بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذي الفاضل ../ سعيد الحمالي
السادة النداوية الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفة إجلال :: لبارع الرأي لامع الفطنة ، أجزم بأن الكثيرين هنا لم يقدروا ذلك البُعد الرابع لموضوعك الحاسم ..
وإني لما قرأت كرّكَ وفرّك وصولك وجولك تقهقرت مقلتاي عن فعلك لرد فعل سواك وحينها فقط اكتشفت أن الحقيقة الفيزيائية الشهيرة بأن (( لكل فعل ردة فعل مساوٍ له في القوة معاكس له في الاتجاه )) أصبحت كذبةً تاريخية .
فعَدَلت بعد أنَ خُذلت .. وعُدتُ فذُهلت ..
وإنك أسعدتني مرتين يا سعيد .. وأحزنتني مرتين !!
أسعدتني.. تلك الرغبة الصادقة المتجلية عن هذا الطرح وغيره - مما ماثل غايته ومضمونه - في تحقيق واقعٍ نقدي أكثر إنصافاً ومسئوليةً وعُمقاً ..
وأحزنني .. أننا لم نزل نبحث عن الخطوة الأولى في طريق النقد نسترشد الدلائل لها ونبتغي السبل . وأننا نحتاج لمثل هكذا غطاء شرعي لتعرية المزيفين .
وأسعدتني مجدداً .. في ما ينعكس على الموضوع من سعي ٍ لصقل المحاولات النقدية عوضاً عن نفيها والتجرّد منها ،، وهذا شعورٌ طيب وسعيٌ نبيل .
ثم ما لبث أن أعاد لي حزني .. يقيني التام أن ما يشوب واقع النقد لدينا - منتدى الفكر والنقد - من شتاتٍ لم ينجم بكل الأحوال عن سوءِ فهمِ مضامينه وأهدافه وسُبله ومعللاته فحسب ، بل ثمة مواطن خللٍ أشد فضاعة في الأخلاقيات والمبادئ العامة كان أحرًى بنا أن نقوّمها قبل غيرها .
وإلا لوجدنا للتكرار نفعاً والتمسنا له أثراً ، فهذا هو الموضوع الرابع على الأقل الذي يتناول ماهية النقد وتفاصيله التي تقوم عليه ، وعلى ذاك لم تزل الممارسات ذات السياسات والأهداف الخاصة تُمرر تحت إطار مسمى النقد .
وعلى كل حال هذا لا يخولني لمصادرة حق الجميع بتداول مثل هذه المواضيع المعرفية غير انه كان مجرد انطباع معيّن لواقع ملموس ..
أشرع الآن بإذن الله في الإجابة على أسئلتك أستاذي - وفقاً لقليل معلوماتي وبسيط معرفتي - .
1- ما هو النقد وما أصل الكلمة؟
النقد كما في معجم المحيط هو : فنُّ تمييز جيّد الكلام من رديئه، وصحيحه من فاسده . وأكتفي بإيراد معنى النقد الأدبي الذي نبحث عنه فحسب .
2-وما هي مهمته وما هو دوره في الأدب؟
هذا سؤالٌ عظيم ومهم جداً ، واعتقد أنه يحتاج لموضوع مستقل ، وعلى أي حال سأحاول تلخيص رؤيتي حيال مهمة النقد ودوره في الأدب .
مهمة النقد : تحليل أبنية النصوص والأعمال الأدبية واستنباط مواطن الحُسن فيها وشرح جمالياتها وأساليبها وأنواعها ، ورصد مواطن الضعف والركاكة وتعليل ضعفها ، واكتشاف الجديد وتأصيله بأدوات جديدة وتصنيفه وتقييمه ، وشرح المعاني واستيحاء طبيعة النص والغوص في تفاصيله ، وتفسير العمل الأدبي عموماً .
دور النقد في الأدب : نلتمس دور النقد إيجاباً في الأدب بغير أمرٍ منها تجويد الحس الأدبي لدى الشاعر والمتلقي وتنقيحه ، وتثقيف الذائقة، وإنعاش الجوانب الإبداعية بالإشادة والتنظير – ومعالجة مكامن الضعف بالإفادة والتنوير . وبالتالي الإرتقاء بالادب عامةً .
3-وأيهما أسبق في الظهور النقد أم الأدب بشقيه النثر والشعر؟
سياق السؤال يوحي بان النقد شيء والأدب شيءٌ آخر وهذا خطأٌ جسيم فالنقد ما عدا كونه فرع من فروع الأدب ، هذا أولاً .
وبداهةً أقول أن النقد أدبٌ بُنيَ على غيره فلا نقدٌ بلا مادةٍ أدبية – وأتحدث هنا عن النقد الأدبي – وهذا كافٍ بان نجزم بأن النقد علمٌ وأدبٌ مبني على باقي الفروع الأدبية من شعرٍ ونثر .
4-ومن هو الناقد؟
الناقد هو من يقوم بمهام النقد أعلاه بشموليةٍ ومصداقيةٍ وحياد ، والذي ينعكس على قيامه بتلك المهام الدور الحقيقي للناقد المميز وفعاليته بالنهوض بمستوى العمل الأدبي عموماً . أما عن مواصفات الناقد الخاصة فسأذكرها بإجابة السؤال القادم .
5- وهل يتطلب النقد تخصص ودراسة معينة أم أن الموهبة كافيه ؟
بل النقد بالأساس موهبة ، وسبق أن ذكرت في غير موضعٍ أنني احسب النقد ضرباً من ضروب الحكمة .
غير أن هذه الموهبة بحكم سائر المواهب تحتاج للصقل والتجويد ولا يكون ذلك إلا بالاطلاع والتثقيف النوعي ، إذ ينبغي أن يضلع الناقد باللغة ويأصّل ذائقته بمطالعة الأعمال الأدبية المميّزة على اختلاف أساليبها وتعدد أنماطها فيكون بذلك ملماً بالأدوات الرئيسية للنقد ، ثم له حق الاطلاع على المؤلفات التي تُعنى بالنقد الأدبي وتناول موادها والإلمام بمذاهب النقد ومدارسه لمجرد الدراية والثقافة النقدية فيكون بذلك قد وعى الخطوط العريضة للنقد وحوى مناهجه ولا يُلغي بذات الوقت رؤيته الذاتية التي تقوم على كل ما سلف ذكره لا على مجرّد الطبع والترجيح .
بقي أن أشدد على أن النقد حتى وإن عدّهُ البعض علماً ، لا يُلقن لغير موهوب بالدرجة الأولى ، وما كل من درس النقد يكون بالضرورة ناقداً فذاً وإن بات يمتلك القدرة على القياس وتأصيل عناصر العمل الأدبي على نظرياته النقدية التي درسها ، وهو بذلك كدارس العروض الذي قد ينجح بالبناء على تفاعيله وبحوره لكنه لن يكون شاعراً مبدعاً لمجرد أن أتقن الوزن والقافية !!
6-وما هي الفروق الأساسية بين الأدب والنقد؟
أعود فأقول أن النقد بابٌ من أبواب الأدب منسوب إليه لا نظيراً له .
والأدب كما جذعٍ كان النقد أحد فروعه مثله كمثل الشعر والنثر .
وربما يكمن الفرق بين النص الأدبي والنقد بأن الأعمال الأدبية على تعددها لا تخضع بالضرورة لمحاورٍ ثابتة ومنهجيةٍ أدبية على خلاف النقد فأنت حين تنقد نصاً لا تستطيع بناء نقدك على مجرّد الذائقة والانطباع التخيلي والشعوري بل يستلزم النقد أن يقوم على أدواتٍ ثابتة ومعايير محددة تختلف باختلاف طبيعة النص ، وهذه الرؤية تتضح اكثر في النقد العلمي الذي يقوم بالدرجة الأولى على الدلالات المادية .
بقي أمرٌ لا بد من الوقوف عليه :: سيّدي العزيز ، أدرك تماماً انك حصلت على ما أردت الحصول عليه من هذا الطرح ، ونحن كذلك ، وقد كان لسان حال موضوعك مستفهماً : ماذا قبل ؟ وإننا لنتساءل الآن : ماذا بعد ؟؟
مع وافر عرفاني وخالص ودي
خلف
أستاذي الفاضل ../ سعيد الحمالي
السادة النداوية الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفة إجلال :: لبارع الرأي لامع الفطنة ، أجزم بأن الكثيرين هنا لم يقدروا ذلك البُعد الرابع لموضوعك الحاسم ..
وإني لما قرأت كرّكَ وفرّك وصولك وجولك تقهقرت مقلتاي عن فعلك لرد فعل سواك وحينها فقط اكتشفت أن الحقيقة الفيزيائية الشهيرة بأن (( لكل فعل ردة فعل مساوٍ له في القوة معاكس له في الاتجاه )) أصبحت كذبةً تاريخية .
فعَدَلت بعد أنَ خُذلت .. وعُدتُ فذُهلت ..
وإنك أسعدتني مرتين يا سعيد .. وأحزنتني مرتين !!
أسعدتني.. تلك الرغبة الصادقة المتجلية عن هذا الطرح وغيره - مما ماثل غايته ومضمونه - في تحقيق واقعٍ نقدي أكثر إنصافاً ومسئوليةً وعُمقاً ..
وأحزنني .. أننا لم نزل نبحث عن الخطوة الأولى في طريق النقد نسترشد الدلائل لها ونبتغي السبل . وأننا نحتاج لمثل هكذا غطاء شرعي لتعرية المزيفين .
وأسعدتني مجدداً .. في ما ينعكس على الموضوع من سعي ٍ لصقل المحاولات النقدية عوضاً عن نفيها والتجرّد منها ،، وهذا شعورٌ طيب وسعيٌ نبيل .
ثم ما لبث أن أعاد لي حزني .. يقيني التام أن ما يشوب واقع النقد لدينا - منتدى الفكر والنقد - من شتاتٍ لم ينجم بكل الأحوال عن سوءِ فهمِ مضامينه وأهدافه وسُبله ومعللاته فحسب ، بل ثمة مواطن خللٍ أشد فضاعة في الأخلاقيات والمبادئ العامة كان أحرًى بنا أن نقوّمها قبل غيرها .
وإلا لوجدنا للتكرار نفعاً والتمسنا له أثراً ، فهذا هو الموضوع الرابع على الأقل الذي يتناول ماهية النقد وتفاصيله التي تقوم عليه ، وعلى ذاك لم تزل الممارسات ذات السياسات والأهداف الخاصة تُمرر تحت إطار مسمى النقد .
وعلى كل حال هذا لا يخولني لمصادرة حق الجميع بتداول مثل هذه المواضيع المعرفية غير انه كان مجرد انطباع معيّن لواقع ملموس ..
أشرع الآن بإذن الله في الإجابة على أسئلتك أستاذي - وفقاً لقليل معلوماتي وبسيط معرفتي - .
1- ما هو النقد وما أصل الكلمة؟
النقد كما في معجم المحيط هو : فنُّ تمييز جيّد الكلام من رديئه، وصحيحه من فاسده . وأكتفي بإيراد معنى النقد الأدبي الذي نبحث عنه فحسب .
2-وما هي مهمته وما هو دوره في الأدب؟
هذا سؤالٌ عظيم ومهم جداً ، واعتقد أنه يحتاج لموضوع مستقل ، وعلى أي حال سأحاول تلخيص رؤيتي حيال مهمة النقد ودوره في الأدب .
مهمة النقد : تحليل أبنية النصوص والأعمال الأدبية واستنباط مواطن الحُسن فيها وشرح جمالياتها وأساليبها وأنواعها ، ورصد مواطن الضعف والركاكة وتعليل ضعفها ، واكتشاف الجديد وتأصيله بأدوات جديدة وتصنيفه وتقييمه ، وشرح المعاني واستيحاء طبيعة النص والغوص في تفاصيله ، وتفسير العمل الأدبي عموماً .
دور النقد في الأدب : نلتمس دور النقد إيجاباً في الأدب بغير أمرٍ منها تجويد الحس الأدبي لدى الشاعر والمتلقي وتنقيحه ، وتثقيف الذائقة، وإنعاش الجوانب الإبداعية بالإشادة والتنظير – ومعالجة مكامن الضعف بالإفادة والتنوير . وبالتالي الإرتقاء بالادب عامةً .
3-وأيهما أسبق في الظهور النقد أم الأدب بشقيه النثر والشعر؟
سياق السؤال يوحي بان النقد شيء والأدب شيءٌ آخر وهذا خطأٌ جسيم فالنقد ما عدا كونه فرع من فروع الأدب ، هذا أولاً .
وبداهةً أقول أن النقد أدبٌ بُنيَ على غيره فلا نقدٌ بلا مادةٍ أدبية – وأتحدث هنا عن النقد الأدبي – وهذا كافٍ بان نجزم بأن النقد علمٌ وأدبٌ مبني على باقي الفروع الأدبية من شعرٍ ونثر .
4-ومن هو الناقد؟
الناقد هو من يقوم بمهام النقد أعلاه بشموليةٍ ومصداقيةٍ وحياد ، والذي ينعكس على قيامه بتلك المهام الدور الحقيقي للناقد المميز وفعاليته بالنهوض بمستوى العمل الأدبي عموماً . أما عن مواصفات الناقد الخاصة فسأذكرها بإجابة السؤال القادم .
5- وهل يتطلب النقد تخصص ودراسة معينة أم أن الموهبة كافيه ؟
بل النقد بالأساس موهبة ، وسبق أن ذكرت في غير موضعٍ أنني احسب النقد ضرباً من ضروب الحكمة .
غير أن هذه الموهبة بحكم سائر المواهب تحتاج للصقل والتجويد ولا يكون ذلك إلا بالاطلاع والتثقيف النوعي ، إذ ينبغي أن يضلع الناقد باللغة ويأصّل ذائقته بمطالعة الأعمال الأدبية المميّزة على اختلاف أساليبها وتعدد أنماطها فيكون بذلك ملماً بالأدوات الرئيسية للنقد ، ثم له حق الاطلاع على المؤلفات التي تُعنى بالنقد الأدبي وتناول موادها والإلمام بمذاهب النقد ومدارسه لمجرد الدراية والثقافة النقدية فيكون بذلك قد وعى الخطوط العريضة للنقد وحوى مناهجه ولا يُلغي بذات الوقت رؤيته الذاتية التي تقوم على كل ما سلف ذكره لا على مجرّد الطبع والترجيح .
بقي أن أشدد على أن النقد حتى وإن عدّهُ البعض علماً ، لا يُلقن لغير موهوب بالدرجة الأولى ، وما كل من درس النقد يكون بالضرورة ناقداً فذاً وإن بات يمتلك القدرة على القياس وتأصيل عناصر العمل الأدبي على نظرياته النقدية التي درسها ، وهو بذلك كدارس العروض الذي قد ينجح بالبناء على تفاعيله وبحوره لكنه لن يكون شاعراً مبدعاً لمجرد أن أتقن الوزن والقافية !!
6-وما هي الفروق الأساسية بين الأدب والنقد؟
أعود فأقول أن النقد بابٌ من أبواب الأدب منسوب إليه لا نظيراً له .
والأدب كما جذعٍ كان النقد أحد فروعه مثله كمثل الشعر والنثر .
وربما يكمن الفرق بين النص الأدبي والنقد بأن الأعمال الأدبية على تعددها لا تخضع بالضرورة لمحاورٍ ثابتة ومنهجيةٍ أدبية على خلاف النقد فأنت حين تنقد نصاً لا تستطيع بناء نقدك على مجرّد الذائقة والانطباع التخيلي والشعوري بل يستلزم النقد أن يقوم على أدواتٍ ثابتة ومعايير محددة تختلف باختلاف طبيعة النص ، وهذه الرؤية تتضح اكثر في النقد العلمي الذي يقوم بالدرجة الأولى على الدلالات المادية .
بقي أمرٌ لا بد من الوقوف عليه :: سيّدي العزيز ، أدرك تماماً انك حصلت على ما أردت الحصول عليه من هذا الطرح ، ونحن كذلك ، وقد كان لسان حال موضوعك مستفهماً : ماذا قبل ؟ وإننا لنتساءل الآن : ماذا بعد ؟؟
مع وافر عرفاني وخالص ودي
خلف
تعليق