مع دقات الساعة الحادية عشر ظهرا بتوقيت الحارة,, طلائع الجماهير تتزاحم على غرفة الحارس الصغيرة,,,
بانتظار الوعد الذي قطعه بالأمس حارس الأمن بأنهم سيشهدون ولادة حدث كبير وستفخر أجيالهم بذلك.
كان الأمر مشوقا ويستحق الحضور.
الشمس حارقة ..لكنها لم تمنع حبات العرق أن تتسلل خفية بين الجوانح والعوارض ,,, وخيم الصمت!
!
!
!
الحركة في الشوارع المجاورة توقفت تماما.
دقات القلوب المتشوقة هي وحدها كانت دقات الساعة التي اعتقدها البعض أنها توقفت.
العيون ,,في اتجاه واحد.
غرفة الحارس
!
!
صوت مزلاج !!!
يكسر حاجز الصمت الذي أطبق على المكان.
توقفت الرموش عن رقصاتها لتستوعب كل ثنايا الغرقة !! بحثا عن الحدث.
!
بهدوء وعظمة ..
أعلن حارس الأمن أخيرا إطلالته ببذلة جديدة فصّلها خصّيصا لهذا اليوم الفريد.
وضج المكان بالتصفيق الحار,,,,,
والذي زاده هو آن المصفقون وجدوا أخيرا طريقة لتحريك الهواء من حولهم.
رغب الحارس في استمرار التصفيق ولكن الجمهور لم ينتبه لتلك الرغبة الجامحة التي اكتسحت كل حصون الحياء في داخله ووقعت في قلبه..
أحسّ بضيق شديد وكرب. ولكنه سرعان ما استعاد رغبته في طرح أول إنتاجه على الملأ!
بدأ الحارس مرحبا بالجميع,, ترحيبا حارا لا يفوقه إلا حرارة الجو التي ألهبت كل الحاضرين.
ثم وجدها فرصة لتقديم نبذة مختصرة عن الواقف أمامهم وكيف بدأ مشواره الكفاحي حتى وصل إلى المكانة العالية التي هو عليها الآن.
وجدها الحارس فرصة مناسبة لتوجيه كلمة إلى الشباب الذي يشتكي البطالة مؤكدا أن العمل يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والاجتهاد والإصرار لكي يصلوا إلى تحقيق أحلامهم, وضرب مثالا في نفسه!
وبدأ حارس الأمن منفعلا عندما جاء الحديث عن شارون .. وقال : لو امسك هذا الخنزير لنتّف خشمه.
صوت آذان الظهر بدأ مجلجلا. الله أكبر..الله أكبر
سارع حارس الأمن بطلب عودة الجمهور إليه بعد الصلاة مباشرة مشيرا إلى أنه يعرف جمهوره جيدا وأن أي غياب سيكون محسوبا.
انشغل قليلا في ترتيب أوراقه وتفضيل بعض قصائده على الأخرى وهو في كل مرة يعود إلى ترتيب أوراقه يخلطها من جديد ولم يستقر على رأي واحد .
وهو منشغل,,,,
عاد الجمهور من جديد ولكن بحماسة أقل.
رحب بعودهم من جديد وقرّر آن لا يضيّع الوقت فقرأ عليهم أول قصائده.
كانت لحظة عظيمة تلك التي بدأت الحروف تسيل من طرف لسانه وتتهادى متعبة إلى أسماع الحضور تلفها حرارة المكان وتلهب معانيها.
لم يعبأ الحارس بالملل الذي أصاب الناس واستمر في القراءة.
القصيدة طويلة يقول مطلعها :
إن كان حرّاس الأمن دوم مثلي.... فأنا بحول الله بصير شاعر
شاعر وحرف الشعر لو ينتبه لي...جاني بسيف ما تولاه كافر
وما أن فرغ حتى وجد الواقفين لا يُعدون على الأصابع..
أحس بخيبة الأمل.
بقي برهة يستجمع شتات الكرامة التي أهدرتها قصيدته الأولى,,
وقرّر أن يبحث عن قصيدة حماسية تبث في أولاءك روحا جديده من البحث والتصفيق.فأهتدى الى فكرة رائعة!
وأخرج أحلى قصائده
وهي من نوع جديد أراد بها أن يكتسح الساحة في يوم ما,, ولكن الفرصة الآن مواتية لاختبار ردود الفعل على الطبيعة ومباشرة.
وهي على لسان عامل آسيوي يعمل وفق ما اتفق لا ما جاء عليه يقول فيها الباكستاني :
أنا فيه يجي سواق... أنا نفر كويّس
كفيل أنا قرقر كتير... يبقى نفر مليّس
أنا كلام مسكين أنا .. أنا مافيه حرامي انا
بابا موت ماما أنا... مريز كتير مافي دوى
وما ان قرأ حارس الأمن المقطع الأول حتى ضج المكان من جديد ولكنه هذه المرة بأعلى تصفيق عرفه شاعر الكليّة.
فرح الحارس فرحا كبيرا.. وشكر الحضور على وقوفهم إلى جانبه وتشجيعه ولولا وقوفهم لما آل إلى ما هو عليه من مكانة شعرية وأدبية وكان فضلهم عليه كبير لأن الكثير كان يزوّدة بقصاصات المجلات التي تحمل شعرا. واثنا إلقاءه لخطاب الشكر عمّ المكان سحابة سوداء سرعان ما وجدت طرقها إلى المركبات المتوقفة هناك واختفى الجمع وغادروا المكان وعادت الشوارع من جديد خالية إلا من لفافات الورق وبعض المناديل التي تتطاير هنا وهناك.
عاد شاعرنا الى مقعده الوحيد يستعيد تجربته الأولى ويستجمع كل التفاصيل في محاولة لاستدراك الأخطاء مستقبلا.
في الحلقة القادمة سنشهد أول المصاعب التي اعترضت طريق الشهره.
وللجميع ودي
..................المحايد
تعليق