يعود من سفره الطويل .. يجر خلفه حقائب تفيض بالآلام والمواجع يقضم أظافره ندماً على الشباب الجميل الذي أفناه في لذائذ ومتع تزيد عما تحتمله نفسه المسجونة داخل نفسه .. التي طالما حملها فوق طاقتها ليرضي فلان وفلان من الناس .. تلوح له صورته قبل عشرين سنة من الزمن المبحر في مياه الغرور المتلاطم ..كل من كان يدعوه للسفر كان يطاوعه,فقد كان يمتلك كل مقومات الشخصية الجذابة كان لديه الثراء الذاتي,الروح الخفيفة الحلوة ,القدرة على كتمان السر ويتميز بالأمانة والقامة الفارهة ,موهبة إلقاء الطرائف,كان يبهج ويدخل السرور على قلب كل من يراه..
وكان لديهم المال الكافي للسفر والترحال في أرجاء الأرض .. والسفر يحتاج إلى رفيق وكان هو الرفيق وكان هو الضحية ..
الآن في صحبة هذه الكسور التي لا تجبر وهذه الانكسارات التي تملأ نفسه يفقد كل الرغبات في الحديث غير أن لحناً قديماً يلوح له من بعيد.. استدعته الذاكرة بغرابة:
لا تعذليه فإن العذل يوجعه
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
نعم كانت تقول له كلاماً جميلاً مقنعاً .. ولم يكن يسمع أو يقتنع .. كان صوتها يزعجه كصرير الجنادب .. إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى البصائر .. كان يصر ويستكبر استكبارًا عن سماع نفثات صدرها المشتعل بحبه ودموعها المنحدرة على وجنات كالورد قبل أن تذبل تحت لفح المعاناة وجحيم الانتظار .. انتظاره هو.. نعم هو من جعل من حب ذاته رمزاً يتفوق على كل حب وبطريقة قاتلة أحب ذاته أو ظن أنه يحبها .. حيث منحها كل ما كانت تتوق له وكل ما تطلبه لم يقل لنفسه مرة واحدة: "لا .. كفاك شرهاً .. أفيقي ..". لم يكن يعلم كيف يتحدث إلى نفسه برفق .. ومحبة .. لقد أحبها لدرجة أنه ملأها بالموبقات والآثام ولم تكن نفسه تستحق ذلك منه أبدًا .. كان الأولى به أن يعرف نفسه وأي فتى رائع جميل ذكي موهوب هو .. ولكنه لم يعرف ولم يعطي أحدًا يحبه فرصة تعريفه بنفسه واكتشاف مواهبه .. ربما لأنه تعرض للنقد الدائم المتكرر في صغره ممن أحبوه .. لذلك لم يعد يجدي معه نقد أو انتقاد ربما ..
الآن يقلب صفحات فكره يفتش عن الأسباب التي دفعته ليرتكب حماقاته فلا يجد غير ذلك اللحن الحزين يشتعل في وجدانه فكأنما يسمعه لأول مرة :
جاوزت في لومه حداً أضر به
من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
يا لهذه المعرفة التي جاءت متأخرة جداً .. الآن وقد أوشك العمر على حزم أمتعة السفر .. الآن يعرف أنه كان مخطئاً .. ليس ثمة قيمة للمعرفة في هذا الوقت المتأخر .. ليس من هاجس يراوده الآن غير مفردات: ليت ..، لو ..، ليتني فعلت كذا ..، ولو أنى لم أفعل كذا ..، ليت العمر يرجع للوراء عشرين سنة ..، لو أن العمر عاد يا ترى,هل أكون إنسانًا مختلفًا، أم سأكون كما أنا؟! .. ليت مركب الأيام يرجع بي في حركة دوران عكسي .. وأنا أحمل ذات التجارب التي أعلمها الآن وليس ذلك الشاب الطروب النزق .. آه لو أني أعود لذلك الزمن ذي السنوات الخضراء, ولدي عقلي هذا الذي صقلته التجارب حتى صار خبيراً في شؤون الحياة .
العقل.. أتراه هبة تولد معك، أم هو صناعة التجارب,والاحتكاك ومعاصرة الأحداث المؤلمة؟ تعطيكها الأيام بعد أن تدفع لها ثمناً غالياً وغالياً جداً .. لقد قسا على نفسه الآن حيث لا جدوى .. غير أن اللحن القديم يدق نوافذ الذاكرة .. كالطائر مهاجرًا يعود:
استعملي الرفق في تأنيبه بدلاً
من لومه فهو مضنى القلب موجعه
يضم ما تبقى من نبضات قلبه بين أضلاعه ,يغلق جفنيه على وجع اللحن ويغفو على وسادة الندم.
أتراه يولد الآن؟!
وكان لديهم المال الكافي للسفر والترحال في أرجاء الأرض .. والسفر يحتاج إلى رفيق وكان هو الرفيق وكان هو الضحية ..
الآن في صحبة هذه الكسور التي لا تجبر وهذه الانكسارات التي تملأ نفسه يفقد كل الرغبات في الحديث غير أن لحناً قديماً يلوح له من بعيد.. استدعته الذاكرة بغرابة:
لا تعذليه فإن العذل يوجعه
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
نعم كانت تقول له كلاماً جميلاً مقنعاً .. ولم يكن يسمع أو يقتنع .. كان صوتها يزعجه كصرير الجنادب .. إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى البصائر .. كان يصر ويستكبر استكبارًا عن سماع نفثات صدرها المشتعل بحبه ودموعها المنحدرة على وجنات كالورد قبل أن تذبل تحت لفح المعاناة وجحيم الانتظار .. انتظاره هو.. نعم هو من جعل من حب ذاته رمزاً يتفوق على كل حب وبطريقة قاتلة أحب ذاته أو ظن أنه يحبها .. حيث منحها كل ما كانت تتوق له وكل ما تطلبه لم يقل لنفسه مرة واحدة: "لا .. كفاك شرهاً .. أفيقي ..". لم يكن يعلم كيف يتحدث إلى نفسه برفق .. ومحبة .. لقد أحبها لدرجة أنه ملأها بالموبقات والآثام ولم تكن نفسه تستحق ذلك منه أبدًا .. كان الأولى به أن يعرف نفسه وأي فتى رائع جميل ذكي موهوب هو .. ولكنه لم يعرف ولم يعطي أحدًا يحبه فرصة تعريفه بنفسه واكتشاف مواهبه .. ربما لأنه تعرض للنقد الدائم المتكرر في صغره ممن أحبوه .. لذلك لم يعد يجدي معه نقد أو انتقاد ربما ..
الآن يقلب صفحات فكره يفتش عن الأسباب التي دفعته ليرتكب حماقاته فلا يجد غير ذلك اللحن الحزين يشتعل في وجدانه فكأنما يسمعه لأول مرة :
جاوزت في لومه حداً أضر به
من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
يا لهذه المعرفة التي جاءت متأخرة جداً .. الآن وقد أوشك العمر على حزم أمتعة السفر .. الآن يعرف أنه كان مخطئاً .. ليس ثمة قيمة للمعرفة في هذا الوقت المتأخر .. ليس من هاجس يراوده الآن غير مفردات: ليت ..، لو ..، ليتني فعلت كذا ..، ولو أنى لم أفعل كذا ..، ليت العمر يرجع للوراء عشرين سنة ..، لو أن العمر عاد يا ترى,هل أكون إنسانًا مختلفًا، أم سأكون كما أنا؟! .. ليت مركب الأيام يرجع بي في حركة دوران عكسي .. وأنا أحمل ذات التجارب التي أعلمها الآن وليس ذلك الشاب الطروب النزق .. آه لو أني أعود لذلك الزمن ذي السنوات الخضراء, ولدي عقلي هذا الذي صقلته التجارب حتى صار خبيراً في شؤون الحياة .
العقل.. أتراه هبة تولد معك، أم هو صناعة التجارب,والاحتكاك ومعاصرة الأحداث المؤلمة؟ تعطيكها الأيام بعد أن تدفع لها ثمناً غالياً وغالياً جداً .. لقد قسا على نفسه الآن حيث لا جدوى .. غير أن اللحن القديم يدق نوافذ الذاكرة .. كالطائر مهاجرًا يعود:
استعملي الرفق في تأنيبه بدلاً
من لومه فهو مضنى القلب موجعه
يضم ما تبقى من نبضات قلبه بين أضلاعه ,يغلق جفنيه على وجع اللحن ويغفو على وسادة الندم.
أتراه يولد الآن؟!
تعليق