للحياة، ولغيري مهما كان هذا الغير وحيثما وُجد اليوم أو في زمان آخر غير الزمان الذي نعيش فيه. و يحدث لي أحيانا أن أقول إن هذه الفقرة ستُقرأ بعد عشرين سنة أو بعد خمسين سنة أو … فليس نُصبَ عيني إذن قارئ أو مجتمع أو أفراد.. أنا أكتب أولا وقبل كل شيء لأكشف عما أعانيه داخليا.. وطبعا عندما أتحول من الإبداع الى النقد أو إلى التنظير أقول إن الإبداع هو عملية إرسال لنبضات أرواحنا وقلوبنا إلى الآخرين.
# بخصوص النقطة الأخيرة: صدرتم روايتكم "الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي" وروايات أخرى لكم بما يشبه المقدمة رغم تحفظكم على وضع التقديمات للأعمال الإبداعية،ومنها الرواية؛ وهو ما يكشف عن انشغالكم بالمتلقي سواء أكان قارئا عاديا أم ناقدا أم غيرهما.. هل تعتقدون بأن الأعمال الإبداعية مستغنية بنفسها وتخلق متواصليها دون حاجة منها إلى أشكال التقديم المختلفة أم أن هناك أمورا أخرى تؤخذ في الحسبان..؟
# # بالفعل الكثير من رواياتي وضعت لها مقدمات قصيرة هي شبه مفاتيح للقراء
وللنقاد بصفة خاصة. لأن هناك، في رأيي، قراءة مستعجلة لا تفرق بين كاتب له أبعاد وله آفاق وله تجربة وخبرة، وكاتب مبتدئ؛ فهم يقرأونك كما لو كنت أي فلان! ولهذا أعطي بعض المفاتيح لأقول للناس احذروا هذه المطبات أو بعض الانزلاقات التي يمكن أن تقعوا فيها، فكذلك فعلت في اللاز وفي الزلزال وفي عرس بغل وفي كثير من أعمالي وفي الرواية الأخيرة، وما لم أفعله متعمدا هو ذكر المراجع التي استعملتها وعدت إليها أثناء الكتابة أو تفسيرات بعض الفقرات أو الشواهد.. وقلت هنا إن السؤولية تقع على القارئ.. فأنا قرأت وطالعت حتى تعبت، فانفجرت، وليس من الضروري أن أخدم القارئ إلى هذه الدرجة: أنا كتبت وما عليه إلا تحمل عبء القراءة.
# في علاقة الكتابة الأدبية بما تتحقق فيه من خلال الأعمال المنجزة بالفعل؛ يبدو لي أن تجربة الطاهر وطار من الثراء والتنوع بحيث تتجسد أمامنا رحلة في التجريب اللغوي: من اللاز الأولى إلى اللاز الثانية إلى الزلزال إلى الحوات والقصر.. إلى الرواية الأخيرة.. كيف تنظرون إلى هذه العملية التي ربما يهيمن عليها الجانب التقني الواعي أكثر من الجوانب الأخرى؟
# # الواقع أنني ابن الخمسينات وبالتالي من بقايا الرومانسية –إن صح التعبير- أو من بقايا جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وغيرهم، وعندما تعود الى مجموعاتي القصصية الأولى، إلى الطعنات، إلى دخان من قلبي تجد نفس النفَس. ومنذ بدأت مع الكتابة الروائية اخترت أسلوب هيمنغواي في الرواية، وهو كما هو معروف يمتاز بالتقشف في اللغة واختيار المفردة المعبرة بذاتها والتي لا يسهل استبدالها بغيرها. لأن الرواية ليست مجرد حكاية فقط وإنما هي حياة ننقلها كما السينما فصورتنا في الرواية هي المفردة. وقد حافظت على هذا النهج.. وأحيانا تلاحظ شطحات رومانسية أو صوفية في أعمالي، وهذا من طبعي إذ توجد في عرس بغل، في كل جلسات الحاج كيان، توجد في الحوات والقصر في كل ما يتعلق بفرقة نصرة علي الحوات أو قرية الصوفية أو غير ذلك. وأنا لا أمتلك اللغة فقط، فإلى جانب ذلك أطالع باستمرار خاصة الكتب التراثية وكتب الصوفية بالذات. واللغة في الرواية هي ثلاثة أرباع العمل، وإذا كانت مع ذلك غير موصلة جماليا ومن حيث المضمون الأدبي أو الاجتماعي أو السياسي الذي تحمله تصير كلاما أجوف لا غير.
# ذكرتم استئناسكم وعودتكم المستمرة إلى التراث، وكما يتضح من خلال أعمالكم فإنه يشكل إحدى الخلفيات التي ترتكزون عليها في كتابتكم الروائية. كيف يتعامل طاهر وطار مع هذه المسألة؟ أو –بتعبير آخر- كيف يتصور عملية توظيف التراث في الكتابة الأدبية؟
# # أولا اسمح لي أن أسجل بأنني ضد تعبير "وظف أو توظيف"،لأننا عندما نتأمل واقعنا اليومي نلاحظ أننا نسبح في الزمان.. ففي وقت واحد ننطلق من القرن السادس ميلادي، أي من القرن الهجري الأول، أو منذ بداية نزول الوحي أو من ميلاد الرسول (صلعم) إلى يومنا هذا, فلا يوجد إمام مثلا لا يقول حدث أبو هريرة، أو أن عمر بن عبد العزيز… أو غيرهما، كما لايوجد أديب على هامش أبي الطيب المتنبي أو أبي تمام أو على هامش أبي الفرج الأصفهاني بأغانيه.. فنحن كرة تتناوس فتضرب فوق في هذه الحداثة التي نحياها الآن وتنزل في الزمن إلى بدايات تاريخنا كمنتمين إلى العالم العربي والاسلامي، وكأفارقة وبربر لنا أيضا مخزوننا الثقافي والحضاري. ومن هنا فنحن لا نوظف شيئا في الحقيقة، وإنما نعبر عما نعيشه يوميا؛ فالإمام عندما يصعد الى المحراب لا يقوم بتوظيف أبي هريرة ولكن يتكلم وكأن أبا هريرة جنبه أو أنه ينبغي أن يكون كذلك؛ فنحن تحت شلال كبير من ضوء –ولا أقول نور- تراثنا نحيا فيه بأبعاد ذواتنا ولا نستطيع أن نخرج عليه. إنه شيء جميل!.. وهو أيضا ما حصننا على مر العصور: ما حصننا ضد التخلف ونحن متخلفون، و ضد الاستعمار ونحن مستعمَرون، ما يحصننا اليوم ضد هذا التلاقي أو التداخل الحضاري بين الأمم والشعوب،حتى لا أستعمل الغزو أو الاعتداء أو عبارة العولمة، فقط التداخل الحضاري بين الشعوب. وهو الأمر الذي يجعل أيضا غيرنا يخاف منا، لأننا لا نستطيع أو لا نريد أو لا يمكن أبدا أن يحدث لنا ذلك، التخلص أو الانسلاخ عن شخصيتنا أو من هذا الشلال الذي ينصب علينا بكل عنفوان.
# هيمن على الكثير من الكتابات الجزائرية، القديمة منها والحديثة، توكؤها على السياسة إلى درجة صارت معها سمة تكاد تكون ميزة خاصة للرواية. ألا يتم ذلك في تقديركم على حساب أدبية هذا النوع من الكتابة الإبداعية؟
## الكتابات الجزائرية كلها تشترك في نقطتين أو ثلاث هي: أولا: العنف الذي يبلغ حد الدم. النقطة الثانية هي السياسة، النقطة الثالثة هي الانقاد.
وهذه الخصوصيات نجدها في الأدب الجزائري سواء ما كتب منه بالعربية أو بالفرنسية، والرواية منه على وجه التحديد من بدايتها؛ من رضا حوحو إلى كاتب ياسين، ومحمد ديب إلى رشيد بوجدرة إلى الطاهر وطار…
# لا حظنا على قراءات الصحافة لروايتكم الأخيرة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" تركيزا كبيرا على إدراج رسالة الأديب عضو "الجيش الإسلامي للإنقاذ" عيسى لحيلح في متن الرواية أكثر من التركيز على الرواية باعتبارها بنية أدبية وعملا متكاملا، وباعتبارها ، أيضا، عملا من جملة رصيد من الأعمال.. ما هي ملاحظاتكم الأولية؟
## هؤلاء الناس معروفون.. وهم من أولئك الذين يصدق عليهم القول:" لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم.."، ثم حتى وإن اتبعت ملتهم فبمجرد أنك تكتب بالغة العربية فأنت مرتب عندهم في خانة الرجعية الظلامية، وينبغي أن يقضى عليك نهائيا. فما عليك إذن إلا أن تسكت وتصمت.
والحقيقة أن هؤلاء غفل وسذج وأدعياء يظنون أن العالم كله ينحصر في رؤيتهم أو في صفحة من الصفحات التي يكتبونها، وبالأحرى التي "يسودونها" بالمعنى الصحيح؛ وينسون أن هناك الملايين من الناس غيرهم يقرأون، وهناك التاريخ يقرأ، هناك النقاد يقرأون.. لقد سيسوا كل مظاهر الحياة في الجزائر: كل شيء مسيس حسب رغباتهم وحسب شهواتهم وحسب ما يتمنون.. فهم لا يعرفون لا أدبا ولا شعرا ولا قصة ولا رواية ولا موسيقى إلا إذا كانت تؤدي إلى تكريس أفكارهم وآرائهم التي هي نابعة من عواطف وأفكار جوفاء وحمقاء.. وهو كل ما في الأمر.
ولو أنهم كانوا أقل سذاجة وأقل "عباطة" ـ كما يقول إخواننا المصريون ـ لقرأوا الرسالة على أنها إدانة من قبل المسلحين للسياسيين، ولكن هؤلاء لا يريدون سماع أي رأي خارج ما يقولونه هم.
# وفي رأيكم أنتم.. خاصة وأنها مدرجة ضمن مسار شخصية الرواية الأساسية "الولي الطاهر"؟
يتبع.................
جمال الجزائري تحياتي
تعليق