إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة اسالت الكثير من الحبر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة اسالت الكثير من الحبر

    اعتذار لمداوروش



    رسالتا الأديب عيسى لحيلح عضو الجيش الإسلامي للإنقاذ إلي إدانة من المسلحين للسياسيين وخدمة للوئام المدني

    يرى الأديب الطاهر وطار أن رسالتي الأديب عيسى لحيلح عضو الجيش الإسلامي للإنقاذ إليه المتضمنتين في روايته الأخيرة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي"( أنها) إدانة من قبل المسلحين للسياسيين، كما أنهما لا تنفصلان في سياق الرواية عن أي سطر أو كلمة فيها. ويرى طار، من جهة أخرى، أن جيل الكتاب الشباب مقموع بالمحيط "الثقافي" الذي يحتضنه؛ فالمؤسسات التي أتاحت لجيل الرواد في الأدب الجزائري فرصة الظهور ثم فرض الذات وأخيرا تكريس بعض الأسماء التي نقلت الأدب الجزائري من محليته إلى العالمية سواء بالغة العربية أو بالفرنسية، وخاصة منها الصحافة، لم تعد تتيح للجيل الجديد نفس تلك الفرص. وإذا وجد من يفعل مثل ذلك منها معه فبمواصفات غلبا ما تكون لها نتائج عكسية بحكم نوعية النشر المشوهة للعمل الإبداعي والمنفرة بالتالي للقارئ من الإقبال عليه. ومع ذلك تظل الثقافة الجزائرية ولودا باستمرار. معترفا بأن مسؤوليته في تعهد الجيل الجديد من الكتاب بالخدمة لا تأتي من كونه أديبا، بل من منطلق مبدئي بالنسبة إليه يتلخص في كونه مناضلا في الحياة.

    الأديب الطاهر وطار، الذي يَعد في رصيده الإبداعي إلى حد الآن أربعة عشر عملا أدبيا في المسرح والقصة القصيرة والرواية، يجيب في هذا الحديث عن أسئلة اختارنا أن تكون متصلة بتخوم الكتابة عنده لا بإبداعه بحد ذاته؛ ذلك لأن إبداع الأديب في بعض الأحيان تكون إضاءة تخومه بدرجة من الأهمية بحيث يتوقف جزء كبير من تأسيس القراءة وإرساء آليات التفسير والتذوق والتقييم –إن أمكن ذلك- في نهاية المطاف عليها. فهي إذن لا تختلف كثيرا عن المقدمات التي يخطها المؤلفون عامة لأعماهم للفت انتباه القارئ وتوجيههم بالدرجة الأولى إلى مواطن "العبقرية" فيهم وفي إبداعاتهم مع فرق بسيط هو مدى سعة هامش الحرية المتاح لهم في تصدير اتهم الخاصة والأحاديث المجراة معهم.

    # ثارت مع بداية القرن الجديد عندنا تساؤلات(..؟) عن جدوى الكتابة خاصة منها الإبداعية. مارأيكم في في توجه من هذا القبيل في مجال الكتابة الأدبية؟

    # # عندما نطرح السؤال: ما الجدوى من الكتابة الإبداعية بالذات، فكأنما نطرح السؤال أيضا: ما الجدوى من الرقص؟ ما الجدوى من البكاء؟ ما الجدوى من الضحك؟ ما الجدوى من الحزن؟ ما الجدوى من أن العصافير تزقزق، أو أن الطيور تغرد… الخ؟ فالإبداع بكل صفة في رأيي هو محاولة خلق انسجام الفرد مع الكل؛ انسجام الكائن مع الكل سواء أكان كائنا آخر أم طبيعة أم كان قوة خفية هي الخالق. هذه هي الدوافع الأساسية للإبداع. والتعبير عن الذات ليس من خصوصيات البشر فقط، فكل الكائنات تعبر بوسائلها الخاصة ومعظم أساليب التعبير عند الطيور أو عند الحيوانات ما عدا بعضها، طبعا، هي جميلة بشكل ما ومطربة ويحس الإنسان بأنها نداء إلى الما وراء.

    # نعم..، ولكن بالنسبة إلى الإنسان، وخاصة المبدع أو الأديب؛ فالعملية تتم بين المبدع وما يبدعه، بين الأديب وما يكتبه من النصوص أكثر مما تتم بينه وبين الجمهور الافتراضي الموجه له الإبداع؟

    # # لا أعتقد ذلك.. هذه مقولة أنا أيضا رددتها باحتشام. إنها نوع من الهروب.. ومرد ذلك الى عدم المعرفة بحقيقة الأشياء، لأن الإبداع بحد ذاته هو جسر بين المعبر وبين الآخرين مهما كانوا، مثله مثل الصرخة أو الزغرودة التي هي جسر أيضا وليست تعبيرا من أجل ذاتها هي بنفسها.. إنها وسيلة للتوحد مع الكون. أما القول بأن الكتابة هي قضية ذاتية أو شخصية وعلاقة الكاتب مع النص فقط فهذا قول فيه نوع من الشطحات غير الموضوعية، شطحات مضللة حتى.. لأن الأصل في التعبير منذ أن يرى الوليد النور أو الحياة هو الاتصال بالكون. وهو نوع من التوحد معه.

    # و هذا يعني أن الأديب، وأقصد الطاهر وطار، ربما يعد في كتابته للقارئ الافتراضي نوعا من الاستجابة المتوقعة مسبقا؟

    # # ليس شرطا أن يكون ذلك. قد أعتقد في داخلي بأنني لا أخاطب إلا نفسي، لكن في لاوعيي، في طبيعتي البشرية، وفي طبيعة الحياة بالذات،أن ما أفعله سيكون ذات يوم صلة بيني وبين الآخرين والكون.. وهو ما يعني أنني لا أتعمد الاتصال بالقارئ مباشرة. فهناك قراء أعتقد بثقة أنهم ليسوا موجودين اليوم لكنهم سيوجدون بعد عشر سنوات او بعد قرن أو بعد عدة قرون.. بمعنى أنني أكتب للكون, للحياة، ولغيري مهما كان هذا الغير وحيثما وُجد اليوم أو في زمان آخر غير الزمان الذي نعيش فيه. و يحدث لي أحيانا أن أقول إن هذه الفقرة ستُقرأ بعد عشرين سنة أو بعد خمسين سنة أو … فليس نُصبَ عيني إذن قارئ أو مجتمع أو أفراد.. أنا أكتب أولا وقبل كل شيء لأكشف عما أعانيه داخليا.. وطبعا عندما أتحول من الإبداع الى النقد أو إلى التنظير أقول إن الإبداع هو عملية إرسال لنبضات أرواحنا وقلوبنا إلى الآخرين.

    # بخصوص النقطة الأخيرة: صدرتم روايتكم "الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي" وروايات أخرى لكم بما يشبه المقدمة رغم تحفظكم على وضع التقديمات للأعمال الإبداعية،ومنها الرواية؛ وهو ما يكشف عن انشغالكم بالمتلقي سواء أكان قارئا عاديا أم ناقدا أم غيرهما.. هل تعتقدون بأن الأعمال الإبداعية مستغنية بنفسها وتخلق متواصليها دون حاجة منها إلى أشكال التقديم المختلفة أم أن هناك أمورا أخرى تؤخذ في الحسبان..؟

    # # بالفعل الكثير من رواياتي وضعت لها مقدمات قصيرة هي شبه مفاتيح للقراء

    وللنقاد بصفة خاصة. لأن هناك، في رأيي، قراءة مستعجلة لا تفرق بين كاتب له أبعاد وله آفاق وله تجربة وخبرة، وكاتب مبتدئ؛ فهم يقرأونك كما لو كنت أي فلان! ولهذا أعطي بعض المفاتيح لأقول للناس احذروا هذه المطبات أو بعض الانزلاقات التي يمكن أن تقعوا فيها، فكذلك فعلت في اللاز وفي الزلزال وفي عرس بغل وفي كثير من أعمالي وفي الرواية الأخيرة، وما لم أفعله متعمدا هو ذكر المراجع التي استعملتها وعدت إليها أثناء الكتابة أو تفسيرات بعض الفقرات أو الشواهد.. وقلت هنا إن السؤولية تقع على القارئ.. فأنا قرأت وطالعت حتى تعبت، فانفجرت، وليس من الضروري أن أخدم القارئ إلى هذه الدرجة: أنا كتبت وما عليه إلا تحمل عبء القراءة.

    # في علاقة الكتابة الأدبية بما تتحقق فيه من خلال الأعمال المنجزة بالفعل؛ يبدو لي أن تجربة الطاهر وطار من الثراء والتنوع بحيث تتجسد أمامنا رحلة في التجريب اللغوي: من اللاز الأولى إلى اللاز الثانية إلى الزلزال إلى الحوات والقصر.. إلى الرواية الأخيرة.. كيف تنظرون إلى هذه العملية التي ربما يهيمن عليها الجانب التقني الواعي أكثر من الجوانب الأخرى؟

    # # الواقع أنني ابن الخمسينات وبالتالي من بقايا الرومانسية –إن صح التعبير- أو من بقايا جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وغيرهم، وعندما تعود الى مجموعاتي القصصية الأولى، إلى الطعنات، إلى دخان من قلبي تجد نفس النفَس. ومنذ بدأت مع الكتابة الروائية اخترت أسلوب هيمنغواي في الرواية، وهو كما هو معروف يمتاز بالتقشف في اللغة واختيار المفردة المعبرة بذاتها والتي لا يسهل استبدالها بغيرها. لأن الرواية ليست مجرد حكاية فقط وإنما هي حياة ننقلها كما السينما فصورتنا في الرواية هي المفردة. وقد حافظت على هذا النهج.. وأحيانا تلاحظ شطحات رومانسية أو صوفية في أعمالي، وهذا من طبعي إذ توجد في عرس بغل، في كل جلسات الحاج كيان، توجد في الحوات والقصر في كل ما يتعلق بفرقة نصرة علي الحوات أو قرية الصوفية أو غير ذلك. وأنا لا أمتلك اللغة فقط، فإلى جانب ذلك أطالع باستمرار خاصة الكتب التراثية وكتب الصوفية بالذات. واللغة في الرواية هي ثلاثة أرباع العمل، وإذا كانت مع ذلك غير موصلة جماليا ومن حيث المضمون الأدبي أو الاجتماعي أو السياسي الذي تحمله تصير كلاما أجوف لا غير.

    # ذكرتم استئناسكم وعودتكم المستمرة إلى التراث، وكما يتضح من خلال أعمالكم فإنه يشكل إحدى الخلفيات التي ترتكزون عليها في كتابتكم الروائية. كيف يتعامل طاهر وطار مع هذه المسألة؟ أو –بتعبير آخر- كيف يتصور عملية توظيف التراث في الكتابة الأدبية؟

    # # أولا اسمح لي أن أسجل بأنني ضد تعبير "وظف أو توظيف"،لأننا عندما نتأمل واقعنا اليومي نلاحظ أننا نسبح في الزمان.. ففي وقت واحد ننطلق من القرن السادس ميلادي، أي من القرن الهجري الأول، أو منذ بداية نزول الوحي أو من ميلاد الرسول (صلعم) إلى يومنا هذا, فلا يوجد إمام مثلا لا يقول حدث أبو هريرة، أو أن عمر بن عبد العزيز… أو غيرهما، كما لايوجد أديب على هامش أبي الطيب المتنبي أو أبي تمام أو على هامش أبي الفرج الأصفهاني بأغانيه.. فنحن كرة تتناوس فتضرب فوق في هذه الحداثة التي نحياها الآن وتنزل في الزمن إلى بدايات تاريخنا كمنتمين إلى العالم العربي والاسلامي، وكأفارقة وبربر لنا أيضا مخزوننا الثقافي والحضاري. ومن هنا فنحن لا نوظف شيئا في الحقيقة، وإنما نعبر عما نعيشه يوميا؛ فالإمام عندما يصعد الى المحراب لا يقوم بتوظيف أبي هريرة ولكن يتكلم وكأن أبا هريرة جنبه أو أنه ينبغي أن يكون كذلك؛ فنحن تحت شلال كبير من ضوء –ولا أقول نور- تراثنا نحيا فيه بأبعاد ذواتنا ولا نستطيع أن نخرج عليه. إنه شيء جميل!.. وهو أيضا ما حصننا على مر العصور: ما حصننا ضد التخلف ونحن متخلفون، و ضد الاستعمار ونحن مستعمَرون، ما يحصننا اليوم ضد هذا التلاقي أو التداخل الحضاري بين الأمم والشعوب،حتى لا أستعمل الغزو أو الاعتداء أو عبارة العولمة، فقط التداخل الحضاري بين الشعوب. وهو الأمر الذي يجعل أيضا غيرنا يخاف منا، لأننا لا نستطيع أو لا نريد أو لا يمكن أبدا أن يحدث لنا ذلك، التخلص أو الانسلاخ عن شخصيتنا أو من هذا الشلال الذي ينصب علينا بكل عنفوان.

    # هيمن على الكثير من الكتابات الجزائرية، القديمة منها والحديثة، توكؤها على السياسة إلى درجة صارت معها سمة تكاد تكون ميزة خاصة للرواية. ألا يتم ذلك في تقديركم على حساب أدبية هذا النوع من الكتابة الإبداعية؟

    ## الكتابات الجزائرية كلها تشترك في نقطتين أو ثلاث هي: أولا: العنف الذي يبلغ حد الدم. النقطة الثانية هي السياسة، النقطة الثالثة هي الانقاد.

    وهذه الخصوصيات نجدها في الأدب الجزائري سواء ما كتب منه بالعربية أو بالفرنسية، والرواية منه على وجه التحديد من بدايتها؛ من رضا حوحو إلى كاتب ياسين، ومحمد ديب إلى رشيد بوجدرة إلى الطاهر وطار…

    # لا حظنا على قراءات الصحافة لروايتكم الأخيرة "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" تركيزا كبيرا على إدراج رسالة الأديب عضو "الجيش الإسلامي للإنقاذ" عيسى لحيلح في متن الرواية أكثر من التركيز على الرواية باعتبارها بنية أدبية وعملا متكاملا، وباعتبارها ، أيضا، عملا من جملة رصيد من الأعمال.. ما هي ملاحظاتكم الأولية؟

    ## هؤلاء الناس معروفون.. وهم من أولئك الذين يصدق عليهم القول:" لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم.."، ثم حتى وإن اتبعت ملتهم فبمجرد أنك تكتب بالغة العربية فأنت مرتب عندهم في خانة الرجعية الظلامية، وينبغي أن يقضى عليك نهائيا. فما عليك إذن إلا أن تسكت وتصمت.

    والحقيقة أن هؤلاء غفل وسذج وأدعياء يظنون أن العالم كله ينحصر في رؤيتهم أو في صفحة من الصفحات التي يكتبونها، وبالأحرى التي "يسودونها" بالمعنى الصحيح؛ وينسون أن هناك الملايين من الناس غيرهم يقرأون، وهناك التاريخ يقرأ، هناك النقاد يقرأون.. لقد سيسوا كل مظاهر الحياة في الجزائر: كل شيء مسيس حسب رغباتهم وحسب شهواتهم وحسب ما يتمنون.. فهم لا يعرفون لا أدبا ولا شعرا ولا قصة ولا رواية ولا موسيقى إلا إذا كانت تؤدي إلى تكريس أفكارهم وآرائهم التي هي نابعة من عواطف وأفكار جوفاء وحمقاء.. وهو كل ما في الأمر.

    ولو أنهم كانوا أقل سذاجة وأقل "عباطة" ـ كما يقول إخواننا المصريون ـ لقرأوا الرسالة على أنها إدانة من قبل المسلحين للسياسيين، ولكن هؤلاء لا يريدون سماع أي رأي خارج ما يقولونه هم.

    # وفي رأيكم أنتم.. خاصة وأنها مدرجة ضمن مسار شخصية الرواية الأساسية "الولي الطاهر"؟

    يتبع.................



    جمال الجزائري تحياتي

  • #2
    ## الأمر في غاية البساطة بالنسبة إلي: بحوزتي رسالتان من أديب وصديق أجبرته الظروف على أن يكون في خندق غير الخندق الذي أتواجد فيه أنا، فكتب إلي رسالة أولى يبرر فيها التحاقه بالعمل المسلح خوفا وهروبا من محاولات الاغتيال التي تعرض لها أربع مرات.. وكما لو أنها وصية حملني إياها كي أبلغها للناس حالة وقوع حادث ما له أو أي شيء من ذاك القبيل. والرسالة الثانية هي خدمة للوئام المدني، وأنا رجل وئام،ورجل سلام. و قد وجههما إلي ـ أيضا ـ لأنه يثق بي!

    وأما في سياق الرواية فقد جاءت دون أي نشاز أو غيره، وكل قارئ عادي يجد مكانتهما فيها؛ فهي متممة لفتوى أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في مقتل مالك بن نويرة، ومتممة لكل الأجواء الرواية. ولست أرى أو واجدا فصلا لهاتين الرسالتين عن أي سطر أو كلمة من كلمات الرواية.

    # وتسير أيضا في سياق المآل الذي آل إليه الوضع السياسي في الجزائر؟

    ## في الجزائر.. في كثير من الأماكن في العالم.

    # يحاول أو يعمل الطاهر وطار على أن يرعى جيلا جديدا من الأدباء.. هل يتوسم الأستاذ فيما يعرض عليه أو يقرأه من كتابات الشباب الأدبية خلفا للجيل أو الأجيال المكرسة إلى حد الآن؟

    ## أولا أود أن أعدل كلمة يرعى فأقول إنني لا أرعى أحدا.. بل أنا أخدم، وأخدم الجيل الجديد. وهدفي من وراء ذلك خدمة الجزائر حضاريا، لأننا مهددون بفراغ وبثقب أسود كبير هو الابتعاد عن الابداع، عن الكتابة، و التخلي عن هويتنا، وعن دورنا الحضاري وعن نبضنا المشهود لنا به.. ورغم تخلفنا و ضعف اللغة العربية ورغم حتى بداوتنا، خلق الشعب الجزائري وفي فترة وجيزة أدبا بلغ العالمية. والآن أيضا رغم آلامنا وجراحنا وضعفنا ونسيان الناس لنا استطعنا أن نكون من جانب آخر البلد العربي الوحيد الذي حصل على ميدالية ذهبية في الأولمبيا الأخيرة! وهي ميزة من ميزات الشعب الجزائري و المتمثلة في أن يصنع من اللاشيء ما يفوق به غيره. أنا مدرك لهذه النقطة وأحاول أن أستغلها، و أكيفها.. وفي سبيل ذلك كرست حياتي كما كرس الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله نفسه لمشروعه، وكما كرس الشهداء أنفسهم من أجل هذا الوطن ومثلما كرست الأخت تيريزا لعملها في الهند أو الأب فوكو في الصحراء حيواتهم.. كهؤلاء جميعا أحاول أن أعمل من أجل الثقافة، وهذا الأدب، وأنا أبحث وأنقب عمن يمكن أن يكون له مستقبل منطلقا في ذلك من التساؤل مع كل عمل يصلني: هل يتوفر على الحد أدنى أم لا؟ هل يضيف كاتبا أم لا؟ قد لا يضيف كتابا جديدا لكنه يضيف كاتبا. وقد سبق لي أن فعلت هذا في ملحق الشعب الثقافي؛ حيث بواسطته اكتشف عمار بلحسن رحمه الله، والأدرع الشريف، و محمد مفلاح وغيرهم.. ولا أحسب أن هذا يخفى على أحد. وقد كنت بالفعل أوجههم وأعدل بعض نقاط الضعف في كتاباتهم سواء في اللغة أو في الأسلوب، أو.. وبما أن لهم موهبة سبقوني وتفتحوا وأثبتوا حضورهم. وكذلك فعلت في الستينات بالنسبة للأخت زليخة السعودي رحمها الله. وعلى ذكر الأديبة زليخة، أحب ألا أدع الفرصة تمر دون أن أوضح نقطة أثارها بعض إخواننا في الشرق الجزائري..

    هذه السيدة رحمها الله كانت فعلا تراسلني، ترسل إلي كتاباتها فأنشرها.. حتى أن روايتها التي نشرنا جزءا منها في جريدة "الجماهير" كانت تصلني فصلا ففصلا. وكان أخوها عبد الحميد –وهو حي – هو الذي يقوم بإحضار هذه الأعمال إلى أن توقفت عن المراسلة بسبب ظروفها العائلية.. فتوقف بذلك نشرها.. كانت لها بين يدي مجموعة قصصية بعنوان "أحلام الربيع" أعطيتها للمؤسسة الوطنية للكتاب أيام عيسى مسعودي وعندما تولى عبد الرحمان مضوي مسؤولية قسم النشر، وهو حي ولدي شهادة من عنده، قرر بتدخل مني طبع هذه المجموعة لكن لا أحد أجابه ليصحح هذا الكتاب أو يوقع العقد ..إلخ، فأذاب الرصاص الذي كانت المجموعة مصففة عليه.

    في الستينات: 63،64، وفي ظل الفوضى وغير ذلك يتصور البعض الآن أن الطاهر وطار يمكن له أن يحتفظ بوثائقه بما فيها مراسلات زليخة سعودي أو غيرها.. أنا لا أحتفظ حتى بعشرة أعداد من "الجماهير" ولا من "الأحرار".. كنا نشتغل في ظروف صعبة حيث كنا ننتقل من مكان الى مكان، و من مقر الى آخر.. ثم بالنسبة إلي كأعزب غير مستقر ودون سكن..! يأتي الآن أشباه باحثين، وبدل أن يكرسوا جزءا من وقتهم للتنقيب عما نشرته زليخة في الجرائد -وهو كثير- أو يسألوا غيري فقد كانت تراسل أيضا الشيخ محمد الأخضر السائحي فربما تكون لديه بعض القصص أو الأشعار، بدلامن ذلك يسرعون باتهامي بأنني طمست أو غمطت أو استوليت على إبداع هذه السيدة! شيء عجيب: عوض البحث عما هو موجود فعلا وفي المتناول .. يبحثون عما هو غير موجود أو ما قد ضاع في فوضي الستينات؟!. وعلى كل فالمعروف أن مجموعتها أعطيت لـ(ش.و.ن.ت) ولدي وثائق تؤكد هذا..

    # تحاولون في الجاحظية الأخذ بيد بعض الكتاب من جيل الشباب عن طريق نشر أعمالهم الإبداعية، قبل هذا كيف تجدون هذا الجيل وكتاباته؟

    ## الجيل الجديد، وبكل أسف، مقموع. وقد كنا نحن نبرز ونشتغل بواسطة الجرائد والمجلات؛ والآن الجرائد والمجلات لاتنشر هذه الأعمال، وإذا نشرت فهي تنشرها في صورة غير لائقة: خط يكاد لا يقرأ من فرط صغر حجمه ورداءة الإخراج وفي زوايا مظلمة، إلخ.. وهو ما يدفع الشباب الى اللجوء إلى طبع مجموعات قصصية أو دواوين شعرية أو روايات أو غير ذلك مما يبدعونه بالوسائل المتاحة.. وككل عصر فإن من ضمن عشرة كتاب يمكن أن يظهر كاتب واحد أو اثنان أو أكثر بشكل بارز ويستمر في العطاء، ومن ضمن مائة عشرة كتاب أو ما دون ذلك.. لكن أقول إن الجزائر بخير خاصة أن الرواية التي بدا لنا أنها توقفت لم يحدث لها ذلك، فهناك أسماء محترمة كتبت وتكتب أذكر منهم زرياب بوكفة، وشهرزاد زاغز، وأذكر كذلك محاولات فاطمة العقون وسعيد مقدم.. وتتفاوت هذه التجارب من حيث القدرة والمعرفة الفنية مثلما هو الشأن بالنسبة إلى زرياب وزاغز وبين السرعة مثلما هو الأمر عند سعيد مقدم. وفي القصة القصيرة هناك مجموعات عديدة وقد أبرزنا أسماء من كل أنحاء البلاد تقريبا. وما يهمني أنا من خلال هذا كله، هو أن الجزائر لم تتوقف عن النبض -وأفضل استعمال النبض بدل العطاء-: النبض الثقافي والنبض الابداعي.. وهذا مهم جدا رغم أزمتنا، ورغم ندرة الكتاب المستورد باللغتين العربية والفرنسية، ورغم غلائه ورغم قساوة المرحلة الانتقالية التي تعيشها الجزائر بين اقتصاد قطاع عام واقتصاد مخوصص، رغم كل هذا تصلنا في كل يوم مخطوطات ودواوين وحتى أعمال مطبوعة على حساب أصحابها..وهذا مؤشر له دلالة إيجابية جدا بالنسبة الى مستقبل الثقافة والإبداع في الجزائر.

    # تحدث الأديب المرحوم عبد الحميد بن هدوقة في أحد آرائه على نوع من المسؤولية يتحملها جيل الأدباء الكبار إزاء الجيل أو الأجيال اللاحقة من أجل استمرار تدفق شلال الإبداع.. كيف تنظرون أنتم الى هذه المسألة؟

    #

    تعليق


    • #3
      # أعترف أن مسؤوليتي لا تأتي من كوني أديبا، بل من كوني مناضلا قبل كل شيء، مناضلا منح لهذا البلد جزءا من عمره إذ لم أتوقف عن العمل لفائدة بلدي منذ 1956 تاريخ تفتح عيني على القضية الوطنية. وأفعل ذلك دون أي غرض مادي آخر. لا أتقاضى لا مقابلا عن كتاباتي ولا أمتلك سوى سيارة عمرها 11سنة الآن، بيد أني أشتغل يوميا 10ساعات مجانا وهذا ليس لأنني كاتب، فبهذه الصفة أنا متوقف عن الكتابة، بل بصفتي مناضلا ووطنيا، وبصفتي أحمل هم الجزائر و واثقا بأن الجزائر تستحق منا أكثر مما نعطيه لها. أما كون الأدباء الكبار مسؤولين، فهذا من كلام الشعر، فهناك كتاب كبار مثل محمد ديب لا يعيشون إطلاقا من أجل الجزائر، لا حساب لهم هنا لا في البنك ولا في البريد ولا يدفعون ضريبة، رشيد بوجدرة مثلا ممسك بطرف هنا وطرف في الخارج ويتعامل مع الكتابة كمهني ومحترف يهمه اسمه وربما مايعود عليه من ذلك من أموال.. وهذا أمر طبيعي ولا يعني تنقيصا من محمد ديب أو رشيد بوجدرة وإنما لأؤكد بأن كل واحد وما أهلته له ظروفه ونشأته، وأن ما نقدمه للناس نابع من قناعاتنا لا من كوننا أدباء أو نجارين أو غير ذلك.

      # يعتبر النشر في بلادنا من العوائق التي تحول في أحيان كثيرة دون بروز كتاب جدد في الساحة الأدبية، وربما يكون الطاهر وطار واحدا من كثيرين عانوا من هذا المشكل..؟

      # # الحقيقة أن هناك مشكلتين: الأولى أن الناشر عندنا جاهل وغير احترافي أو غير مهني، ثم إنه تاجر لا يعرف مصلحته.. تصور أنني مثلا طفت بروايتي "الشمعة والدهاليز" على أكثر من ناشر فلا أحد أبدى حتى مجرد الاهتمام بقراءتها لإبداء رأيه فيها! فالجواب عنده واضح وبسيط يقول:" أنا لا أنشر.. بينما نشرت الرواية نفسها في أخبار الأدب المصرية وفي دار الهلال في طبعة شعبية، كما نشرت في الأردن، وهي الآن بصدد النشر بألمانيا.. وروايتي الأخيرة "الولي الطاهر" نشرت في المغرب، ويلح علي الآن صاحب دار "الجمل" أيضا لمنحه حقوق نشرها.. ولكن لا أحد من الناشرين في الجزائر اتصل لإبداء حتى مجرد الاهتمام بنشر هذا العمل.

      والمشكل الثاني يتمثل في عدم وجود ما يسمى بترويج أو تقريظ –بالتعبير القديم- العمل، لا يوجد اهتمام بالطاهر وطار أو برشيد بوجدرة إلا من شلة من الأصدقاء يكتب أحدهم مقالا ليركب على الكاتب وليس ليتحدث عن نص العمل. ثم إن مؤسساتنا الإعلامية مستغنية، حيث تجد الصحف عندنا تتباكى على الثقافة والوضع الثقافي من جهة، وعندما يقدم لها إبداع ما يصير الأمر لديها اعتياديا لتتحول إلى صاحبة فضل على هذا الكاتب أو ذاك.. والواقع أن ثقافة ما يسمى بتكريم الكتاب غائبة في الجزائر للأسف الشديد!

      # من بين العوائق الأساسية أمام انتشار القراءة وبالقدر الكافي الذي يجعل منها تقليدا ثقافيا يحقق ما يمكن أن ندعوه رواج الكتاب، وجود هذا الشرخ اللغوي بين فئتين من القراء داخل المجتمع الجزائري؛ فئة تكتب وتقرأ بالعربية وأخرى تكتب وتقرأ بالفرنسية وكأن هناك جزيرتين منقطعتين إحداهما عن الأخرى في فضاء ثقافي واحد، فضلا طبعا عن رسوخ تقاليد الثقافة الشفوية.. أليس كذلك؟

      ## أعطيك مثالا بسيطا نشرنا رواية اللاز بالعربية هنا في الجزائر في ثلاث أو أربع طبعات نفدت كلها، ونشرناها بالفرنسية في طبعة واحدة.. وما تزال الى حد الآن لم تنفد من السوق، هذا برغم حماس اليسار الى اللاز والى طاهر وطار آنئذ، وهذا أيضا في ظل ما يمكن أن أسميه فترة ازدهار الفرنسية. فعدد القراء بالفرنسية أقل من عددهم بالعربية إلا إذا كان الكتاب سياسيا فيتدخل الضابط وذو الشهادة الابتدائية، و رئيس القسم ليشتري الكتاب ويتدخل فلان وفلان.. الخ، فالإقبال يتم على كتاب سياسي معين. والمنطلق الذي ينبغي أن ننطلق منه في قضية اللغة الفرنسية في الجزائر هو أن التاريخ لا يعود الى الوراء إطلاقا.. فلن يعطينا التاريخ مرة أخرى مولود معمري ولا كاتب ياسين ولا محمد ديب.. قد يظهر واحد مثل بوعلام صنصال تتبناه دور استعمارية لأنه يتباكى على زمن الاستعمار، أو بقايا زمن ولى مثل نور الدين سعدي.. هذا صار الآن من التاريخ فيمكن أن يقرأ في فرنسا و أن يتاجر أو يزايد به الفرنسيون أيضا بما أن فيه فضائح وفيه شتائم، لكن الثابت هو أن الجزائر الفرنسية انتهت.. ومن بقي من ذلك هم مجرد مخلفات على قيد الحياة فقط لا أكثر ولا أقل: ديناصورات تنقرض يوما بعد يوم مع مرور الوقت. وهذه المسألة بت فيها التاريخ ولا الطاهر وطار ولا غيرة.

      # وماذا تضيفون عندما أقول لكم بأن رواية بوعلام صنصال "قسم البرابرة" الصادرة قبل سنة عن دار غاليمار الفرنسية قد بيع منها في مدة وجيزة أكثر من 50 ألف نسخة؟

      ## هذا عمل سياسي وصاحبته ضجة كبيرة، فلو صاحبت كل تلك الضجة والهالة رواية "الولي الطاهر" لبعنا منها مليون نسخة، يبدو لي أنها حملة استعمارية.. ثم أتساءل: 50 ألف نسخة في الجزائر فقط أم فيها وفي غيرها؟

      # يبدو لي في الجزائر وفي غيرها.

      ## إنه شيء قليل جدا بالنسبة الى فضاء الدول الفراكفونية: فرنسا، بلجيكا، السينغال، كندا وغيرها..والجزائر، هذه مهزلة! إنه رقم هزيل.. هناك من يبيع 100 ألف نسخة و50 ألف دون أن تصاحبه كل تلك الضجة والدعاية.. وإذا شئت التحقق من كلامي تفضل الى الشارع واسأل عمن هو بوعلام صنصال، أو محمد ديب..؟ وستجد أن الزمن ولى وانتهى كل شيء. فالجزائر سائرة في طريق هويتها، وفرنسا غادرت الجزائر.. يبقى أن هناك محاولات للبقاء والاستمرار لكنها لا تلبث أن تلقى مصيرها بالتدريج.. وهو تقريبا نفس ما يحدث في المغرب أو تونس؛ فالمحاولات في نفس الاتجاه موجودة ولا يمكن إنكارها بالرغم من أن ما حدث بالنسبة إلى المغرب أو تونس مع فرنسا لا يمكن أن يقارن مع ما حدث مع الجزائر، وعلى كافة الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية.

      تحياتي لكم


      جمال الجزائري

      تعليق

      يعمل...
      X