(( حكاية أول قصيدة نسائية على الساحة الشعبية ))
لأن الطبيعة، تكره الفراغ كذلك البشر، ولأن الشيء بالشيء يذكر فكلنا نعرف ماذا تعني جملة الشعر النسائي (وهنا أقصد بالشعر النسائي الذي ينشر في المجلات والجرائد وليس شعر النساء في الجاهلية وبعد الإسلام وليس أيضاً شعر النساء العربيات اللتين كن يحافظن على سمعتهن وسمعت قبيلتهن أكثر من شيء آخر كالشهر والمال)، ولو نظرنا حولنا لوجدنا كل ما هو حولنا من مسلمات وعادات وتقاليد لم تأتي من فراغ، فمثلاً كلنا نعرف ماذا تعني جملة ( وأد البنات ) ولكن قليل هم الذين يعرفون ما الذي حدا بالناس قديماً بأن يأدوا بناتهم ودفنهن في الرمال وهن أحياء.
يحكى أن قبيلتان في الجاهلية تقاتلا وانتصرت إحداهما على الأخرى فسلبت القبيلة المنتصره أموال ونساء القبيلة المهزومة، وبعد ردح من الزمن تصالحت القبيلتان واتفقتا على أن ترجع القبيلة المنتصرة كل ما سلبته وأخذت بالقوة من القبيلة المهزومة ووافق الطرفان على هذه الشروط، ولكن كانت هناك معضلة وهي أن أحد فتيان القبيلة المنتصره تزوج إحدى فتيات القبيلة المهزومة عندما كانت أسيره، وله منها ثلاثة أبناء، وبعد أن وجد حكماء القبيلتين أن الرأي الأرجح هو أن تخير الفتاة بين زوجها وأبيها، فمن تختاره هي بمحض إرادتها تكون من نصيبه، فكان رجال القبيلة المهزومة موقنين أن الفتاة ستفضل أبيها على زوجها، ولكن المفاجأة حدثت عندما اختارت الفتاة زوجها على أبيها، فأقسم بعد ذلك أبيها بأغلظ الإيمان وهو من كبار قومه أنه إن أتته بنتاً سيدفنها حية تحت الرمال حتى لا تتكرر هذه الحادثة التي عير بها طوال حياته، فكل ما أتته بنت دفنها تحت الرمال وهي حية فتناقلت العرب هذه الجريمة والعادة السيئة إلى أن أتى الإسلام وحرمها، نرجع إلى صلب الموضوع وهو أن (السفسطة) لمن لا يعرف معناها هي كالتالي: قياس مركب من الوهميات أو قياس مقدماته صحيحة ونتائجه كاذبة لا ينخدع بها أحد أو ما يكون ظاهره حق وباطنه باطل، هذه المقدمة سيقت حتى تكون تمهيداً للحديث عن أول مستشعره نسائية كتبت في الصفحات الشعبية فإليكم هذه الحكاية الحقيقية ومازال أبطال هذه القصة أحياء يرزقون ولكنهم ابتعدوا عن الساحة الشعبية والشعر والشعراء.
يحكى أن معد صفحة شعبية في أواخر السبعينيات اتصلت به امرأه وقالت له أن ما تكتبه بصفحتك الشعبية أكثر من رائع واستمرت بالمديح والإطراء مما أخجل ذلك المعد وأحمرت وجنتاه وتلعثم بكلامه وصفد جبينه من العرق فلم يجد ما يقدمه لتلك المرأة إلا جملة هل أستطيع أن أخدمك بشيء وأردف قائلاً ما رأيك أن تستمرين معنا فقالت بكل تعجب ماذا تعني بالاستمرار معنا!! قال هو لا لا لا تفهميني غلط أعني أن تكتبين معنا، فردت بخجل شديد وبصوت خافت ولكن أن لا أعرف الكتابة فرد هو قائلاً هل تكتبين الشعر فأجابت يعني ولكن (مو ذاك الزود) قال ابعثي لي ما تكتبين ( مو ذاك الزود ) ولا يصير خاطرك إلا طيب.
كانت أغلب الصفحات الشعبية وقتذاك لا تعتمد على الفاكس ورسائل البريد بل كان كل اعتمادها على الاستلام اليدوي مما حدا المرأة المستشعرة بالاتصال للمرة الثانية بالمعد النشط الذي كان ينتظر على أحر من الجمر اتصال تلك المرأة التي استطاعت أن تكون أول معجبة في الصفحات الشعبية وأول متصلة على معد شعبي وقت ذاك.
عندما كلمته عن طريق الهاتف قالت له كيف أعطيك ما اتفقنا عليه وأنا لا أستطيع الخروج من باب المنزل إلا مع أحد أخوتي !!! بما أتعذر حتى أستطيع الوصول إليك وإعطائك ما اتفقنا عليه سلفاً!.
رد هو قائلاً ألا تستطيعين الخروج لوحدك من المنزل قالت له بكل تعجب كيف أخرج لوحدي وأنا لا أعرف قيادة السيارة!!!
أصبح حائراً ذلك المعد النشط من كثرت التفكير، عبس وجهه، أنعقد حاجبيه انتفخت وجنتيه وهي تقول وترد ألو ألو ألو ألو أنت تسمعني لماذا لا ترد علي ألو ألو ألو ثم قال أنا معك ولكن غرقت بالتفكير كي أصل إلى طريقه آخذ بها منك ما اتفقنا أنا وأنتي عليه.
سكت برهه من الوقت وقال في أي منطقة يقطن بيت أهلك قالت له بمنطقة (………) ثم أردفت قائله وبكل خوف هل تعرف بها أحد؟ هل تمر هذه المنطقة باستمرار!!!! وهل أنت تقطن بها!!!
رد قائلاً لا لا لا أنا أقطن بأبعد منطقة في الكويت تبعد عن منطقتك ثم أستطرد قائلاً يوم الخميس الموافق 25/7/1977 حفل زفاف أحد أصدقائي وهو بنفس منطقتك سأحضر زفافه للقيام بالواجب معه من ثم ألتقيك حتى تعطيني ما اتفقنا عليه أنا وأنتي.
ابتسمت هي وقالت خير إن شاء الله باقي على موعدنا شهر إلا ثمان أيام، ولأنني كما ذكرت لك لا أعرف الكتابة سأتفق مع بنت الجيران الصغيرة على أن تكتب لي ما تهيض به قريحتي حتى ذلك اليوم.……يتبع.
بعد طول إنتظار جاء ذلك اليوم وكان يوماً شديد الحرارة مما جعل مشاعر المعد والمستشعره في ذلك اليوم شبه مضطربة، قام المعد النشط بالواجب في حفل زفاف صديقه، ثم خرج خلسه خشية أن ينتبه له أحد وهمّ بالذهاب إلى ذلك الموعد لأخذ ما كان متفق عليه مع المستشعره، كانت الهواجيس والأفكار تقفز في ذهنه فتارة يحدث نفسه هل هي جميلة تلك المستشعره وطوراً يحاكي عقله الباطن ويتمتم بينه وبين نفسه ما يهمني هو الشعر أما غيره فلا طائل لي من وراءه.
عندما وصل المعد إلى بيت المستشعره على وصف الأخيره له وجد طفلة تنتظره عند باب المنزل فهرعت إليه مسرعة وخائفة وتمتمت بكلمات مضمونها تقول لك فلانة خذ هذا الظرف وانصرف بسرعة لئلا يراك أحد من إخوتي فسرعان ما استجاب المعد النشط لتلك التمتمات، بعد ذلك ذهب المعد إلى حفل زفاف صديقه ليكمل ما تبقى من واجب، وروى أنه واجه كثير من الشعراء المبدعين الغير معروفين في حفل زفاف صاحبه وألقوا على مسامعه ما كتبوا من شعر وما هاضت به قرائحهم وكان على حد تعبيره ما سمع من شعر يصفه بالممتاز ولكن!!
هؤلاء الشعراء وقصائدهم لا يغنون ولا يسمنون من جوع فالمعد لا يشعر بأنه ينتج في عمله ولا يشعر بالسعادة إلا إذا انهالت عليه الاتصالات على هاتف عمله سواء كانت تلك الاتصالات مدحاً أو تعقيباً. وهذا الأمر على حد تعبيره لا يحصل إلا بتغيير الرتابة الزائدة في الصفحة والبحث عن الإثارة، إن الإثارة في ذلك الوقت تعني أن تكتب امرأة الشعر في الصفحات الشعبية، المعد النشط كان يصفق للشعر الذي يلقى على مسامعه من الشعراء ولكنه يعتذر بعدم النشر لهم معللاً ذلك بأن الصفحة مملوءة بموضوعات مهمة وبقصائد شعراء معروفين وليس لهم إلا الانتظار فترة من الوقت وقد تصل تلك الفترة إلى سنة!!!
نرجع إلى لب الموضوع ذهب المعد النشط إلى منزله في ساعة متأخرة في ذلك اليوم وتصفح ما بداخل الظرف وجده كلاماً لا يرقى إلى مستوى النشر بل لا يرقى أن يسمى شعراً.
فكر كثيراً بينه وبين نفسه فردد الكلمات بينه وبين نفسه وهو يقول أليس العمل الصحفي يعتمد على الإثارة لماذا إذاً لا أكون أنا أول معد شعبي يتبنى وينشر الشعر النسائي على الصفحات الشعبية وأكون سباقاً بل رائداً في هذا المجال ثم إن هذه الفكرة ستشجع كل من لديها فكرة في كتابة الشعر فيتم التواصل من خلال صفحتي أنا فقط.
عدل المعد النشط في ذلك اليوم الكلام حتى أصبح شعراً يمشي على قدم واحدة، بعد نشر قصيدة تلك المستشعره إنهالت الاتصالات على ذلك المعد بين مستهجن ومستحسن، فقام هو بإيصال ما هو مستحسن إلى تلك المستشعره ففرحت فرحاً شديداً، كنّ شقيقات المستشعره يقرأن الشعر بكثرة فأعجبن بما كتبت تلك المستشعره دون العلم منهن أن من يكتب الشعر هي شقيقتهن، عندما كانت تسأل المستشعره شقيقاتها عن رأيهن فيما تكتبه تلك الشاعرة المجهولة من شعر كن يمتدحن ويثنين على ذلك الشعر، مما جعل تلك المستشعره في حيره من أمرها فهي تردد بينها وبين نفسها هل أخبر شقيقاتي بأنني أنا الشاعرة المجهولة أم أستمر وأتركهن في حالهن، بعد أن رست على القرار الأخير كان المعد النشط مستمر في تلميع تلك المستشعره إلى أن جاء ذلك اليوم وقال المعد النشط للمستشعره: القراء يريدون معرفة الكثير عنك وعن تفاصيل حياتك، فأنت الآن شاعرتهم الوحيده فما رأيك أن أجري معك حواراً مطولاً تتحدثين فيه عن تجربتك الشعرية؟ اندهشت المستشعره من تلك الفكرة التي كانت في ذلك الوقت غريبة وغير مستحبة فردت متعجبة: كيف تجري معي حواراً مطولاً أتحدث به عن تفاصيل حياتي وأنا أخفي كتابتي للشعر حتى عن شقيقاتي؟!
أوضح لها المعد أن هذه الفرصة ستدر عليها بالخير الكثير ويجب عليها ألا تطوف هذه الفرصة وأنه اتفق مع رئيس التحرير على الحوار المطول وأن جمهورها سيتضاعف في حال إجراءها ذلك الحوار ناهيك عن الضجة الإعلامية التي سيحدثها اللقاء المطول، مع إلحاح المعد وإصراره اقتنعت المستشعره فقالت: أمهلني بعض الوقت حتى أفكر، فرد المعد بعجل: أرجوك لا تضيعي تلك الفرصة عليك، أنا ناصح لك وأريد لك الخير. قالت المستشعره: أعطني ثلاثة أيام..ثلاثة أيام فقط، حتى أشاور شقيقاتي في الموضوع، فرد المعد بكل تعجب ودهشة: ولكنك أفهمتني أن شقيقاتك لا يعرفن شيئاً عن كتاباتك الشعرية، فردت هي: أنا مللت وسئمت من الكتمان وقررت أن أصارح شقيقاتي بأنني أنا تلك الشاعرة المجهولة وسأخبرهن أيضاً عن حكاية الحوار المطول وسأخبرك بعد ثلاثة أيام وأنا واثقة بأنهن سيشجعنني وسيأخذن بيدي لأنهن معجبات بما أكتب من شعر وخاصة شقيقتي الكبرى وأنا على يقين بأنهن سيطرن من الفرح عندما أخبرهم بالموضوع، رد المعد النشط متشائماً من هذه الفكرة قائلاً: ما دمت مصرة على ذلك فالخيار لكي.
وسرت المستشعره لشقيقاتها أنها ستخبرهن بمفاجأة سارة ومفرحة عندما ينام والدها ووالدتها وأشقاؤها، فاختارت المستشعره ساعة متأخرة من الليل كي تصارح شقيقاتها في ذلك الموضوع.
عندما جاءت تلك الساعة وكنّ الشقيقات مجتمعات في بحبوحة المنزل قالت لهن المستشعره دون مقدمات: أنا تلك الشاعرة المجهولة فلم يصدقن الشقيقات ما قالته شقيقتهن، فردت الأخت الصغرى وربت على خدها: دعيك من هذا الهراء، فأقسمت المستشعره أنها هي الشاعرة، فاندهشن من كلام شقيقتهن ومع تأكيد المستشعره بأنها تلك الشاعرة قامت الأخت الكبرى بتوبيخ المستشعره وصبت جام غضبها عليها وقالت لها: (إن كتبت الشعر مرة ثانية أو حاولت نشر قصائدك سأخبر والدي وأشقائي كي يوقفوك عن هذه السخافات التي نسميها شعراً عندما نسمعها من امرأة لا نعرفها ونسميه ترهات عندما نسمعه من إحدى شقيقاتنا).
أجهشت المستشعره بالبكاء وقالت: هو (أي المعد) الآن ينتظر مني الرد بالموافقة على لقاء مطول سيجريه معي، فردت الأخت الكبرى بصوت عال: ماذا قلت، قسماً بالله إن حدث ما تتفوهين به فسيصبح ذلك اللقاء هو آخر يوم في عمرك، اتصلي على ذلك المعد الآن وانهي كل شيء معه، ردت المستشعره والدموع تنهمر من عينيها: الساعة الآن متأخرة غداً أعدك بأنني سأنهي كل شيء مع ذلك المعد شريطة ألا يعلم والدي وأخوتي بما حدثتكن به.
في اليوم التالي كانت المستشعرة مضعضعة بسبب ما حدث ليلة البارحة وأوفت بوعدها وكان وقع الحدث على المعد النشط كالصاعقة.
في هذه القصة القصيرة انتهت حكاية أول معجبة ومستشعره على الصفحات الشعبية وبدأت بعد هذه القصة تكتظ الساحة الشعبية بالكتابات النسائية وكأن تلك المستشعره هي فاتحة الخير على الشعر النسائي في الصفحات الشعبية.
إن السوفسطائيون هم الذين ينظّرون حسب أمزجتهم ومصالحهم الشخصية، فالمعد الذي جعل من متابعه للشعر، شاعره لا يشق لها غبار، كان كل همه هو الإثارة واستقطاب أكبر عدد من الجمهور، فتلاعبه بتلك المستشعره واستغلاله لها بأبشع صور الاستغلال هو دليل قاطع ينم على أن وأد البنات مازال موجوداً في عصرنا الحالي ولكن بطرق جديدة.
لأن الطبيعة، تكره الفراغ كذلك البشر، ولأن الشيء بالشيء يذكر فكلنا نعرف ماذا تعني جملة الشعر النسائي (وهنا أقصد بالشعر النسائي الذي ينشر في المجلات والجرائد وليس شعر النساء في الجاهلية وبعد الإسلام وليس أيضاً شعر النساء العربيات اللتين كن يحافظن على سمعتهن وسمعت قبيلتهن أكثر من شيء آخر كالشهر والمال)، ولو نظرنا حولنا لوجدنا كل ما هو حولنا من مسلمات وعادات وتقاليد لم تأتي من فراغ، فمثلاً كلنا نعرف ماذا تعني جملة ( وأد البنات ) ولكن قليل هم الذين يعرفون ما الذي حدا بالناس قديماً بأن يأدوا بناتهم ودفنهن في الرمال وهن أحياء.
يحكى أن قبيلتان في الجاهلية تقاتلا وانتصرت إحداهما على الأخرى فسلبت القبيلة المنتصره أموال ونساء القبيلة المهزومة، وبعد ردح من الزمن تصالحت القبيلتان واتفقتا على أن ترجع القبيلة المنتصرة كل ما سلبته وأخذت بالقوة من القبيلة المهزومة ووافق الطرفان على هذه الشروط، ولكن كانت هناك معضلة وهي أن أحد فتيان القبيلة المنتصره تزوج إحدى فتيات القبيلة المهزومة عندما كانت أسيره، وله منها ثلاثة أبناء، وبعد أن وجد حكماء القبيلتين أن الرأي الأرجح هو أن تخير الفتاة بين زوجها وأبيها، فمن تختاره هي بمحض إرادتها تكون من نصيبه، فكان رجال القبيلة المهزومة موقنين أن الفتاة ستفضل أبيها على زوجها، ولكن المفاجأة حدثت عندما اختارت الفتاة زوجها على أبيها، فأقسم بعد ذلك أبيها بأغلظ الإيمان وهو من كبار قومه أنه إن أتته بنتاً سيدفنها حية تحت الرمال حتى لا تتكرر هذه الحادثة التي عير بها طوال حياته، فكل ما أتته بنت دفنها تحت الرمال وهي حية فتناقلت العرب هذه الجريمة والعادة السيئة إلى أن أتى الإسلام وحرمها، نرجع إلى صلب الموضوع وهو أن (السفسطة) لمن لا يعرف معناها هي كالتالي: قياس مركب من الوهميات أو قياس مقدماته صحيحة ونتائجه كاذبة لا ينخدع بها أحد أو ما يكون ظاهره حق وباطنه باطل، هذه المقدمة سيقت حتى تكون تمهيداً للحديث عن أول مستشعره نسائية كتبت في الصفحات الشعبية فإليكم هذه الحكاية الحقيقية ومازال أبطال هذه القصة أحياء يرزقون ولكنهم ابتعدوا عن الساحة الشعبية والشعر والشعراء.
يحكى أن معد صفحة شعبية في أواخر السبعينيات اتصلت به امرأه وقالت له أن ما تكتبه بصفحتك الشعبية أكثر من رائع واستمرت بالمديح والإطراء مما أخجل ذلك المعد وأحمرت وجنتاه وتلعثم بكلامه وصفد جبينه من العرق فلم يجد ما يقدمه لتلك المرأة إلا جملة هل أستطيع أن أخدمك بشيء وأردف قائلاً ما رأيك أن تستمرين معنا فقالت بكل تعجب ماذا تعني بالاستمرار معنا!! قال هو لا لا لا تفهميني غلط أعني أن تكتبين معنا، فردت بخجل شديد وبصوت خافت ولكن أن لا أعرف الكتابة فرد هو قائلاً هل تكتبين الشعر فأجابت يعني ولكن (مو ذاك الزود) قال ابعثي لي ما تكتبين ( مو ذاك الزود ) ولا يصير خاطرك إلا طيب.
كانت أغلب الصفحات الشعبية وقتذاك لا تعتمد على الفاكس ورسائل البريد بل كان كل اعتمادها على الاستلام اليدوي مما حدا المرأة المستشعرة بالاتصال للمرة الثانية بالمعد النشط الذي كان ينتظر على أحر من الجمر اتصال تلك المرأة التي استطاعت أن تكون أول معجبة في الصفحات الشعبية وأول متصلة على معد شعبي وقت ذاك.
عندما كلمته عن طريق الهاتف قالت له كيف أعطيك ما اتفقنا عليه وأنا لا أستطيع الخروج من باب المنزل إلا مع أحد أخوتي !!! بما أتعذر حتى أستطيع الوصول إليك وإعطائك ما اتفقنا عليه سلفاً!.
رد هو قائلاً ألا تستطيعين الخروج لوحدك من المنزل قالت له بكل تعجب كيف أخرج لوحدي وأنا لا أعرف قيادة السيارة!!!
أصبح حائراً ذلك المعد النشط من كثرت التفكير، عبس وجهه، أنعقد حاجبيه انتفخت وجنتيه وهي تقول وترد ألو ألو ألو ألو أنت تسمعني لماذا لا ترد علي ألو ألو ألو ثم قال أنا معك ولكن غرقت بالتفكير كي أصل إلى طريقه آخذ بها منك ما اتفقنا أنا وأنتي عليه.
سكت برهه من الوقت وقال في أي منطقة يقطن بيت أهلك قالت له بمنطقة (………) ثم أردفت قائله وبكل خوف هل تعرف بها أحد؟ هل تمر هذه المنطقة باستمرار!!!! وهل أنت تقطن بها!!!
رد قائلاً لا لا لا أنا أقطن بأبعد منطقة في الكويت تبعد عن منطقتك ثم أستطرد قائلاً يوم الخميس الموافق 25/7/1977 حفل زفاف أحد أصدقائي وهو بنفس منطقتك سأحضر زفافه للقيام بالواجب معه من ثم ألتقيك حتى تعطيني ما اتفقنا عليه أنا وأنتي.
ابتسمت هي وقالت خير إن شاء الله باقي على موعدنا شهر إلا ثمان أيام، ولأنني كما ذكرت لك لا أعرف الكتابة سأتفق مع بنت الجيران الصغيرة على أن تكتب لي ما تهيض به قريحتي حتى ذلك اليوم.……يتبع.
بعد طول إنتظار جاء ذلك اليوم وكان يوماً شديد الحرارة مما جعل مشاعر المعد والمستشعره في ذلك اليوم شبه مضطربة، قام المعد النشط بالواجب في حفل زفاف صديقه، ثم خرج خلسه خشية أن ينتبه له أحد وهمّ بالذهاب إلى ذلك الموعد لأخذ ما كان متفق عليه مع المستشعره، كانت الهواجيس والأفكار تقفز في ذهنه فتارة يحدث نفسه هل هي جميلة تلك المستشعره وطوراً يحاكي عقله الباطن ويتمتم بينه وبين نفسه ما يهمني هو الشعر أما غيره فلا طائل لي من وراءه.
عندما وصل المعد إلى بيت المستشعره على وصف الأخيره له وجد طفلة تنتظره عند باب المنزل فهرعت إليه مسرعة وخائفة وتمتمت بكلمات مضمونها تقول لك فلانة خذ هذا الظرف وانصرف بسرعة لئلا يراك أحد من إخوتي فسرعان ما استجاب المعد النشط لتلك التمتمات، بعد ذلك ذهب المعد إلى حفل زفاف صديقه ليكمل ما تبقى من واجب، وروى أنه واجه كثير من الشعراء المبدعين الغير معروفين في حفل زفاف صاحبه وألقوا على مسامعه ما كتبوا من شعر وما هاضت به قرائحهم وكان على حد تعبيره ما سمع من شعر يصفه بالممتاز ولكن!!
هؤلاء الشعراء وقصائدهم لا يغنون ولا يسمنون من جوع فالمعد لا يشعر بأنه ينتج في عمله ولا يشعر بالسعادة إلا إذا انهالت عليه الاتصالات على هاتف عمله سواء كانت تلك الاتصالات مدحاً أو تعقيباً. وهذا الأمر على حد تعبيره لا يحصل إلا بتغيير الرتابة الزائدة في الصفحة والبحث عن الإثارة، إن الإثارة في ذلك الوقت تعني أن تكتب امرأة الشعر في الصفحات الشعبية، المعد النشط كان يصفق للشعر الذي يلقى على مسامعه من الشعراء ولكنه يعتذر بعدم النشر لهم معللاً ذلك بأن الصفحة مملوءة بموضوعات مهمة وبقصائد شعراء معروفين وليس لهم إلا الانتظار فترة من الوقت وقد تصل تلك الفترة إلى سنة!!!
نرجع إلى لب الموضوع ذهب المعد النشط إلى منزله في ساعة متأخرة في ذلك اليوم وتصفح ما بداخل الظرف وجده كلاماً لا يرقى إلى مستوى النشر بل لا يرقى أن يسمى شعراً.
فكر كثيراً بينه وبين نفسه فردد الكلمات بينه وبين نفسه وهو يقول أليس العمل الصحفي يعتمد على الإثارة لماذا إذاً لا أكون أنا أول معد شعبي يتبنى وينشر الشعر النسائي على الصفحات الشعبية وأكون سباقاً بل رائداً في هذا المجال ثم إن هذه الفكرة ستشجع كل من لديها فكرة في كتابة الشعر فيتم التواصل من خلال صفحتي أنا فقط.
عدل المعد النشط في ذلك اليوم الكلام حتى أصبح شعراً يمشي على قدم واحدة، بعد نشر قصيدة تلك المستشعره إنهالت الاتصالات على ذلك المعد بين مستهجن ومستحسن، فقام هو بإيصال ما هو مستحسن إلى تلك المستشعره ففرحت فرحاً شديداً، كنّ شقيقات المستشعره يقرأن الشعر بكثرة فأعجبن بما كتبت تلك المستشعره دون العلم منهن أن من يكتب الشعر هي شقيقتهن، عندما كانت تسأل المستشعره شقيقاتها عن رأيهن فيما تكتبه تلك الشاعرة المجهولة من شعر كن يمتدحن ويثنين على ذلك الشعر، مما جعل تلك المستشعره في حيره من أمرها فهي تردد بينها وبين نفسها هل أخبر شقيقاتي بأنني أنا الشاعرة المجهولة أم أستمر وأتركهن في حالهن، بعد أن رست على القرار الأخير كان المعد النشط مستمر في تلميع تلك المستشعره إلى أن جاء ذلك اليوم وقال المعد النشط للمستشعره: القراء يريدون معرفة الكثير عنك وعن تفاصيل حياتك، فأنت الآن شاعرتهم الوحيده فما رأيك أن أجري معك حواراً مطولاً تتحدثين فيه عن تجربتك الشعرية؟ اندهشت المستشعره من تلك الفكرة التي كانت في ذلك الوقت غريبة وغير مستحبة فردت متعجبة: كيف تجري معي حواراً مطولاً أتحدث به عن تفاصيل حياتي وأنا أخفي كتابتي للشعر حتى عن شقيقاتي؟!
أوضح لها المعد أن هذه الفرصة ستدر عليها بالخير الكثير ويجب عليها ألا تطوف هذه الفرصة وأنه اتفق مع رئيس التحرير على الحوار المطول وأن جمهورها سيتضاعف في حال إجراءها ذلك الحوار ناهيك عن الضجة الإعلامية التي سيحدثها اللقاء المطول، مع إلحاح المعد وإصراره اقتنعت المستشعره فقالت: أمهلني بعض الوقت حتى أفكر، فرد المعد بعجل: أرجوك لا تضيعي تلك الفرصة عليك، أنا ناصح لك وأريد لك الخير. قالت المستشعره: أعطني ثلاثة أيام..ثلاثة أيام فقط، حتى أشاور شقيقاتي في الموضوع، فرد المعد بكل تعجب ودهشة: ولكنك أفهمتني أن شقيقاتك لا يعرفن شيئاً عن كتاباتك الشعرية، فردت هي: أنا مللت وسئمت من الكتمان وقررت أن أصارح شقيقاتي بأنني أنا تلك الشاعرة المجهولة وسأخبرهن أيضاً عن حكاية الحوار المطول وسأخبرك بعد ثلاثة أيام وأنا واثقة بأنهن سيشجعنني وسيأخذن بيدي لأنهن معجبات بما أكتب من شعر وخاصة شقيقتي الكبرى وأنا على يقين بأنهن سيطرن من الفرح عندما أخبرهم بالموضوع، رد المعد النشط متشائماً من هذه الفكرة قائلاً: ما دمت مصرة على ذلك فالخيار لكي.
وسرت المستشعره لشقيقاتها أنها ستخبرهن بمفاجأة سارة ومفرحة عندما ينام والدها ووالدتها وأشقاؤها، فاختارت المستشعره ساعة متأخرة من الليل كي تصارح شقيقاتها في ذلك الموضوع.
عندما جاءت تلك الساعة وكنّ الشقيقات مجتمعات في بحبوحة المنزل قالت لهن المستشعره دون مقدمات: أنا تلك الشاعرة المجهولة فلم يصدقن الشقيقات ما قالته شقيقتهن، فردت الأخت الصغرى وربت على خدها: دعيك من هذا الهراء، فأقسمت المستشعره أنها هي الشاعرة، فاندهشن من كلام شقيقتهن ومع تأكيد المستشعره بأنها تلك الشاعرة قامت الأخت الكبرى بتوبيخ المستشعره وصبت جام غضبها عليها وقالت لها: (إن كتبت الشعر مرة ثانية أو حاولت نشر قصائدك سأخبر والدي وأشقائي كي يوقفوك عن هذه السخافات التي نسميها شعراً عندما نسمعها من امرأة لا نعرفها ونسميه ترهات عندما نسمعه من إحدى شقيقاتنا).
أجهشت المستشعره بالبكاء وقالت: هو (أي المعد) الآن ينتظر مني الرد بالموافقة على لقاء مطول سيجريه معي، فردت الأخت الكبرى بصوت عال: ماذا قلت، قسماً بالله إن حدث ما تتفوهين به فسيصبح ذلك اللقاء هو آخر يوم في عمرك، اتصلي على ذلك المعد الآن وانهي كل شيء معه، ردت المستشعره والدموع تنهمر من عينيها: الساعة الآن متأخرة غداً أعدك بأنني سأنهي كل شيء مع ذلك المعد شريطة ألا يعلم والدي وأخوتي بما حدثتكن به.
في اليوم التالي كانت المستشعرة مضعضعة بسبب ما حدث ليلة البارحة وأوفت بوعدها وكان وقع الحدث على المعد النشط كالصاعقة.
في هذه القصة القصيرة انتهت حكاية أول معجبة ومستشعره على الصفحات الشعبية وبدأت بعد هذه القصة تكتظ الساحة الشعبية بالكتابات النسائية وكأن تلك المستشعره هي فاتحة الخير على الشعر النسائي في الصفحات الشعبية.
إن السوفسطائيون هم الذين ينظّرون حسب أمزجتهم ومصالحهم الشخصية، فالمعد الذي جعل من متابعه للشعر، شاعره لا يشق لها غبار، كان كل همه هو الإثارة واستقطاب أكبر عدد من الجمهور، فتلاعبه بتلك المستشعره واستغلاله لها بأبشع صور الاستغلال هو دليل قاطع ينم على أن وأد البنات مازال موجوداً في عصرنا الحالي ولكن بطرق جديدة.
تعليق