إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحله ( 2 ) مع >> أبــو تمـــام .. .. .. وكيفيـة أعطاء الكلمه معنى لم يكن لها .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحله ( 2 ) مع >> أبــو تمـــام .. .. .. وكيفيـة أعطاء الكلمه معنى لم يكن لها .

    كما تعرفنا على ابو نواس أنه انطلق من أولوية التجربه .. نتعرف الآن على أبو تمام فقد انطلق من أولوية اللغه الشعريه .
    كان يريد أن يبدا من كلمة أولى قبل القصائد المتراكمه في التاريخ الشعري الذي سبقه : ( كلمه أولى يبدأ بها الشعر ) .
    ومن هنا الحاحه الدائم على أن القصيده تكون عذريه أو لا تكون , ويعني ابو تمام بالعذريه أن شعره ( ابتكار ) لا على مثال ولذلك يمتنع مثله على غيره . ومن هنا يخدع الآخرين فهو البسيط الصعب , لا من حيث ابداعه وحسب بل من حيث تذوقه كذلك فتذوق الابداع , شأن الابداع , ممارسه أو هو كما يعبر أبو تمام شكل من أشكال افتراع العذريه .

    شعر أبي تمام في هذا المنظور أنسي وحشي في آن : تأنس به القلوب لأنها تتجد به , لكنه في الوقت ذاته يستعصي على من يقلده , فإذا أراد الشعراء أن يأتوا بمثله تعذر عليهم لغرابته فشعره يصدر عن ( ضمير صَنَع ) وهو يتدفق كماء أصلي لا يعرف النضوب .
    مع ذلك يرى أن مايطمح لكتابته لم يحققه بعد . فعلى الرغم انه يبدع باستمرار , فإنه يستقل ماينجزه , لأنه يشعر أن طاقته كامنه في ما لم ينجزه بعد .

    بهذه العذريه يتحدث أبو تمام مثلا عن المطر . فيقول :

    مطر يذوب الصّحومنه وخلفه .... صحو , يكاد من النضاره يمطر

    غيثـان فالأنـواء غيـث طاهــر .... لك فعله , والّصّحـوُ غيث مضمر

    وندى إذا ادّهنت به لم الثرى .... خلت السحـاب أتاك وهـو معذّر


    الكلمه هنا لاتتناول من الشئ مظهره , وانما تتناول جوهر ( جوهره ) . وهكذا يبدو انها تنفيه فيما تثبته , وانها تغيبه فيما تظهره . فكما أن الكلمه بدايه , يريد أن يكون مايطابقها في العالم أو الطبيعه بدايه هو كذلك .
    فالكلمه العذراء تقتضي شيئا بكراً . ثمة تطابق بين بكارة الكلمه وبكارة العالم _ والشعر هو التطابق أو زواج الكلمه البكر بالعالم البكر . هذا الزواج اتحاد حيوي من جهه , وتحويلي من جهه ثانيه . الكلمه إذن لا تعكس أشياء العالم , بل تعيد خلقها . انها تخلق العالم على طريقتها , مجااازياً .

    من هنا كانت الكلمه عند أبي تمام اكثر ماده صوتيه , فكل كلمه تكشف عن شكل خاص من الوجود , بالاضافه الى انها تكشف عن شكل خاص من إيقاع . إنها بنيه عضويه تصل بنيويا بين الشاعر وأشياء العالم . وهذا يعني أن الكلمه تحتضن من الشئ فعاليته , فأبو تمام لايريد بهذه الأبيات مثلا ولا بشعره المماثل أن يردنا لى سرير الطبيعه , أو أن يزين لنا جسدها , ولكن يدفعنا لكي نرى أشياء الطبيعه في انفعالها وتفجرها الأصليين , أو في بكارتها . وهذا يقييم علاقه جديده بين الانسان وبينها وبالتالي بين الانسان والانسان . حيث تقوم علاقه جديده تزول الثرثره القديمه وتزول المجانيه التي ترافقها . وهكذا تدخل الى الكلام شراره لغويه جديده : هي شرارة الشعر الذي يعيد كل شئ الى بدايته الأصليه .

    الجديد اذن غريب , وتعني الغرابه أن شعره غير ما ألفه الناس . فلغته أصليه , أوليه , ولغة الناس ليست الا صدى صاقطا لهذه اللغه الأوليه . لكن هذا السقوط منغرس في النفس الى درجه تبدو معها الغرابه أنها تأسيس للغه جديده . وكل تأسيس يبدو تجاوزاً وقد سمي هذا التجاوز (( إفســاداً )) وقيل ان كان هذا التجاوز صحيحا (( كان ماقاله العرب باطلا )). ومن هنا لاتعيدنا لغة أبي تمام الى ( جنه ضائعه ) ولكن يخلق لنا بُعداً آخر نستشف عبره جنه ثانيه . وحين نقرا شعره لايتولد فينا الشعور بأننا نتذكر أو نستعيد شيئا فقدناه , بل يتولد فينا الشعور نؤسس شيئا آخر . ولئن حافظ أبو تمام على الشكل الخارجي لبنية القصيدة التقليديه , فلقد غير نواته الأساسيه : الكلمه وغير علاقات الكلمه الصوتيه والدلاليه . ولهذا لم يعد الشكل عائقا دون بروز هذه العلاقات بل أصبح على العكس عنصرا ضدياً يزيد في بروزها , فلقد فجرّه من داخل بتركيبة اللغوي الجديد .

    القافيه نفسها أكتسبت بُعداً آخر ومعنى لآخر , صارت نقطه ينتهي اليها سرب الكلمات في البيت . صارت مصبا لاندفاع ما , مركز تجمع لحشد ما , بؤرة ايقاق وتناغم , فهي مركز جذب للكلمات والصور , وقطب تنعقد فيه الأشعه التي تنبعث منها . القافيه تذكر وتحرض . تصل الإيقاع بما مضى , وتعد بإيقاعٍ آت , انها سفر وانتضار في آن .

    إن فعل شعر ابو تمام يتوالد من طاقته اللغويه الخاصه . إن شعره فعّال بذاته , اذا كان شعر ابي نواس يحرّك بدافع مما قبل اللغه أو مما وراءها , فإن شعر ابي تمام يحرك بلغته ذاتها _ بما تكونه من تداعيات وعلاقات صوتيه وتخييلية ..

    كان العالم يموت في دلالات العرف _ والعاده _ والتقليد ((( العرف _ والعاده _ والتقليد ))) فانبعث بشعر أبي تمام في دلالات جديده . وهكذا اتخذ جسدا آخر وبُعداً غير مألوف . لم تعد القصيده هيكلا يعلو في مكان , بل أصبحت ( حركه زمنيه ) : تتقدم في الزمان لحظه وتثبت عاليةً في المكان .

    واذا كانت الكيمياء كما يعرفّها جابر بن حيّان : ( إعطاء الاجسام اصباغا لم تكن لها ) فإن بداية كيمياء الشعر هي ( إعطاء الكلمه معناً لم يكن لها ) . وهذا مافعله أبو تمام .


    ملاحظه : هذا الموضوع يعتبر الموضوع الثاني أو الرحله الثانيه بعد : رحله مع الشعر الشعبي والحداثي والموسيقي والنثر ( فهو امتدادٌ له ) .

  • #2
    أخي الغالي عبدالله

    يمتد بي المقام لأقرأ المزيد من مواضيعك المفيده وتعليقاتك الرائعه حتى أنني أكرر القراءة دون ملل

    لا شك أنك تبذل في المقابل الكثير من الجهد والوقت لكنني أؤكد لك أن ما زرعته قد ظلل بأغصانه المكان وسيكون له فائدة على كل من يقرأ لك


    كتعليق على عبارة التغيير وايجاد المعنى البكر الجديد للكلمه ..

    ربما أصبح هذا الأمر مطلبا ضروريا خاصة في وقتنا الحاضر فنحن اليوم نشهد تفجر المواهب وكثرة ما نقرأه مع سرعة انتشار كل شيء بوجود شبكة المعلومات التي أثرت كل المجالات

    أصبح القاريء يحتار في اختيار المادة التي يود قراءتها .. وكحال أي سلعة يجب أن تكون المادة مميزة مختلفة وقيمة حتى تتمكن من البقاء واقناع القاريء على الابحار فيها

    الكاتب الجيد هو من يستطيع أن يصنع من قلمه سيفا في قوته أو ريشة في رقته يرسم يه لوحات من الجمال وهذا ما نبحث عنه فقد ولى عهد الاقلام التي تكتب فقط لمجرد الكتابه



    سلمت أخي وجزاك الله خيرا على كل ما تقوم به ولك مني خالص الشكر والتقدير


    تحياتي
    أحزان

    تعليق


    • #3
      .
      .
      .
      .
      .
      .
      .
      .
      .
      عبدالله

      كم انا في حاجة اليك والى ما تكتب

      تعليق


      • #4
        أحزان

        شكرا لمتابعتك واتمنى ان الموضوع كان مفيدا لك فهو مفيد لي وأحببت أن أفيد به غيري من القراء والكتاب .

        سلمت يا أخي الكريم .

        (( الكاتب الجيد هو من يستطيع أن يصنع من قلمه سيفا في قوته أو ريشة في رقته يرسم يه لوحات من الجمال وهذا ما نبحث عنه فقد ولى عهد الاقلام التي تكتب فقط لمجرد الكتابه ))

        تقبل صدقي وجنوني .

        تعليق


        • #5
          سعد ..

          ألف شكر لهذا التواجد .. وخلنا نعاف النوم .

          تعليق

          يعمل...
          X