مع بداية الثلث الثاني من القرن الثاني للهجره بدأت تطغى اللغه المولده , ويطغى كذالك الشعراء المولدون . بل تـاصل الشعراء المولدون في تجربة الابداع الشعري العربي ,وتفوقو على العرب الاقحام أنفسهم .
وكن انتاجهم الشعري الاصل الاول للتحول ومناخه الاول .
فمــســـلم بن الـوليـــــد : هو اول من حاول ان يجعل من الشعر ابداعا جمالياً بالالفاظ .
ويقول عنه ابن قتيبه إنه ( أول من الطف في المعاني ورقق في القول ) .
وكان بـشـــار بن بـــرد : في أساس ابتكار اللغه الشعريه المحدثه أي في أساس الخروج عن الاصول الشعريه القديمه , قيل عنه انه ( أستاذ المحدثين من بحره اغترفوا , وأثره اقتفوا ) , وفي روياه لأبي حاتم السجستاني أنه سأل الاصمعي عن أي الشعرين أشعر : بشار بن برد أم مروان بن ابي حفصه ؟ فقال :
بشار أشعر , وعلل ذلك بقول : ( لأن مروان أخذ بمسلك الاوائل .. سلك طريقا كثر سلاكه فلم يلحق بمن تقدمه وأن بشارا أخذ طريقا لم يسلكه أحد فانفرد فيه واحسن فيه ) ماذا قال ؟ ( لأن مروان أخذ بمسلك الاوائل .. سلك طريقا كثر سلاكه فلم يلحق بمن تقدمه وأن بشارا أخذ طريقا لم يسلكه أحد فانفرد فيه واحسن فيه ) .
ولا تقتصر اهمية بشار عن الناحية الفنيه فيه في شعره وانما تشمل ايضا موقفه الفكري العام , فقد رفض التقاليد الاجتماعيه السائده , مشككاً فبها تاره وساخراً منها تارة ثانيه , وسخر من العقائد والسلطه التي تمثلها , معلناً عقيدته الخاصه . وبشّر باللذه واباحتها بحيث ولّد شعره معركه من التحرير الاخلاقي - الجنسي جعل رجال الحديث والفقه يحاربونه ويحرضون عليه حتى قتله الخليفة المهدي .
وكان بشار شديد الثقه بشعره , مدركا انه يفتتح به عهدا جديدا من الشعر . سئل مره : ( بم فقت أهل عمرك , وسبقت أهل عصر في حسن معاني الشعر وتهذيب الفاظه ؟ فقال : لاني لم أقبل كل ماتورده عليّ قريحتي , ويناجيني به طبعي ويبعثه فكري ... ولا والله ما ملك قيداي الاعجاب بشئ مما آتي به ) .
وفي هذا القول مايشر الى ان الشعر في رأي بشار فن فلا يكفي أن يعبر الشعاعر طبعياً , بل الهم هو كيفية تعبيره ز فالطبع بذاته لا يتضمن قيمه شعريه بالضروره , وانما يجب اخراجه فنيا ( يجب اخراجه فنيا ) وفي هذا القول مايشير ايضا الى ان بشار يرى أن الشعر بحث مستمر ومن هنا لا يعجب الشاعر بما أنجزه , ذلك أنه مأخوذ بما لم ينجزه بعد .
ويقدم شعر ابي العتاهـــيه نموذجا اخر من للحساسيه الناشئه في المدينه , تتلاقى فيه الطهريه الدينيه , والحكمه , ومايمكن ان نسميه بالشعبيه او التبسيطيه ( الشعبيه ) الشعريه .فقد كان يكتب الشعر وكأنه يزن كلام الناس ويقفّيه . فلا فرق بالنسبة اليه , بين الشعر وكلام الناس , الا في الوزن والقافيه . فكان يقول ان اكثر الناس ( يتكلمون بالشعر وهم لا يعلمون , ولو أحسنوا تأليفه كانوا شعراء كلهم ) .
وقيل انه قام بتجربة ليدلل على رأيه , فأخذ كلام العامه في الاسواق وصاغه شعراً موزوناً مقفّى . وكان يدافع عن اتجاهه بقوله ( أعجب الاشيا لديهم (( الناس )) مافهموه ) غير انه يؤمن بشعر آخر هو مايسميه ( بشعر الفحول المتقدمين , مثل شعر بشار وابن هرمة ) فإذا لم يكن الشاعر يكتب مثل هؤلاء , أي شعرا يصعب فهمه على الجمهور , او شعرا (( فحلا )) فالأصح للشاعر أن ( تكون الفاظه مما لاتخفى على جمهور الناس مثل شعري ) .
وكان ابو العتاهيه بمعنىآخر يقول بأن على الشاعر اما ان يكون قديما حقاً , أو محدثا حقاً , ولا يجوز له أن يكون مهجناً , أي بين وبين . فقد عاب مرة شعر ابن ناذر بقوله : ( شعرك مهجن لايلحق بالفحول , وانت خارج عن طبقة المحدثين , فإن كنت تشبهت بالعجاج ورؤبة فما لحقتهما ولا أنت في طريقهما , وان كنت تذهب مذهب المحدثين , فما صنعت شيئاً ) . وهذا مايفسر اختيار ابي العتاهيه الطريقه الشهريه التبسيطيه أو السوقيه .
قال له مره سلم الخاسر بعد ان سمع احدى قصائده : ( لقد جوتها لو لم تكن الفاظها سوقيه ) , فقال له : ( والله مايرغبني فيها الا الذي زهّدك فيها ) هكذا اقترب الشعر من النثر , وأصبح صياغه موزونه لكلام الناس , وبخاصه العامه منهم , وهذه النثريه عند ابي العتاهيه قادته الى الخروج عن نظام القافيه التقليدي , كما يظهر ذلك في قصيدته ( ذات الامثال ) حيث اجرى قوافيها على اساس ازدواجي , وقادته كذلم الى الخروج عن نظام الاوزان التقليدي .
يقول عنه ابنه محمد : ( وله اوزان لا تدخل في العروض ) ويقول ابو الفرج ( وله اوزان قالها مما لم يتقدمه الاوائل فيها ) ويقول ابن قتيبه : ( وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعرا موزونا يخرج به عن أعاريض الشعر واوزان العرب ) . ويقول المبرد : ( كثيرا ما يركب مايخرج من العروض اذا كان مستقيما في الهاجس ) . وهذه الكلمه تشير الى ان الوزن ليس منحصرا في العروض . بل الوزن ايضا مايستقيم في الهاجس .
الوزن بتعبير آخر ابتكاااااااااااار وليس قاعده , تفجر من داخل ر فرض ُ من خارج , ولعل أبا العتاهيه كان يشير الى ذلك عندما قال : ( أنا أكبر من العروض ) ( أنا أكبر من العروض ) .
ويروي ابن قتيبه خبرا عن ابي العتاهيه يشير الى المبدا الموسيقي الذي كان يعنى به لقيمته , مكان المبدأ العروض , وهو أنه ( جلس يوما عن قصار فسمع صوت المدقه فحكي ذلم في الفاظ شعره وهو عدة ابيات فيها :
للمنون دائرات يدرن صرفها
.. هن ينتقيننا واحداً فواحدا ) .
وهذا المبدأ الموسيقي مأخوذ كما يشير الخبر , من موسيقى الحياة وأشيائها اليوميه . ويجري ايقاع هذين البيتين على : فاعلن فاعلن . وهذي يعني ان التفعيله بذاتها خليليه , أي قديمه , أما الجديد فهو المؤالفة بين التفعيلات , او الوحدات الموسيقيه في عروض الخليل , وشكل هذه المؤالفه . اضف الى ذلك انه يهمل القافيه .
ليس غريبا اذن أن يكون ابو العتاهيه قد اختار ان يكتب معظم شعره على اوزان قصيره خفيفه .
غير ان سيطرة الحساسيه المدنيه وقوة التعبير عنها تجلتّا على الأخص عند أبي نواس وأبي تمام , انهما يشتركان في رفض القديم ( رفض القديم ) ولكن كلا منهما سلك في ابداعه وتجديده مسلكا خاصا : نظر ابو نواس الى العالم حوله كما هو , وعاشه كما هو , ورسم له صوره حيه بالكلمات , مطابقا بين الحياة والشعر , ونظر ابو تمام الى العالم حوله كما هو , وعاشه كما هو , ولكنه تجاوزه , وخلق عالما فنيا وهكذا اتخذ الحداثه عنده بعد الخلق لا على مثال , بينما اتخذ عند أبي نواس بُعداً مجازيا رمزياً .
المرجع : الثابت والمتحول _ الجزء الثاني _ ادونيس .
وكن انتاجهم الشعري الاصل الاول للتحول ومناخه الاول .
فمــســـلم بن الـوليـــــد : هو اول من حاول ان يجعل من الشعر ابداعا جمالياً بالالفاظ .
ويقول عنه ابن قتيبه إنه ( أول من الطف في المعاني ورقق في القول ) .
وكان بـشـــار بن بـــرد : في أساس ابتكار اللغه الشعريه المحدثه أي في أساس الخروج عن الاصول الشعريه القديمه , قيل عنه انه ( أستاذ المحدثين من بحره اغترفوا , وأثره اقتفوا ) , وفي روياه لأبي حاتم السجستاني أنه سأل الاصمعي عن أي الشعرين أشعر : بشار بن برد أم مروان بن ابي حفصه ؟ فقال :
بشار أشعر , وعلل ذلك بقول : ( لأن مروان أخذ بمسلك الاوائل .. سلك طريقا كثر سلاكه فلم يلحق بمن تقدمه وأن بشارا أخذ طريقا لم يسلكه أحد فانفرد فيه واحسن فيه ) ماذا قال ؟ ( لأن مروان أخذ بمسلك الاوائل .. سلك طريقا كثر سلاكه فلم يلحق بمن تقدمه وأن بشارا أخذ طريقا لم يسلكه أحد فانفرد فيه واحسن فيه ) .
ولا تقتصر اهمية بشار عن الناحية الفنيه فيه في شعره وانما تشمل ايضا موقفه الفكري العام , فقد رفض التقاليد الاجتماعيه السائده , مشككاً فبها تاره وساخراً منها تارة ثانيه , وسخر من العقائد والسلطه التي تمثلها , معلناً عقيدته الخاصه . وبشّر باللذه واباحتها بحيث ولّد شعره معركه من التحرير الاخلاقي - الجنسي جعل رجال الحديث والفقه يحاربونه ويحرضون عليه حتى قتله الخليفة المهدي .
وكان بشار شديد الثقه بشعره , مدركا انه يفتتح به عهدا جديدا من الشعر . سئل مره : ( بم فقت أهل عمرك , وسبقت أهل عصر في حسن معاني الشعر وتهذيب الفاظه ؟ فقال : لاني لم أقبل كل ماتورده عليّ قريحتي , ويناجيني به طبعي ويبعثه فكري ... ولا والله ما ملك قيداي الاعجاب بشئ مما آتي به ) .
وفي هذا القول مايشر الى ان الشعر في رأي بشار فن فلا يكفي أن يعبر الشعاعر طبعياً , بل الهم هو كيفية تعبيره ز فالطبع بذاته لا يتضمن قيمه شعريه بالضروره , وانما يجب اخراجه فنيا ( يجب اخراجه فنيا ) وفي هذا القول مايشير ايضا الى ان بشار يرى أن الشعر بحث مستمر ومن هنا لا يعجب الشاعر بما أنجزه , ذلك أنه مأخوذ بما لم ينجزه بعد .
ويقدم شعر ابي العتاهـــيه نموذجا اخر من للحساسيه الناشئه في المدينه , تتلاقى فيه الطهريه الدينيه , والحكمه , ومايمكن ان نسميه بالشعبيه او التبسيطيه ( الشعبيه ) الشعريه .فقد كان يكتب الشعر وكأنه يزن كلام الناس ويقفّيه . فلا فرق بالنسبة اليه , بين الشعر وكلام الناس , الا في الوزن والقافيه . فكان يقول ان اكثر الناس ( يتكلمون بالشعر وهم لا يعلمون , ولو أحسنوا تأليفه كانوا شعراء كلهم ) .
وقيل انه قام بتجربة ليدلل على رأيه , فأخذ كلام العامه في الاسواق وصاغه شعراً موزوناً مقفّى . وكان يدافع عن اتجاهه بقوله ( أعجب الاشيا لديهم (( الناس )) مافهموه ) غير انه يؤمن بشعر آخر هو مايسميه ( بشعر الفحول المتقدمين , مثل شعر بشار وابن هرمة ) فإذا لم يكن الشاعر يكتب مثل هؤلاء , أي شعرا يصعب فهمه على الجمهور , او شعرا (( فحلا )) فالأصح للشاعر أن ( تكون الفاظه مما لاتخفى على جمهور الناس مثل شعري ) .
وكان ابو العتاهيه بمعنىآخر يقول بأن على الشاعر اما ان يكون قديما حقاً , أو محدثا حقاً , ولا يجوز له أن يكون مهجناً , أي بين وبين . فقد عاب مرة شعر ابن ناذر بقوله : ( شعرك مهجن لايلحق بالفحول , وانت خارج عن طبقة المحدثين , فإن كنت تشبهت بالعجاج ورؤبة فما لحقتهما ولا أنت في طريقهما , وان كنت تذهب مذهب المحدثين , فما صنعت شيئاً ) . وهذا مايفسر اختيار ابي العتاهيه الطريقه الشهريه التبسيطيه أو السوقيه .
قال له مره سلم الخاسر بعد ان سمع احدى قصائده : ( لقد جوتها لو لم تكن الفاظها سوقيه ) , فقال له : ( والله مايرغبني فيها الا الذي زهّدك فيها ) هكذا اقترب الشعر من النثر , وأصبح صياغه موزونه لكلام الناس , وبخاصه العامه منهم , وهذه النثريه عند ابي العتاهيه قادته الى الخروج عن نظام القافيه التقليدي , كما يظهر ذلك في قصيدته ( ذات الامثال ) حيث اجرى قوافيها على اساس ازدواجي , وقادته كذلم الى الخروج عن نظام الاوزان التقليدي .
يقول عنه ابنه محمد : ( وله اوزان لا تدخل في العروض ) ويقول ابو الفرج ( وله اوزان قالها مما لم يتقدمه الاوائل فيها ) ويقول ابن قتيبه : ( وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعرا موزونا يخرج به عن أعاريض الشعر واوزان العرب ) . ويقول المبرد : ( كثيرا ما يركب مايخرج من العروض اذا كان مستقيما في الهاجس ) . وهذه الكلمه تشير الى ان الوزن ليس منحصرا في العروض . بل الوزن ايضا مايستقيم في الهاجس .
الوزن بتعبير آخر ابتكاااااااااااار وليس قاعده , تفجر من داخل ر فرض ُ من خارج , ولعل أبا العتاهيه كان يشير الى ذلك عندما قال : ( أنا أكبر من العروض ) ( أنا أكبر من العروض ) .
ويروي ابن قتيبه خبرا عن ابي العتاهيه يشير الى المبدا الموسيقي الذي كان يعنى به لقيمته , مكان المبدأ العروض , وهو أنه ( جلس يوما عن قصار فسمع صوت المدقه فحكي ذلم في الفاظ شعره وهو عدة ابيات فيها :
للمنون دائرات يدرن صرفها
.. هن ينتقيننا واحداً فواحدا ) .
وهذا المبدأ الموسيقي مأخوذ كما يشير الخبر , من موسيقى الحياة وأشيائها اليوميه . ويجري ايقاع هذين البيتين على : فاعلن فاعلن . وهذي يعني ان التفعيله بذاتها خليليه , أي قديمه , أما الجديد فهو المؤالفة بين التفعيلات , او الوحدات الموسيقيه في عروض الخليل , وشكل هذه المؤالفه . اضف الى ذلك انه يهمل القافيه .
ليس غريبا اذن أن يكون ابو العتاهيه قد اختار ان يكتب معظم شعره على اوزان قصيره خفيفه .
غير ان سيطرة الحساسيه المدنيه وقوة التعبير عنها تجلتّا على الأخص عند أبي نواس وأبي تمام , انهما يشتركان في رفض القديم ( رفض القديم ) ولكن كلا منهما سلك في ابداعه وتجديده مسلكا خاصا : نظر ابو نواس الى العالم حوله كما هو , وعاشه كما هو , ورسم له صوره حيه بالكلمات , مطابقا بين الحياة والشعر , ونظر ابو تمام الى العالم حوله كما هو , وعاشه كما هو , ولكنه تجاوزه , وخلق عالما فنيا وهكذا اتخذ الحداثه عنده بعد الخلق لا على مثال , بينما اتخذ عند أبي نواس بُعداً مجازيا رمزياً .
المرجع : الثابت والمتحول _ الجزء الثاني _ ادونيس .
تعليق