استرجع حارس الأمن كل مامر به هذا اليوم.
هل كان حلم!! أم هي الأقدار كتبت له أن يعتلي أول درجات المجد.
ابحــــر كثيراااا في سجل الذكريات ...
كان يتيما افتقد الأم . لم يرها في حياته لم يعش لحظات حنانها , لم ترتوي انفاسه من نسماتها , لم يسترح ليلة في دفء احضانها . يعتصر فؤادة عندما يرى الآخرون يتسابقون الى بيوتهم لأنهم يجدون هناك من ينتظر وصولهم بفارغ الصبر من يحتضنهم ويربت على اكتافهم ويفرح لفرحهم .. اشياء كثيرة افتقدها لم يذق طعمها , لكنه يدركها .بل ان حاجته للعطف كبرت معه .
لم تكن معاناته فقط في حرمانه من الأمومة بل انه واجه في صغره اكثر انواع القهر والغبن على يد زوجة ابيه . لم تترك الزوجة للقدر ان يقتص منه بعد وفات ابيه ايضا في حادث سيّاره . بل زادت هي في عذابه ,, غير مدركة لحالة اليتم التي يعاني منها الأمرين .
كانت تجبره على المبيت خارج البيت احيانا يتضور جوعا وخوفا وبردا.ولا حسيب.
سنين اربع قضاها في عذاب مستمر لا يدري ماذا يفعل . ولماذا يّـفعل به هذا.
قيّض له رجلا من خارج المدينة جاء لزيارة قريب له. فوجده عند باب المسجد سأله اين اهلك ؟ فلم يكن ليجيبه . لم يستطع الرجل الا ان يأخذه لقريبه ليسأله عنه فأخبره انه يتيم يقيم عند زوجة ابيه وانها غير محسنة فيه. تساءل هل يمكنه ان يأخذه معه فقال له قريبه خذه انه ليس هناك احد سيسأل عنه صدقني.
ابستم.. القدر اخيرا لهذا المسكين . وشاء الله سبحانه ان يبدل خوفه امناَ.
اختار الرجل له اسم احمد , حتى ينسى ماضيه التعيس. وفرح الولد لأول مرة.
واصبح للحياة طعم آخر لم يذقه من قبل .
عاد احمد من رحلة ذكرياته وقد اغرورقت عيناه بالدمع حزنا وفرحا . مشاعر مكبتوته و قديمة و شريط الذكريات مليء بالمآسي عقلة الصغير في تلك الفترة لم ينسى الا القليل . انهمر باكيا.
دعوه لعله يغتسل من هموم لم تفارقه منذ زمن.
مر وقت طويل وهو منكب على طاولتة .
وعندما افاق استدعى الورقة والقلم وسطر بيت واحد في اعلى الصفحة:
مرحوم ياشيخ على الطيب مجناك....... ارشدتني وانا لي اسنين غادي
ثم عاد للبكاء من جديد ولك هذه المرة حزنا على فراق ذلك اشيخ الكريم الذي التقطه من غياهب القدر واضاء امامه شمعة أمل لا تفارقه . تتوقد كلما جاءت سيرته العطرة.
قرع الباب.
صوت مجلجل في الخارج.
انه خالد زميله. جاء وقت مناوبته.غريبة لم ينتظره احمد في الخارج هذه المرة!
تساءل خالد عن السبب , رد بتثاقل بأنه متعب قليلا.
ثم انسحب بهدوء من المكان. والحيرة مرتسمة على وجه خالد عن السبب وعن هذه الملابس الجديدة التي يرتديها. ولكن....
عاد احمد الى شقته التي استأجرها مؤخرا لتتناسب مع امكانيات الشعرية وتطلعاته. ووجد بالفعل انها تمثل طوح أي شاعر . اذ يستطيع ان يناجي النجوم وأن يبحر في خيالة ليس بينه وبين السماء حجاب. كان السطح واسعا مما يهيء له الحركة في جو شاعري لا يعكره شيء.
يدرك احمد ان الذين يسكنون في فيلات خاصة يفتقدون الى هذا المكان الساحر الشاعري الملهم ( بكسر الهاء ).
يستعد احمد لليلة خاصة.
براد شاهي احمر وطوفرية وصحن كبير مملوء بالحب وبساط ازرق وطبعا دفتر القصيد وقلم وبرايه.
اقترب الصباح هاهو يرسل أول خيوطه مع صوت المؤذن الله اكبر. لم يدرك احمد ان الوقت يمر بسرعة هكذا . المشكلة انه لم ينم بعد وانه يشعر بتعب شديد.
قرر ان يأخذ قسطا يسيرا من النوم في حدود الساعة لتعينه على بقية ليوم فهو يعلم حقيقة الدكتورة فاطمه مديرة المركز التي لا ترحم وهو يتذكر من خلالها تسلط زوجة ابيه في كل مره. لماذا هذا الخلط لا يدري ربما لأن التسلط دائما في المرأة صنف واحد مكرووووووه.
القدر لا يبتسم دائما.
راحت عليه النومه وافاق مع اذان الظهر ماذا يفعل هل يذهب ام يكمل.
استقر الرأي على ان يكمل وان يعود في اليوم الثاني ليرى الممكن عمله مع هذه الدكتوره المتسلطة.
مع اطلالته في اليوم التالي....
كان هناك خطاب إنذار شديد اللهجة بأن يبدي العذر وإلا يعتبر هناك خصما ليومين من مرتبه.
حزن لمأساته فالمرتب لا يحتمل أي مساومة عليه فهو بالكاد يفي بالمتطلبات الأولى.
آثر ان يذهب بنفسه وان يتحمل أي عبارات في سبيل ان لا يمس الراتب بأي سوء.
كان لقاءه معها قبيل صلالة الظهر.
كانت لحظات الألم تعتصره مع كل الكلمات التي كان يسمعها كانت سياطا موجهه من لسانها تجاهه. وعدها ولم تنظر الى وعده كرر الوعد بأنها ستكون المرة الأخيرة التي سترى منه أي تقصير. لكنها قالت ( وش يضمن لي انك ماراح تسوي حركة ثانية؟) فلم يكن هناك بد من أن يضع الرجل الشهم الشجاع يده اليمنى على طرف شاربه الأيمن ويقول ( احلقي شنبي طال عمرك اذا عدتها).
كان القسم اهون عليه من هذا الوعد.
ولكنه ضفر بالسماح عن الخصم.
عاد يرتجف كيف ستؤل أموره وهل سيلتزم...
في الحلقة القادمة سنتعرف على شاعر مجهول يقترب منه ليساومه على احدى قصائده.. فماذا فعل؟
تعليق