[frame="7 80"]
[align=center]السلام عليكم ورحمه الله وبركاته[/align]
<<القصيدة نوع من الآلة الهادفة إلى إنتاج حالة التفكير الشعري من خلال الكلمات>>
[align=center]بول فاليري[/align]
أولا - مدخل
شهد العقدان الأخيران من القرن العشرين تطورات جذرية في الدراسات المقارنة والنقدية, ربما كان أبرزها وأكثرها تحديا (ولاسيما للقارئ العربي) ذلك التوسع المذهل في دراسة علاقة الأدب بالفنون والمعارف المختلفة, مثل علاقة الادب بالموسيقى والرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي وكذلك بالسينما وغيرها من مجالات الإنتاج الإبداعي السمعي البصري. وهناك أيضا التوسع الذي لا ينكر وجود أساس متين سابق له في الدراسات المنقبة عن العلاقة الوثيقة بين الأدب (إبداعا ودراسة) وبين الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بفروعها المختلفة, وبوجه خاص التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع, والسياسة والأيديولوجيا والاقتصاد.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة من القرن العشرين محاولات مركزة لتعميق هذه المناحي وتوسيعها لتشمل الشق الأصعب في معادلة علاقة الأدب بغيره من المعارف الإنسانية وهي علاقة الأدب بالعلم والتكنولوجيا.
وتوصف هذه العلاقة بالشق الأصعب, بسبب الإجماع السائد حول بعد المسافة بين الثقافتين الأدبية والعلمية/ التقانية وضآلة الإنتاج الفكري (من الناحية الكمية على الأقل) الذي تصد ى مباشرة لدراسة هذه العلاقة واقعيا وللتنظير لها وارتياد رؤى مستقبلها. ومع ذلك لوحظ في بضع السنوات الأخيرة إقبال شديد على مثل هذه الدراسات بحيث أصبحت تعرض نفسها بتسارع واضح ويحدث منها تراكم وتفاعل يؤشر لبروز اتجاه جديد في فهم الأدب ونقده ومستقبله. على أن المسألة لا تقتصر على مجرد دراسة الظاهرة الأدبية الحديثة والمستقبلية, بل هي أبعد غورا وأشد اتصالا بمستقبل الإنتاج الأدبي بالذات. إذ إنه نتيجة للتطورات الكبرى في حياة البشرية التي بدأت تذر قرنها بصحبة (القرن الحادي والعشرين), وبوجه خاص نتيجة تزايد ارتباط الخيال الأدبي بالخيال العلمي وواقع المغامرة التكنولوجية المذهلة, ونتيجة لمحصلات التفكير الحديث, بدأت تظهر بوادر مناخ أدبي جديد تختلط فيه شحطات التخيل الأدبي بمفاجآت المنجز التكنولوجي والفضائي وتعقيدات الحياة المعاصرة. وهذه التطورات المتوالدة حملت تحديات جديدة للمبدع ولدارسي الأدب على السواء.
ومن هنا أتت دعوة كاتب هذه السطور منذ نهاية الثمانينيات الى ضرورة التفات المؤسسة الأدبية العربية بشقيها المنتج والدارس الى هذه التطورات الحديثة, وبدء التطلع إلى تصورات معرفية وإبداعية جديدة قائمة على إزالة الحواجز (التي قد تكون مصطنعة) بين الثقافتين الأدبية والعلمية, لمصلحة الثقافتين ولمصلحة الحقيقة ومستقبل سعادة الإنسان وإبداعه, ليس فوق سطح الأرض فقط - كما كان يقال في السابق, ولكن أيضا في أجواء الفضاء اللامتناهي الذي بدأت التكنولوجيا الحديثة مشروعها المذهل في ارتياد جنباته والتماس مع كيانه وهيولاه.
أولم تحقق المغامرة الواقعية للتكنولوجيا الحلم الس رمدي الذي كان يخامر مخيلة أهل الأدب منذ أقدم العصور, وهو امتداد الإنسان خارج حدود الكرة الأرضية وربما أيضا خارج حدود الكرة النفسية والكرة الجسدية?! وهذان مصطلحان من وضعي أتحمل كامل مسؤوليتهما.
ثانيا - المصطلحات أولا وقبل كل شيء
(ولكنها أتت ثانيا !!)
ليس في البحث أية مصطلحات إشكالية تحتاج الى شرح وتفنيد. ومع ذلك يبدو من المستحسن توضيح المقصود بالمصطلحات الرئيسية في البحث منعا لأي التباس وكذلك تجنبا لكثير من المناقشات الخلافية التي يكون مصدرها عادة تباين المرسل والمتلقي في تحديد مدلول المصطلح وأحيانا إيحاءاته:
1- مصطلحا العلم والأدب متفق عليهما, ويستعملان في البحث الحالي بالمعنى الموسع, ولا علاقة لذلك بالاشتقاق اللغوي لأن دلالة المصطلح تتجاوز الاشتقاق إلى الاتفاق الاعتباطي.
2- ومع ذلك يفرق البحث نسبيا بين مصطلح العلم والتكنولوجيا. ومن المعروف أن التكنولوجيا هي العلم في هيئته التطبيقية. لكن بدأت اجتهادات قوية تظهر في التأليف الحديث للتأكيد أن التكنولوجيا أخذت تتمرد على العلم. وتشكل منحى من التصرف النظري (المغامر) والتطبيق العملي المستعصي على السيطرة, يسمح بملاحظة الفرق الدقيق بين العلم والتكنولوجيا. (1) ومع اقتناع الباحث بوجهة النظر هذه فإن نطاق البحث الحالي المحدود يسمح باستخدام مصطلح الثقافة العلمية/ التكنولوجية مقابل مصطلح الثقافة الأدبية.
مع العلم أن هذه المصطلحات استخدمها مفكرون كبار منذ أوائل العصر الحديث, وتطور استخدامها تطورا ملحوظا في بدايات القرن الحادي والعشرين, كما سيرد في نقلة لاحقة. وسوف يلاحظ في البحث ميل إلى استخدام المصطلح المعر ب (التقانة) مقابل (Technology) للتخفيف من ثقل هذا المصطلح ولاسيما في صيغة الوصف (ت قاني بدلا من تكنولوجي). ويحسن التذكير هنا بأن مصطلح (تقانة) يختلف عن كلمة (تقنية) التي تعني أسلوب الأداء technique , والنسبة لها (تقني)
3- ثم إن مصطلح <<الثقافة الأدبية>> أريد به التركيز على الأدب بشقيه الإنتاجي أو الإبداعي, أي إنتاج النصوص الأدبية والثقافية الخلاقة التي تحمل رؤية وموقفا من النفس والمجتمع والعالم والكون والمصير, وتتألق جماليا في الوقت نفسه. أما الشق الثاني فيشمل كل ما يتعلق بالناحية التحصيلية scholarship أي الدراسة الأدبية والتاريخ الأدبي ونظرية الأدب والنقد والأدب المقارن (الذي ي عتبر البحث الحالي استجابات لامتداداته الحديثة).
ومن المفيد التأكيد هنا أن زاوية التركيز في البحث الحالي تنطلق من الثقافة الأدبية أصلا باتجاه الثقافة العلمية التقانية لأسباب تتعلق بالتخصص من جهة ولأن الأولى أي الثقافة الأدبية تبدو الأكثر عرضة لخطر الانزواء والتهميش تحت وطأة السيطرة الفائقة المتسارعة للثقافة العلمية التقانية في مجرى الحياة الحديثة ومستقبلها. وسوف تجري في البحث إشارة الى <<الثقافة الفنية>> التي تعتبر عادة شديدة القرب من الثقافة الأدبية, ولكنها في العصر الحديث أخذت تنحو منحى تقانيا مفرطا وابتعدت نسبيا عن الموقف المحافظ للثقافة الأدبية.
[align=center]يتبع[/align]
[/frame]
[align=center]السلام عليكم ورحمه الله وبركاته[/align]
<<القصيدة نوع من الآلة الهادفة إلى إنتاج حالة التفكير الشعري من خلال الكلمات>>
[align=center]بول فاليري[/align]
أولا - مدخل
شهد العقدان الأخيران من القرن العشرين تطورات جذرية في الدراسات المقارنة والنقدية, ربما كان أبرزها وأكثرها تحديا (ولاسيما للقارئ العربي) ذلك التوسع المذهل في دراسة علاقة الأدب بالفنون والمعارف المختلفة, مثل علاقة الادب بالموسيقى والرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي وكذلك بالسينما وغيرها من مجالات الإنتاج الإبداعي السمعي البصري. وهناك أيضا التوسع الذي لا ينكر وجود أساس متين سابق له في الدراسات المنقبة عن العلاقة الوثيقة بين الأدب (إبداعا ودراسة) وبين الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بفروعها المختلفة, وبوجه خاص التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع, والسياسة والأيديولوجيا والاقتصاد.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة من القرن العشرين محاولات مركزة لتعميق هذه المناحي وتوسيعها لتشمل الشق الأصعب في معادلة علاقة الأدب بغيره من المعارف الإنسانية وهي علاقة الأدب بالعلم والتكنولوجيا.
وتوصف هذه العلاقة بالشق الأصعب, بسبب الإجماع السائد حول بعد المسافة بين الثقافتين الأدبية والعلمية/ التقانية وضآلة الإنتاج الفكري (من الناحية الكمية على الأقل) الذي تصد ى مباشرة لدراسة هذه العلاقة واقعيا وللتنظير لها وارتياد رؤى مستقبلها. ومع ذلك لوحظ في بضع السنوات الأخيرة إقبال شديد على مثل هذه الدراسات بحيث أصبحت تعرض نفسها بتسارع واضح ويحدث منها تراكم وتفاعل يؤشر لبروز اتجاه جديد في فهم الأدب ونقده ومستقبله. على أن المسألة لا تقتصر على مجرد دراسة الظاهرة الأدبية الحديثة والمستقبلية, بل هي أبعد غورا وأشد اتصالا بمستقبل الإنتاج الأدبي بالذات. إذ إنه نتيجة للتطورات الكبرى في حياة البشرية التي بدأت تذر قرنها بصحبة (القرن الحادي والعشرين), وبوجه خاص نتيجة تزايد ارتباط الخيال الأدبي بالخيال العلمي وواقع المغامرة التكنولوجية المذهلة, ونتيجة لمحصلات التفكير الحديث, بدأت تظهر بوادر مناخ أدبي جديد تختلط فيه شحطات التخيل الأدبي بمفاجآت المنجز التكنولوجي والفضائي وتعقيدات الحياة المعاصرة. وهذه التطورات المتوالدة حملت تحديات جديدة للمبدع ولدارسي الأدب على السواء.
ومن هنا أتت دعوة كاتب هذه السطور منذ نهاية الثمانينيات الى ضرورة التفات المؤسسة الأدبية العربية بشقيها المنتج والدارس الى هذه التطورات الحديثة, وبدء التطلع إلى تصورات معرفية وإبداعية جديدة قائمة على إزالة الحواجز (التي قد تكون مصطنعة) بين الثقافتين الأدبية والعلمية, لمصلحة الثقافتين ولمصلحة الحقيقة ومستقبل سعادة الإنسان وإبداعه, ليس فوق سطح الأرض فقط - كما كان يقال في السابق, ولكن أيضا في أجواء الفضاء اللامتناهي الذي بدأت التكنولوجيا الحديثة مشروعها المذهل في ارتياد جنباته والتماس مع كيانه وهيولاه.
أولم تحقق المغامرة الواقعية للتكنولوجيا الحلم الس رمدي الذي كان يخامر مخيلة أهل الأدب منذ أقدم العصور, وهو امتداد الإنسان خارج حدود الكرة الأرضية وربما أيضا خارج حدود الكرة النفسية والكرة الجسدية?! وهذان مصطلحان من وضعي أتحمل كامل مسؤوليتهما.
ثانيا - المصطلحات أولا وقبل كل شيء
(ولكنها أتت ثانيا !!)
ليس في البحث أية مصطلحات إشكالية تحتاج الى شرح وتفنيد. ومع ذلك يبدو من المستحسن توضيح المقصود بالمصطلحات الرئيسية في البحث منعا لأي التباس وكذلك تجنبا لكثير من المناقشات الخلافية التي يكون مصدرها عادة تباين المرسل والمتلقي في تحديد مدلول المصطلح وأحيانا إيحاءاته:
1- مصطلحا العلم والأدب متفق عليهما, ويستعملان في البحث الحالي بالمعنى الموسع, ولا علاقة لذلك بالاشتقاق اللغوي لأن دلالة المصطلح تتجاوز الاشتقاق إلى الاتفاق الاعتباطي.
2- ومع ذلك يفرق البحث نسبيا بين مصطلح العلم والتكنولوجيا. ومن المعروف أن التكنولوجيا هي العلم في هيئته التطبيقية. لكن بدأت اجتهادات قوية تظهر في التأليف الحديث للتأكيد أن التكنولوجيا أخذت تتمرد على العلم. وتشكل منحى من التصرف النظري (المغامر) والتطبيق العملي المستعصي على السيطرة, يسمح بملاحظة الفرق الدقيق بين العلم والتكنولوجيا. (1) ومع اقتناع الباحث بوجهة النظر هذه فإن نطاق البحث الحالي المحدود يسمح باستخدام مصطلح الثقافة العلمية/ التكنولوجية مقابل مصطلح الثقافة الأدبية.
مع العلم أن هذه المصطلحات استخدمها مفكرون كبار منذ أوائل العصر الحديث, وتطور استخدامها تطورا ملحوظا في بدايات القرن الحادي والعشرين, كما سيرد في نقلة لاحقة. وسوف يلاحظ في البحث ميل إلى استخدام المصطلح المعر ب (التقانة) مقابل (Technology) للتخفيف من ثقل هذا المصطلح ولاسيما في صيغة الوصف (ت قاني بدلا من تكنولوجي). ويحسن التذكير هنا بأن مصطلح (تقانة) يختلف عن كلمة (تقنية) التي تعني أسلوب الأداء technique , والنسبة لها (تقني)
3- ثم إن مصطلح <<الثقافة الأدبية>> أريد به التركيز على الأدب بشقيه الإنتاجي أو الإبداعي, أي إنتاج النصوص الأدبية والثقافية الخلاقة التي تحمل رؤية وموقفا من النفس والمجتمع والعالم والكون والمصير, وتتألق جماليا في الوقت نفسه. أما الشق الثاني فيشمل كل ما يتعلق بالناحية التحصيلية scholarship أي الدراسة الأدبية والتاريخ الأدبي ونظرية الأدب والنقد والأدب المقارن (الذي ي عتبر البحث الحالي استجابات لامتداداته الحديثة).
ومن المفيد التأكيد هنا أن زاوية التركيز في البحث الحالي تنطلق من الثقافة الأدبية أصلا باتجاه الثقافة العلمية التقانية لأسباب تتعلق بالتخصص من جهة ولأن الأولى أي الثقافة الأدبية تبدو الأكثر عرضة لخطر الانزواء والتهميش تحت وطأة السيطرة الفائقة المتسارعة للثقافة العلمية التقانية في مجرى الحياة الحديثة ومستقبلها. وسوف تجري في البحث إشارة الى <<الثقافة الفنية>> التي تعتبر عادة شديدة القرب من الثقافة الأدبية, ولكنها في العصر الحديث أخذت تنحو منحى تقانيا مفرطا وابتعدت نسبيا عن الموقف المحافظ للثقافة الأدبية.
[align=center]يتبع[/align]
[/frame]
تعليق