توقفت الدورية أمام الكافتيريا الجاثمه علي جانب الطريق السريع ومازالت انوارها تتلألأ في ظلمة ما قبل الفجر, ثم ترجل منها سائقها, وإتجه للكافتيريا المتواضعة ثم دفع الباب بحذر وتوجس !! ...
فهو لم ينس ما حدث أخر مره عندما دفع الباب المتهالك فسقط علي العامل الأسيوي وكاد ان يحدث ما لا تحمد عقباه , لولا ان تصرف زميله الرقيب: عبدالله ... وإشترى سكوت العامل بمائه ريال وسط ذهول العريف:"صحين" من صراخ العامل ونحيبه و حركاته التمثيليه, التي ذكرته بأيام الطفوله وماكان يكيده له زملائه في المدرسه بحركات مماثله حتي يتلقي صحين عقاب المعلم القاسي, بتلك المسطره الطويله ذات الحافه الحديده والتي كانت ترسم علامات غائره في يديه.
أخذت الذكريات تتداعى في رأس صحين بسرعه البرق وبطريقة عشوائيه كما هي دائماً ...
و"صحين" هذا بدوي باسق الجسم كأشجار الأثل التي تحيط مزرعة والده في أواسط نجد حيث ترعرع صحين وقضي جل سنين عمره البالغه 30 عاماً.
عاش صحين حياته كأي فتي من أقرانه في بيئة بدوية ثم قرويه.
فلقد إستوطنت عائلته إحدي القرى أو ما تسمى الهجر عندما كان سنه تسعة أعوام. وصحين بذاكرته الحاده مازال يذكر اخر أيام البداوه والتنقل بمواشي العائله وراء الماء والكلأ في صحاري نجد المتراميه.
لذا فإن العريف "صحين" لم يبدأ الدراسه الا في سن متأخره مما عرضه للتعثر دراسياً, أضف إلى ذلك ما كان يعانيه من مضايقات وإستهزاء زملائه في المدرسه..
لم يكن النجاح حليفه أبداً في الدراسه لعدة أسباب وان كان أهمها طبعاً مضايقات زملائه وتعليقاتهم التي لا تكاد تتوقف فلقد كان أكبر طالب في الفصل سناً وجسماً, كان في السنه التاسعه من عمره ولكنه يبدو اكبر بخمس سنوات علي الأقل. ثم هذا الإسم المشؤوم "صحيــــن" الذي كان مثار سخرية الجميع بمن فيهم معلمي المدرسه.
ولم يكن هذا الفتي الصلب العود الضخم الجثه عدائياً علي الإطلاق علي الرغم من قوته الجسمانيه الهائله وعلي الرغم من رباطة جأشه التي يعرفها الجميع.
كما أنه أيضاً لم يكن أيضاً ساذجاً أو بطيئ الفهم فقد كان فتىً نابهاً ولكن هدوئة وحيائه الفطري أوحي للبعض بأنه عكس ذلك. وهذه مشكلة الإنسان الهادئ والكتوم, غالباً ما يساء فهمه حتي من أقرب الناس إليه..
لذا فإنه كان يقابل إستهزاء الأخرين بإبتسامه طيبه أو بالتجاهل. ونادراً ماكان يفقد أعصابه لأن الجميع كان يتحاشاه إذا رأوا أي تغير في علامات وجهه تدل علي الغضب.
وفي كل الأحوال كانت السخرية تستمر علي صحين والتعليقات والنكت لا تكاد تتوقف حتي في غيابه.
دأب أبو صحين علي توصيل إبنه البكر للمدرسه مع إطلالة كل فجر ومازالت الطيور في أعشاشها , حتي يتسنى له الذهاب الى إبله في الصحراء القريبه قبل أن تشرق الشمس . الشوارع خاليه الا من بعض الكلاب الضاله التي كانت تجوب المدن والقرى في تلك الأيام, لذا فإن صحين كان يملأ جيوب ثوبه بالحجاره ويمضي الوقت في معارك مع هذه الكلاب حتي يحضر حارس المدرسه ويفتح له البوابة.
وكانت حصيلة معاناة خمسة عشر عاماً من الدراسه, حصول صحين على شهادة المتوسطه بتقدير جيد منخفض بعد عناء وجهاد مرير مع مجتمع المدرسه والقريه ومع والده وإبله بل وحتي مع نفسه..
يالها من ذكريات عزيزه علي نفسه علي الرغم من قسوتها ....
الحمد لله الباب لم يسقط هذه المره !!
.....:"السلام عليكم رفيق " ...صحين مبتسماً
العامل : وعليكم السلام رفيق.
.....: "إثنين شاهي حليب وإثنين سندوتش مشكل وثلاثه كبده وإثنين مويه صحه صغير,
(شلدي شلدي) رفيق أوكي؟
العامل متذمراً : لازم في صبر شويه رفيق شلدي شلدي مافيه كويس , بعدين مافيه شغل كويس.
صحين ومازالت إبتسامته مشرقه: طيب مافيه مشكل رفيق , أنا فيه إنتظار برا في دوريه.
العامل: اوكي .
دفع صحين الباب خارجاً بنفس الطريقه الحذره التي ولج بها للكافتيريا, ثم إمتطي مقعد الدوريه بجوار زميله الذي كان غارقاً في النوم وقبعته ذات اللون الداكن تغطي وجهه الا فمه المفتوح علي مصراعيه , إبتسم صحين من المنظر وخطر علي باله أن يغلق فم زميله لولا خشيته من إستيقاظه, لذا فقد آثر أن يتركه وشأنه ويراقبه خشية أن تتسلل إليه إحدى الحشرات الطائره. لقد كانت المناوبه مضنيه ليلة البارحه وليل الشتاء طويل كما يقولون.
هدوء مريح للأعصاب يشيع حالة من السلام والطمأنينه في نفس صحين مع تباشير فجر جديد, هذه اللحظات تعتبر أجمل لحظات اليوم وأقربها الى نفس صحين ولم يعكرها الا صوت لاسلكي الإتصالات عندما يرتفع بنداء من العمليات أو من أحدي الدوريات المنتشره في المنطقه...
هذا الهدوء أغرى صحين أن يفتح نافذة الدوريه ليستمتع بنسمات الفجر البارده, والتي ما إن لفحت وجهه حتي أخذته بعيداً عن جو المكان والزمان ....
غريب أمر هذه الذاكره , بدأت رائحة معاطن إبل والده تدغدغ أنفه , ثم بدأت أذانه تسمع صوت النياق وحيرانها وهي تحن وترزم لاجةً في عقلها وكأنها تستعجل أبو صحين وصحين لإطلاقها حتي ترد حوض الماء ثم تنطلق الى مراعيها في الصحراء...
ياله من شعور لذيذ , كم يحن صحين لتلك اللحظات, كم يشتاق لتلك الروائح النفاذه , رائحة الطين المبلله بأوزار الإبل عندما تهب بها نسائم الفجر المشبعه برطوبة الندى !!!!
يتذكر صحين ويغوص في الذكريات وكلما إندمج فيها أكثر كلما زاد وجهه إشراقاً وإرتسمت عليه تلك الإبتسامه المميزه والتي لا تكاد تفارق محياه...
........يتبع
فهو لم ينس ما حدث أخر مره عندما دفع الباب المتهالك فسقط علي العامل الأسيوي وكاد ان يحدث ما لا تحمد عقباه , لولا ان تصرف زميله الرقيب: عبدالله ... وإشترى سكوت العامل بمائه ريال وسط ذهول العريف:"صحين" من صراخ العامل ونحيبه و حركاته التمثيليه, التي ذكرته بأيام الطفوله وماكان يكيده له زملائه في المدرسه بحركات مماثله حتي يتلقي صحين عقاب المعلم القاسي, بتلك المسطره الطويله ذات الحافه الحديده والتي كانت ترسم علامات غائره في يديه.
أخذت الذكريات تتداعى في رأس صحين بسرعه البرق وبطريقة عشوائيه كما هي دائماً ...
و"صحين" هذا بدوي باسق الجسم كأشجار الأثل التي تحيط مزرعة والده في أواسط نجد حيث ترعرع صحين وقضي جل سنين عمره البالغه 30 عاماً.
عاش صحين حياته كأي فتي من أقرانه في بيئة بدوية ثم قرويه.
فلقد إستوطنت عائلته إحدي القرى أو ما تسمى الهجر عندما كان سنه تسعة أعوام. وصحين بذاكرته الحاده مازال يذكر اخر أيام البداوه والتنقل بمواشي العائله وراء الماء والكلأ في صحاري نجد المتراميه.
لذا فإن العريف "صحين" لم يبدأ الدراسه الا في سن متأخره مما عرضه للتعثر دراسياً, أضف إلى ذلك ما كان يعانيه من مضايقات وإستهزاء زملائه في المدرسه..
لم يكن النجاح حليفه أبداً في الدراسه لعدة أسباب وان كان أهمها طبعاً مضايقات زملائه وتعليقاتهم التي لا تكاد تتوقف فلقد كان أكبر طالب في الفصل سناً وجسماً, كان في السنه التاسعه من عمره ولكنه يبدو اكبر بخمس سنوات علي الأقل. ثم هذا الإسم المشؤوم "صحيــــن" الذي كان مثار سخرية الجميع بمن فيهم معلمي المدرسه.
ولم يكن هذا الفتي الصلب العود الضخم الجثه عدائياً علي الإطلاق علي الرغم من قوته الجسمانيه الهائله وعلي الرغم من رباطة جأشه التي يعرفها الجميع.
كما أنه أيضاً لم يكن أيضاً ساذجاً أو بطيئ الفهم فقد كان فتىً نابهاً ولكن هدوئة وحيائه الفطري أوحي للبعض بأنه عكس ذلك. وهذه مشكلة الإنسان الهادئ والكتوم, غالباً ما يساء فهمه حتي من أقرب الناس إليه..
لذا فإنه كان يقابل إستهزاء الأخرين بإبتسامه طيبه أو بالتجاهل. ونادراً ماكان يفقد أعصابه لأن الجميع كان يتحاشاه إذا رأوا أي تغير في علامات وجهه تدل علي الغضب.
وفي كل الأحوال كانت السخرية تستمر علي صحين والتعليقات والنكت لا تكاد تتوقف حتي في غيابه.
دأب أبو صحين علي توصيل إبنه البكر للمدرسه مع إطلالة كل فجر ومازالت الطيور في أعشاشها , حتي يتسنى له الذهاب الى إبله في الصحراء القريبه قبل أن تشرق الشمس . الشوارع خاليه الا من بعض الكلاب الضاله التي كانت تجوب المدن والقرى في تلك الأيام, لذا فإن صحين كان يملأ جيوب ثوبه بالحجاره ويمضي الوقت في معارك مع هذه الكلاب حتي يحضر حارس المدرسه ويفتح له البوابة.
وكانت حصيلة معاناة خمسة عشر عاماً من الدراسه, حصول صحين على شهادة المتوسطه بتقدير جيد منخفض بعد عناء وجهاد مرير مع مجتمع المدرسه والقريه ومع والده وإبله بل وحتي مع نفسه..
يالها من ذكريات عزيزه علي نفسه علي الرغم من قسوتها ....
الحمد لله الباب لم يسقط هذه المره !!
.....:"السلام عليكم رفيق " ...صحين مبتسماً
العامل : وعليكم السلام رفيق.
.....: "إثنين شاهي حليب وإثنين سندوتش مشكل وثلاثه كبده وإثنين مويه صحه صغير,
(شلدي شلدي) رفيق أوكي؟
العامل متذمراً : لازم في صبر شويه رفيق شلدي شلدي مافيه كويس , بعدين مافيه شغل كويس.
صحين ومازالت إبتسامته مشرقه: طيب مافيه مشكل رفيق , أنا فيه إنتظار برا في دوريه.
العامل: اوكي .
دفع صحين الباب خارجاً بنفس الطريقه الحذره التي ولج بها للكافتيريا, ثم إمتطي مقعد الدوريه بجوار زميله الذي كان غارقاً في النوم وقبعته ذات اللون الداكن تغطي وجهه الا فمه المفتوح علي مصراعيه , إبتسم صحين من المنظر وخطر علي باله أن يغلق فم زميله لولا خشيته من إستيقاظه, لذا فقد آثر أن يتركه وشأنه ويراقبه خشية أن تتسلل إليه إحدى الحشرات الطائره. لقد كانت المناوبه مضنيه ليلة البارحه وليل الشتاء طويل كما يقولون.
هدوء مريح للأعصاب يشيع حالة من السلام والطمأنينه في نفس صحين مع تباشير فجر جديد, هذه اللحظات تعتبر أجمل لحظات اليوم وأقربها الى نفس صحين ولم يعكرها الا صوت لاسلكي الإتصالات عندما يرتفع بنداء من العمليات أو من أحدي الدوريات المنتشره في المنطقه...
هذا الهدوء أغرى صحين أن يفتح نافذة الدوريه ليستمتع بنسمات الفجر البارده, والتي ما إن لفحت وجهه حتي أخذته بعيداً عن جو المكان والزمان ....
غريب أمر هذه الذاكره , بدأت رائحة معاطن إبل والده تدغدغ أنفه , ثم بدأت أذانه تسمع صوت النياق وحيرانها وهي تحن وترزم لاجةً في عقلها وكأنها تستعجل أبو صحين وصحين لإطلاقها حتي ترد حوض الماء ثم تنطلق الى مراعيها في الصحراء...
ياله من شعور لذيذ , كم يحن صحين لتلك اللحظات, كم يشتاق لتلك الروائح النفاذه , رائحة الطين المبلله بأوزار الإبل عندما تهب بها نسائم الفجر المشبعه برطوبة الندى !!!!
يتذكر صحين ويغوص في الذكريات وكلما إندمج فيها أكثر كلما زاد وجهه إشراقاً وإرتسمت عليه تلك الإبتسامه المميزه والتي لا تكاد تفارق محياه...
........يتبع
تعليق