" بعد ابن لعبون لا يلعبون"
أو
"غير ابن لعبون كلهم يلعبون"
مثل يقال أن أول من أطلقه هو الشاعر عبدالله الفرج.
ولقد علق طلال السعيد في موسوعته النبطيه الكامله علي سيرة الشاعر بن لعبون بقوله : " توجّه النقاد أميراً لشعراء النبط حتي قيل " بعد ابن لعبون لا يلعبون" أي لا يقرضون الشعر بعده, فقد كان شاعراً كبيراً متمكناً قوي العباره متميزاً بشعره"
ومن الألقاب التي أطلقت علي بن لعبون" متنبي شعر النبط" و "أمير شعراء النبط" و "بيطار المثيل" و " شاعر نجد والساحل" و " شاعر الهوى والشباب" و " أمير شعراء العاميه"
ولقد إكتسحت شهرته وعمت ارجاء الخليج قاطبه فقد كان في زمانه شاعر الكويت وشاعر نجد وشاعر الزبير وشاعر الأحساء وشاعر البحرين وشاعر قطر وشاعر نجد والساحل.
فقد كان شاغل الناس في وقته ومازال عند من يقدر الشعر الأصيل ويعرف من هو محمد بن لعبون.
نسبه وسبب تسميته بإبن لعبون:
هو محمد بن حمد بم محمد بن ناصر بن عثمان (الملقب لعبون) بن ناصر بن حمد بن إبراهيم بن حسين بن مدلج الوائلي البكري العنزي المشهور بــ " محمد بن لعبون"
وورد في سبب إطلاق إسم " لعبون" علي جده : عثمان بن ناصر بن حمد بن مدلج, أن بندقية ثارت عليه في معركة بين أهل "حرمة" وأهل " المجمعه" فإخترقت شدقيه وأصبح لعابه يسيل بعدها, فسمي " لعبون" لهذا السبب. ثم لصق به هذا اللقب وبذريته من بعده. ولقد أورد هذا الكلام الدكتور: عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون في كتابه " أمير شعراء النبط".
ولقد عاش بن لعبون 42 سنة علي أصح الأقوال , فقد ولد عام 1205 هـ في ثادق وتوفي في الكويت سنة 1247 هـ في الطاعون العظيم الذي عمّ العراق والزبير والكويت.
ولقد أورد الدكتور عبدالعزيز بن لعبون من صفاته نقلاً عن كثير من المراجع :
"كان حسن الطلعه جميل الصوت فطناً حسن البديهه, ولقد ورد عنه أيضاً بأنه حفظ القران وتعلم الخط وكان خطه فائقاً وتكلم بالشعر في صغره"
وإتصف أيضاً بالذكاء والفطنه وإرتجال الشعر , ويتداول الناس الكثير من نوادره وقصصه التي تناقلتها الألسن ومشت بها الركبان في كل مكان.
ولقد تنقل بن لعبون كثيراً في حياته يقول الدكتور عبدالعزيز بن لعبون واصفاً بن لعبون : أينما حل عشق وحيثما رحل هجا"
فقلد تنقل شاعرنا العظيم في البلدان منذ ان غادر بلدته ثادق عندما كان في السابعة عشرة من عمره , فقد هاجر الى الزبير ثم خرج منها أو نفي الى الكويت ثم إلى البحرين, ولقد ورد له شعر عن القطيف فقد ثبت أنه ذهب اليها والى الاحساء , وسافر أيضاً للهند وزار ابن عمه في بومباي.
ثم غادر الهند بعد ان كرهها الى البحرين, وغيرها من البلدان.
وهذا التنقل بلا شك أكسب شعر ابن لعبون ميزة صبغت تجربته بالخبره التي إنعكست علي متانة شعره وصقلت شخصيته وقوتها وشحذت همته . كما أن التعايش والتأقلم مع البيئات والثقافات المتعدده أكسبته معرفة ودرايه بمختلف اللهجات والعادات, وأثرت ثقافته وعلاقاته.
ولكنه كان دائم الحنين لنجد الفيحاء مسقط رأسه:
يقول في مطلع إحدي قصائده:
فيا نادبي سر في قراها ومسندي = إلى حي بين أطلال نجد جثومها
الي سرتها من دار مي وغربت = وناباك من طفاح نجد خشومها
اول مواري دارهم لك جلاله = حاشا الإله وباقي الدار زومها
شاعريته :
ورد في أخبار سيرة الشاعر بن لعبون أن والده حمد بن لعبون راي في المنام حلماً عندما كانت والدة شاعرنا حاملاً به , وفسر الحلم بأن الله سيرزقهم ولداًً وسيكون شاعراً.
ثم إن الطفل محمد رأي في المنام بحراً يشرب منه فهرع إلى والده وأخبره بما رأي ففسره : بأنه علم غزير أو شعر.
وصدقت نبوءة الأب فكان البحر شعر بن لعبون الخالد.
ولقد ورد في اخبار الشاعر انه بدأ نظم الشعر وهو في سن مبكرة جداً ربما في الرابعه أو الخامسه من عمره عندما إرتجل أبياتاً كردة فعل عندما رفضت أمه إعطاءه تمراً وأخفت المفتاح عنه,
فقال :
يامن عين المفتاح = من فوق وركي طاح
بطني كما الرداح = يبغى غداً له
ومما يروى له من شعر الطفوله أو الصبى هذه الأبيات:
صغيرهم يربي علي الشيب بالطيب = لوكان طفل يحمل فوق الاكتاف
ومما حفظ له هذه الأبيات وهو إبن السابعة عشره عندما رأته إحدي النساء فقالت : " هذا أبو قذيله الي يقصد" فرد عليها قائلاً:
أبو قذيله ما وقف عند بابك = ولافصخ واحد من ثيابك
إنت حصاة الدرب كل وطابك = حتي الأجانب يدلون بابك
عبقريته وإبداعاته الشعريه:
لا أعلم ولم أسمع بشاعر قدم للشعر النبطي ما قدمه الشاعر بن لعبون , ولا أعتقد بأن هناك من شعراء النبط علي مر التاريخ من يفوق بن لعبون في موهبة أو صنعة الشعر.
فقد تميز شعر بن لعبون بعدة صفات اهلته أن يتربع علي عرش أمارة الشعر علي مر الأزمان بلا منازع ومنها :
1-قوة لغته ونقاء لهجته وفصاحته اللامتناهيه والتي زاد عليها بان دمج بين لهجات الجزيره المتعدده , فالمتتبع لشعره يلاحظ سلامة لهجته وقوة مفردته النجديه الصافيه , كما يلاحظ انه صاغ اجمل القصائد بلهجات مقبوله ومستساغه ومفهومه منها اللهجة الساحليه واللهجة الزبيريه وغيرها. مما ادي إلى إعتداد سكان كل قطر سكنه بن لعبون بشعره وإدعائهم بأنتماء الشاعر لهذا القطر. فالشاعر كما أسلفنا نجدي وزبيري وكويتي وبحريني وقطري بل هو خليجي بكل جداره وهو أيضاً بدوي بدون أدني شك , وإن شئت فقل هو عراقي أيضاً. فلقد وظف الشاعر الكثير من المفردات المختلفه والتي إستقاها من عدة لهجات عدا لهجته النجديه ,
ومنها قوله:
يفتخر حاشاك بالعظم الرميم = مفخر "البزون" بالسبع الغشوم .
وقوله:
يالايمي به شوين شوين = عساه ياطاك بحصانه .
ويفتر عن مثل "الدحاريج" موقه = اربع ليال مدلجات علي ساق.
وقوله في قصيدته المشهوره :
ياعلي صحت بالصوت الرفيع = للمره لا تذبين "الجناع"
وقوله :
شومي رماك القدر بسهوم = وان "راطنك" "خوب" قولي له
وقوله :
يقرأ "فرامين" علي الخد وايات = خط بقرطاس الدهر من دواته
2-تمكن الشاعر بن لعبون الخارق من الشعر وموسيقاه ساعده علي إبتكار ألحان وبحور جديده و تطوير كثير منها: فلقد إشتهر الشاعر بإبداعه بالذات في بحور السامري علي إختلاف إيقاعاتها, وبالذات الإيقاع السريع والذي كتب عليه بن لعبون الكثير من أجمل قصائده. ولقد إستحدث بن لعبون فنون عرفت لاحقاً بإسمه وهي " الفنون اللعبونيه" أو " اللعبونيات". وكثيراً ما نسمع مقولة هذا اللحن " لعبوني" .او هذا الفن لعبوني. فالشاعر العظيم "محمد بن لعبون" شاعر غنائي في المقام الأول. والدليل إبتكاره لألحان ضمن اوزان شعره الغنائي. فأصبح إسم بن لعبون ملاصقاً للسامري واللعبوني, وهذ الأخير علي بحر الرمل, ومنه ما هو علي بحر الهزج, ويقال أيضاً بأن الهجيني القصير لبن لعبون أيضاً, ولقد ورد عن أبو عبدالرحمن بن عقيل أن بن لعبون قد أكثر من الهجيني القصير وانه لم يرد عن أحد قبله قط. ومن ألحان بن لعبون الخاصه السامري علي البحر السريع.
3-يعتبر بن لعبون من مجددي الشعر النبطي بل هو أبرزهم علي الإطلاق , فلقد إبتكر بحوراً جديده وادخل علي بعض البحور الكثير من التطوير والإضافات. فعلي سبيل المثال كان الصخري قبل ابن لعبون ينظم علي قافية واحده وقام بن لعبون فنظم به علي قافيتين مما حدى بالاديب عبدالرزاق العدساني ان يقول: " ان بن لعبون هو الشعر النبطي" .
ومن إبتكارات ابن لعبون اضافة بحر الوافر ومثاله قوله:
سقا صوب الحيا مزن تهاما = علي قبر بتلعات الحجازي.
وايضا ابتكاره لبحر الرمل وهو ما يعرف بفن اللعبوني : ومنه قوله :
يا منازل مي في ذيك الحزوم = قبلة الفيحاء وشرقي عن سنام.
ولقد غير بن لعبون في مجزؤ البسيط بان قطع وتداً كاملاً أي حذف حرفين ساكنين اخرهما متحرك , وهذا شيء جديد علي كتب العروض واوزان الشعر العربي. ومثال ذلك قوله :
حي المنازل وهن اطلال = حي المنازل ومن هي له
مستفعلن فاعلن فعلان = مستفعلن فاعلن فاعل.
ومن تجديداته ختم القصيده بتكرار صدر أو عجز مطلعها او جزء منهما. ومنه ابتكاراته ايضا " ذوات القوافي" وهي القصائد الي تنظم بقافيتين وبوزنين , فلقد وصل الإبداع والتمكن بابن لعبون أنه كان يملي كاتبين في وقت واحد كلاً منهما يكتب قصيده منفصله واذا جمعت القصيدتان اصبحتا قصيده واحده.
والغريب المعجز في هذه القصائد انك لا تجد اثر التكلف ولا الصنعه فيها بل انها قمة في قوة السبك والسلاسه . ومن ما قاله في هذا اللون :
مالون يا قلب دوى به جراح = بهداك لي ما ترعوي قول نصاح
ياقلب لو هب الهوى لك وناح = يالك تجيبه يالغوي وين ماراح
ومن الوان ابن لعبون التي ابتكرها ايضاً نظمه للقصائد الخاليه من النقط في جميع حروفها بمعني انه لم يستخدم من حروف الهجاء الا ثلاثة عشرة حرفاًُ فقط وهي : (أ , ح , د , ر, س, ص, ط, ع , ك, ل, م, ه, و) وهي ما تسمى بالمهملات, ولم يؤثر هذا ابدا علي جمال قصائده ولا علي بهاءها وقوة معناها. ومن قصائده المهمله قوله:
احمد المحمود ما دمع همل = وعد ما حال واد له وسال
او عدد ما ورد وراد الدحل = او رمى دلوه وما صدّر ومال
اما البديع في شعره فحدث ولاحرج , فقد إستنبط استهلالات جديده أصبحت مثل علامة الجوده الفارقه لشعره , وكتب الشعر الفصيح بكل تمكن وقوه تضاهي كبار شعراء الفصحى الكبار, وله العديد من القصائد الفصحي التي تقرأ بالعاميه بدون إضافة أي حرف او حركه , وبعضها عاميه وتقرأ بالفصحي بإضافة حرف أوحرفين. والأمثله علي ذلك أكثر من أن نذكرها هنا. وابن لعبون ربما كان أول من كتب المروبع او الرباعيات. وله إقتباسات وتضمينات عديده أضافها للشعر النبطي من شعر العرب في الجاهليه وصدر الاسلام, وتضميناته البلاغيه وبدائع صنعة الشعر من كناية وتكرار وبديع لا يكاد يحصيها مجلد فكيف بمقالة. كما أن ابن لعبون ضرب الكثير من الأمثله التي أصبحت مضرب مثل علي مر العصور ومنها علي سبيل المثال:
"مثل كفوف دقاقة الطار"
"كما طعس الرمال"
"قوي عين ومشوه"
"كما لهبة النار"
حظي يقص السيف"
أسطى من الضرغام"
" ترى الأرواح يسري عليها ويراح"
" العبد عبد هافيات عموقه = ان جاع باق عمومته وان شبع ماق"
" الحر حر يرفعنه سبوقه"
" من قصت يمينه شماله"
"لاناشد عما جرى ولاسال"
"يشوف فعله عدل ولو مال"
" ......... هو ويا رفيقه بسروال"
"الصج يبقى والتصنف جهاله"
"أرخص بنفس لاعليها ولا له"
"سدرة وانتم عصافير"
" كم خادم لك وهو مخدوم"
"دود علي عود"
ذا الخبز ماهوب من ذاك العجين"
"الطم كما تلطم الشيعه"
راعي الهوي دايم مسبوع"
شبعة المسكين بايام الصرام"
"لم الهدوم"
كبير قوم وهم ذلوه"
يسقى شراب من سراب"
"مثل الفهد ماصاد جاب"
"بالعطا مثل الرباب"
" كم أدخل الحبس من مظلوم"
"مابك مثل الثنتين وحده"
ما ينفع المذبوح طولة قناته"
"سهام غارات المقادير عجلات"
" مد الحبل في ذمهم واحتطب به"
"مثل القرع يفسد الا كثر لبه"
"الطالب ارهي من المطلوب"
"ماحد يسد السيل عنك بعباته"
ولقد كتب ابن لعبون الشعر في جميع الأغراض من وصف ونسيب ومديح وفخر ومراسلات ورثاء وشكوى وعتاب وهجاء وحكمة وأمثال وحفظ له الكثير من النقائض المشهوره بينه وبين كبار شعراء عصره.
ولمن أراد الإستزاده من شعر وسيرة أسطورة الشعر النبطي "محمد بن لعبون" أنصح بهذه الكتب:
1-كتاب ابن لعبون ليحي الربيعان .نشر عام 1982م.
2-من عيون الشعر الشعبي ومن ورائع الشعر النبطي , لعبداللطيف البابطين. نشر عام 1988م.
3-أمير شعراء النبط للدكتور عبدالعزيز بن لعبون ,صدر بمناسبة إقامة ملتقي " ابن لعبون في الكويت عام 1997 م.
* جل المعلومات التي وردت في هذا الموضوع إستقيتها بتصرف عن كتاب: " أمير شعراء النبط محمدبن لعبون" للدكتور عبدالعزيز بن لعبون ....
تعليق