[ALIGN=CENTER]في قصيدة (قضت كل السوالف) للشاعرة عهود بنت خالد ( الونّة تتوهّج حنيناً)[/ALIGN]
تتميز القصيدة الفاتنة بأن تجعلك تعيش فتنة التآلف في كل مرة تقرؤها .. كأنها دهشة تستولي عليك .. لتمنحك فرصة التوغل في أعماقها .. إنها القصيدة المكتوبة بلغة الشجن واللوعة . إنها قصيدة تبادرك بالود وتبادرها بالاحتفاء . وهذه القراءة الانطباعية لقصيدة قضت كل السوالف للشاعرة عهود بنت خالد بن سعود بن عبدالعزيز(نديم الشوق ) .. هي نتاج التعلق بهذه القصيدة فتحرشت بالذاكرة طويلاً . فكانت هذه القراءة لمتذوق! أراد أن يجاهر بتذوقه وبما استشعره تجاه القصيدة .
قضت كل السوالف وابتدى ثلج الوصال يذوب
سروا حتى معازيب الضيوف .. وطالت الونة
عندما تنتهي رغبتنا في الكلام نتوجس الخوف .. نشعر بان ثمة شيئا ما قد يحدث او أنه بالفعل قد حدث . والشاعرة تداهمنا بهذا الجزم بأن الكلام قد انتهى( قضت كل السوالف ) هي أذن رغبة الصمت أو ان المشاعر تذبل لتبدأ رحلة التداعيات .. وهذا اعلان لجفوة قادمة او ان التعب يداهم العاطفة . وهي تكتب المشهد المتنبأ بالوجع .. بقولها : وابتدى ثلج الوصال يذوب . هذا توغل حميمي في رؤية المشاعر . انه استشعار لما يحدث. وعندما تقول ثلج الوصال هنا براعة من الشاعرة .. فالثلج هو تماسك اصيل يشابه الوصال وعندما يتكوم الثلج برغم برودته الا انه يمنح متعة الالفة بين كل الاطراف . ولا يذوب الثلج الا عندما تبدأ حرارة الشمس .. ورغم ان هناك من يحتفي بذوبان الثلج الا ان هنا الشاعرة تمنح الدلالة بعدا اخر فهي تمنح الصمت الذي حضر بعد انتهاء الكلام ميزة الحرارة .. فهو يقوم بفعل التذويب الذي يجعل نبوءة الجفاء تحضر لدى الشاعرة .
سروا حتى معازيب الضيوف .. وطالت الونة
هي الاحتفالية التي كانت .. هكذا وصفتها الشاعرة .. ودوما نشعر بالفقد المبكر عندما يرحلون الضيوف .. تنزرع الوحشة في النفس .. وتبدأ دوائر الفراغ بالتضخم .. لنشعر بالتوحد والوحدة . وهذا القلب الذي استضاف المشاعر هاهو يعلن عن رحيل من كان يحتفي بهم .. لتبدأ مشاعر الوحدة بشجن و لتستطيل الونة .. والونة هي احدى ملامح او افرازات الوجع الصامت .
سريتك يالظلام اللي تحَسب ان القلوب قلوب
عرفت امءن النجر وشلون يصول امءن الوجع رنة
الشاعرة هنا تعول على الظلام .. والظلام هو حليف العشاق الذي يتألف معهم عندما يداهم قلوبهم الانكسار وبهم رغبة التوجد .. انه الستر الحنون الذي يحتفي بالاوجاع . وهي تلعب على مفردة سروا وهو خطاب يتجه الى المشاعر لتعود الى رغبة الذات لتقول : سريتك . وعندما تضع ذاتها في رحلة الظلام .. تتلمس هداية الامنيات بانحسار اوجاع القلب .. ولكنها تتكاشف بشفافية مع الظلام لتقول ياللي تحسب القلوب قلوب .. وكأنها تمنحه سرها لتخبره ان ليس كل العشاق لهم ذات القلوب .. التي تستحق هذا الكثيف ظلاماً .. وهي ايضا تمنحه تلك الشفافية برمز تفهمه لغة الظلام .. فلم تصرح بشيء سوى ان قالت : تحسب القلوب قلوبا .ثم تستحضر شيئا من الاشياء التي تناهض الظلام وتبدد وحشته انها رنة النجر . وتلك الرنة كماهي تمنح الكثير من البهجة .. للذي ينتظر ما تجود به مباهجه.. فإنه يتذوق الالم في كل رنة تلامس هذا الظلام . والشاعرة الى هنا لم تخرج من استحضار ملامح الاحتفالية ودلالتها .
تمادت مثل احلامي نست أن القدر مكتوب
تكفّن شوقي بصدري عسى مثواه للجنة
مازالت الونة تتهادى مع الشاعرة في تحالفها مع الظلام ..وتشبه تلاشيها في الفضاء المظلم الذي يأتي باحساس التوحش والتوجس والخوف .. في فضاء لا نهائي كما هي احلامها . وهنا تألق من الشاعرة فهي تنرجس احلامها لتشبه تمادي الونة بتلك الاحلام التي تتمادى في التوغل لترغب الثمين من الوصال . وفي غمرة هذا التمازج مع الحلم ينهض الحس الواقعي لدى الشاعرة .. لتسلم بواقعية القدر .. حس ايماني يأتي في اللحظة المناسبة لرحلة تعب القلب .
ولتبدأ بعد ذلك في جنائزية المشهد ليحضر الموت .. الموت هنا للشوق ... الشوق لا يموت ولكن الشاعرة كتبت له حياة اخرى في صدرها .. وكأنها التي منحته حق الحياة هي أيضاً حق الموت .. ولكنه الموت المخاتل .. فاختارت الصدر .. والصدر مكان غير آمن للشوق .. فهو مكان يحرض على الشوق ولو بعد حين .( عسى مثواه للجنة ) لغة باذخة من التمنى ولا نشك ان الشاعرة تحسن الظن في شوقها وفي اخلاصه لتخرج هذه الامنية مبللة بصدقها لتطلب الجنة لهذا الذي مات تعباً .. وهي بالتأكيد تريد له جنة الوصال في قلب ذلك البعيد .
احبك لو عجزت القى لوصلك فالحياة دروب
احبك لو حكيم العشق مات وما صدق ظنه
في الابيات الثلاثة السابقة كان هناك تمهيد فاتن من الشاعرة .. لتوصيف عذابات الذات .. وكأنها اكتفت بطغيان هذه العذابات . ولكنها ومن هذا البيت بالتحديد تبدأ الشاعرة في الانطلاق بخطابها الى الطرف الاخر .. وهي لا توارب ولا تتكئ على التلميح بل تبادر بوضوح لتقول : احبك .. ولكن هذا الاعلان لا يكون مستقلاً بل تحضر معه روح التحدي لكي تستكمل هذا الخطاب بـ لو عجزت القى لوصلك دروب . وبقدر ما يشي هذا التحدي والاصرار بالتعلق الا انه يكشف عثرة ما تقف حائلا بين هذا التمني وذاك الذي ما زال بعيداً .
احبك لو حكيم العشق مات وما صدق ظنه
العرب مولعون في الحب بالقداسات .. يجعلون للاشياء رموزها ومنها العشق الذي يتوغل في الذهنية بشكل اسطوري .. لذا نجد قاضي الغرام .. حكيم العشق .. الشاعرة استحضرت ذاكرتها ( حكيم العشق) الذي هو في الحقيقة لا وجود له .. ولكنها الذات التي ترغب في اسطرة العشق .. لتمنحه قداسات الحكماء و لتتجاوزه برغم كل الوصايا التي قد تسردها ذلك الرمز الاسطوري . انها ذاكرة التمرد فالشاعرة تستحضر تلك الشخصية لتعلن تمردها وكأنها تريد اثبات ايمانها وانها قادرة على القفز على كل معوقات قد تنال من هذا الحب المتماسك اخلاصاً .
كتبتك للبكا سامر .. وهلت دمعة المسحوب
رسمتك بالغلا طفلٍ يصيح وقلت له : كنه
القصيدة من هنا تدخل في منعطف جديد .. فبعد المرحلة التي كانت في البيتين السابقين نجدها هنا تبدأ بسرد الافعال : كتبتك . هذا الفعل الاول .. الذي يتخذ شكل البكاء . وايضا تستدعي الشاعرة طقوسا احتفالية .. ولكنها الطقوس الحزينة .. فالبكاء دلالة فقد وتعب داخل . ثم تستلهم الموروث الشعبي لتختار السامري .. واللحن السامري معبأ بالشجن .. مسربل بالحزن .. يأتي باوجاع الصحراء لينغرس في الذاكرة لهيباً من الوجع ..وهي تكمل هذا المشهد باختيار المسحوب الذي هو ايضا اداة لتفريغ الحزن .
رسمتك بالغلا طفلٍ يصيح وقلت له : كنه
في الشطر السابق اختارت فعل الكتابة .. وهنا تختار الشاعرة فعل الرسم .. وكأن التدرج يأتي عفوياً في هذه المتواليات الحزينة . ولكن تتألق الشاعرة وهي تمنح الغلا فعل الرسم .. ولأنها المتوجعة يأتي الغلا ليرسم طفلا وتختار للطفل الفعل الاشد ايلاما والذي يثير التعاطف من الجميع فالطفل عندما يبكي لا بد ان الجميع يحتوي هذا الطفل . وتتوغل الشاعرة في المشهد بعمق لترغب وبتحنان امومي بأن يكون الحبيب في صورة ذلك الطفل الذي يبكي . لتعيد هي فن الاحتواء الذي تتقنه .
لعنت ابو ابليس وقلت للظلما كفاك ذنوب
ترى غسل الغرام إن مات قبل الدفن ذا سنة
من حكيم العشق الى ابليس .. اي تداعي يربط بينهما .. اي انفعال يستطيع ان يؤلف بين التناقض الذي يجمع بين الحكيم والشيطان .. الشاعرة استطاعت ان تمنح انفعالها حرية البوح فهي هناك تتمرد على حكيم العشق وهي هنا تلعن ابليس . اللعن هنا يأتي من الوسواس الذي ينهش في ذاكرة الشاعرة .. الذي يسول لها مفاتن الوصال .. ومهالك الفقد .. انها تنقذ ذاتها عندما تأتي بهذه الصرخة العميقة .
وقلت للظلما كفاك ذنوب... الدارمية في المشهد لاتزال بعافيتها فمن لعن الى خطاب ودود مع الظلما الظلما التي كانت هي في بدايات القصيدة تتقن الاحتواء .. هاهي الشاعرة توجه عتب الخذلان بقولها كفاك ذنوب .. واي ذنوب للظلما !! انها الذنوب التي لا تجود بالوصل .
ترى غسل الغرام إن مات قبل الدفن ذا سنه
وفي هذا التكاشف مع الظلما تمنح الشاعرة الظلما الحل الامثل .. وهي ايضا ممتلئة بالحس الايماني وبطقوس الموت .. فتأخذ من الموت سطوته المهابة لتعلن في نبرة يأس ان الغرام يكتسي ملامح الموت وتأخذ من الحس الايماني طقوسه .. فتوظف مفردة السنة التوظيف الامثل في سياق التداعي الايماني الذي يحتل ذاكرة الشاعرة .
تتميز القصيدة الفاتنة بأن تجعلك تعيش فتنة التآلف في كل مرة تقرؤها .. كأنها دهشة تستولي عليك .. لتمنحك فرصة التوغل في أعماقها .. إنها القصيدة المكتوبة بلغة الشجن واللوعة . إنها قصيدة تبادرك بالود وتبادرها بالاحتفاء . وهذه القراءة الانطباعية لقصيدة قضت كل السوالف للشاعرة عهود بنت خالد بن سعود بن عبدالعزيز(نديم الشوق ) .. هي نتاج التعلق بهذه القصيدة فتحرشت بالذاكرة طويلاً . فكانت هذه القراءة لمتذوق! أراد أن يجاهر بتذوقه وبما استشعره تجاه القصيدة .
قضت كل السوالف وابتدى ثلج الوصال يذوب
سروا حتى معازيب الضيوف .. وطالت الونة
عندما تنتهي رغبتنا في الكلام نتوجس الخوف .. نشعر بان ثمة شيئا ما قد يحدث او أنه بالفعل قد حدث . والشاعرة تداهمنا بهذا الجزم بأن الكلام قد انتهى( قضت كل السوالف ) هي أذن رغبة الصمت أو ان المشاعر تذبل لتبدأ رحلة التداعيات .. وهذا اعلان لجفوة قادمة او ان التعب يداهم العاطفة . وهي تكتب المشهد المتنبأ بالوجع .. بقولها : وابتدى ثلج الوصال يذوب . هذا توغل حميمي في رؤية المشاعر . انه استشعار لما يحدث. وعندما تقول ثلج الوصال هنا براعة من الشاعرة .. فالثلج هو تماسك اصيل يشابه الوصال وعندما يتكوم الثلج برغم برودته الا انه يمنح متعة الالفة بين كل الاطراف . ولا يذوب الثلج الا عندما تبدأ حرارة الشمس .. ورغم ان هناك من يحتفي بذوبان الثلج الا ان هنا الشاعرة تمنح الدلالة بعدا اخر فهي تمنح الصمت الذي حضر بعد انتهاء الكلام ميزة الحرارة .. فهو يقوم بفعل التذويب الذي يجعل نبوءة الجفاء تحضر لدى الشاعرة .
سروا حتى معازيب الضيوف .. وطالت الونة
هي الاحتفالية التي كانت .. هكذا وصفتها الشاعرة .. ودوما نشعر بالفقد المبكر عندما يرحلون الضيوف .. تنزرع الوحشة في النفس .. وتبدأ دوائر الفراغ بالتضخم .. لنشعر بالتوحد والوحدة . وهذا القلب الذي استضاف المشاعر هاهو يعلن عن رحيل من كان يحتفي بهم .. لتبدأ مشاعر الوحدة بشجن و لتستطيل الونة .. والونة هي احدى ملامح او افرازات الوجع الصامت .
سريتك يالظلام اللي تحَسب ان القلوب قلوب
عرفت امءن النجر وشلون يصول امءن الوجع رنة
الشاعرة هنا تعول على الظلام .. والظلام هو حليف العشاق الذي يتألف معهم عندما يداهم قلوبهم الانكسار وبهم رغبة التوجد .. انه الستر الحنون الذي يحتفي بالاوجاع . وهي تلعب على مفردة سروا وهو خطاب يتجه الى المشاعر لتعود الى رغبة الذات لتقول : سريتك . وعندما تضع ذاتها في رحلة الظلام .. تتلمس هداية الامنيات بانحسار اوجاع القلب .. ولكنها تتكاشف بشفافية مع الظلام لتقول ياللي تحسب القلوب قلوب .. وكأنها تمنحه سرها لتخبره ان ليس كل العشاق لهم ذات القلوب .. التي تستحق هذا الكثيف ظلاماً .. وهي ايضا تمنحه تلك الشفافية برمز تفهمه لغة الظلام .. فلم تصرح بشيء سوى ان قالت : تحسب القلوب قلوبا .ثم تستحضر شيئا من الاشياء التي تناهض الظلام وتبدد وحشته انها رنة النجر . وتلك الرنة كماهي تمنح الكثير من البهجة .. للذي ينتظر ما تجود به مباهجه.. فإنه يتذوق الالم في كل رنة تلامس هذا الظلام . والشاعرة الى هنا لم تخرج من استحضار ملامح الاحتفالية ودلالتها .
تمادت مثل احلامي نست أن القدر مكتوب
تكفّن شوقي بصدري عسى مثواه للجنة
مازالت الونة تتهادى مع الشاعرة في تحالفها مع الظلام ..وتشبه تلاشيها في الفضاء المظلم الذي يأتي باحساس التوحش والتوجس والخوف .. في فضاء لا نهائي كما هي احلامها . وهنا تألق من الشاعرة فهي تنرجس احلامها لتشبه تمادي الونة بتلك الاحلام التي تتمادى في التوغل لترغب الثمين من الوصال . وفي غمرة هذا التمازج مع الحلم ينهض الحس الواقعي لدى الشاعرة .. لتسلم بواقعية القدر .. حس ايماني يأتي في اللحظة المناسبة لرحلة تعب القلب .
ولتبدأ بعد ذلك في جنائزية المشهد ليحضر الموت .. الموت هنا للشوق ... الشوق لا يموت ولكن الشاعرة كتبت له حياة اخرى في صدرها .. وكأنها التي منحته حق الحياة هي أيضاً حق الموت .. ولكنه الموت المخاتل .. فاختارت الصدر .. والصدر مكان غير آمن للشوق .. فهو مكان يحرض على الشوق ولو بعد حين .( عسى مثواه للجنة ) لغة باذخة من التمنى ولا نشك ان الشاعرة تحسن الظن في شوقها وفي اخلاصه لتخرج هذه الامنية مبللة بصدقها لتطلب الجنة لهذا الذي مات تعباً .. وهي بالتأكيد تريد له جنة الوصال في قلب ذلك البعيد .
احبك لو عجزت القى لوصلك فالحياة دروب
احبك لو حكيم العشق مات وما صدق ظنه
في الابيات الثلاثة السابقة كان هناك تمهيد فاتن من الشاعرة .. لتوصيف عذابات الذات .. وكأنها اكتفت بطغيان هذه العذابات . ولكنها ومن هذا البيت بالتحديد تبدأ الشاعرة في الانطلاق بخطابها الى الطرف الاخر .. وهي لا توارب ولا تتكئ على التلميح بل تبادر بوضوح لتقول : احبك .. ولكن هذا الاعلان لا يكون مستقلاً بل تحضر معه روح التحدي لكي تستكمل هذا الخطاب بـ لو عجزت القى لوصلك دروب . وبقدر ما يشي هذا التحدي والاصرار بالتعلق الا انه يكشف عثرة ما تقف حائلا بين هذا التمني وذاك الذي ما زال بعيداً .
احبك لو حكيم العشق مات وما صدق ظنه
العرب مولعون في الحب بالقداسات .. يجعلون للاشياء رموزها ومنها العشق الذي يتوغل في الذهنية بشكل اسطوري .. لذا نجد قاضي الغرام .. حكيم العشق .. الشاعرة استحضرت ذاكرتها ( حكيم العشق) الذي هو في الحقيقة لا وجود له .. ولكنها الذات التي ترغب في اسطرة العشق .. لتمنحه قداسات الحكماء و لتتجاوزه برغم كل الوصايا التي قد تسردها ذلك الرمز الاسطوري . انها ذاكرة التمرد فالشاعرة تستحضر تلك الشخصية لتعلن تمردها وكأنها تريد اثبات ايمانها وانها قادرة على القفز على كل معوقات قد تنال من هذا الحب المتماسك اخلاصاً .
كتبتك للبكا سامر .. وهلت دمعة المسحوب
رسمتك بالغلا طفلٍ يصيح وقلت له : كنه
القصيدة من هنا تدخل في منعطف جديد .. فبعد المرحلة التي كانت في البيتين السابقين نجدها هنا تبدأ بسرد الافعال : كتبتك . هذا الفعل الاول .. الذي يتخذ شكل البكاء . وايضا تستدعي الشاعرة طقوسا احتفالية .. ولكنها الطقوس الحزينة .. فالبكاء دلالة فقد وتعب داخل . ثم تستلهم الموروث الشعبي لتختار السامري .. واللحن السامري معبأ بالشجن .. مسربل بالحزن .. يأتي باوجاع الصحراء لينغرس في الذاكرة لهيباً من الوجع ..وهي تكمل هذا المشهد باختيار المسحوب الذي هو ايضا اداة لتفريغ الحزن .
رسمتك بالغلا طفلٍ يصيح وقلت له : كنه
في الشطر السابق اختارت فعل الكتابة .. وهنا تختار الشاعرة فعل الرسم .. وكأن التدرج يأتي عفوياً في هذه المتواليات الحزينة . ولكن تتألق الشاعرة وهي تمنح الغلا فعل الرسم .. ولأنها المتوجعة يأتي الغلا ليرسم طفلا وتختار للطفل الفعل الاشد ايلاما والذي يثير التعاطف من الجميع فالطفل عندما يبكي لا بد ان الجميع يحتوي هذا الطفل . وتتوغل الشاعرة في المشهد بعمق لترغب وبتحنان امومي بأن يكون الحبيب في صورة ذلك الطفل الذي يبكي . لتعيد هي فن الاحتواء الذي تتقنه .
لعنت ابو ابليس وقلت للظلما كفاك ذنوب
ترى غسل الغرام إن مات قبل الدفن ذا سنة
من حكيم العشق الى ابليس .. اي تداعي يربط بينهما .. اي انفعال يستطيع ان يؤلف بين التناقض الذي يجمع بين الحكيم والشيطان .. الشاعرة استطاعت ان تمنح انفعالها حرية البوح فهي هناك تتمرد على حكيم العشق وهي هنا تلعن ابليس . اللعن هنا يأتي من الوسواس الذي ينهش في ذاكرة الشاعرة .. الذي يسول لها مفاتن الوصال .. ومهالك الفقد .. انها تنقذ ذاتها عندما تأتي بهذه الصرخة العميقة .
وقلت للظلما كفاك ذنوب... الدارمية في المشهد لاتزال بعافيتها فمن لعن الى خطاب ودود مع الظلما الظلما التي كانت هي في بدايات القصيدة تتقن الاحتواء .. هاهي الشاعرة توجه عتب الخذلان بقولها كفاك ذنوب .. واي ذنوب للظلما !! انها الذنوب التي لا تجود بالوصل .
ترى غسل الغرام إن مات قبل الدفن ذا سنه
وفي هذا التكاشف مع الظلما تمنح الشاعرة الظلما الحل الامثل .. وهي ايضا ممتلئة بالحس الايماني وبطقوس الموت .. فتأخذ من الموت سطوته المهابة لتعلن في نبرة يأس ان الغرام يكتسي ملامح الموت وتأخذ من الحس الايماني طقوسه .. فتوظف مفردة السنة التوظيف الامثل في سياق التداعي الايماني الذي يحتل ذاكرة الشاعرة .
تعليق