الشعرُ والغناء وجهان ِ لعملة ٍ واحدة ، قد تبدو هذا العبارة من الوهلة الأولى صحيحة ، والحق أنها غير ذلك ، فلا الشعر وجهاً للغناء ولا الغناءُ وجه للشعر ، وإنما الغناء يدورُ وجوداً وعدماً مع الشعر ، فلا يتصور أن يكون هناك غناء بلا شعر ، ومن المعقول جداً- وهو الأصل- أن يكون هناك شعراً بلا غناء ، بل أنه وبالرجوع إلى كتب الأدب العربي والتي حملت أخبار الشعر وندواته في العصر القديم ، كسوق عكاظ ، والمعلقات، وقصائد بلاط الخلفاء والأمراء ونحوهما ، لا نجد إشارة إلى أنّ الشُعراء كانوا يلقون قصائدهم على المسامع مُغناة ، سواءً كانوا من أصحاب الأصوات الشجية أم النشاز ، بل الأبعد من ذلك ، لم يكن المُتنبيّ زرياباً ، ولم يكن زرياب ُمتنبياً ، وكأنهم يؤمنون بفكرة التخصص أو وحدة المواهب لا تعددها.
أما نحن فلم نكن كذلك ، ففي عصرنا الحديث ، وبالخصوص في فترة الستينات الميلادية من القرن العشرين الماضي ، خرج إلى الملأ ظاهرة الشعراء المُغنيين ، فلم تقتصر شركة (نجد فون) ، صاحبة الاسطوانات الأكثر انتشاراً في الخليج ، على نشاط المغنيين أمثال سلامة العبدالله ، أو حمد الطيار ، بل شاركهم في ذلك شعراء ليس لهم من الفن والغناء نصيب ، فمثلاً حجاب بن نحيت ، لا يملك حنجرة عذبة ، كحنجرة عبدالحليم حافظ، وما ينطبق عليه ، ينطبق على زميله خلف بن هذال ، فهذا الآخر ، لا يرتقي صوته بالغناء إلى مرتبة الأصوات الجميلة ، كصوت محمد عبده في رائعته (الرسائل) ، وإن كان الشاعر لا المغنيّ خلف بن هذال ، يجيد أداء الألحان الشعبية على كافة بحور الشعر النبطيّ بتفوق تام.
وما يشفع دخول الشعراء حجاب بن نحيت وخلف بن هذال إلى المجال الغنائي في تلك الأيام هو سرعة وصول قصائدهم إلى الجمهور على اعتبار أن الاسطوانة هي الوسيلة الوحيدة ، في زمن لم يكتشف فيه بعد اختراع (الديوان الصوتي) ، وهؤلاء بعد ما تحققت غاية الوصول والانتشار ، أعلنوا اعتزالهم الغناء ، لأنهم يعلمون علم اليقين ، بأن الغناء كموهبة ، لا يتوافر فيهم ، وإنما اقتحموه عنوة ، وفرضوا أصواتهم وألحانهم ، والتي لو عرضت على عباقرة الملحنين في الوطن العربي لما استطاعوا أن يدونوها في النوتة الموسيقية فضلاً عن سماعها.
لقد انتهى عصر حجاب وخلف، وأصبح سبب اقتحامهم دنيا الغناء، لا وجود له خصوصاً بعد انتشار البرامج الإذاعية المهتمة بالشعر ومروراً بالجرائد والمجلات وانتهاءً بالديوان المكتوب، ولكن مع هذا كله ، عادت ظاهرة الشعراء المُغنين من جديد ، ولكن هذه المرة في زمن الفضائيات والأمسيات الشعرية المكثفة ، فلا تكاد تخلو أمسية شعرية من شاعر مُغنيّ ، ولا برنامجاً شعرياً من حنجرة غنائية شعرية ، تصدح بالألحان (الملطوشة) من كبار المطربين الشعبيين وعازفيّ الربابة المشهورين ، وأمام هذا الزخم من الأصوات الغنائية والتي يؤديها شعراء ينتسبون إلى الشعر ويرفضون لقب مُغني أومُطرب أو حتى مؤديّ! ، يتبادر إلى الأذهان سؤال ، ما الدافع وراء عودة هذه الظاهرة ؟ هل لصعوبة وصول القصيدة إلى الجمهور ؟ لا أتوقع ذلك فقد تجاوزنا زمن أسلافنا بمراحل ، فهناك طرق عديدة للوصول ، ولم يعد عذر خلف وحجاب يتوافق مع عصرنا ، إن الإجابة على عودة هذه الظاهرة من وجهة نظريّ ، هو سدّ النقص فيما يقدمونه من نتاج شعريّ ، فالصوت الجميل بكل تأكيد محبب للآذان ، فقد تطرب الإذن للحن دونما إلتفات إلى جودة البيت المُغنى ، كما أنه لا ينبغيّ للأمانة التعميم ، فهنالك قلة قد تجمع بين الموهبتين ، ولكنها لا تساويّ شيئاً ، أمام السيل العارم من الشعراء المُغنين ، نحن أمام هذه الظاهرة نحتاج إلى التقنين لمعيار ما يقدمونه الشعراء المُغنين من قصائد مُغناة ، ويبدو هذا المعيار صعب التطبيق ، فنحن كمتلقين لا نستطيع أن نكمم الأفواه ، كما لا يحق لنا أن نُعلن العِداء على المقولة العامية الشهيرة ( اللي تكسب به ، العب به)! ، وكل عام وحناجركم تصدح ألحاناً جميلة ، واللهم لا حسد!.
أما نحن فلم نكن كذلك ، ففي عصرنا الحديث ، وبالخصوص في فترة الستينات الميلادية من القرن العشرين الماضي ، خرج إلى الملأ ظاهرة الشعراء المُغنيين ، فلم تقتصر شركة (نجد فون) ، صاحبة الاسطوانات الأكثر انتشاراً في الخليج ، على نشاط المغنيين أمثال سلامة العبدالله ، أو حمد الطيار ، بل شاركهم في ذلك شعراء ليس لهم من الفن والغناء نصيب ، فمثلاً حجاب بن نحيت ، لا يملك حنجرة عذبة ، كحنجرة عبدالحليم حافظ، وما ينطبق عليه ، ينطبق على زميله خلف بن هذال ، فهذا الآخر ، لا يرتقي صوته بالغناء إلى مرتبة الأصوات الجميلة ، كصوت محمد عبده في رائعته (الرسائل) ، وإن كان الشاعر لا المغنيّ خلف بن هذال ، يجيد أداء الألحان الشعبية على كافة بحور الشعر النبطيّ بتفوق تام.
وما يشفع دخول الشعراء حجاب بن نحيت وخلف بن هذال إلى المجال الغنائي في تلك الأيام هو سرعة وصول قصائدهم إلى الجمهور على اعتبار أن الاسطوانة هي الوسيلة الوحيدة ، في زمن لم يكتشف فيه بعد اختراع (الديوان الصوتي) ، وهؤلاء بعد ما تحققت غاية الوصول والانتشار ، أعلنوا اعتزالهم الغناء ، لأنهم يعلمون علم اليقين ، بأن الغناء كموهبة ، لا يتوافر فيهم ، وإنما اقتحموه عنوة ، وفرضوا أصواتهم وألحانهم ، والتي لو عرضت على عباقرة الملحنين في الوطن العربي لما استطاعوا أن يدونوها في النوتة الموسيقية فضلاً عن سماعها.
لقد انتهى عصر حجاب وخلف، وأصبح سبب اقتحامهم دنيا الغناء، لا وجود له خصوصاً بعد انتشار البرامج الإذاعية المهتمة بالشعر ومروراً بالجرائد والمجلات وانتهاءً بالديوان المكتوب، ولكن مع هذا كله ، عادت ظاهرة الشعراء المُغنين من جديد ، ولكن هذه المرة في زمن الفضائيات والأمسيات الشعرية المكثفة ، فلا تكاد تخلو أمسية شعرية من شاعر مُغنيّ ، ولا برنامجاً شعرياً من حنجرة غنائية شعرية ، تصدح بالألحان (الملطوشة) من كبار المطربين الشعبيين وعازفيّ الربابة المشهورين ، وأمام هذا الزخم من الأصوات الغنائية والتي يؤديها شعراء ينتسبون إلى الشعر ويرفضون لقب مُغني أومُطرب أو حتى مؤديّ! ، يتبادر إلى الأذهان سؤال ، ما الدافع وراء عودة هذه الظاهرة ؟ هل لصعوبة وصول القصيدة إلى الجمهور ؟ لا أتوقع ذلك فقد تجاوزنا زمن أسلافنا بمراحل ، فهناك طرق عديدة للوصول ، ولم يعد عذر خلف وحجاب يتوافق مع عصرنا ، إن الإجابة على عودة هذه الظاهرة من وجهة نظريّ ، هو سدّ النقص فيما يقدمونه من نتاج شعريّ ، فالصوت الجميل بكل تأكيد محبب للآذان ، فقد تطرب الإذن للحن دونما إلتفات إلى جودة البيت المُغنى ، كما أنه لا ينبغيّ للأمانة التعميم ، فهنالك قلة قد تجمع بين الموهبتين ، ولكنها لا تساويّ شيئاً ، أمام السيل العارم من الشعراء المُغنين ، نحن أمام هذه الظاهرة نحتاج إلى التقنين لمعيار ما يقدمونه الشعراء المُغنين من قصائد مُغناة ، ويبدو هذا المعيار صعب التطبيق ، فنحن كمتلقين لا نستطيع أن نكمم الأفواه ، كما لا يحق لنا أن نُعلن العِداء على المقولة العامية الشهيرة ( اللي تكسب به ، العب به)! ، وكل عام وحناجركم تصدح ألحاناً جميلة ، واللهم لا حسد!.
تعليق