[align=center]
منذ الصِغر ونحن نسمع بقصة الغول و" ذات النون " تعددت الروايات والأحداث وأصل الحكاية كما
قرأتها في إحدى الروايات الفلكوريه : " أن الغول كان يٌحب "ست البنات" الجميلة
الحسناء " ذات النون " وقيل - والله أعلم - في سبب تسميتها بـ" ذات النون "
أن صدغيها كانا معقربين فسبحان من صورها في أحسن صورة وللغول سبعة رؤوس وكان يصور هيئته كيفما شاء! وأن رأسه الصغير
هو مصدر حياته ونقطة مقتله الوحيده , كان يأتي في صورة إنسان أو بقرةٍ أو حمار كان ينتحل صور المخلوقات جميعاً وكان الناس في
تلك البقاع يخافون منه خوفاً عظيماً وكان ليلهم موحشاً وطويلاً وأكثر خوفهم كان على الجميلة " ذات النون "
لأنه كان متربصاً بها في كل مكان وزمان لقد فرَّ بها أهلها ، لكن الغول الشرير ظل يلاحقهم من أرض إلى أرض وعندما ملّوا الفرار من
وجه الغول قالوا : نُزوجها لابن عمها وضاح فلما علم الغول بمكرهم ، مكرَ هو الآخر فتحول جملاً ما شهدت تلك البوادي كمثله بياضاً
وحٌسناً وكان لونه كلون الثلج ، وعيناه سوداوين وعميقتين كمثلْ سواد الليل وكان يرد العين التي تشرب منها إبل القبيلة فلما رأوه
قالوا : تالله ما في الإبل التي نملكها أكرم من هذا الجمل، فمن أين جاء..؟.. ويوم الزفاف تخاصموا عليه فمن قائل نذبحه فإن له سناماً
كالقبة الرومية ولحم لاشك أنه طري ودسم ومن قائل بل نطلقه فحلاً فإن أصله طيب وكريم ولسوف نرزق من صلبه نوقاً عتاقاً كعصافير
النعمان ملك الحيرة . فلما اشتد الخصام وانتشر في تلك البوادي اللغط وشين الكلام أقبل والد العروس وكان شيخاً ذا مهابة ووقار
فانصتوا له إنصاتاً قال : يا جماعة الخير هذا الجمل الأبيض دخل في مراحي أنا دون سائر العالمين وأُعجبتُ به ابنتي " ذات النون
" وقالت : " يا أبتي (والله ما يوضع هودجي إلا على هذا الجمل ذي الأصل الكريم أولا أدخل على عريسي هذه الليلة ) فقلتُ لها : يا " زينة البنات "
قرِّي عيناً فو الله ما كنتُ لأخالف لك أمراً وليس عندي في الدنيا أعز منك يا " ذات النون " فتفرق الجمع وقد
أذعنوا لرأي الشيخ الوقور فلما أقبل الليل .. أسرعوا إليه فرسنوه وقادوه إلى مكان العروس وأُنيخَ في قلب الساحة " ذلك الجمل
الجهم الكبير" وعيونه أضحت حمراء كنيران شُهب تلك الليلة وكان باركاً في قلب الساحة كجبل من جبال الجليد حملته قدرة الرحمن إلى
ذلك الفج البعيد ؛ لقد أضمر في نفسه الشر وكان متجهاً برأسه الكبير إلى الخيمة التي فيها الصبايا وفيها " ذات النون
"
عروس البادية المفجوعة وأقبل جمع من نساء الفريق يحملن هودجاً فوضعنه على ظهر الجمل وقلن هذا للعروس ثم غُطىَ الهودج بالِكدَانة
وفرشت عليه المفارش وزيَّنه بالزخارف المصنوعة من جلود الظباء وطوقن عنق الجمل الأبيض بالعَقّادْ وكان مرسوناً برسن قوي مدمج
بلون ذهبي ثم وضعت على رأسه القَنْبارْ - فتبارك الرحمن- لقد أقسم كل من حضر ذلك الزفاف إنه ما شهد منظراً كذلك المنظر البديع
وعندما أُخْرِجَتْ " ذات النون " في جوقة النسوة اللائي كن يرقصن ويغنين ويزغردن ويضربن على الدفوف
كانت كالبدر في أوج اكتماله فسبحان خالقها حنّوا قدميها ويديها وأبدعت أيدي المواشط في شعرها الناعم الطويل وتلك الخدود
ألهبها الحياء والطيب فاحمرت حتى أضحت كالتبر المذاب ثم مشت كالملاك بين الناس ثم حملوها وأدخلوها باطن الهودج فَبَشَّر الرجال
وزغردت النساء ولقد بنوا لهما بيتاً في ناحية من نواحي القرية ووضاح العريس كان في أيدي رفاقه من شباب القبيلة يزينونه لليلة
الموعودة , وضاح الفتى .. كان أبلج كالقمر أو ليلة من ليالي السمر فلما تحرك ركبه مع الشباب يطلب ذلك البيت تحرك ركب " ذات النون "
مع النساء والأطفال والشيوخ لاح جمعه ولاح جمعها فهللوا وبشروا وارتفعت الزغاريد وعلا دق الطبول وتلفت الغول يميناً وشمالاً ورفع
عقيرته بصوت كالفحيح المشؤوم بُهت له الناس فغشي عليهم .. وادْلَهمَّ من وحشته المكان
... ثم مرق كالسهم على أعقاب الطرائد وفرّ بـ" ذات النون " إلى باطن الوادي . " انتهى
وقد قيل انه سكن في تلك البقعة المهجورة فوق جبل بالقرب من منزل " جدي " الذي نذهب إليه صباحية كل عيد وفي أوقات العطل . .. ويا ويح قلبي ..
ينتابني شعور مريب بالفضول لمعرفة خارطة ذلك الجبل وذلك المسكن كيف يكون من داخله ..؟
هل جدارنه مزيَّنة بألواناً زرقاء وخضراء وصفراء فاقع لونها تُسر الناظرين..؟ أم أنها بلون حندس الليل البهيم ..؟
هل صحيح أن خلف تلك الجدران - جنة الله في أرضه - وأن مساكب القرنفل والياسمين المزنبق تُعطّر المكان .؟
أم أنها مجرد أشواك وأشجار يابسة تنتظر من يحتطبها بعد أن ماتت وهي تنتظر من يسقيها ..
أيعقل أن طيور" القمري" على نواصي النخيل وفي المروج تسجع ما طاب لها السجع خلف ذلك الجدار ؟
وأن الطاؤوس يمشى كالمليك يزهو ويرفل بريشه الملون بأروع الألوان في وسط الأرض الغناء ..؟
أم أنها مجرد غربان جائعة تنعق بصوت مزعج يصم الآذان فوق أشجار الشوك وأغصان يَباس..؟
وماذا عن العواء الأليم في غياهب الليل ؟ طالما ما كنا نسمع عواءٌ أليم كأنه ذئب جريحا وجائع ..
هل صحيح أن انتفاض ذلك الصوت الجريح كان من حنجرة الغول ..؟
أم أن الغول لا يزال يتجول وقد تحول الى شيخاً حزين قد بلغ من الكبر عتياً يدفع عربة صغيرة يبيع عليها الأمشاط ويتصيد الجميلات ليأخذهن إلى ذلك المكان المجهول..؟
لقد سمعت من احد أولئك الذين أضنتهم مشبوب مشاعر الفضول والرغبة في رؤية جمال " ذات النون " ,
ذهب ليستكشف حقيقة المكان وأثناء سيره في ذلك الأرخبيل تَخَيَّلَ له بأن " حِـمـ*** " يسير خلفه ثم لاذ بالفرار
بعد أن أطلق للريح ساقيه ليقسم بعدها للناس بالله ويحلف أغلظ الإيمان انه صادق فيما رأى .. ! كم هو غبي ..!
لقد سمعت أيضاً أن الغول تحول على هيئة " ثعبان عظيم " يحرس ذلك الأرخبيل
وأن " ذات النون" لا تزال حبيسة هناك ..
برغم كل شيء قد قيل عن ذلك المكان المهيب وان الداخل مفقود والخارج منه مولود , في اليوم الثاني نهضتُ مع الشمس وحاولتُ الصعود
إلى ذلك المكان لعلي أبلغ لأسئلتي المستديمة رشدا , قرأتُ آية الكرسي , والمعوذات , وجميع الآيات والأدعية للتحصين, وكذلك الرقية
الشرعية , وأذكار الصباح والمساء , وسورة البقرة وآل عمران حتى حسبت إني قرأت القران كاملاً .
وبسم الله صعَدتْ خُطواتي و أنا بين خطوة وأخرى أقرأ وأذكر الله وأنظر للوراء لعل " حِـمـ*** " يسير خلفي دون أن أشعر, كنتُ أتخبط
في السير خبط عشواء فلا سلاح أحمله ولم أخبر أحداً بمكاني , أخذت نسائم هبوباً صباحية تهب من كل حدب وصوب حتى تخالني خَيْلاً
إني مصابة بالصداع لم أستطع إكمال المسير فعدتُ أدراجي .. سأعود للصعود في يوماً ما لِـ أرى حقيقة ذلك المكان وألتقط له بعض
الصور وأثبت لهم أن لاشيء من تلك الرواية صحيح و أنها محض خيالاً بشرياً لا يمت للحقيقة بصلة وان تلك الأحداث لم تحدث قط في ديارنا
فلا زلت أتشبث بالقول المأثور : ثلاث من المستحيلات " الغول والعنقاء والخل الوفي" ..! وإن كان آخرها لا يروق لي .
معاني الشوق[/align]
تعليق