السلام عليكم
اتمنى ان تنال أعجابكم ..
في يوم من أيام شتاء سنة 1377هـ
وعند ساعات الغروب بالتمام ، أسدل الليل أطراف الظلام ، كأروقةٍ تتدلى على كونِ الأنام ، تتشظى فيها ومضات براق الغمام ، وتنتثرُ منها زخات الماء الماطرة ، على قريةٍ صغيرةٍ غابره ، تتربع فوق سفوح الجبال ، وتمتد بين رؤوس التلال ، في أقصى الجنوب الغربي لجزيرة الأبطال ، قرية يا تيها رزقها رغدا في كل حال ، من سابك السماء ومغير الأحوال ، قريةً صغيره يقطنها أسر ريفية قليلة ، انشقت عن أحدى القبائل العربية الأصيلة ، لأسباب عشائرية هزيلة . لا أعلمها ، لا كنني أعلم أنه أستقر بهم الزمان ، في نفس المكان ، منذُ سبعين عام تقريباً . وفي أحضانِ تلك الليلة الجميلة ، وبين زفاتِ نسماتها العليلة ، وقطرات ماءها الهميله ، أضاءت شموع الفرح في منزلِ سيد تلك الأسر ، الشيخ إبراهيم ( أبو ليلى ) ، والذي كنّيا بأبي ليلى قصراً عليه ، ونسبةً إلى أبنته ليلى الوحيدة ، والتي لم يكن له من البنينِ سواها ، لذا فرض عليه أن يكنّا بها ، رغماً عن نظرتهم القاصرة في ذلك الوقت للفتاة ، وحبهم المذهل للولد .
وفي تلك الليلة البهية ، توافدت تلك الأسر الريفية ، على تلك الشموع ، التي كانت بمثابة الداعي الرسمي ! لحضور ذلك الفرح . وفي غمرة الوصول ، ارتفعت ضوضاء الطبول ، وأهازيج الفرح ، وغطرفة النساء ، حتى جر الليل أطرافه على المعازيم ، وأخفى بردائه من بينهم المظاليم .
كانت ليلى تتخذُ من غرفتها ليلا ، ومن مرآتها خليلا ، تلقي بناظريها على عيونها ! فترى الدموع تتساقط كالماء المنهمر ، من شلالٍ منحدر منتثر ، فتبعثرها في فتور ثم تغلقها ! وكأنها تسرح في الخيال ، ثم تعود وتفتحها في تثاقل ، وتلقي بلمحةٍ سريعة على ملامحها الجميلة ، ثم تتنهد ، وتتنهد ، حتى تجهشُ بالبكاء . وهي تتمتمُ في نفسها بصوتٍ منخفض وتقول ..
سامحك الله يا أبي ، ألهذا السبب بعتني ؟ أو لماذا بعتني ؟ سامحك الله . سامحك الله !! أهكذا يجازى صانع المعروف بالمنكر ، أنسيت خدمتي لك وسهري معك بعد وفاة والدتي ، أنسيت بقائي في بيتك كالنحلة العاملة ، أنسيت شقأي المحبب لك ، أنسيت ما أفضيت على بيتك من سكينة ووقار وهدوء ، أنسيت أنك كنت تستنفذ قواي بأعمالك الكثيرة ، وبكرمك الحاتمي ، الذي أفقد ظهري اعتداله ، وصب علّي بأسواء عضاله . أهكذا الخاتم يا أبتي ، أم أهكذا يجب فضه ، ألهذا الزهيد وجب عليك بيعي بلقمةٍ زهيدةٍ من الذهب والفضة ، والتي لن تغنيك عن فقر أراده الله لك ، ولن تمدي لك في عمر كتبه الله لك .
وأخذت تجهشُ وتجهش ، وتظهر من بين ثنايا حشاها آه مذهله ، تتساقط على أثرها دموع منحلة ، جرحت الخدود ، وعانقت الوجود . فتحت عينها بعدها ثم عادت بإرماشةٍ عاجله ، وكأنها تتلمح المستقبل والمسأله ، التي أحاطة بها في هذه المرحلة . وأخذت تصيح وتبكي بكاءً دموعه تضمرُ أطرف عيونها ، وتشج غياهب الجمال في خدودها. تصيح وتقول يا حسرتي ، ألهذا الرجل القبيح الدميم البخيل ، سيكون هذا الوجه الفسيح الكريم الجميل .
آهٍ آهٍ آه ! يا أبتي .. ألست ابنتك وفلذة كبدك ؟ أسألك الله كيف أباح لك ضميرك الرضا على بيعتي هذه ! أسألك الله كيف قسا قلبك علّي وأنا أبنتك الوحيدة ؟! إنني أعلم يا أبتي كثر حبك لي ، وأعلم أنك ذو قلبٍ مخملي ، لا يقوى على الجحيم لي ! لكنك حاولت أن تتخلص مني ! لظروف بين جوانحك تسكن ، وتنتظر أسرع وقت ممكن ، يقبل فيه شخص متمكن .! ومتمكن من ماذا ؟ من المال الذي يساعدك على دفع مهر عشيقتك العجوز ، والتي مناك إياها ذلك الرجل النهوز .
آهٍ آه ياأبتي .. أنا أبنتك وأعلم ما يختلج في نفسك من مشاعر . فأنت فقط تنتظر بفارغ الصبر رحيلي عنك . حتى يروق لك الزمان ، ويخلو لك المكان ، وتتحقق أحلامك ـ أحلام الصبيان . وها أنا أرحل رحيل أبدي ، رحيل أمي التي ودعتك ولم تعد لك ! ورحيلي هذا سيكون مفزعاً لك ! وبعدي أيضا سيكون موجعاً لك ! ولن أقول لك ، إلا سامحك الله يا أبتي .
وها أنا أرحل إلى سحيق ، من غير رفيق ، ولا صديق . وفي فحوى هذه المشاعر البائسة ، والملامح العابسه ، طُرق عليها باب غرفتها . فنهضت وهي تمسح دم دموعها من جروح على خدها ، وتحاول أن تعيد الاستقرار في داخلها ، وتحسن من مستوى نبضات قلبها .
فتحت الباب وإذا بعشيقة أبيها العجوز وعلى وجهها علامات الإستغراب والدهشه :
ـ ليلى ، لقد تأخرتي على موعد زفافك ، والنساء ينتظرنّ بفارغ الصبر قدومك .
ردت عليها ليلى بهدوء :
ـ أنشاء الله ، أنا في طريقي إليهن .
عجبت العجوز مبتسمةً وقالت :
ـ لاكنني لا أرى عليكِ من الفرح معالم يا ليلى ؟ فلماذا ؟
غضبت ليلى من متانة دم تلك العجوز الذميمة ، وردت عليها وهي تتشدق شفتيها ، وتتنافر عينيها من غرابه أمر تلك العجوز ثم قالت :
ـ وهل تعتقدين أن للحزن معالم يا سيدتي ؟
استغربت العجوز ردت فعل ليلى على سؤالها ! وأيقنت كما كانت موقنة ـ بأنها غير راضيه . وأخذت تحاول أن تقبل يديها وهي تقول لها :
ـ ليلى أنك لا تتخيلين شعوري وفرحتي الكبيرة بهذه الليلة ، والتي أعتبرها سعيدة في حياتك بل أسعد في حياتي يا ليلى ! إنها ليلة كانت ...
قاطعتها ليلى وعيونها تتسع حقداً وكرها :
ـ لا تكملي ولا تقولي ليلةً سعيدة .. لا لا إنها ليلةً قبيحة أيتها العجوز اللإيمة . أخرجي حالاً من غرفتي وأنا سألحق بكِ إن شئت ، هيا أخرجي ، أخرجي تباً لكِ .
وما كان من العجوز المتهالكة ، إلا الخروج من ساحة الغضب تلك ، والتي وقعت فيها من غير قصد منها ، رغم أنها كانت مذنبه ـ فهي التي تحاول أن تستحوذ على والد ليلى العجوز .
فتحت ليلى عينيها وتلمحت ملامحها ، ثم تنهدت بتنهيدات سحيقه ، وآهات عميقه ، زلزلت ضغط الهوى في غرفتها .
توقفت قليلاً ثم أخذت تكحل عيناها النرجسيه ، وتظهر زينتها محاولة أخفاء أثر الصدمة والدموع العصيه ، ، ثم خرجت إلى حيث الزفاف والأهازيج ، وقرع الطبول .
............................................................ ... تميم القحطاني
اتمنى ان تنال أعجابكم ..
في يوم من أيام شتاء سنة 1377هـ
وعند ساعات الغروب بالتمام ، أسدل الليل أطراف الظلام ، كأروقةٍ تتدلى على كونِ الأنام ، تتشظى فيها ومضات براق الغمام ، وتنتثرُ منها زخات الماء الماطرة ، على قريةٍ صغيرةٍ غابره ، تتربع فوق سفوح الجبال ، وتمتد بين رؤوس التلال ، في أقصى الجنوب الغربي لجزيرة الأبطال ، قرية يا تيها رزقها رغدا في كل حال ، من سابك السماء ومغير الأحوال ، قريةً صغيره يقطنها أسر ريفية قليلة ، انشقت عن أحدى القبائل العربية الأصيلة ، لأسباب عشائرية هزيلة . لا أعلمها ، لا كنني أعلم أنه أستقر بهم الزمان ، في نفس المكان ، منذُ سبعين عام تقريباً . وفي أحضانِ تلك الليلة الجميلة ، وبين زفاتِ نسماتها العليلة ، وقطرات ماءها الهميله ، أضاءت شموع الفرح في منزلِ سيد تلك الأسر ، الشيخ إبراهيم ( أبو ليلى ) ، والذي كنّيا بأبي ليلى قصراً عليه ، ونسبةً إلى أبنته ليلى الوحيدة ، والتي لم يكن له من البنينِ سواها ، لذا فرض عليه أن يكنّا بها ، رغماً عن نظرتهم القاصرة في ذلك الوقت للفتاة ، وحبهم المذهل للولد .
وفي تلك الليلة البهية ، توافدت تلك الأسر الريفية ، على تلك الشموع ، التي كانت بمثابة الداعي الرسمي ! لحضور ذلك الفرح . وفي غمرة الوصول ، ارتفعت ضوضاء الطبول ، وأهازيج الفرح ، وغطرفة النساء ، حتى جر الليل أطرافه على المعازيم ، وأخفى بردائه من بينهم المظاليم .
كانت ليلى تتخذُ من غرفتها ليلا ، ومن مرآتها خليلا ، تلقي بناظريها على عيونها ! فترى الدموع تتساقط كالماء المنهمر ، من شلالٍ منحدر منتثر ، فتبعثرها في فتور ثم تغلقها ! وكأنها تسرح في الخيال ، ثم تعود وتفتحها في تثاقل ، وتلقي بلمحةٍ سريعة على ملامحها الجميلة ، ثم تتنهد ، وتتنهد ، حتى تجهشُ بالبكاء . وهي تتمتمُ في نفسها بصوتٍ منخفض وتقول ..
سامحك الله يا أبي ، ألهذا السبب بعتني ؟ أو لماذا بعتني ؟ سامحك الله . سامحك الله !! أهكذا يجازى صانع المعروف بالمنكر ، أنسيت خدمتي لك وسهري معك بعد وفاة والدتي ، أنسيت بقائي في بيتك كالنحلة العاملة ، أنسيت شقأي المحبب لك ، أنسيت ما أفضيت على بيتك من سكينة ووقار وهدوء ، أنسيت أنك كنت تستنفذ قواي بأعمالك الكثيرة ، وبكرمك الحاتمي ، الذي أفقد ظهري اعتداله ، وصب علّي بأسواء عضاله . أهكذا الخاتم يا أبتي ، أم أهكذا يجب فضه ، ألهذا الزهيد وجب عليك بيعي بلقمةٍ زهيدةٍ من الذهب والفضة ، والتي لن تغنيك عن فقر أراده الله لك ، ولن تمدي لك في عمر كتبه الله لك .
وأخذت تجهشُ وتجهش ، وتظهر من بين ثنايا حشاها آه مذهله ، تتساقط على أثرها دموع منحلة ، جرحت الخدود ، وعانقت الوجود . فتحت عينها بعدها ثم عادت بإرماشةٍ عاجله ، وكأنها تتلمح المستقبل والمسأله ، التي أحاطة بها في هذه المرحلة . وأخذت تصيح وتبكي بكاءً دموعه تضمرُ أطرف عيونها ، وتشج غياهب الجمال في خدودها. تصيح وتقول يا حسرتي ، ألهذا الرجل القبيح الدميم البخيل ، سيكون هذا الوجه الفسيح الكريم الجميل .
آهٍ آهٍ آه ! يا أبتي .. ألست ابنتك وفلذة كبدك ؟ أسألك الله كيف أباح لك ضميرك الرضا على بيعتي هذه ! أسألك الله كيف قسا قلبك علّي وأنا أبنتك الوحيدة ؟! إنني أعلم يا أبتي كثر حبك لي ، وأعلم أنك ذو قلبٍ مخملي ، لا يقوى على الجحيم لي ! لكنك حاولت أن تتخلص مني ! لظروف بين جوانحك تسكن ، وتنتظر أسرع وقت ممكن ، يقبل فيه شخص متمكن .! ومتمكن من ماذا ؟ من المال الذي يساعدك على دفع مهر عشيقتك العجوز ، والتي مناك إياها ذلك الرجل النهوز .
آهٍ آه ياأبتي .. أنا أبنتك وأعلم ما يختلج في نفسك من مشاعر . فأنت فقط تنتظر بفارغ الصبر رحيلي عنك . حتى يروق لك الزمان ، ويخلو لك المكان ، وتتحقق أحلامك ـ أحلام الصبيان . وها أنا أرحل رحيل أبدي ، رحيل أمي التي ودعتك ولم تعد لك ! ورحيلي هذا سيكون مفزعاً لك ! وبعدي أيضا سيكون موجعاً لك ! ولن أقول لك ، إلا سامحك الله يا أبتي .
وها أنا أرحل إلى سحيق ، من غير رفيق ، ولا صديق . وفي فحوى هذه المشاعر البائسة ، والملامح العابسه ، طُرق عليها باب غرفتها . فنهضت وهي تمسح دم دموعها من جروح على خدها ، وتحاول أن تعيد الاستقرار في داخلها ، وتحسن من مستوى نبضات قلبها .
فتحت الباب وإذا بعشيقة أبيها العجوز وعلى وجهها علامات الإستغراب والدهشه :
ـ ليلى ، لقد تأخرتي على موعد زفافك ، والنساء ينتظرنّ بفارغ الصبر قدومك .
ردت عليها ليلى بهدوء :
ـ أنشاء الله ، أنا في طريقي إليهن .
عجبت العجوز مبتسمةً وقالت :
ـ لاكنني لا أرى عليكِ من الفرح معالم يا ليلى ؟ فلماذا ؟
غضبت ليلى من متانة دم تلك العجوز الذميمة ، وردت عليها وهي تتشدق شفتيها ، وتتنافر عينيها من غرابه أمر تلك العجوز ثم قالت :
ـ وهل تعتقدين أن للحزن معالم يا سيدتي ؟
استغربت العجوز ردت فعل ليلى على سؤالها ! وأيقنت كما كانت موقنة ـ بأنها غير راضيه . وأخذت تحاول أن تقبل يديها وهي تقول لها :
ـ ليلى أنك لا تتخيلين شعوري وفرحتي الكبيرة بهذه الليلة ، والتي أعتبرها سعيدة في حياتك بل أسعد في حياتي يا ليلى ! إنها ليلة كانت ...
قاطعتها ليلى وعيونها تتسع حقداً وكرها :
ـ لا تكملي ولا تقولي ليلةً سعيدة .. لا لا إنها ليلةً قبيحة أيتها العجوز اللإيمة . أخرجي حالاً من غرفتي وأنا سألحق بكِ إن شئت ، هيا أخرجي ، أخرجي تباً لكِ .
وما كان من العجوز المتهالكة ، إلا الخروج من ساحة الغضب تلك ، والتي وقعت فيها من غير قصد منها ، رغم أنها كانت مذنبه ـ فهي التي تحاول أن تستحوذ على والد ليلى العجوز .
فتحت ليلى عينيها وتلمحت ملامحها ، ثم تنهدت بتنهيدات سحيقه ، وآهات عميقه ، زلزلت ضغط الهوى في غرفتها .
توقفت قليلاً ثم أخذت تكحل عيناها النرجسيه ، وتظهر زينتها محاولة أخفاء أثر الصدمة والدموع العصيه ، ، ثم خرجت إلى حيث الزفاف والأهازيج ، وقرع الطبول .
............................................................ ... تميم القحطاني
تعليق