[align=center]مدرستي الأولى :
مدرسة لحـدان بن صباح الكبـيسي
إن أوائل الأشياء في حـياة الإنسان لايمكن نسيانها .. فهي تـظل محفـورة في الذاكرة حتى ولو جارت عليها عواصف النسيان وغطّت وجهها بالأتربة فلن تغّير من معالمها شيء، وبمجرد أن تهب رياح الإسترجاع فإنها حتما سوف تمسح عن ذلك الوجه كل ماعلق به من أتربة لـتعلن عـن صمود تلك الأشياء وبقائها إلى ماشاء الله لها البقاء.. إذن ستـظل تعـيش بداخل كل إنسان وتبقى ببقاءه .. والغريب أنها لاتـفنى بفنائه بل تظل آثارها خالده كخـلود أعمال الإنسان وآثار وجـوده على وجه الأرض ...
فعلى سبيل المثال، من منا ينسى اليوم الأول من إلتحاقه بالمدرسة الأولى في حياته ؟ ومن ينسى أول أستـاذ تلـقّى على يديه الدرس الأول في تلك المدرسة؟
إنني لاأنسى ماحيّـيت أول مدرسة شعرية تلقّيت فيها الدروس الشعرية الأولى والتي تعد اللبنة الأساسية الأولى في البناء الشعري لأي شاعـر ...
كنت طالبة بالمرحلة الثانوية .. وعلى الرغم من تفوّقي في اللغة العربية إلى درجة الإمتياز ـ حتى من دون مذاكرة ـ ، وعلى الرغم من تميّزي بقـدرات بلاغية كانت تلفت إنـتباه كل مدرّسة تقـوم بتدريسي تلك الماده ، إلا إنني لم أحاول أن أكتب شيئاً من الشعر ربما لأنه ـ في البداية ـ أراد لي الوقوف في صفوف المتذوقين له لكي أدرك قيمته الحقيقية ومكانته الأدبية ،أو ربما حتى اتوق إلى دعوته لي ، فيمد لي جسراً يساعدني على إجتياز بحوره لأصل إليه فيعلن بعدها عن وجودي الشعري في مملكته ...
في أحـد الأيام وقع في يدي ديـوان الشاعـر الكبير لحدان بن صباح الكبيسي (الجـد) ، وجدته في بيت جدّي .. قرأت السطور الأولى من حياته فإزددت شوقاً
لقـراءة قصائده وطلبت من أحد أفراد عائلتي أن يمنحني هذا الكنزـ هكذا بدا لي ومن أول وهلة ـ ولكنه رفـض وعلّل رفضه بأن هـذا الديوان نادر، وهو هديـة عـزيزة من أحد أصدقائه ولايسـتطيع أن يفـرّط فيه ، ولكن ماأن رآى سحابة الضيق تكتسح أجزاء وجهي مع بوادر سقـوط دموع غـزيرة ، حتى عدل عن رأيه ومنحني شرف قراءته بشرط أن لايخرج هذا الديوان عن نطاق بيت جدّي ، ولعـل شدّة حرصه تلك جعلتـني أوافـق على الشرط بدون أي تردد بل أن ذلك الحرص زاد من رغبتي في الإطلاع على محتويات هذا الكنز .
لقد كنت أمسك بالديوان وكأنني أمسك بقطعةٍ أثريةٍ نادره ..تماما كعلماء الآثار الذين نراهم ينظرون إلى الآثار المكـتشفة نظرةً فاحصة، دقيقة ويتحسسون أشكالها ورمـوزها بأناملهم لحـرصهم الشديد عـلى سلامتها، ولشـدّة إنبهارهم بها ، ورغبتهم الملحّة في معرفة أسرارها ، ومعرفة العصر أو الحضارة التي تنتمي إليها ...
لقد قرأت ديوان الشاعر الكبيسي (الجد) بنهم شديد .. لقد جذبني إسلوبه الشّيق وكثيرً ماإستوقفـني جزالة اللفـظ مع قوة المعنى في قصائده ، فهو الذي قال :
وأنا فريض القيل والقـيل محجوب ... في مهجـتي ومْطيع لي مير دومي
وكّلت به من هو له الحبر مشروب ... له من على صفح السجلّي إرسومي
إمنحّفٍ جسمه من القـشر مسلوب ... ينقش على القرطاس مثل الوشومي
يمشي على راسه مطـيعٍ ومصلوب ... مايسـتريح من الدهـر ربع يومي
وأنا من الشّعـار ماني بمـرهـوب ... وأجازي الطـيّب بطيب العـلومي
قيلي كما بحـرٍ ضرب فيه دالـوب ... في كنّة التسعـين حـلّ الغـيومي
له جدولٍ يسقي ولاهـو بمجـذوب ... وإلى طمـى ماجـوّدته الحـزومي
كما أدهشتني قدرته العجيبة في الوصف ، فمن يقـرأ أبيات قصائده يشعر بريشة الوصف تـتشكل أمامه بدقّة، لـترسم في النهاية لوحـةٍٍ فـنّيةٍ رائعة ، ما إن يتحسسها القارئ بفكره حتى يراها وقد تجسدت وأصبحت صورة حية ناطقة تتحرك أمام عينيه ، وخير دليل على ذلك عندما قال :
ياماحـلا لى من ضـربها بيـمناه وأقبل بها يبري لها ويْحـداها
بتشوف نثر الريش في الجو يذراه ... لانْحت كما دلوٍ تقـطّع عراها
وله في قصيدة أخرى :
وأقبل على طلعه وقامت إتمارى ... وتزافنه شروى لعاعـيب مزمار
تشوف منه الريش هو والغبارى .... شرواة عافورٍ سبق وبل لأمطار
وغيرها من اللوحات الوصفية التي أبدع فيها الكبيسي خصوصا في وصف الطير ورحلات القنص...
لقد عشت مع هذا الشاعر الكبيرـ من خلال قصائده ـ .. فشعرت بروحه .. ورأيت ملامح وجهه وشخصيته من خلال إسلوب قصائده الذي يترجم ماهية هذا الشاعر رحـمه الله .. كثيرا ما شعـرت بحزنه ، فحزنت معه .. وبكيت لأجـله ولاسيما عندما قال:
أياعـيني إلى كـم تهـملينا ... على مافات أوكم تـندبينا
أكتّم ماجرى لي من حسودي ... وأبدى الدمع مكنونٍ كنينا
إلى من شاف سحّ الدمع منّي ... صديـقٍ كدّره ماصار فينا
فقالت له عيوني وهي تجري ... بنهـرينٍ حرقـن المقلتينا
فلو إن البـكا بـيردّ فايـت ... هملنا الدمع لين إنه يجـينا
وكاد أن ينفـد صبره فقال في موضع آخر :
ترى ثوب الصبر منّي تقطّع ... بقى جـيبه ومنه قفْـلتـينا
إلى ماثبْـتني شقّـيت جيبي ... على اللي فات له دورإسنتينا
وكثيرا ماشعرت بقـوّته وثقته بنفسه ، فحينها أزداد معه قوة وثقة بالنفس ... ، لقد وهبته ثقـته بنفسه ،السيادة على شعراء عصره ، بل وجعلته يتحدى كل من سوّلت له نفسه نفي تلك السيادة أو التصدي لها وهو في ذلك يقـول :
إن كان إمرؤ القيس سيد من مضى ... فأنا سيد الباقين من أهل الأنشادي
واللي مكذّبني ويبغي معـاجـزي ... يبدع ثلاثــين ألف بيتٍ على آدي
لم تكن أنا الأنانية ، ولكنها أنا الفخر والإعتزاز بالذات، وأنا على يقين من أنه لم يعلن عن سيادته إلا بعد أن عرف قدر نفسه ، ورآى حجمه وحجم كتاباته في عيون الآخرين ، وأدرك النعمة الجليلة التي منحه الله إياها وميّـزه بها عن غـيره ، ولم يستطع أي من الشعراء أوغيرهم أن يتصدّى لشاعرنا أو أن ينقص من قدرته و مكانته الشعرية ، حتى عقـدة لسانه هي الأخرى لم تستطيع ذلك ولم تنل أبداً من فخـره وإعتزازه بذاته... لقد قالها للجميع وبأقـوى حجّة :
أعرف تاريخ العرب والمجاري ... وعـقدة لساني مااخلفت منْه مجراه
قلبي صحيح والمعاني إغزاري ... وكم من فصيح لسان ويضيع معناه
ولكم وقفـت لهذا الشاعـر إحتراماً له وتعـظيماً لرجولته، ولشهامته، ومروءته ، وكرمه ،وإلتزامه بمبادئه التي يؤمن بها أشد الإيمان ، والأمثلة في هـذا الصدد عديدة..
قال رحمه الله :
ينصب قلبي بين الأضلاع ويميع ... إذا بغى له مطلبٍ ماقـدر فيه
ماهـمنا في ذا الدنـيّه تجـميع ... إلانبي سمت العـرب مانخليه
وقال في قصيدة أخرى :
وقـصدي من الدنيا ثـلاثٍ وثـنتـين ... الصدق وفروض الصلاة الحضاير
والثالثـه واجـب علـينا مـع الديـن ... إكـرام ضيفٍ جا من البعـد زاير
والرابعـه حـب وحمـيه للأدنـيـن ... والخامسه خـلقٍ حـسين وبراير
ومن ضيعوا ذا الخمس عالوا ومخطين ... ولالـهـم حـظٍ مـع الله ثايـر
وقال بحزم شديد شارحاً لأحد مبادئه :
ويذكر لنا بالمرجله فيه شيمات ... حيث الكبيسي مذهبه مايسيبه
حنا ذخر له في جميع المهمات ... لى طرش النّباب لزما نجـيبه
وإحنا لنا في لطمة الضد عادات ... والديـن منّا ماينـاله طـليبه
فهولايسعى للهجاء ، ولكنه حتماً سيتصدى لكل من يحاول إيذاءه ، و في ذلك أيضا يقـول :
محنب على هرج المذمه بحرصين ... حسبي على من قادها وإفتكرها
وكانت متعتي الحقيقية معه ، عـندما أراه وهو يعد القهوة العربية الأصيلة من خلال أبيات تجعلك تشم رائحتها وتتمنى لو أن بـيدك ولو فنجاناً واحداً منها..
قال الكبيسي في وصف الكيف :
وصفـت أنا الأمداح والجيل توصيف ... والبن كـيفٍ للـذي يعـتـني به
هو كيفـكم يوم السكارى لهم كيـف ... لى غاب ذهن أهل العقـول السليبه
وفي صنع القهوة قال :
يللي تصوغ البـن لاتـحرق الكيف ... إحمس على جـمرٍ قليـلٍ لهيـبه
لي صار أشقر يعجب العين لى شيف ... نضْح العرق منه إيتباشش صبيبه
كبه بنجـر لى صرخ له تغـطريف ... يشبه لذيـبٍ فال وارضف قنيـبه
لى برد في نجـره فكـثر له الديف ... حيثه إلى نعـمٍ تـزايد بطـيـبه
وحـطّه بصفـرا زينةٍ بالتـنظيف ... وإحرص على الما لايغشك سريبه
ماها غـديرٍ من عـذي الطفاطيف ... أبعـد غـثاه السيل حامي جذيبه
لى فاح به بنـت اطـيابه بتصليف ... مثل القطيفي في الرياض العشيبه
صـفّه وزلّه في دلالٍ على الكيـف ... رسلان مع صنعة قريش العجيـبه
وإجعـل إقناده حب هـيلٍ بتسريف ... من مطبـق ٍ في كـل يومٍ ملي به
........ إلى آخر القصيدة ..
يتبع الجزء الثاني[/align]
مدرسة لحـدان بن صباح الكبـيسي
إن أوائل الأشياء في حـياة الإنسان لايمكن نسيانها .. فهي تـظل محفـورة في الذاكرة حتى ولو جارت عليها عواصف النسيان وغطّت وجهها بالأتربة فلن تغّير من معالمها شيء، وبمجرد أن تهب رياح الإسترجاع فإنها حتما سوف تمسح عن ذلك الوجه كل ماعلق به من أتربة لـتعلن عـن صمود تلك الأشياء وبقائها إلى ماشاء الله لها البقاء.. إذن ستـظل تعـيش بداخل كل إنسان وتبقى ببقاءه .. والغريب أنها لاتـفنى بفنائه بل تظل آثارها خالده كخـلود أعمال الإنسان وآثار وجـوده على وجه الأرض ...
فعلى سبيل المثال، من منا ينسى اليوم الأول من إلتحاقه بالمدرسة الأولى في حياته ؟ ومن ينسى أول أستـاذ تلـقّى على يديه الدرس الأول في تلك المدرسة؟
إنني لاأنسى ماحيّـيت أول مدرسة شعرية تلقّيت فيها الدروس الشعرية الأولى والتي تعد اللبنة الأساسية الأولى في البناء الشعري لأي شاعـر ...
كنت طالبة بالمرحلة الثانوية .. وعلى الرغم من تفوّقي في اللغة العربية إلى درجة الإمتياز ـ حتى من دون مذاكرة ـ ، وعلى الرغم من تميّزي بقـدرات بلاغية كانت تلفت إنـتباه كل مدرّسة تقـوم بتدريسي تلك الماده ، إلا إنني لم أحاول أن أكتب شيئاً من الشعر ربما لأنه ـ في البداية ـ أراد لي الوقوف في صفوف المتذوقين له لكي أدرك قيمته الحقيقية ومكانته الأدبية ،أو ربما حتى اتوق إلى دعوته لي ، فيمد لي جسراً يساعدني على إجتياز بحوره لأصل إليه فيعلن بعدها عن وجودي الشعري في مملكته ...
في أحـد الأيام وقع في يدي ديـوان الشاعـر الكبير لحدان بن صباح الكبيسي (الجـد) ، وجدته في بيت جدّي .. قرأت السطور الأولى من حياته فإزددت شوقاً
لقـراءة قصائده وطلبت من أحد أفراد عائلتي أن يمنحني هذا الكنزـ هكذا بدا لي ومن أول وهلة ـ ولكنه رفـض وعلّل رفضه بأن هـذا الديوان نادر، وهو هديـة عـزيزة من أحد أصدقائه ولايسـتطيع أن يفـرّط فيه ، ولكن ماأن رآى سحابة الضيق تكتسح أجزاء وجهي مع بوادر سقـوط دموع غـزيرة ، حتى عدل عن رأيه ومنحني شرف قراءته بشرط أن لايخرج هذا الديوان عن نطاق بيت جدّي ، ولعـل شدّة حرصه تلك جعلتـني أوافـق على الشرط بدون أي تردد بل أن ذلك الحرص زاد من رغبتي في الإطلاع على محتويات هذا الكنز .
لقد كنت أمسك بالديوان وكأنني أمسك بقطعةٍ أثريةٍ نادره ..تماما كعلماء الآثار الذين نراهم ينظرون إلى الآثار المكـتشفة نظرةً فاحصة، دقيقة ويتحسسون أشكالها ورمـوزها بأناملهم لحـرصهم الشديد عـلى سلامتها، ولشـدّة إنبهارهم بها ، ورغبتهم الملحّة في معرفة أسرارها ، ومعرفة العصر أو الحضارة التي تنتمي إليها ...
لقد قرأت ديوان الشاعر الكبيسي (الجد) بنهم شديد .. لقد جذبني إسلوبه الشّيق وكثيرً ماإستوقفـني جزالة اللفـظ مع قوة المعنى في قصائده ، فهو الذي قال :
وأنا فريض القيل والقـيل محجوب ... في مهجـتي ومْطيع لي مير دومي
وكّلت به من هو له الحبر مشروب ... له من على صفح السجلّي إرسومي
إمنحّفٍ جسمه من القـشر مسلوب ... ينقش على القرطاس مثل الوشومي
يمشي على راسه مطـيعٍ ومصلوب ... مايسـتريح من الدهـر ربع يومي
وأنا من الشّعـار ماني بمـرهـوب ... وأجازي الطـيّب بطيب العـلومي
قيلي كما بحـرٍ ضرب فيه دالـوب ... في كنّة التسعـين حـلّ الغـيومي
له جدولٍ يسقي ولاهـو بمجـذوب ... وإلى طمـى ماجـوّدته الحـزومي
كما أدهشتني قدرته العجيبة في الوصف ، فمن يقـرأ أبيات قصائده يشعر بريشة الوصف تـتشكل أمامه بدقّة، لـترسم في النهاية لوحـةٍٍ فـنّيةٍ رائعة ، ما إن يتحسسها القارئ بفكره حتى يراها وقد تجسدت وأصبحت صورة حية ناطقة تتحرك أمام عينيه ، وخير دليل على ذلك عندما قال :
ياماحـلا لى من ضـربها بيـمناه وأقبل بها يبري لها ويْحـداها
بتشوف نثر الريش في الجو يذراه ... لانْحت كما دلوٍ تقـطّع عراها
وله في قصيدة أخرى :
وأقبل على طلعه وقامت إتمارى ... وتزافنه شروى لعاعـيب مزمار
تشوف منه الريش هو والغبارى .... شرواة عافورٍ سبق وبل لأمطار
وغيرها من اللوحات الوصفية التي أبدع فيها الكبيسي خصوصا في وصف الطير ورحلات القنص...
لقد عشت مع هذا الشاعر الكبيرـ من خلال قصائده ـ .. فشعرت بروحه .. ورأيت ملامح وجهه وشخصيته من خلال إسلوب قصائده الذي يترجم ماهية هذا الشاعر رحـمه الله .. كثيرا ما شعـرت بحزنه ، فحزنت معه .. وبكيت لأجـله ولاسيما عندما قال:
أياعـيني إلى كـم تهـملينا ... على مافات أوكم تـندبينا
أكتّم ماجرى لي من حسودي ... وأبدى الدمع مكنونٍ كنينا
إلى من شاف سحّ الدمع منّي ... صديـقٍ كدّره ماصار فينا
فقالت له عيوني وهي تجري ... بنهـرينٍ حرقـن المقلتينا
فلو إن البـكا بـيردّ فايـت ... هملنا الدمع لين إنه يجـينا
وكاد أن ينفـد صبره فقال في موضع آخر :
ترى ثوب الصبر منّي تقطّع ... بقى جـيبه ومنه قفْـلتـينا
إلى ماثبْـتني شقّـيت جيبي ... على اللي فات له دورإسنتينا
وكثيرا ماشعرت بقـوّته وثقته بنفسه ، فحينها أزداد معه قوة وثقة بالنفس ... ، لقد وهبته ثقـته بنفسه ،السيادة على شعراء عصره ، بل وجعلته يتحدى كل من سوّلت له نفسه نفي تلك السيادة أو التصدي لها وهو في ذلك يقـول :
إن كان إمرؤ القيس سيد من مضى ... فأنا سيد الباقين من أهل الأنشادي
واللي مكذّبني ويبغي معـاجـزي ... يبدع ثلاثــين ألف بيتٍ على آدي
لم تكن أنا الأنانية ، ولكنها أنا الفخر والإعتزاز بالذات، وأنا على يقين من أنه لم يعلن عن سيادته إلا بعد أن عرف قدر نفسه ، ورآى حجمه وحجم كتاباته في عيون الآخرين ، وأدرك النعمة الجليلة التي منحه الله إياها وميّـزه بها عن غـيره ، ولم يستطع أي من الشعراء أوغيرهم أن يتصدّى لشاعرنا أو أن ينقص من قدرته و مكانته الشعرية ، حتى عقـدة لسانه هي الأخرى لم تستطيع ذلك ولم تنل أبداً من فخـره وإعتزازه بذاته... لقد قالها للجميع وبأقـوى حجّة :
أعرف تاريخ العرب والمجاري ... وعـقدة لساني مااخلفت منْه مجراه
قلبي صحيح والمعاني إغزاري ... وكم من فصيح لسان ويضيع معناه
ولكم وقفـت لهذا الشاعـر إحتراماً له وتعـظيماً لرجولته، ولشهامته، ومروءته ، وكرمه ،وإلتزامه بمبادئه التي يؤمن بها أشد الإيمان ، والأمثلة في هـذا الصدد عديدة..
قال رحمه الله :
ينصب قلبي بين الأضلاع ويميع ... إذا بغى له مطلبٍ ماقـدر فيه
ماهـمنا في ذا الدنـيّه تجـميع ... إلانبي سمت العـرب مانخليه
وقال في قصيدة أخرى :
وقـصدي من الدنيا ثـلاثٍ وثـنتـين ... الصدق وفروض الصلاة الحضاير
والثالثـه واجـب علـينا مـع الديـن ... إكـرام ضيفٍ جا من البعـد زاير
والرابعـه حـب وحمـيه للأدنـيـن ... والخامسه خـلقٍ حـسين وبراير
ومن ضيعوا ذا الخمس عالوا ومخطين ... ولالـهـم حـظٍ مـع الله ثايـر
وقال بحزم شديد شارحاً لأحد مبادئه :
ويذكر لنا بالمرجله فيه شيمات ... حيث الكبيسي مذهبه مايسيبه
حنا ذخر له في جميع المهمات ... لى طرش النّباب لزما نجـيبه
وإحنا لنا في لطمة الضد عادات ... والديـن منّا ماينـاله طـليبه
فهولايسعى للهجاء ، ولكنه حتماً سيتصدى لكل من يحاول إيذاءه ، و في ذلك أيضا يقـول :
محنب على هرج المذمه بحرصين ... حسبي على من قادها وإفتكرها
وكانت متعتي الحقيقية معه ، عـندما أراه وهو يعد القهوة العربية الأصيلة من خلال أبيات تجعلك تشم رائحتها وتتمنى لو أن بـيدك ولو فنجاناً واحداً منها..
قال الكبيسي في وصف الكيف :
وصفـت أنا الأمداح والجيل توصيف ... والبن كـيفٍ للـذي يعـتـني به
هو كيفـكم يوم السكارى لهم كيـف ... لى غاب ذهن أهل العقـول السليبه
وفي صنع القهوة قال :
يللي تصوغ البـن لاتـحرق الكيف ... إحمس على جـمرٍ قليـلٍ لهيـبه
لي صار أشقر يعجب العين لى شيف ... نضْح العرق منه إيتباشش صبيبه
كبه بنجـر لى صرخ له تغـطريف ... يشبه لذيـبٍ فال وارضف قنيـبه
لى برد في نجـره فكـثر له الديف ... حيثه إلى نعـمٍ تـزايد بطـيـبه
وحـطّه بصفـرا زينةٍ بالتـنظيف ... وإحرص على الما لايغشك سريبه
ماها غـديرٍ من عـذي الطفاطيف ... أبعـد غـثاه السيل حامي جذيبه
لى فاح به بنـت اطـيابه بتصليف ... مثل القطيفي في الرياض العشيبه
صـفّه وزلّه في دلالٍ على الكيـف ... رسلان مع صنعة قريش العجيـبه
وإجعـل إقناده حب هـيلٍ بتسريف ... من مطبـق ٍ في كـل يومٍ ملي به
........ إلى آخر القصيدة ..
يتبع الجزء الثاني[/align]
تعليق