هي من وحي قصة الشاعر اسعد الروابة وحنان بعد أن رواها لي
بعد سؤالي له عن سبب ذكر حنان في قصائده الشكر له بسماحه لي
بإهدائها لحب جمع قلبين ومهر فرَّق روحين ولكم تحياتي والسلام
أختكم ضحى المل
حنان
شُــعاع حُــب وهاج دافىء!.. عيناها براقتان تشعان بالأمل، يتلألأ من ثغرها
لون أحمر أرجـــواني وكأنَّــها ذات حَـــياء حتى من نفسها ..
جلس يتأمل حسنها وهي تَـــقف على شرفتها ناظرة نَــحو الأفُــــــــق البعيد
كأنها تداعب الغيوم بنظراتها ورزانتها واتزانها حين نظرت إليه أيـــــقظت
روحه من سباتها العميق
وأوقدت في جسده شعلة لا تَــنطفىء ،فغدت كوردة بيضاء في جنائن الــــورد
ففجر كلماته شعراً وكتب أسطراً من حُروف ،ورمى بها إليها... أمسكت بالورقة
فشعر كأنها أمسكت بقلبه فارتجف !..ورمَتها من جديد بعد أن مَــــزقتها بــعنف
واختفت عَــــن أنظاره وكأن الله خصها وحدها بمسحة الجمال والأنوثة دوناً
عن الإناث فكانت مبعث الإلهام له.....
نَـــزل عن سطح منزله لا يكدره إلا التفكير بها ،خوفاً مِن أن لا يراها مرة أخرى
فقد شعر أنها سكَـنت أعضاءه كلها...
إنتظر مَـشرقَ شمسه في اليوم التالي وهو ناظِـر الى شرفتها لتختفي ظلمة أفكاره
التي بدأت تحدِّثه بالسوء لكنه قال في نفسه لعله خير!.. فتح باب منزله وتوجَّـــه
نحو المدرسة...
مرَّت الأيام وهو مَهموم مُتكدر لا تفارق صورتها خياله ..توجَّـــه نحو دكان الحي
فرآها في الدكان!... تهلَّـل وجهه وابتسمت عَيناه وكَــــــأنه رأى نجمة في السماء
اقترب مِــنها ومد يده إلى جيبه كي يدفع ثمن الأغراض ...
قالت:" هذا غير مُستحسن ولا مُحبب من رجل شرقي فاسمَح لي مَــــن فضلك
ورمقته بنظرة!.. شعرَ كأنَّه قطعة جليد تحترق وخاف من أن يكون قد فقدها للأبد
حَـــزن أشد الحُــزن تَــرك المكان وانحدر نَــحو السهول فكان يتردد صَـــدى
صوتها في آذانه كلَّما خَــطا خطوة ،فهو لَـــم يقصد العَبث بها لَـــكن أراد أن
يُشعرها بوجوده أحس بنبض قلبه يترنَّم كلَّما تَــراءى له طيف وجــــــــهها
فنزلت في نفسه منزلة الحبيبة التي تمناها وحلم بها ....
وعادت الأيام تجر الأيام، وإنه لكذلك ضجر متأفِّف يُـــــفكر بطريقة يراها بها
شاهَـد صديقه علي على الشرفة ،فدعاه لشرب فنجان شاي، مَــشى نحو بيت صديقة
وهو يمني النفس أن يلقاها مشي في الحي ونظر الى باب بيتها لعل الصدفة
تجعلها تفتح باب بيتها ،فيشاهدها لكن يا منى النفس اين الصدفة من هذا الحدث !..
وصل بيت صديقه علي....
تسمَّر مَكانه وكأنَّ صاعقة قـــــد وقعت فــــي المَكان لكنه تمالك نفسه ومدَّ يده
مصافحا لها فصافحته لكنها خرجت مسرعة ..
وبينما هو يفكِّر بخروجها السريع واذ بالباب يطرق لتعود آسفة!!...
قالت :" نَسيت المفاتيح هنا...
فهبَّ واقفاً مرتجلاً ليلتقط المفاتيح ويُمسك بكفها ويضع المفاتيح بهدوء
قال :"سأغتبط لو تبسم القمر ولو قليل...
فحاولت ان تضربه بكفها لكنه أمسك بشدة واعتذر عن هذا..
خرجت مسرعة ، فقال في نفسه !!...وارحمتاه ربي رفقا بقلب يشقى من
حُــــب حورية لا اتمنى أن تصبح ذكرى...
لكنه سأل صديقه علي من تكون الفتاة!.. قال :" هي صديقة زوجتي إسمها
حنان...
حنان ....حنان...حنان يا لنغمة اسمها وعَــبق عِــطرها وحُسنها المغناج
ضحِك علي وقال:" هل سلََـبت القلب يا ترى؟....
نَــظر إليه بصمت !...
قال علي :"غداً عرس محمد وحنان ذاهبة لهناك، إستبشر وضحك ،فرح
وشَــعر كأنَّ نافذة من نور فُتحت له غدا سيُشاهد حَنان!..
احتسى كوب الشاي والفرحة تكاد تقتلعه لترمي به فى مكان العُـــرس غدا
مَشى نحو سَــريره وهو يتمنى لو يشرق النهار الآن ليراها في ذلك العرس...
كان العُرس ليلا وكانت النجوم تبرق فرحة مسرورة والموسيقى تَعزف أجمل
النغمات
قال :"علي ألن نسمع قصيدة جديدة يا خالد..
قال :"لا لا لا جديد يا علَـي فمشاعري باتت تترنح هذه الأيام، فالعاشق يحترق
والجَـمر بات رماداً...
ضحك صَحبه وهو جامد لا يَتحرك حين مرَّت من أمامه حَـنان ،ونظرت اليه نظرة
طويلة أراد ان يصرخ بعدها بمَكنون قلبه فقال لعلي سأقول قصيدة جَــــــديدة هدية
للعروسين....
ألقى قصيدته وهو ينظر إليها من بعيد وهي ناظرة إليه ، أنهى إلقاء قــــصيدته
واتجه نحو حنان وقال :" احترامي لك آنستي هل أعجبتك القصيدة؟..
قالت:" كنت اسمع قصائدك ترددها الفتيات والآن سمعتها منك..
قال:" هن يرددن أشعاري أم الآن فأشعاري كلها ستكون أنت!..
ابتسمت وزادتها البسمة سحرا وفتنة في قلبه...
وليلتها تنمى لو يُــحدِّث الشمس والقمر والحجر والطير، ليشعر من حَــــوله
بغبطته وسعادته...
وما زالت الأيام تَــمضي وهو يَــنتظر رؤياها كَــي يقول لها ما يشعر به من حُب
نحوها..
في صَبيحة يوم ربيعي هامِس مع أصوات العصافير المغردة ارتدى خالد ثيابه ،ليخرج
إلى عمله مسرعاً...
فتح باب البيت ونظر إلى السماء نظرة أمل كَـي يُكمل نهاره ،والنفس تعانق التعب
لتمضي الحَياة ،وبينما هو يَــمشي نَـــظر إليها ووقف مَــكانه وهو يُـــــــشاهد حَـــنان
تَــرش الماء أمام باب بيتها تُنظفه...
إبتسم ووقف قربها، وقال لها كيف لظامىء بشربة ماء ، تطفىء الظمأ وتُــــلهب
قَــلب عاشق مُشتاق...
فابتسمت وقالت:" له أن يطرق باب بيتها ليكون حَـلالا طيباً وقَطرة ماء تُحي القلب..
إبتسم ومَشى وهو يترنَّم ويُفكر بما قالته له لكنه شعَر بأن الوقت لا يمشي لأنه اراد ان
يلتقي صديقه علي كي يروي له ما حدث لكي يساعده على لقياها...
فحبها عشعش في قلبه ....
في عصر ذاك اليوم ذهب لبيت جاره وصَــديقه علي وحَكى له عن حَنان ابتسم علي
وقال له:" سأطلب من زوجتي كي تُسهل لك رؤياها لكن لمرة واحدة فقط ..
وافق خالد وبات ينتظر الموعد بقلق شديد...
في صَــبيحة يوم دافىء رن جرس الهاتف لِيسمع صوت صديقه يقول له اليوم حَــنان
تأتي لزيارة زوجتي أنتظرك ..
تهلل وجه خالد طرباً ولم يصدِّق انه سيجلس ليتكلم معها..
اسرع بعد أن أنهى عمله إلى بيت صديقه وجلس ينتظر وصول حنان وقلبه يكاد ينفطر
من الأنتظار سَمع طرق الباب، فشعر بنبضات قلبه تَتسارع وكأنها تسابقه لِــــرؤيتها
والنظر اليها...
دخَـــلت حَنان والفرح يغمُر وجهها والبسمة على ثَغرها بشموخ وأنوثة ،تخفي خوفها
تحت احمرار وجنتيها الخجولتين...
جَـــلس أمامها يتأملها فترك علي المكان...
قال لها :" مكث القلب بين يديك فما انت فاعلة به!...
قالت:" أمسكه بأهدابي إن كان قلباً طيبا ًرحوماً
قال :"هو كَـذلك
قالت:" إن كان كذلك فالزواج مَــطلبك
قال:" نعم
قالت:" متى تأتيني طالبا لحلال اهلا وسهلا بك!...
قال:" والمهر انا مدرس ولا املك من المال الكثير
قالت :"توكل على الله وكُن صبوراً
قال:" وهل اجد لديك قبولا
قالت لم أكُن لأقول كلام كهذا، فأ نت رجل خلوق ويَكفيني النظر لعينيك صباحاً ومساءا
فأشعر بالرضى والقناعه....
إبتسم خالد وتهامس مَعها وبعدها انصرف وهو يمني النفس بالزواج منها..
بعدها تحدَّث لأمه ,اتفق معها كي تزور أهل حنان لتراها وتطلبها زوجة وبعد أن
تعرف على والدتها ...قالت أمها:" مهر حنان ستة آلاف !..
إستغرب خالد فالمبلغ كبير جدا ولن يستطيعه الا بعد سنوات وسنوات وهو لن يستطيع هذا
وشرح لها وضعه لكن أمها بقيت على موقفها...
فخرج من عندها والدمعة في عينيه ترقرق فكان إيقاع مسيره وهو خارجاً من بيتها
كأنه إيقاع خطى مثقلة بأحزانها...
ولم ينم ليلتها وهو يفكر بحنان..
لكنه كَتب لها رسالة وطَــلب من زوجة صديقة أن ترسلها لها وبدأت الرسائل بينهم
وكل رسالة كان يَطرب لها ودمعه يتساقط من هااائم قد شغفته حبا بها وكانت تُبادله
حباً....
فطلب لقاءها بمكان بعيد عن عيون الناس وكانت لقاءاتهم قد بدأت تحت سنديانة
وارفة في بستان قريب من بيته وحين مدَّت يدها ليضمه كفه شعر بدمها يَسري
في جسده وقبَّلها ولم ترفض قبلته هذه!...
يومها جلسا تحت السنديانه حَبيبين هائمين يستمتعا بلحظة حُب لا تخلو من سرقة
الأمان فالعيون مشتته خوفاً من أن يراهما أحدا..
وباتت لقاءاتهم تتسع أاكثر ويوما فيوما بدأ البرود يسري في قلب خالد نحو حنان بعد
أن رضيت بلقائه وبدأ يتقاعس بجمع مهرها وكانت في كل لقاء تشد على يده كَــي
ينهي جمع المهر ليتزوجا...
لكنه كان فاقداً للأمل، فالمهر كبير فهو يحتاج لمعجزة كي يستطيع تأمينه فـــــــبات
يكتفي بلقاءاتهم المُتكررة و شعرت حَنان ببرود الحُب في قـــــلبه وكانت تَـــــبكي
ليال طوال وبدأت تمسك القرآن بيدها لتقرأ في الفجر بعض آيات ليطمئن قَـــــلبها
ويوماً بعد يوم تعلق قلبها بحب الله وخوفها من عقابه ،فقررت عدم رؤيته بعدها
وأرسلت برسالة له مع زوجة صديقه علي تقول فيها...
" مَضينا نحمل القمر بين أناملنا ونجري خلف الشمس ،لنجمع مهر زواجنا وتكرَّرت
لقاءاتنا ،فكانت كقطرات تزيح الظمأ عن نفس المُشتاق وفي كل مرة تَنسكب في أذاننا
زقزقة العصافير كنا نَشتاق لبيت يجمعنا لكن اللحظات مَضت وعامين هَربوا كلمحة
بصر ولم أعد ارى فيك ذاك الرجُل الشديد الذي يلهث خلف عَمله ليجمع مهري وبات
اللقاء جل همك وفي كل مرة أشعر بغضب ربي عليي يَشتد والشمس كادت تنزلق في
البحر عِــند غروبها أما الآن!...
فهذا وداعي لك إنما أتوكل على ربي وهو بي وكـــيل ..
قرأ خالد الرسالة وهرول مسرعاً أمام بيتها يريد أن يطرق الباب والدخول لــــكنه تذكَّر
انه لا يحق له الدخول، وما هو إلا غريب عن حَــــنان ،فماذا سيقول ؟!.... عانق وسادته
وهو يُـــفكر ماذا سيفعل وبدأ يرسل لها الرسائل لكن لا ردود وكأنَّــه في أيام خرســــــاء
صماء تدور كما حَــجر الرحى الملقى على صدره ، يكاد يموت من مرور الأيام ،فجلس
يتأمل السماء ويفكر بكل ما حدث...
وبينما هُــو كذلك سمع صوت زغردة وصَوت طبل يَــقرع بقوة ،فخرج مسرعاً
ونظر من شرفته ليراها بثوبها الأبيض الطويل، فلمس صدره وكأن نارا قد اشتعلت
بأضلاعه ولم يشعر آنذاك إلا وهو في المستشفى مُـــــتددثرا بأحزانه ...
وهذا الفقدان السريع الذي قد ألهب قلبه وتركه في هذيان أصابه...
دخل عليَ غرفة خالد في المستشفى وفي يده ورقة من حنان ورماها بين يديه ،فشعر
بقلبه يهوي معها...
قرأ رسالتها وقد كُـتب فيها...
أما بعد فقد قبضت على الشمس بيديك ونثرتها رمادا فاستحالت أن تشرق يوماً آخر
في حَياتك لقد شُغلت بك حين رأيتك وشعرت بلهفتك كَــــي تراني وتسمع صَـــوتي
فكان لقاءنا كنداء المُحبين رقيق حُنون لكنه لم يَخلو من محرمات ولم يخلو من أحلام
بريئة أحيانا وفي كل مرة أخرج فيها من البيت كُــنت على أمل انه سيكون آخر لِــقاء
وكانت الفرحة تَــسري بيننا ولم نَشعر بمرور عامين، وأنت غير قادر على مهري وأنا
غير قادرة على غضب ربي بعد اليوم وغضب أهلي أما أنا فقد سلمت أمري لله رب
العالمين ورضيت بزوج يُملي على حياة يملؤها مَــــودة ورضى أانت عَـــــليك أن
ترضى أن الحب في قلبينا إنما هو حب كُتب عليه أن يكون حُـبا صامتا ،فليكن خالداً
عامراً برضا الله جل وعلا....
وأتمنى لك الفَــرح في الحَياة هذه رسالتي إليك والآن وقد حَق الوداع كُن كما عهدتك
وكن دائما خالد ....
بَـــكى على سريره حتى تبللت خدوده ولحيته ، وشعر بأشد الندم وشَـــعر بقلبه يحترق
ولم ينساها لحظة في حَــياته، فكانت حنان في خلايا روحه وما أشد فرحه حـــين كان
يراها من بعيد وأولادها معها.... أما هو فقد إلتزم بالبعد عن النساء وبات قلبه ذاكراً
لله خاشعا متذللأ... وبقي مخلصا لها وكانت هي مصدر إلـــهامه
في كل قصيدة تُكتب بعد أن كتب عن حبها الشىء الكثير ....
بقلم ضحى عبدالرؤوف المل
مع شكري للشاعر أسعد الروابة
بعد سؤالي له عن سبب ذكر حنان في قصائده الشكر له بسماحه لي
بإهدائها لحب جمع قلبين ومهر فرَّق روحين ولكم تحياتي والسلام
أختكم ضحى المل
حنان
شُــعاع حُــب وهاج دافىء!.. عيناها براقتان تشعان بالأمل، يتلألأ من ثغرها
لون أحمر أرجـــواني وكأنَّــها ذات حَـــياء حتى من نفسها ..
جلس يتأمل حسنها وهي تَـــقف على شرفتها ناظرة نَــحو الأفُــــــــق البعيد
كأنها تداعب الغيوم بنظراتها ورزانتها واتزانها حين نظرت إليه أيـــــقظت
روحه من سباتها العميق
وأوقدت في جسده شعلة لا تَــنطفىء ،فغدت كوردة بيضاء في جنائن الــــورد
ففجر كلماته شعراً وكتب أسطراً من حُروف ،ورمى بها إليها... أمسكت بالورقة
فشعر كأنها أمسكت بقلبه فارتجف !..ورمَتها من جديد بعد أن مَــــزقتها بــعنف
واختفت عَــــن أنظاره وكأن الله خصها وحدها بمسحة الجمال والأنوثة دوناً
عن الإناث فكانت مبعث الإلهام له.....
نَـــزل عن سطح منزله لا يكدره إلا التفكير بها ،خوفاً مِن أن لا يراها مرة أخرى
فقد شعر أنها سكَـنت أعضاءه كلها...
إنتظر مَـشرقَ شمسه في اليوم التالي وهو ناظِـر الى شرفتها لتختفي ظلمة أفكاره
التي بدأت تحدِّثه بالسوء لكنه قال في نفسه لعله خير!.. فتح باب منزله وتوجَّـــه
نحو المدرسة...
مرَّت الأيام وهو مَهموم مُتكدر لا تفارق صورتها خياله ..توجَّـــه نحو دكان الحي
فرآها في الدكان!... تهلَّـل وجهه وابتسمت عَيناه وكَــــــأنه رأى نجمة في السماء
اقترب مِــنها ومد يده إلى جيبه كي يدفع ثمن الأغراض ...
قالت:" هذا غير مُستحسن ولا مُحبب من رجل شرقي فاسمَح لي مَــــن فضلك
ورمقته بنظرة!.. شعرَ كأنَّه قطعة جليد تحترق وخاف من أن يكون قد فقدها للأبد
حَـــزن أشد الحُــزن تَــرك المكان وانحدر نَــحو السهول فكان يتردد صَـــدى
صوتها في آذانه كلَّما خَــطا خطوة ،فهو لَـــم يقصد العَبث بها لَـــكن أراد أن
يُشعرها بوجوده أحس بنبض قلبه يترنَّم كلَّما تَــراءى له طيف وجــــــــهها
فنزلت في نفسه منزلة الحبيبة التي تمناها وحلم بها ....
وعادت الأيام تجر الأيام، وإنه لكذلك ضجر متأفِّف يُـــــفكر بطريقة يراها بها
شاهَـد صديقه علي على الشرفة ،فدعاه لشرب فنجان شاي، مَــشى نحو بيت صديقة
وهو يمني النفس أن يلقاها مشي في الحي ونظر الى باب بيتها لعل الصدفة
تجعلها تفتح باب بيتها ،فيشاهدها لكن يا منى النفس اين الصدفة من هذا الحدث !..
وصل بيت صديقه علي....
تسمَّر مَكانه وكأنَّ صاعقة قـــــد وقعت فــــي المَكان لكنه تمالك نفسه ومدَّ يده
مصافحا لها فصافحته لكنها خرجت مسرعة ..
وبينما هو يفكِّر بخروجها السريع واذ بالباب يطرق لتعود آسفة!!...
قالت :" نَسيت المفاتيح هنا...
فهبَّ واقفاً مرتجلاً ليلتقط المفاتيح ويُمسك بكفها ويضع المفاتيح بهدوء
قال :"سأغتبط لو تبسم القمر ولو قليل...
فحاولت ان تضربه بكفها لكنه أمسك بشدة واعتذر عن هذا..
خرجت مسرعة ، فقال في نفسه !!...وارحمتاه ربي رفقا بقلب يشقى من
حُــــب حورية لا اتمنى أن تصبح ذكرى...
لكنه سأل صديقه علي من تكون الفتاة!.. قال :" هي صديقة زوجتي إسمها
حنان...
حنان ....حنان...حنان يا لنغمة اسمها وعَــبق عِــطرها وحُسنها المغناج
ضحِك علي وقال:" هل سلََـبت القلب يا ترى؟....
نَــظر إليه بصمت !...
قال علي :"غداً عرس محمد وحنان ذاهبة لهناك، إستبشر وضحك ،فرح
وشَــعر كأنَّ نافذة من نور فُتحت له غدا سيُشاهد حَنان!..
احتسى كوب الشاي والفرحة تكاد تقتلعه لترمي به فى مكان العُـــرس غدا
مَشى نحو سَــريره وهو يتمنى لو يشرق النهار الآن ليراها في ذلك العرس...
كان العُرس ليلا وكانت النجوم تبرق فرحة مسرورة والموسيقى تَعزف أجمل
النغمات
قال :"علي ألن نسمع قصيدة جديدة يا خالد..
قال :"لا لا لا جديد يا علَـي فمشاعري باتت تترنح هذه الأيام، فالعاشق يحترق
والجَـمر بات رماداً...
ضحك صَحبه وهو جامد لا يَتحرك حين مرَّت من أمامه حَـنان ،ونظرت اليه نظرة
طويلة أراد ان يصرخ بعدها بمَكنون قلبه فقال لعلي سأقول قصيدة جَــــــديدة هدية
للعروسين....
ألقى قصيدته وهو ينظر إليها من بعيد وهي ناظرة إليه ، أنهى إلقاء قــــصيدته
واتجه نحو حنان وقال :" احترامي لك آنستي هل أعجبتك القصيدة؟..
قالت:" كنت اسمع قصائدك ترددها الفتيات والآن سمعتها منك..
قال:" هن يرددن أشعاري أم الآن فأشعاري كلها ستكون أنت!..
ابتسمت وزادتها البسمة سحرا وفتنة في قلبه...
وليلتها تنمى لو يُــحدِّث الشمس والقمر والحجر والطير، ليشعر من حَــــوله
بغبطته وسعادته...
وما زالت الأيام تَــمضي وهو يَــنتظر رؤياها كَــي يقول لها ما يشعر به من حُب
نحوها..
في صَبيحة يوم ربيعي هامِس مع أصوات العصافير المغردة ارتدى خالد ثيابه ،ليخرج
إلى عمله مسرعاً...
فتح باب البيت ونظر إلى السماء نظرة أمل كَـي يُكمل نهاره ،والنفس تعانق التعب
لتمضي الحَياة ،وبينما هو يَــمشي نَـــظر إليها ووقف مَــكانه وهو يُـــــــشاهد حَـــنان
تَــرش الماء أمام باب بيتها تُنظفه...
إبتسم ووقف قربها، وقال لها كيف لظامىء بشربة ماء ، تطفىء الظمأ وتُــــلهب
قَــلب عاشق مُشتاق...
فابتسمت وقالت:" له أن يطرق باب بيتها ليكون حَـلالا طيباً وقَطرة ماء تُحي القلب..
إبتسم ومَشى وهو يترنَّم ويُفكر بما قالته له لكنه شعَر بأن الوقت لا يمشي لأنه اراد ان
يلتقي صديقه علي كي يروي له ما حدث لكي يساعده على لقياها...
فحبها عشعش في قلبه ....
في عصر ذاك اليوم ذهب لبيت جاره وصَــديقه علي وحَكى له عن حَنان ابتسم علي
وقال له:" سأطلب من زوجتي كي تُسهل لك رؤياها لكن لمرة واحدة فقط ..
وافق خالد وبات ينتظر الموعد بقلق شديد...
في صَــبيحة يوم دافىء رن جرس الهاتف لِيسمع صوت صديقه يقول له اليوم حَــنان
تأتي لزيارة زوجتي أنتظرك ..
تهلل وجه خالد طرباً ولم يصدِّق انه سيجلس ليتكلم معها..
اسرع بعد أن أنهى عمله إلى بيت صديقه وجلس ينتظر وصول حنان وقلبه يكاد ينفطر
من الأنتظار سَمع طرق الباب، فشعر بنبضات قلبه تَتسارع وكأنها تسابقه لِــــرؤيتها
والنظر اليها...
دخَـــلت حَنان والفرح يغمُر وجهها والبسمة على ثَغرها بشموخ وأنوثة ،تخفي خوفها
تحت احمرار وجنتيها الخجولتين...
جَـــلس أمامها يتأملها فترك علي المكان...
قال لها :" مكث القلب بين يديك فما انت فاعلة به!...
قالت:" أمسكه بأهدابي إن كان قلباً طيبا ًرحوماً
قال :"هو كَـذلك
قالت:" إن كان كذلك فالزواج مَــطلبك
قال:" نعم
قالت:" متى تأتيني طالبا لحلال اهلا وسهلا بك!...
قال:" والمهر انا مدرس ولا املك من المال الكثير
قالت :"توكل على الله وكُن صبوراً
قال:" وهل اجد لديك قبولا
قالت لم أكُن لأقول كلام كهذا، فأ نت رجل خلوق ويَكفيني النظر لعينيك صباحاً ومساءا
فأشعر بالرضى والقناعه....
إبتسم خالد وتهامس مَعها وبعدها انصرف وهو يمني النفس بالزواج منها..
بعدها تحدَّث لأمه ,اتفق معها كي تزور أهل حنان لتراها وتطلبها زوجة وبعد أن
تعرف على والدتها ...قالت أمها:" مهر حنان ستة آلاف !..
إستغرب خالد فالمبلغ كبير جدا ولن يستطيعه الا بعد سنوات وسنوات وهو لن يستطيع هذا
وشرح لها وضعه لكن أمها بقيت على موقفها...
فخرج من عندها والدمعة في عينيه ترقرق فكان إيقاع مسيره وهو خارجاً من بيتها
كأنه إيقاع خطى مثقلة بأحزانها...
ولم ينم ليلتها وهو يفكر بحنان..
لكنه كَتب لها رسالة وطَــلب من زوجة صديقة أن ترسلها لها وبدأت الرسائل بينهم
وكل رسالة كان يَطرب لها ودمعه يتساقط من هااائم قد شغفته حبا بها وكانت تُبادله
حباً....
فطلب لقاءها بمكان بعيد عن عيون الناس وكانت لقاءاتهم قد بدأت تحت سنديانة
وارفة في بستان قريب من بيته وحين مدَّت يدها ليضمه كفه شعر بدمها يَسري
في جسده وقبَّلها ولم ترفض قبلته هذه!...
يومها جلسا تحت السنديانه حَبيبين هائمين يستمتعا بلحظة حُب لا تخلو من سرقة
الأمان فالعيون مشتته خوفاً من أن يراهما أحدا..
وباتت لقاءاتهم تتسع أاكثر ويوما فيوما بدأ البرود يسري في قلب خالد نحو حنان بعد
أن رضيت بلقائه وبدأ يتقاعس بجمع مهرها وكانت في كل لقاء تشد على يده كَــي
ينهي جمع المهر ليتزوجا...
لكنه كان فاقداً للأمل، فالمهر كبير فهو يحتاج لمعجزة كي يستطيع تأمينه فـــــــبات
يكتفي بلقاءاتهم المُتكررة و شعرت حَنان ببرود الحُب في قـــــلبه وكانت تَـــــبكي
ليال طوال وبدأت تمسك القرآن بيدها لتقرأ في الفجر بعض آيات ليطمئن قَـــــلبها
ويوماً بعد يوم تعلق قلبها بحب الله وخوفها من عقابه ،فقررت عدم رؤيته بعدها
وأرسلت برسالة له مع زوجة صديقه علي تقول فيها...
" مَضينا نحمل القمر بين أناملنا ونجري خلف الشمس ،لنجمع مهر زواجنا وتكرَّرت
لقاءاتنا ،فكانت كقطرات تزيح الظمأ عن نفس المُشتاق وفي كل مرة تَنسكب في أذاننا
زقزقة العصافير كنا نَشتاق لبيت يجمعنا لكن اللحظات مَضت وعامين هَربوا كلمحة
بصر ولم أعد ارى فيك ذاك الرجُل الشديد الذي يلهث خلف عَمله ليجمع مهري وبات
اللقاء جل همك وفي كل مرة أشعر بغضب ربي عليي يَشتد والشمس كادت تنزلق في
البحر عِــند غروبها أما الآن!...
فهذا وداعي لك إنما أتوكل على ربي وهو بي وكـــيل ..
قرأ خالد الرسالة وهرول مسرعاً أمام بيتها يريد أن يطرق الباب والدخول لــــكنه تذكَّر
انه لا يحق له الدخول، وما هو إلا غريب عن حَــــنان ،فماذا سيقول ؟!.... عانق وسادته
وهو يُـــفكر ماذا سيفعل وبدأ يرسل لها الرسائل لكن لا ردود وكأنَّــه في أيام خرســــــاء
صماء تدور كما حَــجر الرحى الملقى على صدره ، يكاد يموت من مرور الأيام ،فجلس
يتأمل السماء ويفكر بكل ما حدث...
وبينما هُــو كذلك سمع صوت زغردة وصَوت طبل يَــقرع بقوة ،فخرج مسرعاً
ونظر من شرفته ليراها بثوبها الأبيض الطويل، فلمس صدره وكأن نارا قد اشتعلت
بأضلاعه ولم يشعر آنذاك إلا وهو في المستشفى مُـــــتددثرا بأحزانه ...
وهذا الفقدان السريع الذي قد ألهب قلبه وتركه في هذيان أصابه...
دخل عليَ غرفة خالد في المستشفى وفي يده ورقة من حنان ورماها بين يديه ،فشعر
بقلبه يهوي معها...
قرأ رسالتها وقد كُـتب فيها...
أما بعد فقد قبضت على الشمس بيديك ونثرتها رمادا فاستحالت أن تشرق يوماً آخر
في حَياتك لقد شُغلت بك حين رأيتك وشعرت بلهفتك كَــــي تراني وتسمع صَـــوتي
فكان لقاءنا كنداء المُحبين رقيق حُنون لكنه لم يَخلو من محرمات ولم يخلو من أحلام
بريئة أحيانا وفي كل مرة أخرج فيها من البيت كُــنت على أمل انه سيكون آخر لِــقاء
وكانت الفرحة تَــسري بيننا ولم نَشعر بمرور عامين، وأنت غير قادر على مهري وأنا
غير قادرة على غضب ربي بعد اليوم وغضب أهلي أما أنا فقد سلمت أمري لله رب
العالمين ورضيت بزوج يُملي على حياة يملؤها مَــــودة ورضى أانت عَـــــليك أن
ترضى أن الحب في قلبينا إنما هو حب كُتب عليه أن يكون حُـبا صامتا ،فليكن خالداً
عامراً برضا الله جل وعلا....
وأتمنى لك الفَــرح في الحَياة هذه رسالتي إليك والآن وقد حَق الوداع كُن كما عهدتك
وكن دائما خالد ....
بَـــكى على سريره حتى تبللت خدوده ولحيته ، وشعر بأشد الندم وشَـــعر بقلبه يحترق
ولم ينساها لحظة في حَــياته، فكانت حنان في خلايا روحه وما أشد فرحه حـــين كان
يراها من بعيد وأولادها معها.... أما هو فقد إلتزم بالبعد عن النساء وبات قلبه ذاكراً
لله خاشعا متذللأ... وبقي مخلصا لها وكانت هي مصدر إلـــهامه
في كل قصيدة تُكتب بعد أن كتب عن حبها الشىء الكثير ....
بقلم ضحى عبدالرؤوف المل
مع شكري للشاعر أسعد الروابة
تعليق