يقول الجاحظ : "الشعر صياغه وضرب من التصوير".....
وقد قال قبله سيمونيدس :"الرسم شعر صامت والشعر صورة ناطقه".......
بالأمس القريب دخلت في نقاش مع أحد الأساتذه المتخصصين في الأدب وعرض علي نماذج من أبيات لشاعر معروف ينتهج نهجاً تجديدياً كما يسميه زميلي, ولقد كان لي تحفظ عليها وعلي تصنيفها كشعر حقيقي وهذا كان مدار الخلاف بيننا.
ففي رأيي أنه لا يكفي كون النص موزوناً ومقفى حتي نسميه شعراًُ فالشعر أكبر من مجرد وزن وقافيه .
أرى بأن الشعر لم يعد يحتفظ بتميزه و بخصائصه التي تفرقه عن النثر, فالشعر كان المضاد المنطقي للنثر, ولكن أصبح عند كثير من شعراء التجديد (كما يسمون أنفسهم) في هذا العصر هجيناً مشوهاً , فتارة يكون نثراً بإيقاع ومقاطع موسيقيه , وتارة يلبس حلة من الوزن والقافيه ولكن فيه من التعقيد التركيبي والسرد الروائي المتنافر الخصائص ما يخرجه من الشعر.
أصبح من الصعب جداً وجود الشعر الخالص النقي في ظل هذا التخبط والتشابك العجيب بين الأجناس الأدبيه. وأنا لست ضد "شعرية النثر" فالكثير من الأعمال النثريه لها جمال وبريق وشحن النص النثري بروح الشعر المتحفزه والمتحرره أمر جميل ولا أنكره أبداً , فما يبعث علي الحزن فعلاً ليس إرتقاء النصوص النثريه من خاطره وروايه او حتي قصه الى النص الشعري , بل ما حدث لكثير من النصوص المحسوبه علي الشعر من تدني في الخصائص والأسلوب حتي أصبح شعراً نثرياً او كما أسميه "الهجين الشعري النثري"
فالكثير من نصوص النثر الان إختلطت بالشعر إختلاطاً شوش علي القارئ قدرته في تصنيف النص هل هو نثر بحت أو نص شعري. ففي حين صارت الروايه عند كثير من الأدباء نصوصاً تحتدم بالروح الشعريه والتوظيف الجميل للأفكار الخلابه من أحلام وأساطير والمحسنات البديعيه و الإستعارات والصور الإبداعيه الرائعه, نجد كثيراً من النصوص الشعريه فاقده لاهم عنصر من عناصر الشعر في رأيي الا وهو عنصرالإطراب فتجد النص عبارة عن تلاعب بالألفاظ والأفكار وصراع فكري فلسفي منهك لعقل المتلقي فما بالك بقلبه ومشاعره ؟ كما أنه بالإضافة إلى ضعف الجرس الموسيقي للمفردات , نجد هناك إنعدام أو شبه إنعدام للتجانس والإلتحام السحري الموسيقي الإيقاعي بين والمفردات والبحر والقافيه.
كما أنه نشأت نصوص جديده في ظل هذا السعار التهجيني للنصوص وهو ما يسمي "بالنصوص الغنائيه" وهذه الأخيره ربما كانت الطامه الكبرى او المسمار الأخير في نعش الشعر الحقيقي النقي!
أعجبتني كلمة رويت عن الشاعر الأمير محمد العبدالله الفيصل عندما قال: "أنا كاتب أغنيه ولست بشاعر" وهذه الكلمه وإن كانت تدل علي تواضع وصدق قائلها ولكنها أيضاً تدل علي وعي وفهم لماهية الشعر الحقيقي.
هل يكفي أن يستقيم الكلام علي لحن معين حتي ولو لم يلجأ المطرب للعسر وتكسير اللهجه -كما يفعلون دائماً- حتي نسميه شعر؟ بمعنى هل كل نص مغنى يعتبر شعرأ؟
أتذكر جيداً ومنذ الصغر بأننا تعلمنا أن الكلام صنفين : نظم ونثر !!
ولكن هل كل نص منظوم نستطيع نعته بأنه شعر؟
تساؤلات كثيره تخطر في ذهني كلما أستعرضت بعض النصوص التي يطلق علي إصحابها صفة التجديد, فدعونا نحدد مدلول الشعر والنثر و ......... مدلول "هجينهم الشعري النثري"؟
تعليق